الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مناقيش بعيدة بقلم: تيسير نظمي

تاريخ النشر : 2005-04-25
مناقيش بعيدة بقلم: تيسير نظمي
مناقيش بعيدة

إلى رولا فتال

قصة تيسير نظمي

قالت وعيناها دافئتان بالمعنى والفهم والترقب:

• إنها قصتك ، ألم تحس بذلك ؟

وبقيت تنتظر ردة فعلي على عرضها المسرحي . أما أنا فأبقيت عينيّ على العرض الذي أخرجته هي وتنتظر مني الآن أن أبدي وجهة نظري به سلباً أو إيجاباً وفي نفس الوقت كنت قد أدركت من نغمة صوتها بصدق أن ثمة فهم خاص ما يزال عميقاً من نظرة عينيها ومن دفء صوتها الذي خاطبتني به عاتبة على هذا الصمت الذي أوصلني إليه العرض.أدركت ان كثيراً من المعاني الإنسانية ما تزال دفينة لديها و لم يتمكن العرض الذي أخرجته بنصه و قدرات ممثليه و طريقته من إيصال كل ما لديها إليّ أو للحضور . لذلك بقيت صامتاً طالما أن العرض يتعلق بالمرأة. وقبل أن نقول شيئاً آخر حان موعد تحرك الحافلة التي ستغادر بها و بفريقها المسرحي إلى دمشق فودعتها على أمل أن أفرغ بعد جلبة المهرجان و اختلاط الحابل بالنابل مما هو غير حقيقي و أن أتصل بها هاتفياً كي أتعرف إليها أكثر.

" إنها تجربتك، ألم تلحظ ذلك؟"

و بعد أسبوع أدرت ذات مساء أقراص الهاتف الدولي فاستجاب في الحال بسرعة تمنيت لو ترددت قليلا أو كان خطها الهاتفي مشغولاً بمكالمة أخرى.

• ألو مساء الخير

• مساء النور ،

جاء الصوت طفولياً لأعرف فيما بعد أن المتحدثة على الطرف الآخر تكون إبنتها .

• و متى ستعود الماما عمو؟

• خلال ساعة، و ستأتي لنا بالمناقيش التي وعدتنا بها.

• إذن ابلغيها أنني سأتصل بعد ساعة أو بعد ساعة و نصف ريثما تأكلون المناقيش مع الشاي الساخن،

فضحكت إبنتها الكبرى مقترحة أن أتحدث أيضاً إلى أختها الصغرى فأكون قد تعرفت على العائلة و كنت قد علمت من المكالمة الأولى أن الصديقة تعيش لدى والدتها مع أطفالها دون وجود علاقة زوجية سابقة و دون عيش والد بناتها معها فازددت تفهماً لها و لم تعد علاقتي بها منذاك علاقة كاتب أو ناقد بمخرجة مسرحية. ثمة معاناة إذن وراء العرض المسرحي تجعل القصة اثنتين في واقع تجربتها هي و ربما من واقع تجربتي أنا أيضاً الذي كف منذ زمن طويل عن لعب دور الزوج في حياته المتأخرة في السن و الذاهبة عميقاً في العزلة.

بعد ساعة ونصف أعدت الاتصال فاستجاب الهاتف بسرعة أيضاً .

• مرحباً عمو.. هل عادت ماما؟

و فجأة أسلمت الفتاة سماعة الهاتف لجدتها لأمها.

• مساء الخير ياابني

• مساء النور.. كيف حالك و كيف صحتك؟

ثم قمت بالتعريف بنفسي فلقيت الترحيب المناسب و الاعتذار عن تأخر إبنتها التي ذهبت بمفردها لإحضار المناقيش. و لم أخف قلقي رغم أنني و والدتها حاولنا كل أن يبعث الطمأنينة في نفس الآخر حول التأخير في جلب المناقيش. فلربما التقت في طريق الذهاب أو الإياب بصديق أو صديقة و انخرطا في حديث و شجون المسرح و الإخراج و المهرجانات أو الاتهامات و كل ما هو مأمول و مرتجى في نفوس و عقول و أحلام الفنانين. و هكذا أعربت محدثتي أيضاً عن شكرها لاهتمامي و عن قلقها على موازنتي الهاتفية حيث أن المكالمات الدولية عادة ما تكون مكلفة لأمثالنا عندما يتحدثون بحميمية و دفء لا يحسب للمال حساب في مثل هذه الحالات. أغلقت السماعة و قد ازداد قلقي على تأخرها.

في الساعة الثانية عشرة ليلاً اتصلت رغم أننا اتفقنا في نهاية المكالمة الثانية على أن ترن رنة واحدة على هاتفي لتشعرني بعودتها عندما تعود و المناقيش التي أشك أنها ما تزال مناقيش ساخنة صالحة للأكل الشهي في تلك الساعة . رن الهاتف عدة رنات دون أن يجيب عليّ أحد أو أن يرفع السماعة على الطرف الآخر فأرجأت الاتصال لليوم التالي معللا ذلك بأنني ربما تأخرت في الاتصال الثالث و ربما ذهب الجميع في النوم و ربما لا يكون هاتفهم بقادر على الإرسال الدولي. لكن هذه التعليلات كلها لم تكن مقنعة لي تماما و كانت مجرد تبريرات لما هو غامض و مقلق، خاصة و أنها المبادرة الأولى لي في الاتصال بأي كان بعد نهاية المهرجانات التي تجعلنا أقرب إلى الإفلاس المادي منا إلى الأنتعاش . و عادة ما نحقق الانتعاش الفكري و الروحي و نحقق دفء الإنسان بالإنسان في حياتنا الوجدانية و الفكرية و الروحية التي نعيشها في الفن و الثقافة دون أن نكون قادرين على التجارة الحقة في حياتنا و تحقيق المكاسب المادية و الضرورية لتسيير عجلة الحياة بشكل اعتيادي. قلت لنفسي " يالها من مناقيش تلك التي ذهبت لتشتريها" و وضعت احتمالات أخرى لنوعية طازجة و مميزة منها و أبعدت المسافة ما بين منزل الصديقة و المطعم الذي يصنعها. بل تخيلت أن الصديقة ذهبت بعيداً بعيدً في جلبها و ربما إلى حيفا لولا أنني أدركت استحالة هذا الاحتمال لأن الصديقة لا تستطيع الذهاب إلى حيفا أو يافا أو عكا لمجرد شراء طبق من المناقيش لعدة أفراد . و في الشهر التالي دون أن يرن هاتفي و دون أن يتصل بي أحد طوال تلك الفترة أدرت قرص الهاتف قبل أن يفصل و قد فرغ الجيب تماماً من إمكانية سداد فواتيره، لأسمع ذات الإجابة :

" ذهبت لشراء مناقيش يا ابني و لم تعد"

و فجأة أدركت أن المناقيش التي ذهبت صديقتي لشرائها ليست كأية مناقيش عادية. ليست متوفرة لا في سوريا و لا في الأردن و لا في أميركا و لا في أوروبا و لا في كل الأماكن التي نعرف. إنها المناقيش التي هي تعرف و التي هي تريد و التي هي تحلم، فكل ما أعلم حتى الآن رغم مرور سنوات على تلك المكالمات و بعد أن انقطعت عني كل أخبارها و بعد أن لم يعد لديهم هاتف يرن أو لدي هاتف يرسل أنها مناقيش بعيدة مناقيش بعيدة فقط مناقيش فقط بعيدة .
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف