الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تواطؤ و تقصير-قصة بقلم:نزار ب. الزين

تاريخ النشر : 2008-05-15
تواطؤ و تقصير-قصة بقلم:نزار ب. الزين
تواطؤ و تقصير
رواية قصيرة
نزار ب. الزين*

من مجموعة كيمنسانيا
بمناسبة مرور ستين سنة على النكبة

كان الملازم عزت – و هو حامل جهاز اللاسلكي الوحيد الذي يملكه الفوج الستين من جيش الإنقاذ - كان يكتب رسالة إلى والدته ، متخذا من صندوق فارغ للمعلبات طاولة استند عليها ، و بعد أن غلفها و ألصق حوافها ، كلف أحد الجنود بتسليمها لخيمة البريد ، ثم اشعل لفافة تبغ ، و سرح بعيدا في احتمالات المعركة الوشيكة .
كانت السرايا الثلاث المشكلة للفوج ، متمركزة فوق تل قريب من مستوطنة الزراعة ، التي بدت تحت بصيص النجوم في ليلة صافية الأديم ، بدت كبيرة و قد برز منها بضعة أبراج مراقبة .
و في الوقت ذاته كان العقيد سفيان يجمع قادة السرايا في مجلس حرب ، و على خارطة مرسومة باليد بغير إتقان ، أخذ يعلم خطوطا باللون الأحمر ، تشير إلى النقاط الإستراتيجية التي يجب اختراقها ، موصيا بضرورة إخفاء الضجيج و منع التدخين .
*****
ديفد و هو جندي من ميليشيا الهاغانا ، كان مستندا على حافة مرقبه في البرج الشمالي ، عندما نقلت إليه نسمات خفيفة ، أصواتا مريبة ، ما لبثت أن أفصحت عن هدير محركات ، و بكشافه القوي تمكن من تمييز أشباح تتحرك بحذر قادمة من التل المجاور ، فأمسك بمسرة الهاتف و اتصل مباشرة بمركز القيادة .
ما أن بلغت الرسالة قائد الدفاع عن المستوطنة إبراهام ، حتى هب واقفا و ابتدأ يصدر أوامره القاضية بإعلان الإنذار من الدرجة الأولى على كافة القطاعات الدفاعية ، على أن يتم الإعلان شفويا أي من فم إلى فم ؛ ثم أخذ يتفقد مع معاونيه المراكز الدفاعية ، كما أشرف على توزيع أفراد الإحتياط المشكلة من فتيان المستوطنة و فتياتها ، و لم ينسَ زيارة البرج الذي صدر منه أول تحذير ، فشكر الجندي ديفد الذي تنبه للأمر على يقظته و أمر بترقيته ؛ ثم عاد إلى مقره يترقب الهجوم .
و على حين غرة تذكر أمرا فاستدعى ( الليوتونان عزرا ) على عجل ليسأله عن مدى تغلغل المياه في السهول المحيطة بالمستوطنة ، كواحدة من أهم وسائل الدفاع المتعددة التي هيأها منذ أن أخبرته القيادة العليا عن احتمال مهاجمة المستوطنة من قبل قوات القاوقجي ، فأجابه عزرا أن المياه أغرقت أكثر سهول المنطقة المحيطة .
كان ابراهام عند تسلمه القيادة قد درس المنطقة جيدا و علم أن منطقة غور بيسان ، كانت مغطاة بالمستنقعات ، فاقام المستوطنون بمساعدة الإنكليز سدودا و قنوات لتنظيم الري و الصرف فيه خلال السنوات الماضية ، فقام ابراهام في جولة استطلاعية جعلته يستنتج إمكانية استخدام هذا التنظيم في عملية الدفاع عن المستوطنة ، و أثبتت التجربة الأولى نجاحا فاق كل تصور ، و عندما وردته إشارة المخابرات ، منذ يومين ، باحتمال الهجوم على المستوطنة ، أمر بإغراق المنطقة المحيطة بها .
كان يلقي أوامره المتلاحقة بهدوء و ثقة عالية بالنفس ، كيف لا و معظم جنوده مدربون أحسن تدريب ، و بعضهم من رفاق السلاح الذين خاض معهم معارك طبرق إبان الحرب العالمية الثانية ، و تعقب معهم فلول رومل ضمن فرقة ال( الهابلماخ ) ، أما مجندو الإحتياط فقد تحملوا مشقة التدريبات و خاصة منهم الفتيات بصبر و ثبات .
*****
كان الملازم عزت في كامل ثيابه العسكرية يزرع أرض خيمته جيئة و ذهابا ، و هو في أشد حالات القلق ، فقد قدر له أن يستمع إلى بعض أحاديث قائد الفوج ، كما نقل بعض الرسائل اللاسلكية ؛ و كلها تشير إلى ضعف تدريب مقاتلي الفوج ، و انخفاض مستوى تسليحهم و قلة ذخائرهم ، فالبنادق فرنسية من طراز عتيق يرجع بعضها إلى أيام الحرب العالمية الأولى ، و الرشاشات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة عدا ، و القوة الوحيدة الجيدة التي يملكها الفوج هي بطارية مدافع هاون ، و حوالي ثلاثين مغوارا سوف يكون لهم وزنهم بلا شك ، و هذا ما جعل القيادة العامة تعتقد أن هذا الفوج هو أقوى أفواج جيش الإنقاذ .
*****
خلال جولته لم يعثر ابراهام على زوجته ، و يبدو أنها كانت تودع طفليها لدى مسؤولة أحد الملاجئ ، فرفع مسرة الهاتف و طلب قائد الإحتياط ، كانت كلير زوجته قد عادت لتوها إلى مقر قيادة الإحتياط ، فتسلمت رشيشها ( التومي ) ، ثم جلست على الأرض ، فأسندته إلى صدرها ، و راحت تقلب احتمالات المعركة ، التي ستكون معركتها الأولى ، و قد تكون الأخيرة ، و قد تفرقها عن زوجها الحبيب و عن طفليها الرائعين ، فمصيرهما و آلاف الأطفال اليهود ، لا يمكن التكهن به ، اشبه بمصير لاعب أكروبات يسير على حبل مشدود بين رأسي جبلين ، ثم أخذت تتساءل : " كيف نبني جزيرة في بحر ؟ كيف ننشئ قلعة فوق رمال متحركة ؟ كيف نخلق حياة في محيط الموت ؟ و لكن أليست الكرة الأرضية كلها ألعوبة الزلازل و الكوارث و ثورات الطبيعة ؟ و مع ذلك لا زالت مستمرة منذ ملايين السنين ، و مستوطناتنا ألم تُبنَ في وسط معادٍ ؟ و مع ذلك فإنها مستمرة ، و طفلي أهارون و راشيل هاهما يرسخان وجودهما رغم الموت المتربص بهما من كل صوب ؛ أجل ، إرادة الحياة أقوى من الموت ، إرادة الحياة ستظل تقهر العدم ".
و قطع سلسلة تداعياتها منادٍ إلى الهاتف ، فهرعت إليه ، كان المتكلم زوجها إبراهام ، فأخذا يتبادلان عبارات الهوى و كأنهما في شهر العسل ، ثم أنهت المكالمة بقبلة طبعتها على مسرة الهاتف ، ثم عادت إلى موضعها تعانق رشيشها .
*****
كان الفوج الستين من جيش الإنقاذ قد تحرك ليحكم الحصار حول المستوطنة ، و تصادف هطول أمطار لم تكن متوقعة ، إلا أن الجو كان دافئا ، مما جعل أمر المطر ثانويا و لا يشكل أية إعاقة ، كما أن الروح المعنوية كانت عالية لدى الجميع .
في الرابعة و النصف فجرا ، تقدم المغاوير ـ كانوا متباعدين ، بعضهم بأسلحتهم الخفيفة ، و بعضهم الآخر يحملون صناديق المتفجرات ، و آخرون يحملون صواعق التفجير ، بينما كان كشاف ( ديفد ) الكهربائي و المثبت أعلى البرج الشمالي الذي يتمركز فيه مع ثلاثة من الحراس ، كان يمسح المنطقة بحزمة نوره الساطعة ، التي ما لبثت أن وقعت على مجموعة من جنود الإنقاذ ، فصاح بالجنود المتمركزين معه : " نار .. نار .. إنهم يهاجمون "
فانهمر الرصاص على المغاوير من كل صوب ، إلا أنهم ظلوا مندفعين غير هيابين ، و لما تساقط عدد منهم ، تحولوا إلى الزحف ، حتى بلغوا الأسلاك الشائكة ، ففتحوا ثغرة فيها ، ثم تسللوا منها كالنموس .
و لكن ما أن اجتازوا الأسلاك حتى جابهتهم الصعوبة الكبرى ، فالأرض طينية لزجة غمرتها المياه حتى ارتفاع بضعة سنتيمترات ، كانت أرجلهم تغوص في الطين ، أحيانا حتى الركب ، فينتزعونها من الوحل انتزاعا لينقلونها إلى الخطوة التالية ، و لولا مساندة نيران رفاقهم من الخلف ، التي شاغلت الأبراج و المدافعين على الأرض ، إضافة إلى المدافع الأربعة التي أخذت تدك حصون المستوطنة ، لما تمكنوا من التقدم خطوة واحدة .
و بعد بضعة دقائق خالاها دهرا ، تمكن اثنان من المغاوير من بلوغ برج المستوطنة الشمالي ، فزرع أحدهما موادا متفجرة تحت أحد أعمدة البرج و أشعل الآخر الفتيل ، ثم عادا أدراجهما مسرعين يتخبطان في الوحل ، و إذ دوى الإنفجار ، انبطحا معا فوق الطين ، و التفت أحدهما ليرى البرج بمن فيه و قد تحول إلى قطع خردة متطايرة و أشلاء مبعثرة .
إلا أن العملية كلفت مجموعة المغاوير حياة أكثرهم ، مما استفز قائد بطارية المدفعية فأحكم تصويبه و أخذ يدك بيوت المستوطنة بيتا بيتا ، و ما لبثت إحدى قذائفه أن أصابت محطة كهرباء المستوطنة ، ثم أصابت قذيفة ثانية خزان المياه ، كما تحطمت أعمدة حمل أسلاك الكهرباء و الهاتف ، ثم أصابت قذيفة أخرى مقر القيادة الذي نجا منه ابراهام بأعجوبة .
و عندما شعر العقيد سفيان قائد الفوج بضعف نار العدو ، أمر بالهجوم فبدأت الصفوف الأولى تخوض في الوحل غير مبالية ، و أحسوا جميعا أنهم على وشك اجتياح المستوطنة .
*****
كان ابراهيم ليفي الذي لم يفقد رباطة جأشه ، قد توجه مع اثنين من الفنيين إلى مولد الكهرباء الإحتياطي ، أمرهما ابراهام ، بمد توصيلات مباشرة بين المولد و شبكة توزيع المياه ، ثم أمر بتشغيل المولد ..
كان جنود جيش الإنقاذ قد بلغوا مشارف المستوطنة عندما بدأت الكهرباء تصعقهم ، ثم أصبح من السهل تصفية من نجح منهم بالإنسحاب ، و على الأخص عندما أخذت طائرة استكشاف بريطانية ترشد المستوطنين إلى مكامن جنود جيش الإنقاذ ، ثم بدأ الفوج يتلقى ضربات مدفعية من مصادر أخرى ، ما لبث قائد الفوج أن تأكد بمنظاره ، أنها لقوة بريطانية .
عندما أحس العقيد سفيان قائد الفوج بهول الكارثة ، أمر بالإنسحاب ، بعد أن كلف ثلة من الجنود الأشاوس بحماية المنسحبين ، ثم تناول مسرة الهاتف اللاسلكي من الملازم عزت بعصبية ، و بصوت ثائر أخذ يخاطب القيادة العامة قائلا : " أنا لست مسؤولا ! استطلاع الموقع كان ناقصا ، لم يخبرنا أحد باحتمال تدخل الإنكليز ، لم يخبرنا أحد عن دفاعات المستوطنة المائية ، تسليحنا كان ضعيفا و قد أخبرتكم بذلك مرارا ، هونتم علينا كل شيء ، أكثر من نصف رجالي راحوا بين قتيل و جريح ، لا سامحكم الله لا في الدنيا و لا في الآخرة . "
ثم سحب مسدسه يريد الإنتحار ، لولا أن انتبه إليه الملازم عزت فمنعه في الوقت المناسب .
==========================
*نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب ArabWata
الموقع : www.FreeArabi.com
البريد : [email protected]
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف