الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

دير ياسين بقلم:نزار ب. الزين

تاريخ النشر : 2010-03-23
دير ياسين بقلم:نزار ب. الزين
رواية قصيرة

نزار ب. الزين*

بدأت محنة الإنسانية منذ نظر ساسة العصر إلى التفاعلات الإجتماعية نظرتهم إلى التفاعلات الكيمياوية ، و القصة التالية هي ثمرة إحدى تجارب الكيمياء الإنسانية ، كما صممها عتاة الصهاينة ، بنيتها على الواقع و أتممتها من الخيال .


شهد رعنان أفدح كارثة تحل بقومه خلال إحدى أنجح عمليات جيش الإنقاذ العربي ؛ مما خلف في نفسه شعورا بالذنب لوقوفه تجاهها موقف العاجز ، فقد انهمرت القنابل على حي ميشاروم فزرعت الدمار في أرجائه و دفعت بسكانه إلى الهجرة الجماعية نحو غربي أورشليم دون أن يتمكن من إيقافها .

و في إجتماع ضم قادة الأرغن زفاي لئومي و الشتيرن ، عرض رعنان فكرة إنتقام تعتق أرشليم من الحصار المفروض عليها و تفرِّغ المنطقة كلها من الفاسطينيين .

صاح رعنان في وجه معارضيه :

- يجب أن نستثمر سقوط القسطل ، يجب أن ننتقم لأهالي ميشاروم ، لدينا أسلحة حديثة و ذخائر بعد أن يسَّر البريطانيون لنا نهبها من مستودعاتهم ، فماذا ننتظر؟

أجابه يهوشَع بهدوء :

- القرية التي تتكلم عنها ساقطة عسكريا ، مكالمة مع المختار ، تجعلهم يهجرونها دون إراقة قطرة دم .

رد عليه رعنان و قد شبت فيه نيران الغضب :

- الدم .... الدم ...الدم ، و ماذا عن الدم اليهودي الذي يراق في كل مكان كل يوم ، ماذا عن مذابح و محارق الهولوكست ، و ماذا عن والدي و أخي اللذان اقتادهما النازيون و لم أرهما منذئذ ؟ ماذا عن ثلاثة آلاف سنة من الشتات ؟

أجابه موشي مهدئا :

- أهلك و أهلي جرت تصفيتهم هناك ، أما هنا فليس أكثر من قرية ساقطة عمليا ، إنها محاطة من جميع الأطراف بمستوطناتنا ، و لا داع لإهدار رصاصة واحدة فيها .

فرد رعنان دون أن تخبو حماسته :

- نحن بحاجة إلى دمائهم ، تجعل الرعب يدب في قلوبهم و قلوب بني جلدتهم ، فيرحلون عن أرض الأجداد ؛ هذا ما نريده ..

- و ماذا عن اتفاقية عدم الإعتداء التي تربطنا بهم ؟ تساءل يهوشع فرد عليه رعنان متهكما :

- لا تساوي ثمن الورق الذي كتبت عليه .

- و البريطانيون ؟

- سيحتجون بداية – كعادتهم – ثم يصمتون !

- و ماذا عن الدول العرببة المحيطة بنا من كل صوب ؟

- كل زعمائهم بلا استثناء أحجار شطرنج بيد الإنكليز و الإنكليز في صفنا من الباطن .

هنا تساءل هتسل :

- و ما هو موقف الهاغانا

- معنا طبعا ، على أن يبقى الأمر سرا ، فهي الوجه العسكري للوكالة اليهودية كما تعرفون .

و انتهى الإجتماع بالموافقة على الخطة و طلب من رعنان أن ينفذها بقيادته .



*****



في عصر ذلك اليوم اتصل يهوشع هاتفيا بمختار قرية دير ياسين و دار بينهما الحوار التالي :

- كيف حالك يا مختار ؟

- نحمد الذي لا يحمد على مكروه سواه

- أفهم من رنة صوتك أن سقوط القسطل بلغ مسامعك

- بلغني

- و مقتل عبد القادر ؟

- أجل ، بلغني إستشهاد عبد القادر الحسيني ، تغمده الله بواسع رحمته .

- أمر محزن أن يموت الناس هكذا بلا مبرر .

- الله يصلح الحال .

- القتلى يتزايدون يوما بعد يوم يا مختار .

- قافلة الشهداء لا نهاية لها ، و لكن هل من أمر خاص ؟ أم إنها مجرد شماتة ؟

- شماتة ؟ أبدا أبدا يا مختار؛ نحن آدميون قبل كل شيء ، و لكن الأخوان في المنطقة يودون التأكد من سلامة اتفاقيتنا .

- طمِّنهم ، من طرفنا لا زلنا على العهد طالما أنتم باقون عليه .

- شالوم.

- شالوم عليكم و رحمة الله.



*****



كان عدد من وجهاء القرية في مضافة المختار ، يصغون إلى المذياع الوحيد فيها ، عندما ابتدرهم قائلا :

- يا إخوان ، أنا لست مطمئنا إلى هذه المكالمة ، قلبي يحدثني أن وراءها ما و راءها !

ثم أخذ الرجال يناقشون وساوس المختار ، إلى أن قرروا في النهاية أنها أوهام لا تستند إلى أي منطق و على الأخص بوجود اتفاقية عدم الإعتداء التي لم يجف حبرها بعد .



*****

و لكن .....

قبيل ظهور شمس اليوم التالي ، سقطت القنبلة الأولى في ساحة القرية ، إلا أن القنبلة الثانية سقطت فوق منزل اسماعيل ، كان أفراد العائلة جميعا في الحقل خارج القرية ، ذهبوا لتعشيب الزرع و تنظيفه من النباتات الطفيلية ، عدا أم اسماعيل العجوز التي خنقتها الأنقاض .

و كان آخرون قريبون من عائلة اسماعيل ، في طريقهم أيضا إلى الحقول ، جمدهم الدوي ، و لكن عندما سقطت القنبلة الثالثة على بعد أمتار منهم، فأصابت شظاياها بعضهم ، عادوا إلى القرية مهرولين يحملون أو يجرون جرحاهم .

ذُعر المختار ، فخرج إلى الزقاق يستطلع ،

الأهلون يندفعون نحو منزل إسماعيل ..

قائد المليشيا أبو حسن ، يهيب بهم أن يعودوا إلى منازلهم و أن يحموا أطفالهم ، فما سقط من القنابل الثلاث إن هي إلا اختبار لدقة التصويب .

أدرك المختار معنى ما قاله أبو حسن ، فاندفع إلى منزله ثم تناول الهاتف طالبا ( جبعات شاؤول ) ، و لكن اسلاك الهاتف كانت قد قطعت منذ الليل.

مضافة المختار امتلأت الآن بالرجال من كل الأعمار ، لقد اتخذوا قرارهم بالمقاومة حتى النفس الأخير

و راح أبو حسن مع جنوده الثمانين – الذين توقفوا عن التدريب منذ عقد تلك الإتفاقبة – يبنون تحصينات سريعة حول القرية اشترك في بنائها الصغار و الكبار ، ذكورا و إناثا ؛ و من حين لآخر يسقط جريح برصاصة أو يتمزق آخر بشظايا قنبلة ، و إذ يهدأ القصف قليلا ، يُحمل الجريح إلى مدرسة القرية .

و هناك يغطى من استشهد بملاءة بينما تحاول ، فدوى ، الممرضة الوحيدة ، بمساعدة نساء أخريات تضميد الجروح . و عند انتصاف النهار امتلأت المدرسة بالجرحى و القتلى ، و كان اسماعيل من ضمن الجرحى فقد مزقت شظية ساقه .

تمكن المدافعون حتى الظهيرة من صد ثلاث موجات هجومية ، إلا أن الرابعة بدأت تنجح و خاصة بعد أن قامت طائرة بإلقاء قنابلها فوق التحصينات فدمرت معظمها .

مقاتلو ( الأرغون و الشتيرن ) أخذوا يتسللون إلى قلب القرية ، ثم انخرطوا في قتال ضارٍ ، من بيت إلى بيت و من خرابة إلى خرابة .

و استمرت المعركة ضارية حتى العصر ، عندما نظر فؤاد إلى نجاده فوجده خاليا ، فتذكر رمانتيه ( قنبلتيه اليدويتين ) فجسهما ثم صاح بمن بقي حيا من رفاقه : " سأحاول شق طريق للإنسحاب ، فليتطوع أحدكم لحماية المؤخرة ، زودوه بما بقي من ذخائركم " .

ثم اندفع نحو الجنوب في مقدمة زملائه .

سبعة من رفاقه لم يتمكنوا من الإنسحاب فلجؤوا إلى ما بقي سالما من منازل القرية .



*****



غضب روبنسكي – و هو قائد إحدى المجموعات – إذ لم تكن هذه المقاومة العنيفة في حسبانه فاقتحم أول منزل ...

صاحت سيدة مذعورة :

- ليس في البيت أحد غيري و غير أبي العاجز و أطفالي

- و الرجال أين هم ؟ ثم أضاف :

- إنهم يقاتلوننا طبعا !

ثم نصحها أن تغلق باب منزلها جيدا خوفا من انتقام الجنود ، غادرها ليقوم بتلغيم المنزل من جميع جوانبه ثم ليفجره بمن فيه . و عدَّ في سره (( واحيد ))

ثم رفس بقدمه بابا آخر ، و بعد أن عد من فيه فوجدهم ثمانية مذعورين من جميع المقاسات و الأعمار ، طمأنهم ، ثم فجرهم و عدَّ (( إشنين)) .

و هكذا انتقل و شرذمته ، من بيت إلى بيت و هو يعدّ : (( شالوش .. أرباع ..... )) أسرة يصلونها بطلقات رشيش ، و أخرى يذبحون أفرادها ذبح النعاج ، و غيرها يدفنونها تحت حطام منزلها المدمر..

و على فراش الموت تشبث أبو نضال بقنبلة يدوية بيد كادت تتخاذل من الضعف ، عندما خلع بعض أفراد مجموعة روبنسكي باب داره ، استجمع بقايا قوته فانتزع أمان القنبلة بأسنانه ، ثم ألقاها بين أقدامهم ، و قبل أن تصدر عنهم أية ردود فعل تناثرت أشلاؤهم مختلطة بأشلائه .

جن جنون روبنسكي فاندفع مع من بقي حيا من وحدته يفتك بمن تطاله أيديهم .



*****

كانت الممرضة- فدوى - منهمكة بتضميد الجراح ، أمروها بالتوقف ، توسلت إليهم أن يتركوها لمهمتها الإنسانية ، مشيرة إلى ذراعها حيث شارة الصليب و الهلال الأحمرين ؛ قهقه إلياهو عاليا – و هو من الشتيرن – ثم وجه إليها رشيشه فمزق جسدها الغض ، و أجساد من حولها من الجرحى ، ثم أخذ يتلو بالعبرية بعد أن ضبط موقع قلنسوته السوداء : " و إن مدن الشعوب التي يعطيك الرب نصيبا فيها فلا تستبق منها نسمة " ثم أضاف بصوت مجلجل : " إنه عصرك ياهوووو ، لقد ولّى عصر الآخرين ياهوووو ، إنه عصرك يا إله اسرائل و يهوذا و السامره "



*****



اجتمع من بقي على قيد الحياة في ساحة المدرسة بناء على أوامر رعنان ، و قد أحاط بهم عناصر المليشيات مصوبين إلى رؤوسهم بنادقهم .

أمروهم الآن بالجلوس على ركبهم و رفع الأيدي فوق الرؤوس.

ثم أمروهم أن يتجمدوا بلا حراك .

ثم جاء من يفصل الرجال عن النساء ، و من بين الرجال اكتشفوا الشبان السبعة ؛ فانهالوا عليهم بكعوب بنادقهم و كعوب أحذيتهم ضربا . ثم ألقوا بهم مكبلين في شاحنة ، بينما كانت دماء أكثرهم تنزف و عقول بعضهم تحت رحمة الإغماء .

قال إتسل و هو يشير إلى جميع الأسرى :

- إنهم ملكي يا رعنان

فرد عليه روبنسكي معترضا :

- فيما عدا الشبان السبعة ، لقد لحقت بسريتي أفدح الخسائر !

فتدخل رعنان حاسما الأمر :

- قسمة عادلة ، و ليبارككما رب إسرائيل .



*****

عندما بلغ إتسل حي منتفيوري ، أمر برش و جوه أسراه بالماء الآسن .

أنزلوهم من الشاحنات ..

مزقوا ثيابهم ..

عرّوا صدور الفتيات..

لم يأبهوا لتوسلاتهن و عويلهن..

و عندما حاولت عجوز ستر حفيدتها ، مزقها أحد وحوشهم بحربة بندقيته .

وصل الآن قارعو الطبول ، و بدأ الموكب .

في شارع الملك جورج ، خرج السكان من بيوتهم و أخذوا يقذفون حطام دير ياسين الآدمي بما تطاله أيديهم من أحجار و زجاجات فارغة و قمامة .



*****



مع إنبلاج الصباح كان الشبان السبعة يتهالكون في الحفرة الكبيرة التي حفروها بأيديهم و قد أدركوا أنها ستكون قبرا جماعيا لهم ، كان ثلاثة منهم على الأقل ينزفون .

و بينما كان روبنسكي يصب البنزين في الحفرة و على حوافها ،أدرك أحدهم نيته ، فحاول تسلقها ، أصابته صلية رشيش فأردته في الحال ، فاستسلم الباقون لمصيرهم .

أشعل روبنسكي النار...

أمسكت بهم النار ، فأخذوا يرقصون معها رقصة الموت و يودعون الحياة بصرخاتهم المدوية .

كان روبنسكي خلال ( نيرونيته ) المبتكرة ، يصيح صيحات هستيرية تتخللها عبارات باللغة البولونية :

" . انتقمت لكم أيها المضطهدون منذ بابل .. هكذا سيكون مصير ( الغوويم ) و كل من يحاول مس شعرة من جلود بني إسرائيل ، و كل من يحاول وقف انتشارنا في مملكة رب إسرائيل من الفرات إلى النيل ..."

ظل روبنسكي واقفا إلى جوار الحفرة إلى ما بعد خمود آخر لهب فخمدت معه- من ثم - نيران حقده ، ثم نكص إلى القرية المكلومة .

*****

كان إتسل قد عاد بعد طوافه بأسراه في شوارع أرشليم إلى القرية .أمرهم بالإلتصاق بأحد الجدران ، فتهالكوا على بعضهم بعضا كالأموات ، و إن هو همّ باصدار الأمر بإعدامهم ، ظهر يهوشع في سيارة ( جِب ) من مسروقات الثكنات البريطانية ، و إلى جانبه و خلفه بعض القادة .

تحدث أحدهم مع رعنان و قادة العملية الآخرين ، بحزم مشفوع بالود :

- كفى قتلا .

الإذاعات العربية و الأجنبية بدأت تجسم الأمر..

المندوب السامي البريطاني تدخل بكل ثقله ، و نحن مرغمون على إبقاء حد أدنى من العلاقة مع الإنكليز .

سلِّم الأسرى إلى الصليب الأحمر في أرشليم ، و لا تنس التخلص من الجثث .



*****

و في دير ياسين

فرغ لتوهم أبطال ( الأرغن زفاي لئومي ) من دفن آخر جثة في بئر القرية ، و كانت جثة طفل ذكر ، فصل أحدهم خصيتيه ، رمزا لإستئصال آخر عنصر عربي من المنطقة .

و علق إلياهو و هو يمسح عرقه :

- ما أعمقها من بئر ، كيف اتسعت لكل هؤلاء ؟

و بينما كانت جرافة تهيل التراب فوق الجثث ، و تملأ ما بقي فارغا من البئر لتسويه بالأرض المجاورة ، كان الأبطال الميامين ينتظمون في حبل بشري ، يطول شيئا فشيئا ، في ممارسة لطقوس ( الهورا ) أي رقصة النصر !

------------------

*نزار بهاء الدين الزين

سوري مغترب

عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب

الموقع : www.FreeArabi.com
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف