الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الشاعر أحمد القاطي شاعر التحدي والصمود في مواجهة تعنت القصيدة بقلم:جلول دكداك

تاريخ النشر : 2008-08-06
الشاعر أحمد القاطي شاعر التحدي والصمود في مواجهة تعنت القصيدة
قراءة أولى في دواوينه الثلاثة ( جنون الليالي الجريحة) و( سلسبيل ) و( ديوان الرمل )

لقد عرفت الأستاذ أحمد القاطي صديقا صادقا طيبا ، رقيق المشاعر مرهف الحس ، متواضعا للحق ، قبل أن أعرفه من خلال شعره . فلما قرأت دواوينه الثلاثة : ( جنون الليالي الجريحة ) و( سلسبيل ) و أخيرا ( ديوان الرمل ) ، ازددت يقينا من رقة مشاعره ورهافة حسه وتواضعه في شعره . فهو لا يدعي أنه بلغ الكمال الذي لا مزيد بعده . وإنما يعترف من خلال قصائده أنه يصارع القصيدة فيصرعها حينا وتتمنع عليه أحيانا . وإن هذا التواضع مع ما فيه من اعتراف فني غير مباشر ، لمن أجمل وأسمى ما يجب أن يتوفر في المبدع من صفات حميدة . فالمبدع الحق هو الذي يعترف ، كلما وصل القمة في إبداعه ، بأنه لم يصل بعد .
والمبدع الحق هو من يحاول دائما الاستفادة من تجارب غيره . ويبذل من أجل ذلك قصارى الجهود كي يتمكن من تحقيق النضج والنبوغ في إبداعه من أقصر الطرق . وهذا ما لمسته في شاعرنا المحتفى به . فلقد أعرب مرارا عن استعداده لتقبل النقد البناء والاستفادة منه .
وأنا لن أطريه في هذه الكلمة ، بل سأصدقه القول ، لأنني أحبه حبا خالصا وأتمنى له التوفيق ؛ وأعتبر أن شعره يستحق الدراسة . فقد وقفت فيه على إشارات هامة تشجع على ذلك وتدعو المهتمين بالنقد إليه . وهذه الورقة التي أتشرف بتقديمها احتفاء بصدور ديوانه الجديد " ديوان الرمل " ، تحاول أن تؤسس لمثل هذه الدراسة ، بقراءة أولى لا تعدو أن تكون هي أيضا إشارات موحية لما في شعر الشاعر أحمد القاطي من إشراقات نبيلة تبشر بنبوغه في مجال الشعر ؛ وتجعل دواوينه جديرة بالقراءة ، كما هي جديرة بالنقد والتمحيص .
وأول ما استوقفني في هذه القراءة الأولية الأولى ، وأثلج صدري ، وحفزني إلى المتابعة هو أنني قد اكتشفت من أول وهلة أن الشاعر أحمد القاطي يحمل هما إنسانيا ثقيلا يخوض من أجله صراعا مريرا ممتعا مع الأحداث الكبيرة والصغيرة المحيطة به . وإن من أجمل ما يلفت انتباه المتمعن الممحص أن بعض هذا الصراع النبيل من أجل سعادة الإنسان ، ينعكس أثره الإيجابي على قصائد الشاعر ليكشف مدى رغبته الملحة في إخضاع شعره بالقوة تارة ، وبالاستلطاف تارة أخرى كي يطاوعه في التعبير البليغ المؤثر عما يجيش في خاطره من مشاعر عميقة ينفس بإشاعتها بين الناس عما يهيمن عليه من هموم وأشجان كثيرة تتجاوز ذاته إلى ذوات الآخرين ؛ لعله يجد لدى بعضهم على الأقل من يشاركه إحساسه ، ويبادر إلى حمل جزء من أعباء هذه الهموم الثقيلة .
بهذا أفسر إقدام الشاعر أحمد القاطي على نشر دواوينه تباعا ، بالرغم مما تشهده سوق الأدب عامة والشعر خاصة / من كساد . فهو ليس ذلك الشاعر المغرور الذي يطمح إلى امتلاك زمام الشهرة ، ولو عن طريق المغامرة ، بل إنه هذا الشاعر المؤمن بوجوب النشر على الكاتب كلما كان ذلك في إمكانه ؛ و إلا باء بإثم الكتمان لما هداه الله إليه من طرائق التعبير عن خوالج التفكير .
ولا شك في أن مثل هذا الفهم السليم لما يجب أن يكون عليه دور الكاتب ، شاعرا كان أو أديبا أو مفكرا ، في ترشيد السلوك البشري وتهذيب الذوق ، والمساهمة في بناء الحضارة الإنسانية ؛ هو مما يسمو بالكاتب إلى أرفع درجات الشرف في سلم إنسانية الإنسان . ولئن كان هذا الفهم من أهم ما يدعو الكاتب إلى نشر ما يكتب ، بل يفرض عليه أحيانا شرعا وقانونا أن يبادر إلى النشر كلما أتيحت له الفرصة ؛ فإنه يصبح من أوجب الواجبات ، اعترافا بالجميل ، ومساهمة في بناء الحضارة الإنسانية أيضا ، أن يُـقبل القراء على قراءة ما ينشر .
بناء على هذا الفهم السليم ، نشر الشاعر أحمد القاطي ديوانه الثالث : ( ديوان الرمل ) هذا العام 2005 . ولا شك في أنه لم يقدم على ذلك إلا بعد أن نفدت نسخ ديوانيه الأولين : ( جنون الليالي الجريحة ـ الصادر عام 1995) و( سلسبيل ـ الصادر عام 1998) . فهنيئا له بإقبال القراء على قراءة إنتاجه . وهذا يدل على أن صراعه مع الأحداث وهمومها ، ومع القصيدة المتمنعة لم يذهب ولن يذهب سدى . ويحق له ، إذا ، أن يفتخر بأنه بدأ يمتلك زمام الصراع ليحول الخسائر فيه إلى ذخائر ، ويفوز بالانتصار في تعبيره عن أنبل المشاعر . فلا خوف عليه من شح الفضاء الشعري ، ولا حاجة به إلى خلع روحه من أجل ركوب فكره . فليسبح كما يشاء ؛ وليحذر زوابع القصيدة وعواصفها وأمواجها العاتية التي قد تنحت اسمه على الماء وعلى الماء وحده ؛ لتنقل روحه إلى عالم من جليد ، كما يعترف هو نفسه بكل تواضع الشاعر المبدع الخائف من سوء مصيره في صراعه مع الشعر ، حيث يقول :
وينتابني الخوف بعد المساء
فأخلع روحي وأركب فكري
وأسبح في شح هذا الفضاء
لأمنح نبضي لتلك الليالي الجريحة
لكي تترك الموج ينحت اسمي على الماء
على الماء وحده
لينقل روحي إلى عالم من جليد .
من قصيدة " جنون الليالي الجريحة " في ديوانه الحامل لعنوان القصيدة . ص : 34

وبعد أن أعلن الشاعر تحديه وخوفه في آن من سوء المصير في صراعه مع الأحداث وهمومها من جهة ، ومع تعبيره الشعري عنها من جهة أخرى ، وأنه يسبح في شح الفضاء ليس بحثا عن شهرة ، بل بحثا عما يضمد به جراح ليالي الإنسان الجريح ، وأنه لا يضيره في ذلك أن ينحت الموج اسمه على الماء والماء فقط ، لينقل روحه إلى موت بارد تحت جليد الانهزام ... بعد هذا الإعلان المعبر عن خوف الشاعر وصموده وتحديه الانتحاري الغريب لحصار شح الفضاء ، يعود مرة أخرى في ديوانه ( سلسبيل ) ليعترف بموت الحروف رغم صموده وتحديه ، حيث يقول في قصيدة : " تموت الحروف "

لمن سأغني
وكل القلوب حجر ؟
لمن سأنير الطريق القصي
وحولي السواد انتشر ؟
وعم نفوس البشر
فماتت حروف التحدي
هنا في زمان التردي .

من قصيدة " تموت الحروف " من ديوان ( سلسبيل ) ـ ص : 18
فكأنه يعترف صراحة بأن لغة الشعر عنده قد تحجرت كما تحجرت قلوب البشر ، وعجزت عن مواجهة التحدي في زمن التنكر للشعر والشعراء ، والاحتفاء بالمغنين والغناء . لكن الشاعر أحمد القاطي يصر على الاستمرار في الصمود والتحدي بالرغم من كل المثبطات ؛ ويقبل أن يتيه لوحده هو واليراع غير واثق في مقدرة يراعه على نجدته ، حيث يقول في قصيدة : " أتيه لوحدي أنا واليراع "

تطاردني في سكوني
مشاهد شتى فتحرمني
من النوم آنا
وآنا تزيد جراحي اندمالا
أتيه لوحدي أنا واليراع
لعلي أفك رموز القناع .
من قصيدة " أتيه لوحدي أنا واليراع " من ديوان ( سلسبيل ) ـ ص : 7

ثم يبلغ التحدي أقصى مداه عند شاعرنا أحمد القاطي في ديوانه ( ديوان الرمل ) ، فيقر ابتداء من عنوان الديوان أن يستمر في الغناء رغم العناء . وعندما تقرأه تتخيل أن كل الحروف ماتت بين يديه حزنا على ما هو فيه من هموم لا ترحم ؛ وكأن كل أمل جميل أخضر يانع كان يقتات من روحه ، قد تحول فجأة إلى أضغاث أحلام ، فلم يتمكن من فك رموز القناع ، هو الذي لم يعد يميز ما بين إيجابيات المشاهد وسلبياتها : فتارة تحرمه من النوم وتارة أخرى تزيد جراحه اندمالا .
هذه الألغاز المحيرة أو الرموز الغامضة لم تترك له إلا ميزان الرمل ( فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن ) ، ليتكئ عليه لعله يمنح غناءه القوة الساحرة المؤثرة ، ويلين القلوب المتحجرة ، والنفوس المتكبرة ، فتسمع آذان الغافلين ما يعيد العقول إلى الصواب ويعيد الصواب إلى العقول ، فيقول معترفا بواقع الحال ، في أولى قصائد ( ديوان الرمل ) :
تتشابك الرؤى قدام عينيك
في مدى لمح البصر
فتصيح
إنها أضغاث أحلام فقط
إنها أضغاث أحلام فقط .

من قصيدته " إنها أضغاث أحلام فقط " من ( ديوان الرمل ) ـ ص : 6 ـ ط : 2005

لكنك سرعان ما تفاجأ بأن الشاعر يكتشف بنفسه أن ميزان الرمل قد زاد من آلامه لما ذكره بمأساة فردوسه المفقود في ( الأندلس )

جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل في الأندلس
لم يكن وصلك إلا حلمـــــــا في الكرى أو خلسة المختلس

فيشدك هذا الاكتشاف الشاعري إلى ديوان الشاعر ، ولا تملك إلا أن تتابعه متأثرا بغنائه ـ وبحر الرمل بحر غنائي بامتياز ـ فتجد الغصة تكاد تخنقه كلما أمعن في الغناء ، ودموع تحديه للأحزان المتراكمة تحرض القصيدة عليه تحريضا ، فيحمل متاعه وزاده ، ويعلن محاصرته لها و تمنعه عليها ، مستنجدا برمية حجر من الشاعر عبد السلام بوحجر ، حيث يقول في آخر قصيدة في الديوان : " حاصروا حصاركم " :

كان عاما من حجر
قد قسا عرى الشجر
......
يا سليل الشرق والحرف المقاتل
........
كالسّنا
عم الرجاء الوجود
....
رغم أنف كل ناس
ههنا باق
بقاء الأطلس الشامخ
عين تحرس النفس
وأخرى في احتراس
من مساس بأساس
شيدت أركانه
بعد جهد وعناء
كي تنال الأوج
كي تزهو بعيدا في سماء
كللها سحر البيان .

من قصيدة " حاصروا حصاركم " من ديوان الرمل " ـ ص : 89 ـ ط : 2005

هكذا أنهى الشاعر أحمد القاطي اعترافاته بأن الصمود في وجه العواصف لن يلبث أن يمن على صاحبه في خاتمة المطاف بالفوز والنجاة من الفشل رغم حصار المحاصرين ؛ وأن الشاعر الذي تحمل القصيدة له في رحمها بذور النجاح ، لا بد من أن يصل يوما ما كما وصل غيره من الشعراء إلى الأوج في سماء البيان الساحر .
هذا ما عن لي أن أقدمه في هذه القراءة الأولى لكل دواوين شاعرنا المحبوب الأستاذ أحمد القاطي ، وليس لديوانه الجديد فحسب . وإنه ليستحق أكثر من هذا الاهتمام . فليعذرني إذا قصرت في حقه . وأرجو أن يتيح الله ــ سبحانه ــ لي فرصة أخرى لدراسة أعمق لشعر هذا الشاعر الإنسان الذي أرجو له دوام التوفيق ؛ وأدعو القراء إلى الاستمتاع بقراءة دواوينه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .



حرره بتازة ، فجر يوم الجمعة 29 شوال 1426هـ( 2 ديسمبر 2005)
جلول دكداك ـ شاعر السلام الإسلامي .
ملحوظة ؟هذه قراءة نقدية قدمت في حفل تقديم وتوقيع ديوان الشاعر أحمد القاطي " ديوان الرمل " يوم 3/ 12 / 2005 في مقر غرفة الصناعة والتجارة بتازة في إطار أول نشاط ثقافي قام به فرع اتحاد كتاب المغرب بالمدينة المذكورة .
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف