الأخبار
معروف: مذكرات التوقيف بحق نتنياهو وغالانت خطوة قانونية بالاتجاه الصحيحإعلام إسرائيلي: القتال العنيف بغزة سيستمر حتى أكتوبر 2024ما دور العقوبات الأمريكية في حادث مروحية الرئيس الإيراني؟كتائب القسام: قصفنا معبر رفح بقذائف الهاون من العيار الثقيلقوات الاحتلال تتوغل شرق دير البلح وسط اشتباكات ضارية مع المقاومةأونروا: نزوح 810 آلاف فلسطيني من رفح خلال أسبوعينحماس: نية المحكمة الدولية باستصدار مذكرات اعتقال بحق قيادات حماس مساوة بين الضحية والجلادإسرائيل تنشئ "غرفة حرب" لمواجهة تحرك المحكمة الجنائيةالجنائية الدولية تسعى لإصدار مذكرات اعتقال لنتنياهو والسنواروفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحيتهحادث "هبوط صعب" لمروحية تقل الرئيس الإيراني ووزير الخارجيةتحول هام.. الولايات المتحدة تستعد لتصنيف القنّب كمخدر ذو خطورة أقلثورة القهوة واستخدامها في صناعة الخرسانةالإعلامي الحكومي بغزة: الاحتلال منع إدخال 3000 شاحنة مساعدات خلال 13 يوماًسموتريتش: إسرائيل في طريقها للحرب مع حزب الله اللبناني
2024/5/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

سلسلة مخاتير في ناحية أم الغنم بقلم:أ.عبدالعزيز أمين موسى عرار

تاريخ النشر : 2007-09-22
المحتويات

1ـ المختار المغضوب عليه

2ـ جاندرمة وفرارية

3ـأبو ظامن من المحفور للمحظور

4ـ مختار أبو وجهين

5ـ المختار الأصفر

مخاتير أم الغنم

المختار المغضوب عليه

أ.عبدالعزيز أمين موسى عرار / مشرف تاريخ وباحث ومحاضر جامعي

هذه الأحداث مستوحاة من لتراث والتاريخ الشفوي لأشخاص عاشوا هذا الواقع في جبل نابلس طيلة الفترة الممتدة من العهد العثماني الأخير وحتى قدوم السلطة الفلسطينية.

"الاسم وسم" ، هذا ما يقوله المثل الشعبي الفلسطيني الدارج،في قرية أم الغنم مشهورة بتربية الأغنام والدواب، ومع إن البلاد المحيطة بها تربي الأبقار والأغنام، إلا أنها تتفوق على جيرانها.

لقد أحصى ظامن الويركو أو محصل الضرائب فيها حوالي عشرين ألف رأس غنم، وحوالي ألف رأس بقر، ومئة وستين رأس خيل وعشرين جمل ، هذا ناهيك عن الدجاج البلدي والإوز والبط ، بينما كان عدد سكان أم الغنم ونواحيها لا يتجاوز الفي نسمة، ولولا حكم السلطان ونظام الالتزام ومعه المخاتير وهجمات البدو المسماة "الجرود"وهجومهم على الفلاحين ،وخطر الجراد ،والبعوض،وحمى التيفوس، لأصبحت أم الغنم عاصمة للبلاد وسيدة العباد ومن حولها، لان الدواب والحلال يجعل للراعي مركزا ولصاحب هذه الثروة أكثر من المعلم .

قالها الشيخ إبراهيم الرابي :أيرضيك هذا ، لأصدقائه عبدالله القدومي واحمد السفاريني وغيرهم من مشايخ جبل نابلس.

قال عبدالله القدومي: إن العلم ليس له قيمة في هذه البلاد ،حتى صارت مكافأة المعلم بيضة ورغيف كل يوم خميس في عهد بني عثمان.

وتساءل بمرارة أين المسلمين الذين كانوا يزنوا الكتاب بالذهب، وأين الذين ينقلون كتابي ويملئون خرج الحمير وينقلونه من سنجق إلى آخر ،كما فعلوا بكتاب تاريخ المسعودي حينما نقلوه إلى بلاد فارس في زمن الخلفاء العباسيين

لا أجد مهتمين أو قراء لكتابي رغم إني قضيت فيه عشرة أعوام أواصل جهدي وعلمي على سراج يضاء بزيت الزيتون ،إن سراج الغولة الأخضر اقوى منه وإنني لأفرح حينما يكون القمر بدرا حتى يضيء سكون الليل واقرأ ويُسر بالي.

قالها أحد الوجهاء أثناء حديث لمجموعة مشايخ يفترشون الأرض بالبسط البدوية المصنوعة في بئر السبع،وتحت شجرة التوت في ساحة البلدة القديمة لا تعجبوا فكل شيء هنا في بلدنا يرتبط بعلاقة وثيقة بالغنم.

وتوزن قيمة الرجل بمستوى ما يمتلكه من أغنام و دواب والأرض الواسعة مسخرة لهذه الغاية و يزرع القمح والشعير.كما أن الأرض الواسعة والكبيرة سخرت لخدمة أغنام القرية،وقد أركن أبناء أم الغنم أن خيرات القرى في متناول أيديهم.

كنت تنظر إلى الجبل والسهل والوادي فترى مجموعات كثيرة من الأغنام، وفي الصباح الباكر كانت أصوات الأجراس المعلقة في رقابها تقرع ولا شيء سوى هذه الأجراس يطرد الشياطين، وكل راع اختار عصاه وغالبا ما كانت عصيهم من البلوط وراحوا يشونها على النار وشكلوها بألوان أشبه ما تكون بلون الحمار الوحشي.

رغم إن المتعلمين والقراء قليلون ومظاهر التعليم والمدارس بائسة حيث لا يوجد سوى بعض المدارس والسرايا في مدينة الجبل وعاصمته إلا إن الناس يشعرون بالسعادة تغمرهم أو على الأقل كانت المشاكل محدودة وان كان الملتزم يرهقهم بالضرائب ولولا مخاتير القرى لعاشوا عيشة أفضل والسبب معروف عند غالبية أبناء البلد.

قال إدريس الشقران وموسى المحمد في مرة من المرات عندما ذهبوا سوية للرعي عند النهر الأعوج لولا هؤلاء" الغز" وبعض أذنابهم لعشنا سعداء يكفينا فخرا إن أراضي بلدنا واسعة ونسرح ونمرح فيها ونلعب الكرة والُكلة والقالة والطابة ولعبة طقش البيض، وإذا لم نجد شيئا نتسلى به جعلنا الكباش والثيران تناطح بعضها البعض وتتصارع فيما بينها.



رد موسى على صديقه: إن أكثر ما يضايقني يا صديقي أن أنفاسنا مكبوتة خاصة من جهة الملتزم والوالي وأذنابه المخاتير، بينما حريتنا الطبيعية متوفرة حيث لا توجد حواجز في البلاد بإمكانك أن تسوح في بوادي عمان وتنتقل منها إلى لبنان، انظر إلى القيسيين الذين يرعون دوابهم عند أرض الهدفة شمال كفربريك وحول خراش.

وذهب موسى وإدريس إلى أراضي سدرات ملول لرعي الدواب في شهر أيار من هذا العام ، وهو عام الثلجة، والموسم وفير أكلت الدواب حتى زنكلت وطاردت الجحاش بعضها بعضا،واستفحل طرادها في شهر الخميس أو شهر نيسان ويسميه البعض شهر الجحاش التي يطيب لها ان تتفعفل على الأرض خاصة إذا كانت تربة رمادية ناتجة عن رماد الطوابين ،وفيه يطيب للبقر أن (تكيكب ) أي تسرح وتمرح وهي فرحة بما توفرلها من حشائش في المرعى.

ثم أن الجحاش والحمير طيرت فصوصها وأما البقرة فأكلت وكيكبت ولم يبق إلا أن ينام إدريس وصديقه موسى عند النهر ساعة الظهيرة وتحت شجيرات نبات السعد هانئين غير عالمين بما يجري وخطط لأرض فلسطين من قبل المستوطنين الجدد وتفهف رياح نسيم البحر يمينا وشمالا ويتحرك معها القوص والسعد والكينا في عالم يخلو من محتلين وصهاينة وبيئة طبيعية لم تفسد بعد .بينما راحت نساء قرية المحمودية أو المر يسترحن من عناء حصاد القمح حيث ذهبن للحقل لهذا الغرض وكن يغنين بأغانيهن المعتادة ويتسابقن في موسم الحصاد

يا منجلي يا مين جلاه

راح للصايغ جلاه

ما جلاه إلا بعلبة

ريت العلبة عزاه

بقي الشباب يرعون دوابهم صيفا وشتاءً تارة يذهبون للجبل عند أرض المحفور شرق كفرثلث ومن أراضي قرية دير استياوهي أرض حفرت في جبل من قبل الرومان وبئر أبي عمار وهو بئر نبع يرتاده الرعاة واليه ينزلون بدرج ويلتقطون الماء للتداوي من الحصى في الكلى وأحيانا لملأ طاسة الرجفة ،ومنهم رعاة ناحية أم الغنم ، ومغارات الألمان التي تشبه الغرف الواسعة التي حفرها الألمان وباتوا فيها أثناء الحرب الكونية الأولى ، وباطن أبو ذيب وهو رجل من عائلة الغريب وشيخ من شيوخها ولا زالت معالم كثيرة تسمى باسمه سواء معصرة الزيتون أو البد الواقع في وسط القرية أو الأراضي التي عمرها وزرعها بالزيتون وكان ينتج الشئ الكثير وزيت زيتونه يضيئ الأسرجة والمشاعل التي تحملها النساء في الأعراس والأفراح وقيل أن الغولة جربت أن تهاجم بد أبو ذيب وتصطاد من كانوا يعصرون الزيت فيه ، لكن قوة سراجه الوهاجة جعلت الغولة ترتد وتنكفئ هاربة إلى عالم مجهول ، أو إلى كرم صبرة الأرض التي كانت تغل أغلالا وفيرة، وتارة أخرى عند خربة برنيكة التي كانت خربة وسميت باسم الملكة الفرنسية برنيكا التي حضرت زمن الحروب الصليبية ،التي كانت قد جاءت مع الحملات الصليبية ، ووادي العليق وهو واد سحيق يقع بين قرى عزون وكفرثلث عبرت فيه جيوش الفرنسي الغازي الجنرال نابليون.

وفيها اختبأ الفلاحون في ناحية أم الغنم وقاتلوا عدوهم وحرقوا النار في النتش والهشيم ، حتى شوهدت خوذة الضابط الكبير وفي أعلاها ريشة حديدة لامعة ،وقد اصطاده فلاح من قرية عزون حينما لمعت وشاهد خادما يسقيه ويصب له كأسا من القهوة .

قال : اعطني بارودة باش بوزق وصوب عليه فتجندل ودحل على الأرض و سميت الأرض التي دحل فيها باسم أرض خلة دحلة.

وتغلبوا عليه واضطر للرجوع بدلا من التقدم في بلادهم ، وكانوا يخرجون كالأشباح ، ربما كانت هذه بداية حرب العصابات في بلاد أم الغنم وخربة رويسون.

وينتهز الشباب ليل القمر وفي الليالي التي تخلو من الندى يخرجون بدوابهم وأبقارهم وأغنامهم لترعى الحشائش والأبصال الجافة أو البوصلان في الليل حسبما يسمى في فلسطين و والذي سموه زلابية وربما على غراره صنع اليهود الزلابية وأكلوها في عيد الفصيح ،وتكون مرة بلا ملح .

لكنهم كانوا مرعوبين أحيانا أو إن الخوف سمة من سمات الإنسان مهما بلغ جبروته وسيطرته على الطبيعة،ففي أحاديثهم كنت تسمع عن أعمالهم المجيدة وبطولاتهم الفريدة هذا الذي قاتل ضبع الصفيرة وتباطح معه، ولوما شوية لعركه وقتله ، ولكن فلان مر من المكان الفلاني وشاف غولة مثل العنزة بتصيح وتقول: باع وماع وعادة زي الغنم لحقها تيمسكها صارت زي الرماد وكأنها الأرض شقتها وبلعتها يا لطيف شو صار.

ابتعد موسى المحمد عن صديقه إدريس الشقران وقرر الذهاب إلى قرية كفر قاسم ليشتري بعض التبغ ومر بالقرب من مقاطع الحرامية ومغارة الحبوس وقيل انه ذهب،ومعه محصول السمسم المحمل على جمل وسار و وجهته مدينة اللد حيث كان فيها سوق سمي بسوق البرين ، وهذه تسمية مربوطة بخط التجارة بين مصر والشام .

قال عامر: يا الله على هذي الأيام ما أسعدها

قالها لي احد أصدقاء موسى أنه قام بحمل حمل كبير على جمله ربما كان ثلاثة قناطير ونصف من السمسم واختار يوم الثلاثاء ،وبينما كان يركب جحشه ويسحب جمله ظهرت له غنمة وهي تخرج صوتا وتقلد صوته فكلما قال:حا،رددت نفس الكلمة حا.

أما الحمار فاشرأبت إذنيه وتوقف عن المسير .

قال موسى:ولك مالك وقفت ،ردت الغنمة:حا ولك مالك وقفت ،ارتفعت وتيرة الضغط النفسي عند موسى وعبأ البارود فشكة وباتجاه الغنمة قتلها أو أنها تلاشت ولم يعد يسمع لها صوت ،وواصل طريقه حتى وصل صباح يوم الثلاثاء إلى السوق العامر باع محصوله ورجع إلى بلده فرحا مسرورا.

تعرف موسى محمد في سوق اللد على عربي مسيحي يدعى يوحنا الأسطه وأبرز خصاله انه لا يعرف التمييز بين العربي المسلم والعربي المسيحي اخذ هذه الفلسفة عن المسيحيين الذين حاربوا مع صلاح الدين في حروب الفرنجة،وربما تأثر بتاريخ وتراث ابن العوام.

لقد زار أم الغنم وتعرف على موسى ونام عنده ليالي وسارت بينهم صحبة قوية وجعل من موسى وسيطا له يشتري جلود الذبائح في عيد الأضحى ومناسبات كثيرة،ويربح مقابل خدمته وقد نام في بيت موسى عدة مرات واكلا وشربا الزاد كما أن موسى نام في بيته واكل في داره،وسار بينهم زاد وملح.

قال علي الحمد لموسى:يا موسى نام في بيت المسيحي وكل من أكل اليهودي.

رد عليه موسى: دشرك من هالحكي يا صديقي أكلت ونمت عند العربي المسيحي

يوحنا الاسطه وما وجدت منه إلا خيرا دعك من الأمثال ليست كتاب مقدس.

ما أكثر المواسم والمناسبات التي تذبح فيها الأغنام في أم الغنم وجميعها مظاهر تعبر عن أهمية الدواب فالذبيحة في العيد والذبيحة في الونيسة والفقدة وعقد البيت والنذر والضيافة وأشياء كثيرة لا تخطر على بالك.

ولما كانت الجلود تدخل في صناعة الملابس والأوعية كالجونة وحلس الحمار وغيرها،لهذا ازدهرت العلاقة بين مدينة اللد وقرية أم الغنم وتوسعت لتشمل مناحي كثيرة في الحياة.



مختار جديد في أم الغنم

تفتقت عبقرية المصلح السلطان محمود الثاني في وضعه للتنظيمات الإدارية المختلفة ، والتي تناولت التعليم والجيش وإدارة الولايات ،ومنها تعيين المخاتير في البلاد وعرضها لتنفيذ المهمة وتطبيق القرار تحت عنوان : المختار أداة السلطة الطيعة ورجل قدير يتولى مسؤولية قريته يقوم بالمهمات والمسؤوليات التي تطلبها الدولة من رعاياها للتنفيذ والتطبيق .

كان سعيد السلمي أفضل رجل في بلدة أم الغنم وناحيتها مؤهلا ليحتل منصب المخترة الجديد والسبب معروف لأبناء بلده فقد أعطاه الله لسانا رطبا ونديا ومقدرة فائقة على جذب انتباه الناس وهو كريم وجواد في ضيافته ، ولديه سخاء لا يعرف حدود ،كما أن داره الواسعة بما فيها من بيوت أو عقود ذلك الزمان وعليهما درج وبوابة واسعة يعبر منها الجمل وهذا ينسجم مع المثل القائل: إللي بدو يصير جمال بوسع باب داره ،وتم تبليط ساحة الدار ببلاط ركي أو رقيق وتصل البلاطة إلى متر مربع ، وجمال البلاط وردي يميل للحمرة المأخوذة من التربة الطينية، والملاحظ انه قطعة من أرض المقاطع غرب البلد ، وظلت شواهد القطع بارزة حتى اليوم .

زادت مساحة بيته عن دونم ويلاحظ أنها صارت مضرب مثل : قالوا : أي هيه دار سعيد السلمي ؟، قسمت عقود أو بيوت هذا الزمان التركي إلى قسمين وطابقين علوي ينام على سدة أهل الدار وسفلي تنام فيه الدواب كالخيل والبقر والحمير والجمال ، الغريب أن سعيد السلمي لا يعير انتباها للجمل الذي يغدر ، ربما لأن سعيد لم يغضب الجمل ، أو لأن الجمل لم يجد في سعيد ما يستفزه ، وإذا كانت قصة الجمل الذي أكل صاحبه يرددها الجميع .

إلا أن سعيد توكل على الله ولم يقصر في جمله وأطعمه ولم يبخل عليه لهذا كان ينام هانئا وسعيدا غير مبال أهو بعيد أو قريب منه .

مرت التقلبات والتغيرات الجديدة وقوانين التنظيمات العثمانية، واستشار الباب العالي الملتزم عبدالهادي الجماعيلي أو الوزني أو الحبلي أو الديراوي كما سموه والسبب أن الناس بتتوجهن للواقف،حيث راحت تتملقه عامة الشعب الذي طأطأ رأسه كما تطأطئ الغنم ، وبدا الجماعيني كما لو كان كبشا بين مجموعة أغنام مستسلمة لا حول لها ولا قوة ،كان أول ما خطر في فكره أن يعين سعيد السلمي مختارا لهذه المهمة.

أرسل عبدالهادي في طلب سعيد وأن يأتيه إلى قصره ومقر إقامته في حبلي، وهي غير بعيدة عن أم الغنم .

هّم سعيد بدخول القصر واستقبله خدم عبدالهادي ومنهم الملقب بالعتريس والعتريس مثال للعناد والعباطة، ومعه حليصة وخبيصة وعليقة وجميعهم صنف واحد ينطبق عليهم قول وافق شن طبقة .

ـ أه يا أبو القاسم شو المطلوب مني ؟.

ـ أخي سعيد أنت أمام مهمة جديدة وعليك العمل معنا والتقيد بنواميسها.

ـ أفصح يا أبو القاسم .

_ يا سعيد بحثنا في قرية أم الغنم ونواحيها ، فما وجدنا أنسب منك، وتعينك مختارا أو عمدة للقوم في بلدك .

_ شو طبيعة الوظيفة هذه ؟

_ ـ أنت رجل للدولة تنوب عنها عند قومك وبلدك وعليك تنفيذ ما تطلبه منك وتكلفك به، ونسلمك ختم خاص لختم الأوراق والطلبات وإلك بعض المزايا إن أحسنت إدارة قريتك وخدمت الباب العالي بصورة حسنة.

ـ أبدى سعيد استعداده لخدمة أبناء بلده.

وأردف الجماعيلي سنأتي للقرية ونبلغ أهل القرية بتعينك وان عليهم قبول الأوامر العلية والسنية لدولتنا التركية دولة النبطشية .

ـ حضر الجماعيلي في عصرية يوم الجمعة من شهر تموز 1858 وهو شهر التحولات في الدولة ومحاولة جادة لعصرنتها وتهذيبها ويقال إصلاحها حسب الطلبات الأوروبية .

كانت معه مجموعة من الخيالة واستقبلهم المختار وبعض أقاربها عند أبواب القرية في مدخل الصبر ونبات العرقد وكان ارتفاعها أعلى من مترين ، وكانت طريق القرية لا تستقبل سوى الجمل والشيخ ولم تعرف القرية الشوارع الواسعة ولوحظ أن بيوتها مكتظة،ودعيت كل مجموعة من بيوت العائلات فيها باسم الأحواش ، ولكل عائلة حوشها .

رغم ذلك كان للقرية مركز واحد للضيافة وهو عبارة عن ساحة وشجرة توت وأرض مبلطة ، وتختلف الساحة والشجرة من قرية لأخرى، ففي أم الغنم كانت توته،وفي أم الكباش كانت شجرة جميز . بينما في قرى أخرى كانت خروبة وفي غيرها سدرة وربما زيتونة أو بلوطة أو تينة وسميت بعض البلاد حسب الشجرة المشهورة بمجلسها، وهكذا كانت قرى تسمى باسم أم التوت وأم البلوط وأم الجميز وأم التين وكثير منها دمر وهجر وأصبح في خبر كان أما الغريب لماذا لم تسمى هذه القرية باسم أم التوتة؟

ـ أرى أن السبب هو أن الغنم فاقت في شهرتها واعتبارها في هذه القرية ،وإن تربية الحيوانات كانت تتفوق على الزراعة فيها حتى أن هذه القرية جربت تتملص من الزراعة خوفا من دفع ضريبة العشر وأحيانا كانت تركن لسرقة المحصول والتعدي على غيرها وترى في الدواب أسهل وسيلة لكسب العيش .

أثناء إبلاغ الخبر من قبل الجماعيلي لأهل البلد كان شخص من بني شنار يبدي تذمره واستيائه وربما يهمهم ويدمدم ويتمتم ويحفر، فيما ظهر الفرح على محيا بني عواد.

شعر سعيد بنوع من القلق وكأنه حُمل على شيئ لا يريده أو اكره عليه، ويشعر أنه أصبح مأسورا ومقيدا لمهمة جديدة ، وطرح سؤالا وردده في نفسه : ماذا لو قصرنا في خدمة الدولة ؟

ما الحدود التي سنتعامل بها ؟.

مرت ثلاثة أعوام أو أربعة لا أذكر جيدا ، حيث لا توجد مفكرة أسجل فيها أحداث ذلك الزمان وقد اعتمدت على المشافهة .

كنت مسرورا لتعيين هذا المختار ميسور الحال وأشعر أن فيها قوة لقريته ولقراره الذي سينافس أبو القاسم ، فهو غني والغنى لله وعنده مائتي رأس غنم وأربعين رأس بقر بلدي وفرس سماها نورة من خيل العرب الأصيلة، اشتراها من جبل حوران وقيل عنها روايات كثيرة وأنها من خيل عنترة العبسي التي ضاعت وفرت إلى فلسطين بعد قتله، وهذا ما جعلني أتنبأ بأنه لن يستمر في علاقته مع ظامن الويركو ثقيل الدم و الظل .

مرت السنوات من الهدوء في علاقة الجماعيلي بأبناء أم الغنم حتى جاءت أحداث تنغصها . راح الملتزم يقرب البعض من بني شنار على حساب المختار ويحابي عائلة على حساب الأخرى، ويحاول التقليل من هيبة المختار.

احتج المختار سعيد السلمي للملتزم بعد زيارته له في قصره في بيت وزن ومعه مجموعة من بني عواد.

قال سعيد للملتزم: يا ملتزم بدأت ترهقنا بدفع الضرائب وتزيد عن الحد المطلوب وبدلا من أن تأخذ معلوماتك عن أبناء القرية من المختار – أي مني- صرت تأخذها من غيري وهؤلاء لا يصدقونك القول ويكذبون ويحملون الناس أحمالا فوق طاقتهم حتى أن عبد الظاهر كاد أن ينتحر قبل أيام والسبب أن النبشطية والطلقجية والخمعجية فرضوا عليه الضريبة وطلبوا منه دفع أربعين طابة وكل طابة ست صاعات مع الم أن دفعها قبل أيام.

قال الملتزم: معقول هذا يا سعيد من أين لك هذه الأخبار؟

- هؤلاء رجالك أسالهم وستعرف الحقيقة.

- لا لن اسمح بذلك وأنا لا اصدق ما تقوله.

- صدقت ولا عمرك تصدق هذا القول ،أنا موش كذاب.

كظمها الملتزم،وقرر الخلاص منه ومن أمثاله وأخذ يشد باتجاه بني شنار ويتخذهم شلة من شلله.

مضى عام أو يزيد وحاول فيها الملتزم أن يتقرب من سعيد، وقال: يا سعيد توجد لديك فرس أصيلة شقراء، هل تبيعها لي؟

- يا حضرة الملتزم هي أعز ما عندي أطلب غيرها أما هذه فهي لي وليست للبيع ولا للشراء وبإمكانك أن تأخذ من خلفها بعد عشارها إذا شئت.

- أنا بدي هذه وبس، وشد على شفتيه وحرك عصاه.

- بالغصب ما عندي إشي إفعل ما تشاء.

مرت أيام وذات يوم حضر أحد المساكين الى بيت سعيد السلمي ،ويلبس ملابس رثة، وتظاهر بالفقر والمسكنة ، وطلب من سعيد أن يأذن له بالنوم بباب الدار.

قال له سعيد: وطعامك وشرابك ألا تريد أن تأكله.

أجابه المسكين: شربت وأكلت ولا أحتاج سوى النوم.

تساءل سعيد في نفسه لم لا يريد أن يأكل أو يشرب ويطلب النوم فقط، فسأله: يا رجل استحلفك بالله هل تأكل وتشرب؟

- اشكرك شكرا جزيلا، إن بطني به مغص واحتاج التفريغ ولا يلزمني أكل حتى أشفى، أرجو منك أن تحضر لي بطانيات وغطاء وشكرا لك.

كانت لهجته قريبة من لهجة القيسيين في الخليل و بتير ودورا.

مضت ساعات نام فيها الشيخ سعيد مع أولاده وزوجته، وتسلل الخليلي إلى فرس سعيد وركبها وطار بها إلى دورا الخليل.

استيقظت عائشة زوجة سعيد وصاحت: يماه الفرس راحت؟! يماه راحت زينة الخيول؟!.

خرج سعيد دون أن يلبس حطته وعقاله ورأسه مكشوف، وصاح سرقها لعين الوالدين.

ذهب سعيد إلى صديقه محمد الشبيطي في عزون، وشرح له القصة التي تنفض البدن، كما رد عليه صديقه: يا سعيد لقد خطط لسرقتها الملتزم ابوالقاسم وأرسل هذا الخليلي وهم من أحلافه في دوره أنهم حلف، واحد وكانوا في نفس الصف يوم وقعة خروبة وراس ابن سمحان. علينا أن نقوم بعمل لم يتوقعه، وهو أن نصادر أغناما لأقاربه من دورا يعزب بها صاحبها عند الرزازة ووادي الرشا.

أرسلوا مجموعة من بني عواد وبني شبيطة واخذوا الأغنام والأبقار.

" ما ذنبي يا ناس يا عالم قالها صاحب الدواب؟ "

- ذنبك على جنبك أن قريبك اخذ فرسي أرجعها وخذ أغنامك.

- يا ناس في دورة ثمان وعشرين عائلة هل أنا مسؤول عنها وعن أعمالها؟

- نعم أنت المسؤول عنها، روح عليهم وبلغهم باللي صار وموش رايحين انحل عنك، أفهمت يا سيد.

ذهب المستعين بالله إلى دوره وشلح حطته وعقاله ورماه على الشيخ حسين العمرو في دوره، وقال: يا شيخ بجرايركم وعلى سبايبكم راحت الغنم والدواب.

... بحثوا في الأمر وارجعوا الفرس وتصالحوا ورجعت الدواب، إما سعيد فاخذ قراره بترك أم الغنم بعد إن علم إن مجموعة من أبناء القرية تأمروا عليه ولكنه لم ينسى فعلة الملتزم وأساليبه الإرهابية، وذهب للمتصرف في نابلس وطلب منه الاستقالة من المخطرة وتعيين غيره لهذه المهمة.

سأله المتصرف: ما بالك؟

رد عليه: لا قيمة للمخترة في دولتكم وان الملتزم نغص علينا عيشتنا وحالنا وحالكم دعونا من هذه الوظيفة.

- انت تتجنى على الملتزم سكتر وانخم يا سعيد .

ما ان استقال سعيد السلمي من وظيفته حتى عمت البشائر في عائلة شنار، قال أحدهم: المخترة والزعامة يجب أن تكون فينا نحن لها وان عظمت.

ذهب وفد من حمولة شنار ووفد آخر من بني عواد للملتزم أبو القاسم وكل يريدها مخترة في حمولته ويطلبها له، وقد كتبوا عرائض عديدة، لكن الملتزم قال بصراحة ووضوح: يا جماعة إنا سأريحكم من هذا العناء، لا تتعبوا حالكم من زمان خططنا " جراب" و" جعوان" لهذه الوظيفة عند الحمولتين في البلد.

اندهش احد الساعين للمخترة وقال: أليس من حقنا إن ننصب شخصا نراه مناسبا لهذه المهمة.

رد عليه الملتزم: لا إنا من اختار الأشخاص ومن يناسب مصلحة الدولة العلية العثمانية.

ساءت حال أم الغنم كثيرا بعد مجيء هذين المختارين الذين لم يدخرا جهدا في التخريب والتفرقة والإكراه والضغط والإفساد مستعينين بسلطة الملتزم وبغياب دور الوالي والباب العالي والسلطان.

وفي ذلك الوقت قال سعيد السلمي لابن عمه محمود العبدالله ولأحمد الخالد يا الله شو هال دولة مريضة ولا حياة ولا رجاء في شفاها شوف كيف بدت تسقط في حضون الانجليز والفرنساويين، سمعنا انه الجزائر راحت ومصر كمان واليمن ثايرة ونحنا شو بقي لنا.

زودها أبو القاسم على الناس كثير وكذلك جعوان وجراب وأكثر مصيبة من مصايبهم أنهم فرضوا أربعين طبة على ذيب الأعرج وحضروا مرة ثانية على البيادر وفرضوا خمسة وعشرين طبة، والرجل يرجوهم ويقول: يا ناس اسمعوني لم يبق عندي شيء، لا محصول ولا علف فمن أين ابذر وازرع الأرض أو اطعم الدواب، وزادوا عليها صادروا زوج البقر والعمالات التي تحرث الأرض عندها لم يكن إمامه إلا إن يعلق نفسه في شجرة ليشنق نفسه،

لكن الله ستر ولطف لحقوه في أخر لحظة ومسكوه وترجوا له عند الملتزم الذي ارجع له العمالات وبعض الطبات.

واصل مخاتير أم الغنم أساليبهم القاسية وكانوا كخيال الظل يرافقون الملتزم وينافقونه، ولم يدخروا وسعا في صرف القرية لمصلحتهم يا ألله ما أسوأ هذه الشخصيات وما أسوأ هذه الفترة من التاريخ، قالها لي أحد أبناء القرية من المعمرين وبمرارة ارتسمت على جبهته العريضة التي تشققت من صروف الزمن والمحن.

انتهى الناس من حصاد المحصول وعملت الخيول على نوارجها ولم يدخروا جهدا هذا الفلاح المغلوب على أمره في أن يتحين فرصة هبوب الرياح حتى يُّذري القمح والشعير ،وقبل أن ينقل غلته ومحاصيله المنتجة للخوابي والصوامع التي فصلت من الطين وجعلت حسب نوع المحصول ولها فتحات في أسفلها،أغلقت بخرق. أبلغهم المختار جعوان الذي كان أقدر من أبو جراب في فرض سيطرته وهيمنته وأقرب للملتزم ولقلبه أو لمصالحه، وجمعهم أمام الجماعيلي وراح يخطب فيهم ،وقال:

يا أهل البلد إن أبو القاسم الجماعيلي يطلب منكم أن تبقوا الغلة والمحاصيل على البيادر حتى يأتي المخمن ويقدرها،ولقد أعذر من أنذر هذا بلغ من سيادة الضامن .

اللهم إني بلغت فاسمعوني وعاد وردد التعابير وكرر الجوقة نفسها.

استاء أحد الفلاحين وقال : أي أنا بحرث وبدرس لأبو بطرس هذه ليست حياة سآخذ بعض الأكياس في الليل وأخذها لدارنا وما حدا شاف حدا.

أحضر حماره وتسلل ليلا وملأ خرجه ووضع كيسا آخر وقام بربطه وزرده وتعقيده ودخل بيته وهو يظن أن لا أحد يشاهده.

نظر جعوان غير بعيد وأسرها في نفسه أيظن هذا الحمار وصاحبه أننا لا نراقبهم ونراهم سأربيه.

حضر أبو القاسم الجماعيلي إلى القرية وقبل أن يدخل إليها من الجهة الشرقية من بوابة الصبر والعرقد في الجهة الشرقية منها ،واستقبله جعوان وأبو جراب عن حمائل القرية ،وكانوا منهمكين في إرضائه والترحيب به والتبرك منه وراحوا يقتربون ويتذللون كما لو كانوا يتبركون من الكعبة.

سأل الملتزم أحد المخاتير : ما أخبار المحصول في هذا العام؟.

إن شاء الله فش سرقات وتزوير.

ـ ولو يا حضرة الملتزم لا لا تخف ونحن قائمين على خدمتك .

لم يكن سعيد يتجاوب معنا كان يخفي أشياء كثيرة ويعادينا ومن يعادينا تعزله عن وظيفته وحكمه.

أحفظوا دوركم مليح إن دوركم المنوط بكم أن تكونوا نواطير فقط كناطور بستان الفنش في بيت جبرين أو كرم ياصيد وتقومون بالتبليغ عن الحرامي والسارق وعن صاحبه وانتاجه وتسويقه ونطعمكم بعضا مما نأكله وما تبلغون عنه ، ولكم منح وعطايا تقديرية تأخذونها من رقاب القطاريز والحراثين.

رد جعوان : ياحضرة الشيخ إنني أراقبهم نهارا وليلا وبالأمس شفت فلاح يخبئ قمحا وينقله إلى الخوابي ،وقبل أن نذهب إلى غيره سنذهب إليه.

سار الشيخ ومعه ثلة من النواطير والحرامية إلى شجرة الجوز وهناك عاد ليلقي خطابا في الفلاحين جاء فيه :

يا أبناء أم الغنم أحكوا واذكروا الصحيح اليوم يوم التحصيل والتخمين والضريبة التي تدفعونها على النبات والحيوان والإنسان العشر والويركو والمسقفات .

بادر فلاح حضر الخطاب : قديش النسبة؟.

ـ سنأخذ منكم حسب المطلوب لا تكثر أسئلتك.نحن نحددها عشرة في المية أو خمستاشر في المية موش مسؤوليتك يا فهيم .

أخذ يتجول في أراضي أم الغنم ويحصيها ويشمر جعوان وأبو جراب عن سواعدهم حتى وصلوا بيت وهيب الحامد وسألوه :قديش أنتجت في هالسنة؟

ناتجي على البيدر.

رد عليه جعوان كذبت.

ـ أنت الكذاب وأسرع جعوان نحو وهيب ،وأردف تعال ياشيخ وانظر أكياس القمح في داره ولك أنا شفت وأنت محملها على الحمير ليلة أول أمبارح .

ذهل وهيب وامتقع لونه وهجم عليه ليضربه في دكران ، ولكن زلم الشخ مسكوه وضربوه .

عندها هم البعض من أقاربه بالهجوم على مخاتير الملتزم ولكن الطلقجية وحاملي الأسلحة وعددهم ست وعشرون حالوا دون هذا العراك .

مضت شهور وتراكمت المنغصات ففي نيسان سرح وهيب إلى أرضه في شقفان الغراب وشاء القدر أن غنمة أصابها دوار وأخذت تتمرغ في الأرض فأسرع إليه وبموسه ذبحها ،وقال لأخيه عزام الأهبل خذها على البلد ، ومر عزام قرب بيت المختار ومن حارة بني شنار ، بدت شياطين الإنس تحيك الدسائس.

راحوا للشيخ واشتكوا له أنه ذبح بقرة بعد أن سرقها من المختار.

حضر الشيخ للبلد وقال أين وهيب ؟

ـ خير إن شاء الله يا حضرة الشيخ .

ـ أنت سرقت عجل للمختار أين العجل ؟

ـ أنا ما سرقت ولا ذبحت عجول .

ـ لا ذبحت عجل .

ـ يا حضرة الشيخ أنا ذبحت غنمة وسأحضر بعض اللحم الذي بقي منها .

لم يشفع له ذلك فقد شهد الجميع مخاتير وحضور أنها لحم عجل .

عندها تفجر وهيب غضبا وقال يلعن أبوهيك بلد اللي ما بتميز لحم الثور من لحم العجل والله ما ظل اللي مقام في هذه البلاد.

قال الجماعيلي قبل ما تروح فرضنا عليك عشر مجيديات وبعدين وين ما بدك روح.

ـ انتهز فرصة حلول الظلام وقرر الهرب من دفعها وقرر الرحيل إلى أم العلق في حياض شيخ قبيلة صالح الزيناتي وأنذر نذر أنه لن يعود إلا بعد عزل الجماعيلي من ناحية أم الغنم .

+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

واصل الجماعيلي مضايقاته لناحية أم الغنم ، وتصرف في مقدراتها وخيراتها وغلالها ،ولم تعد الخوابي عامرة بالغلال ،وعبر عن هذا الموقف فلاح من عرابة :

سقا الله على أيام عمنول والملقى والسراحة سوى

ورد شحادة الكحوتية من كفر عطية :

ملعون الحراث وهويته ما جاب للعروس شنبر

اهتم موسى المؤرخ بتدوين هذه الحقبة من الظلم والظلام ،وسجل على جلد غزال اصطاده في سهل حوارة ، و على أوراق اشتراها من سامري في نابلس أو من مطبعة في يافا ودّون في تاريخه : بعدما ضجت والبلاد وهلكت من نظام وتنظيمات الدولة السنية العلية وأن الشعب ينتظر بفارغ الصبر اليوم الذي يتخلص فيه من حكم كباش وأوباش بني عثمان .

كان الفلاح ساري يردد ذات يوم وبصوت عالي "لوماك ركبتك على حماري ما عرفت شو في خرجي"

وينطبق هذا الحال على ناحية أم الغنم . ظلت عشائر أم الغنم ونواطيرها تستقوي بالغريب وبالشيخ الجماعيلي ونرى أن بني شنار وضعوا نصب أعينهم توريط عائلة الغريب وارهاقها في دفع الضرائب حتى يسيطروا عليها ويدخلوها في حيازتهم .

ونجحوا في الايقاع بينه وبين عائلة الغريب ، حيث أخبروه أن لديها أجمل البنات وبإمكانه أن يطلبها لأبنه وابن أخيه.

قبضها الزلمة ساغ ودخلت على قلبه أحلى من العسل ، وقال في نفسه :أكيد موش رايح محمود الغريب يرفض طلبنا بل أنه يتشرف بنسبنا .

حضر الشيخ الملتزم إلى محمود الغريب وطرق الباب .

خرج محمود من باب بيته الخشبي ونظر للطارق وفوجئ بقدوم الملتزم وقال :خير ؟

ـ ولو أسمحنا نعبر يا رجل ،هذه موش عادة العرب.

تفضل ،وأجلسه على جعد غنمة.ومخدة صنعت من الصوف وزنها لا يقل عن ست كيلوغرامات.

سأل محمود عن سر قدومه،فأجابه بنا ضريبة من نوع جديد.ـ لم يبق غير نسائنا.

لا موش هيك يا محمود .

ولا اشو المطلوب؟

المطلوب أن نزوج الصفيرة عزيزة من أخي سليم ، وتزويج عبلة من ابن أخي عنتر.

ـ هز محمود رأسه وقال : هذه ليست عندي وقرارها عند أهلها وأولاد عمها،وأنت بتعرف ابن العم بنزل عن الفرس.

ـ لا تكملها .

دعا محمود الغريب أبناء حمولته إلى مضافته في سنة من سنوات الحكم الحميدي،وكانت الليلة مدلهمة بالظلام الدامس ،وكان خرير الماء مسموعا وهو يتساقط من أعلى قباب البيوت المقببة،وضوء أسرجة خافتة تضيئ زوايا الظلام والنسيان والإهمال عند بني عثمان، واجتمع كبار وملاكي عائلة الغريب وبسط لهم محمود القصة والحديث ، وحضره سلمان ووهدان وعبدالله وذيب

وقال :ـ مسيكم بالخير يا أبناء العمومة.

ردوا الله يمسيك بأنوار النبي.

ـ يا جماعة أجا الملتزم لبيتي وفحوى الموضوع أنه طلب مني بنات ثنتين لأبنه ولأبن أخيه.وأقول لكم أنها شبه مفروضة عليه أعتقد أنكم تعرفون معنى مخالفته ورفض أوامره.

ـ رد ظاهر العنيد موش رايحين نعطيه بناتنا حتى لو صادر مالنا وأرضنا وعيالنا، هذا موش نسب قد بعضه.

قال هادي : صبرا يا جماعة خلينا نشوف حل أنسب

ـ رد محمود ما الحل عندك؟

ـ علينا أن نبحث عن نسب عائلة الجماعيلي في كتاب الأنساب المحفوظ في قرية زربا.

ـ قال عليم العلي : لا تتعب نفسك أصل عائلته برامكة من جعافرة الفرس طفشوا في طول البلاد وعرضها بعد مذبحة هارون الرشيد .

ـ رد هادي معنى ذلك أننا سنحضر أنفسنا للفلقة .

أجمع الجميع على رفضهم لجملة أسباب في الأصل والحسب والتناظر وعدمه وتزويجهن من أبناء عمومتهن.

نقل محمود الغريب رفض العائلة للملتزم الذي هز رأسه وقال بسيطة

مضت بضعة شهور وقد بيتها الملتزم وحضر ويرافقه مخاتير أم الغنم وكلابه السلوقية والطلقجية من البواردية متوجهين اليها كجيوش مغولية وتترية .

قرعوا بيت محمود الغريب منذ ساعات الصباح الباكر.

ـ آه خير شو فيه.

ـ بتشوف الخير ، جئناك لأخذ المعلوم والتحصيل الضريبي .

ـ دفعناها الضريبة والسنة ما خلصت.

ـ هاي ضريبة أخرى.

ـ نعم ضريبة ايش ما شاء الله .

ضريبة الرفض والتطاول على الأسياد وإعلان العصيان .

لم تمض سوى هنيهات حتى قاموا باعتقاله وربطوه وكتفوه وحملوه في خرج جمل ونقلوه إلى قصر الجماعيلي في قرية الحبلي ،وهناك وضعوه أمام ساحة القصر وأحضروا له قمحا مقليا ودهنوه بالعسل بعد أن عروه وطشطشوه وكووه بالنار وهو يصيح ويتأوه.

حتى امتلأ جسمه دحاميس وبثور.

أشفق عليه ابن عمه جبر بعد أن سمع أخباره وهو يقيم في الزاكور وقال هاي الضريبة التي طلبتوها وحلوا عنه من فضلكم .

لم يتحمل محمود هذا الضغط والاقامة مع جلاده ، وقرر أبناء العائلة الهجرة إلى شمال البلاد وجنوبها ، وتفرقوا حتى يترزقوا ، وكانت هجرة عشرة منهم إلى صبارين عند حيفا وأربعة إلى خلدة عند الرملة وهاجر اثنين لرام الله.

كتب موسى في مفكرته أن جميع ختيارية ووجاهة عائلة الغريب هاجروا من بلدهم إلى نواحي فلسطين ولم يبق منهم سوى البائسون والرثة والهمل ومن إذا طمللها بفوت.

ذهب جعوان وأبو جراب إلى الشيخ الجماعيلي وطلبوا منه التصرف بالأرض وتوكيلهم في إدارتها ، وسيدفعون له ضريبة عليها ، وعلى هذا كان الاتفاق.

كان على جراب وجعوان وأبو جراب وجميع الشلة المخبورة أن تتجه صوب هدف جديد تضايقه وتدفعه نحو الهجرة للسيطرة على أرضه وعليها أن توجه سهامها نحو بني عواد في هذه المرة، فقد بقيت بحوزتهم أراضي كبيرة وملكيات واسعة.

كتب موسى المؤرخ أن أسوأ الأشياء في حياة أم الغنم ونواحيها حالة الاحتراب العائلي والعصبي وربما الاستقواء بالغرباء حتى أن ثلث أراضي أم الغنم أصبحت مصادرة من قبل الملتزم وتذرع بفك الرهن من قبل أصحابها، الذي كانت رهبته شديدة وإن سماع صوته أو قدومه للناحية كفيل بحل زردات الظهر ووقف الماشي عن مسيره ، وانتهز فرصة عجز الفلاحين عن الدفع فرهن أراضيهم ومعاصرهم وأحيانا صادر عمالاتهم ، ومن كثرة مصادراته وسيطرته غير اسمها بعض الناس وسموها لبلد الشيخ قاسم ، ثم زاد عدد الفارين خاصة إلى الشمال إلى سهل مرج ابن عامر، وأخيرا ألح عليهم الشعور والإحساس أن عليهم أن يفعلوا شيئا ما .

سأل أحد أبناء كفرقرع ضيفا له جاء من نواحي أم الغن شاردا من الملتزمين فيها :شو سبب اختيارك لبلدنا ؟

أجابه :أشعر أنه هنا نسمات لاتتوفر في أماكن أخرى.

$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$

كان سعيد السلمي رجل المهمات الصعبة وعليه تعول أبناء القرية وناحيتها فهو الوحيد القادر على السفر إلى استنبول أو إلى بيروت ولكنه اختار الإقامة في خربة من نواحي أم الغنم ويظهر أنه اعتكف عن مخالطة الناس وتوثيق الصلات بهم ، ويثور السؤال في خاطر الكثيرين هل هو الشعور بالكآبة أم هو انتظار لمجهول أو ساعة الصفر التي تؤذن بانطلاقة جديدة أو حالة يقظة ووعي لما هو جديد .

استاء سعيد السلمي من مواقف أبناء بلده أم الغنم والتفافهم حول الغرباء ومعاداتهم للأقرباء ،وتسليمهم وخنوعهم كما لو كانوا غنما تخضع لقطيع وتركها بعد أن تآمر الجماعيلي مع بعض أبناء بلده ،الذين خططوا معه لسرقة فرس عربية أصيلة لسعيد اعتنى واهتم بها أكثر من اهتمامه بأولاده الذين ترك أمر رعايتهم لأمهم بينما كان يغسلها ويدللها واشترى سرجا وركابا واهتم بطعامها وأحيانا كان يتقرب منها ويحادثها وسرعان ما يسمع صهيلها.

امتعض من سلوك أقاربه واتجه صوب قرية اعزاز المجاورة لبلده عند صديقه ثائر الشبيطي ،وهنا التف الناس حوله وأحبوه وعمر بيته، وكان كمضافة عشيرة وانسحب الناس من مضافة ثائر الشبيطي عندها دبت روح الكيد والحسد في فؤاده ،وحضر يوما إلى بيت صديقه سعيد وبعد حديث قال له : اسمع يا سعيد عمره ما ارتبط حصانين على مدود .

رد سعيد مستغربا : ماذا تعني يا صديقي؟

قال الشبيطي :ـ إما أنا وإما أنت في قرية اعزاز .

ـ هي بلدك وأنت أحق بها وأنا ضيفك ،وهذه ليست من شيم العرب وسأتركها لك .

صوب اتجاهه هذه المرة إلى قرية من قرى الصعبيات وتدعى جلجال ،واستقر في كرم صبرة وبنا له دارا فيها ،مرت عامين أو ثلاثة وتعمقت علاقاته بأبناء القرية والتفوا حوله ،وكأن روحه وفكره فيهما جاذبية لم يعهدها من قبل وحسده شيخ قبيلة الجيوشي شيخ الصعبيات،فتآمر عليه وأرسل بعض الزلم وحرقها دون أن يبلغه بالرحيل عنها.

اتجه سعيد صوب أقاربه في خربة قريش وشاورهم فيما جرى له والانتقام من شيخ الجيوشي ، والذين جمعوا بارودات تركيات وقرروا شن هجوم على قرية جلجال ،إلا أن صوت العقل والضمير نبههم إلى أن القوة غير متكافئة وأن عدد المقاتلين والسلاح لا يتوازى أو يتساوى إذ كان ما لديهم من أسلحة ورجال عشرة أضعاف مسلحي قريش أي ستون مقابل ستة ،وجاء تدخل شيخ قبيلة بني كشك ليمثل خشبة نجاة لسعيد وأقاربه الذين أعربوا عن استعدادهم للصلح مقابل دفع شيخ الجيوش تعويضا ماليا ثم عادوا ورفضوه حسب تقاليد العرب ومروءتهم وشهامتهم في هذا الزمان .

زادت ضغوط الجماعيلي على عشائر ناحية أم الغنم حتى أن بعض حلفائه من بني شنار تعرضوا لمضايقته ،وارتفعت الأصوات المطالبة بالخلاص ولكن من أين تبدأ المقاومة ؟

ومن يدفع مالا لشراء ضمان المنطقة ؟

قرروا السفر إلى أحد المنافسين من قرية ديراسطيا المجاورة ،والتي يقيم فيها عثمان الحجلي وزاروه في بيته ومكثوا ثلاثة أيام وربع في ضيافته ،وشرحوا له حالة البلاد وأن الدنيا اسودت في عيونهم .

فكان رده :أن قام بعمل استعراضي ثم أحضر حبلا غليظا وقطعه أمامهم،وقال سنقضي على ضمان الجماعيلي مثلما قطعنا هذا الحبل، واتفق معه على أن يسافروا إلى نابلس أو بيروت أو استنبول ويشتكوه في أي المراكز .

قال سعيد: سنتدرج فيها واحدة واحدة.

ـ سنشتكي أمره إلى أمير اللواء في نابلس

رد سليم وهو أخ لعثمان: لن تحصلوا على نتيجة لأنهم مرتشين ومبلوصين.

ـ بنجرب هالمرة.

مضت أيام وذهب سعيد إلى نابلس ليشتكيه في محكمتها.

حضر القاضي التركي الوجه والشوارب الكثيفة التي تغطي فمه الكبير ويلبس طربوشا أحمرا ويغطي رأسه المدرفس و المفلطح، ووقف الشاب سعيد الذي لمعت عيناه في تحدي صارم ، وتجلت روحه الشبابية على محياه.

ـ ما اسمك .

اسمي سعيد

ما دعواك ؟

ـ ظلم الملتزم.

ـ انت حمار بتطاول على أسيادك .

إذا كنت أنا حمارا فهذه المحكمة خانجي ورد عبائته على كتفه، وخرج من المحكمة.

بلغ خبر دعوى سعيد مخاتير ناحية أم الغنم وهم جراب وجعوان فقرروا الإيقاع به والبحث عن وسيلة للقضاء عليه .

رجع سعيد إلى بلده وعاد يخطط مرة ثانية لتسديد ضربة للخصم فما هي ؟

ظل الملتزم الجماعيلي وزمرته يضايقون الناس ويشدون الحبل على خاصرتهم الذين راحوا يتضورون جوعا ،ولكن المعارضة أخذت تزداد.

ظهر على مسرح الأحداث شخص جديد أطلق عليه القصاص، وسموه بهذا الاسم لأنه كان شاعرا يهاجم الملتزم ويقص قصص ظلمه ويهجوه في قصائد شعرية بأسلوب بدوي.

وراح يعمل عمل الحكواتي ويقص على أبناء القرى قصص الظلم في زمن قراقوش وحرب الزير سالم أبو ليلى المهلهل وعلي الزيبق ،ووجد شعره الترحيب والحفاوة وحفظه الناس عن ظهر قلب ،وأخذ يحاول استنهاض النفوس ويثيرها للاحتجاج على ظلم الجماعيلي.

أرسل الملتزم في طلبه وقبضوا عليه وكتفوه بلبش بيت بطيخ وسجنه الملتزم في الطابق الأرضي في قصره في بيت وزن ،ولكنه نجح وبعض أصدقائه في الهرب بعدما تفهم أحد الحراس أسباب اعتقاله.

هرب القصاص إلى منطقة بني صعب،وهناك ظل يهاجم الجماعيلي ،لكن الشيخ الصعبي قال له: يظهر أن لسانك طويل ، دعك من هذا العمل ، لا تحرجني في تسليمك للجماعيلي مرة أخرى . إن لي صداقات معه ولا تسمح لي بمهاجمته وعلاقة حسن جوار وإلا سيفلت الزعران في المنطقتين أو السنجقين.

دبر الجماعيلي مكيدة للقصاص تذرع فيها أنه سرق شياة من قرية تقع على الحدود بين السنجقين وطالب بتسليمه ،ووسط بعض الشيوخ وسلموه للجماعيلي

الذي راح يعاتبه في عمله وتظاهر بأنه سيفتح صفحة جديدة رغم أخطائه.

وقال له : دعك مما صدر عنك أنت في ضيافتي لكن خفف من شعرك المقذع ومن تحريضك.

...مرت أيام وإذا بجثة القصاص قد قذفت على حدود السنجقين في كرم صبرة،وبثت الدعايات من زلم الجماعيلي على أن الجيوشي كان وراء قتله.

أخيرا وصل جثمانه إلى قريته بعد أن ترك في العراء المكشوف أياما ،ولا زال قبره شاهدا على ظلم الجماعيلي وروايته تحكى حتى اليوم .

قال سعيد لم أكن أتصور أن ظلمه إلى هذا الحد وخبثه ودهائه بهذا المستوى من منكم يستعد للسفر إلى بيروت وإذا اقتضى الأمر إلى استنبول؟

أعرب أربعة أشخاص من عشيرة بني عواد والغريب عن استعدادهم لأن يشتكوه ،وهم سعيد العواد ومحمود العواد وسلمان الغريب ونمر الغريب.

ركبوا خيلهم وودعهم كبار العائلتين ،وخرجوا سرا وقبيل الصبح وعلى نجمة الزهرة واختاروا يوما داكن السواد شديد الظلمة بلا قمر ،ووجهتهم شمال فلسطين . مروا من قرى وبلدات كثيرة يظهر عليها الشحوب والتخلف والقهر والظلم ،واتخذوا محطات لهم في سفرهم وربما أفادتهم علاقة سعيد مع أبناء القرى،والذي كان رائده المثل القائل أن يكون لك في كل قرية جامع أفضل من القطيعة مع الناس،وجدوا أن الجميع يرحب بهم ويتجاوب مع خاطرهم ،ولكنهم اقتربوا من قوم سبق أن جلوا عن قريتهم في سهل عرابة البطوف ،ولهذا حينما سألوهم عند بلدهم أخفوا قصتهم عنهم ،وأنكروا أنهم من أم الغنم ونسبوا أنفسهم إلى عيرون.

بدأ اليأس يتسلل إلى نفوس نمر وسلمان قالوا هذه رحلة طويلة وشاقة أين بيروت لن نصلها من شهر.

قال سعيد :اصبروا والصبر مفتاح الفرج.

وحاول محمود تشجيعهم قائلا :سنصلها بإذن الله،ما بالكم أصبتم بالجبن والتخاذل.

وسرعان ما اشتد نقاشهما وتعاركا،حتى مر عنهما حبيب يوحنا: مالكم يا شباب؟

حدثه سعيد بأمر قدومهم فقال:يظهر أن تربة بلدكم تربة رخوة وفاسدة، وأن حالكم كحال الغنم قويكم يبطش بضعيفكم،ويصعب عليكم التحرر من الذل والهوان،إلى متى تدلون رؤوسكم كالغنم ،اذهبوا إلى بيروت أو استنبول وإنشاء الله للقلعة حتى تتخلصوا من الحكم الظالم .

يوم حرية تتنسموه أحسن من عهد ذل بتعيشوه.

قال سعيد أشكرك يا أخ.

ـ آه ما أسوأ قرية أم الغنم

قال نمر : بكره بتكسبوا القضية وأول ما بتقضوا إلا علينا،وأذا استلم عثمان ولا زيدان كلهم أسخام في أسخام واللي جاي أعطل من اللي رايح،وطول عمركم الكباش المتصارعة واحنا الغنم نشاهد مناطحتكم ولا نربح شيئا.

قال محمود :ما بلزم تحطوا العوائق حبيتوا تكملوا معنا أهلا وسهلا حبيتوا ترجعوا مع السلامة موش رايحين نبوس إيديكم.

ثم أن سعيد استشاط غضبا وقال :طالما دخلنا في ميزان الربح والخسارة فان هذا يضعف من عزيمتكم،إرجعوا إلى أم الغنم كغنمات أم عيسى أما نحن فسنعود إليها منتصرين وسننطح ابن قاسم الجماعيلي ونطرده مهما كانت النتائج فنحن راضين عن التغيير وليأت الحجلاوي أو السبعاوي أو الضبعاوي على أن يزول حكم ابن قاسم والتزامه ،وعندما يجرب السير على طريق سلفه فاننا سنعاود الاحتجاج والثورة عليه ولا نرضى بظلمه.

قادت المقادير سعيد ومحمود إلى بلدة الطيبة في جنوب لبنان أو جبل عامل،وصادف أن عائلة كانت قد هاجرت من أم الغنم قبل مائتي عام بسبب جلاء ونتيجة لطوشة وخلافات مع الأقارب ، وسألوا عنهم وتعرفوا عليهم في مضافتهم وديوانهم وتبين أنهم من بطون عشيرة العويدات .

رحبوا بهم واحتفلوا بمجيئهم وأقاموا حفلا وطربا واستضافوهم كعادة العرب ثلاثة أيام وربع وسألوهم عن غايتهم ، وكان شيخ العشيرة قد أجلسهم عن يمينه وشماله وتركهم يوسدون الوسائد المخملية المصنوعة من الصوف وذات الأوزان الثقيلة .

قال الشيخ ولكن يصعب عليكم الوصول للوالي لكثرة الناس الذين حضروا يشتكون الظلم والعدوان الواقع عليهم من المتنفذين والملتزمين وين ما تروحوا نفس المشكلة في أي ناحية وسنجق من سناجق ولاية الشام.

@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@

تابع سعيد طريقه ومسيره إلى بيروت عند جناب الوالي نصوح باشا ووجد عند باب القصر عددا كبيرا من العرب حضروا من نواحي عجلون ومعان والقدس ودير القمر واللاذقية ،ويشكو الجميع ظلم الملتزمين ويبحثون عن وسيلة للخلاص مما هم فيه .

دهش سعيد وابن عمه محمود من كثرة الناس فكان عليه أن يخطط للدخول للوالي بأسرع وقت .

قال سعيد والذي كان شيخا كبيرا بلحيته البضاء :اسمع يا محمود عليك أن تمسك في زناري وبدوري سأسرع وأصيح ياجماعة يوجد أمر عظيم أعطونا مجال نعبر.

اندفع سعيد كأنه سيارة اسعاف أو هلال أحمر وتحرك في مهمة في هذه الأيام مسرعا وطالبا السماح له بالدخول ووصلوا في وسط الساحة ،حيث توجد نوافير الماء وكان الوالي يجلس على أريكة عالية بشواربه الطويلة والملتفة من الجانبين .

قال الوالي من أين جئتم وماذا تريدون؟.

أجاب محمود من جوار بيت المقدس.

سرت رعشة في جسده عندما سمع هذه الكلمة وقال : . تفضلوا بالدخول

تفضلوا معكم ساعة ليس أكثر .

قال سعيد : يا والينا العظيم ويا سعادة أفندم هذه البلاد وواليها المفدى سلاما وتحيات مباركات من بلاد الغنم في أرض العرب لا العجم ، لقد استلم شؤوننا أبو القاسم الجماعيلي وراح يشدد علينا الخناق والظلم والاضطهاد حتى صرنا لا نزرع ولا نفلح وبعض الناس فروا في الجبال خوفا من مستحقات الضرائب وأحمالها الثقال ، وهذا دفع البعض لأن يفر فأصبحوا فرارية ومن قبض عليه دق الخازوق في ثقبه وخوزقوه ، وممن خوزقوهم عبدالله القلقيلي الفلاح المسكين الذي رفض أن يدفع ضريبة أخرى غير التي دفعها . بعد أن طاحوا في خلقته وتصلبطوا عليه، كما أن الجماعيلي فرض حوالي 40 طبة قمح في كل طبة ست صاعات قمح على الفلاح علي بن ظاهر ، وماكانت تغيب رجلين فرسه حتى تعود ويطالب بدفعات جديدة وراح يتريك علىينا.

وزي ماقال هذاك الواحد :

بلاد ما بتسواش رطلين ووقية قديش يوخذ عشرها الملتزم والوالي



سمعت قولك ،وهل يوجد من هو مستعد لدفع ضمان المنطقة واستلامها بدلا من ابو القاسم الجماعيلي .

ـ نعم يوجد شخص اسمه عثمان الحجلاوي من بلدة الدير ولديه استعداد لفع ثلاثة ألاف مجيدية ذهب.

ـ طيب هذا فرمان باسم سعادة السلطان باسم جناب الباب العالي سأرسله معكما على أن تسلمانه للجماعيلي في قصوره في الحبلي أو جماعيل أو بيت وزن .

عاد سعيد ومحمود تغمرهما الفرحة والبشرى ووصلوا بعد أسبوع إلى الحبلي ،ونادى على ابن قاسم أن أخرج ولم ينزل عن فرسه وسلمه الفرمان بخلعه وتنصيب الحجلاوي ،ونادى الجماعيلي خادمه العتريس أن يلتقط الكتاب ،وتباطأ العتريس وكأنه فهم منه أن سلطته ومهمته قد انتهت .

أخذ ابن القاسم الفرمان وقال يا سعيد :اسمع كلامي أنا كنت أوكل الخروف وأحمي إمه أما هذا فسيأكل الخروف ويهتك عرض إمه، وستندمون على زماني وأذكركم بما قاله معاوية ابن أبي سفيان ستترحمون علي بعد موتي.

راحت قرى قراوة وبديا وسنيريا والدير وكفرلاقف مجدل يابا يشعلون المشاعل احتفالا بزوال حكم ابن القاسم الجماعيلي،وأخذت الوفود تترى تباعا وهذه طريقة الناس في بلادنا الذين يقفون مع الواقف ،كانت العائلا مسرورة خاصة عشيرة بني عواد وعائلة الغريب متفائلة بتغييرات جديدة يحدثها عثمان الحجلاوي الذي قام بعزومة واستضافة بني عواد وبني عياش وبني غازي في داره .

مضت أيام وكانت أولى خطوات الملتزم الجديد التعرف على مخاتير أم الغنم وناحيتها ،وطلب استبدالهم بآخرين ممن لهم غايات معه ،وأرسل في طلب أوراق الرهن ورصد جميع الأراضي التي رهنها ابن القاسم مقابل الامتناع عن دفع العشر واشتراها منه مقابل مال على أن يعيدها للحكومة .

قام الحجلاوي على أساس الدين وراح يقرض الفلاحين مالا ليشتروا حبا وقمحا وفولا وعدسا ،وفعل مثله مصلح العزة في الخليل ،وكانت الفائدة تصل إلى ثلتاش في المئة أو ستاشر في المئة في السنة ، كان الموسم مرة ماشي حاله ومرة فاشل والثمن نقص الدفع عند الفلاحين حتى أخذ الملتزم الأرض ممن لم يدفع ما عليه ،وغرقت الناس في الديون من الخليل لنابلس وتحت سلطة الملتزمين الجدد،يوم من الأيام مرق فلاح عن فلاح في قرية قيرة وقال له :أه كيف البلاد بعد ما راح ابن قاسم .

رد عليه والله يا خوي جمل مطرح جمل برخ .








جاندرمة وفرارية

20/4/2007

أ.عبدالعزيز أمين موسى عرار / مشرف تاريخ / محافظة قلقيلية.

هذه الأحداث مستوحاة من لتراث والتاريخ الشفوي لأشخاص عاشوا هذا الواقع في منطقة قلقيلية وطولكرم في الحرب العالمية الأولى.

حديث اليوم الأول

هذه رواية تحكى عن سنوات حرب ، وحالة غليان ورؤيا لموقع وجاندرمة ( شرطة تركية ) آيلة السقوط ، تلاحق " فرارية " من الفلاحين الذين رفضوا الاحتراق في حرب ليست لمصلحتهم ،عام 1916 ،وهي السنة التي أطلق عليها "سنة أم عظم " ، ربما انسجمت حركتهم وجهودهم ،مع مظهر غليان عم المشرق العربي وحالة رافضة لسياسة التتريك ولجماعة الاتحاد والترقي ،وقد وصلت الإخبار،وانتشرت في جميع النواحي وتساوقت،وتناغمت مع جهود الحركات والأحزاب القومية ومع أخبار الإعدامات والمشانق التي نصبت في دمشق وبيروت والخليل.

وفي ظل الحرب وفي ظل صراع القوى ومجرياتها تتسع الهوة ويتأثر واقع المرأة بمختلف الإحداث التي مرت بها البلاد طيلة امتداد سنوات الصراع والكفاح والثورة والمقاومة والبناء،ويبقى دور المرأة غير معزول ،فهي المربية والحاضنة وتبذل من جهدها ثمن المعاناة والكفاح وتشارك في التحرير والحرية والبناء ومن بين النساء في هذه البقعة التي تمتد جغرافيتها بين السهل الساحلي الفلسطيني وجبال نابلس كانت جدتي حاضرة بوعيها وفكرها التي حدثتني ولها مشاهداتها وشهادتها فاختزنت الفكرة منذ سني طفولتي ، حتى كان هذا الإنتاج .

ليل مظلم وشتاء بارد وهدير طائرات وسماء ملبدة بالغيوم وأصوات مزاريب ماء تسيل من أعالي بيوت حجرية على أسقفها قباب من الطين المطلية بالشيد الأبيض.و تتدفق المياه إلى أبار القرية في تعرجات ومسارات مختلفة باحثة بين الأخاديد حيث أضاف الخرير صوتا موسيقيا إلى ذلك الليل الذي لم يعرف صخب المدينة الغربية.

جلسنا كعادتنا مع جدتي التي كانت تحدثنا حكايات وقصص كثيرة ،منها قصة الزير سالم وحكاية الكلب الأسمر،وقصص ثوار وتاريخ وكفاح جدي ،ومعاناته ومطاردته وفراره من التجنيد والقبض عليه،ثم فراره وآخرين ،هكذا كانت لي معها وكذلك إخواني أحلى الليالي الممتعة، ومثلها مع عدد من كبار السن الذين روا حكايات كثيرة عن معاناتهم وتجنيدهم في حروب الدولة التركية.

قالت جدي وقال آخرون :جاء نذير الحرب الكونية الأولى وقد دقت أجراسها بعد قتل الأمير الذي كان في عربته المكللة بمظلة ذات الألوان الزاهية والجميلة ،وعلى جانبه جلست زوجته التي تناثر شعرها الذهبي على أكتافها وقد حمل أحد المقاتلين سلاحه ليطلق رصاصة كانت البداية الأولى والأخيرة في حياة الدوق وقرعت طبول الحرب،وهللت شياطين الإنس والجن للدم والقتل ولتقسيم الإرباح وكسب المغانم وضاعت فلسطين في ظل تقسيم هذه المغانم.

وامتد لهيب وحريق الكارثة إلى ترعة السويس،وحلب الشهباء ثم إلى بيت المقدس حيث تسلل الظلام والقصف والرعد والبرق والرصاص المنهمر في كل الاتجاهات ولم تسلم منه بوادينا وقرانا. وبسطت كتائب الجيش ذراعيها ونسجت خيوطها واختبأت متخفية بين الأودية المكسوة بالبلوط والسويد .

وها هي الفرسان في حركتها منهمكة وتتحرك ذهاباً وإيابا منهمكة تنتظر برقية من الصدر الأعظم أو من قائد العسكر وعليها تبدو مظاهر الاضطراب والحيرة في انتظار المجهول.

ويقول جدي الذي كان عسكريا في الجيش : خطَ القائد" فون ساندرس "الألماني برقيته في كلمات

مقتضبة :" يا جنود الدولة التركية العلية عليكم تجنيد الشباب العربي واستغلال الخيرات، وكسب العرب والتحالف معهم تحت مسمى إعلان الجهاد ضد الكافر " و تناول جمال باشا البرقية وابتسم ابتسامة عريضة وفتح فمه وقال: سنعيد مجد الإمبراطورية التركية بعد أن ارقص شاربه يمينا وشمالا.

هذا ما حدثني جدي ورواه لي عدد من اختيارية البلد وليلة أمس روت جدتي ما رووه،ولكني كنت دوما أقرب إلى جدتي التي حفر الزمن على وجهها تجاعيده،ولقد سرني أن اطلع عما في جعبتها وما مخزون لديها في ذاكرتها عن التاريخ.

وها هي جدتي متربعة على أريكتها التي صنعتها من جلد الخروف الذي ذبح في عيد الأضحى،وجلست في زاوية البيت أو العقد كما نسميه في قريتنا،ورحت أتأمل الشقوق والتجاعيد في وجه الجدة التي صنعتها صروف الأيام والآلام،وسألت جدتي أن تحكي بعض ما خبأته في زوايا ذاكرتها لأكتبه ،وأحفظه قبل أن يمحى من زوايا النسيان ،وتأملت إخواني الذين تشاطروا للنوم على فرشة سميكة محشوة بصوف الأغنام وراحوا يتنازعوا حول الغطاء وكل يشده إليه.

كنت يومها في السادسة عشر من عمري حيث كنت أكبر إخواني،وما إن كبرت حتى قادتني الرؤية إلى قادة الزمن وطاب لي الاستماع إلى لسان عذب يتحدث بسلاسة ويروي الأحداث بحماسة وشعرت أن شيئا ما يشدني إلى الماضي الذي لم ترويه كتب التاريخ ولا التقطته عدسة مصور .

اقتربت من جدتي لسماع حكاية تشوقت إلى معرفتها ورمقتني بنظرة فاحصة وتبسمت و قالت: تعال يا أحمد لأحدثك عن موسى ألفراري وفاطمة عيسى.

وما إن انتهت جدتي من كلامها حتى ساد الصمت داخل البيت أو ( العقد) ولمعت عيون إخواني الذين تشوقوا لسماع حكاية جدتي.

قلت لها مازحا: ماذا لديك يا جدتي ؟.

الديك خراريف العجائز وقصة "حديدون " أو "نص انصيص ".

حملت جدتي عصاها و كانت بجوارها وضربتني بها مازحة ،وهي تقول : يا حفيدي سأحدثك اليوم حكاية ( موسى الفراري) و (فاطمة ) ثم أطبقت فمها وحل صمت في المكان وضحكت واقتربت مني ثانية وجلست بجوارها حيث ضمتني إلى جانبها ووضعت يدها على راسي، ونحست شعري المبتل من المطر بيديها الخشنة المطوقة بخواتم من الفضة،وتدلت من على رأسها سلسلة من المتاليك التركية الفضية وربطت بخيط من الحرير الأحمر شدت على منديل من الكتان الأبيض حيث طوق بها محيط رأسها،وكلما تحركت بعثت أنغاما .

ثم قلت وبلهفة : حدثيني يا جدتي قالت جدتي جاء الينا في ليلة من الليالي الباردة من الوادي القريب فرقة من الفرسان وسمعنا حوافر الخيل تدنو من بيتنا .

قالت بدأت حكايتنا مع المختار الذي حضر في أحد الليالي، ومرت لحظات حتى سمعنا طرقات توالت على باب بيت المختار القريب من دارنا فوقفت مختبئة في الخارج لأشاهد عن كثب فخرج المختار قائلا: يا ساتر يا ساتر !! بعد أن لف رقبته بحطة وشماغ اسمر.

لم يكن يسمع في تلك اللحظات سوى صهيل الخيل والضفادع وصوت المختار الذي عاد ليقول : الله يستر من هذه الليلة وفتح باب داره الخشبي ،وهو يرتجف من شدة البرد ،ورد الأتراك عليه: يا مختار مطلوب كل شباب البلد حتى (يروخوا ) على حرب " السفر برلك " .

دعاهم المختار لدخول بيته قائلا : تفضلوا قالها وبه غصة ووقفت الكلمات في حلقه وتمتم متسائلا : لم يبقى في القرية شباب لقد نهشتهم الحرب والبعوض،وهجمات القبائل البدوية (الجرودة) والجراد .

وفي داخل غرفته توجه المختار إلى صندوق خشبي وضع على حافة مظلة زاوية لم ترها الشمس وفتحه وفي جوفه أوراق صفراء ،وتناول ورقة دوّن عليها عددا من الأسماء كان من بينهم ( موسى محمد – واحمد عبد الرحمن – ورزق علي ومقبول عدنان ،حتى أن عبدالحميد الأعرج سجل معهم ) ولم يعفى الشريد والطريد والمعتوه من طلب الخدمة العسكرية هذه المرة .

المختار الذي انتفض جسده وهز رأسه حيث حرك عصا كانت بيده في وجه المختار وقال بصوت تملؤه الغلظة والخشونة يا مختار هذه مش كل أسماء أهل البلد .

اهتز شارب المختار وانتفض من مكانه قائلا: يا حضرة الضابط لم يبق أحد حتى الأعرج قد سجل في هذه الورقة.

نظر الضابط للوراء وقبض بيده على الورقة وقال للمختار: تعال يا مختار عرفنا على بيوت هؤلاء.

وسمعنا الكلاب تنبح بشدة ـ غريب هذا الأمرـ لا تنبح الكلاب إلا عند مجيء جيش العسملي لتجنيد شباب بلدنا،

انتشر الجيش التركي في القرية واستبدلت لحظات صمت الليل وهدوئها وصوت صراصير الصيف، ورموش العيون تتحرك، وأصغت الآذان للأصوات المنتشرة ،وخرجت جموع من الناس من بيوتهم . وتجمعت النساء في احد أحراش القرية ،وانتشرت بعض الأصوات وحركات الأيدي وتجهمت الوجوه للقادم المجهو، وأمرهم الضابط "مدحت" بالحضور جميعا إلى ساحة القرية،والحضور للاجتماع تحت شجرة توت كانت تتوسط القرية التي دعيت ب ( أم الغنم )، وخرجوا ونزل الضابط عن ظهر جواده، وكان يقبض على ورقة الأسماء بيده ويقف بجواره أحد مساعديه من الجنود .

أعلن أمام الحضور أسماء المطلوبين للتجنيد،وأمرهم بالحضور صباحا للالتحاق بالجيش الرابع، وانبعثت أصوات من احد الحضور وهو موسى الذي، قال: الصباح رباح.

كان في هذا الجمع موسى محمد الذي سال ابن عمه عبد الرحمن حمد قائلا هل سنبقى رهن وطوع أوباش الترك وجيش " الروملي" وهل خلقنا لحرب السفريرلك؟؟

تحدث موسى لصديقه عبدالرحمن حمد :اعتقد انه من حقنا أن نرفض التجنيد ؟

كان مصغياً له باهتمام ثم أجاب عبد الرحمن سمعت إن قبائل " الحيطان " في بئر السبع وشرق الأردن قد أعلنوا العصيان وانضموا لجيش الثورة العربية الكبرى ،

ثم استطرد موسى قائلا أرى انه من الأفضل لنا إن نترك القرية ووادي الصبا ونتوجه إلى أراضي ( المويلح ونهر العوجا) حيث إن جنود الأتراك هناك اقل كثافة وتواجدا، وربما أسعفنا الحظ بالاختباء بين السعد وأشجار الحمضيات،وناهيك عن أشجار الذرة الأخذة بالارتفاع .

كان موسى اشد حماسا من صديقه،حيث امتلك حب المغامرة وإن كان الأصغر والمدلل بين إخوانه ، كما أن والده شجعه على روح التحدي وأن لا يستسلم لأحد ما، وكان لموسى أختان الكبرى "إيمان" والصغرى "علياء " وعاش مع والده الضرير وعرف عنه السلب والنهب أحيانا ،ولم يخطر بباله إن يتزوج وطالما علم أهل القرية وشاهدوا شجاعته .

كان موسى شابا طويل القامة ابيض اللون عرض المنكبين ويمشي بخطوات سريعة،ويلبس عادة سروالا اسودا وكوفية سوداء،وعقالا مطرزا ،ولبس البشت الصوفي الواقي من برد الشتاء وتردد موسى على مدينة يافا بفرسه البيضاء التي سماها نوره ،وراح إلى سوقها في حي العجمي مرات عديدة خاصة لباسه، وأحيانا يشتري ما يصنع من نسيج مجدل عسقلان .

مر بهذا الطيف الذي أعاده إلى تجواله بين السهول وذهابه وإيابه لمجدل الريان وغابة جوبا وقرية خاراش وعرب السويركي، وضمن هذا الامتداد وهذا السهل الفسيح المترامي الإطراف والغني بتربته الرملية الحمراء والطينية، أقيمت قرى وتجمعات لعرب الملاحة والفلاحة وغيرهم .

قرر موسى وصديقه الذهاب إلى نهر العوجا واتفقا على الفرار قبل طلوع الشمس وتفرق كل منهما فعاد موسى إلى البيت فسلم على والده قائلا : السلام عليك يا ولدي .

وعليك السلام وين ما كنت يا بني ؟ مش شايف الجندرمة تبحث عن الشباب ؟!.

وأصغى موسى لقول والده فصمت وجعل يتأمل والده ويتذكر إن خرج من البيت كيف سيكون حاله،وتذكر أخته إيمان وأخته علياء، دارت في رأسه وفكره أشياء كثيرة كما أن حواره مع عبد الرحمن نبه تفكيره لأشياء كثيرة حتى ما لبث إن تراجع عن صمته فأعاد الحديث عندما قال له والده :أنت رحت يا موسى من هان . أنا هان يا بوي.

وأحضرت أخته إيمان الشاي الأسمر ،الذي طبخ على موقدة النار ، ثم جلست على أريكة صوفية بجوار والدها، وهي تشاركهم الحديث.

أنت يا أخي ناوي تسلم نفسك للجيش التركي فأشار بيده لا وكي لا يسمع والده حديثه.

فقالت آمنه طيب يا موسى .

بدي أفرش لموسى وتبعها موسى الذي استأذن من والده حيث قال نامت علياء؟

فرد عليه الوالد من المغرب بعد ما راحوا الأتراك تصبح على خير – تلاقي الخير مع السلامة.

دخل موسى الحجرة واخذ يستبدل ملابسه وكانت ما زالت بها لتهيئ له الفراش اقتربت إيمان منه .

وقالت له هل قررت الفرار؟

وأضافت قائلة:أليس هناك بديل عن هذا .

ـ لا أريد إن ادخل جيش لا يعني لي شيء.

ـ قالت إيمان :وعبد حمد أمه ايش بدها تعمل إذا خرج من البيت ويجوز أن سيطول غيابه.

ـ تأملي خير يا إيمان .

تصبحون على خير ،وخرجت وأغلقت الباب الخشبي خلفها، حيث أخرجت صوتا خافتا،وانبعث من الداخل صوت موسى يقول : صحيني بدري يا أختي ،وسبح موسى في النوم حيث أفاق على صوتها صباحا تناديه وصلى صلاة الصبح وهيأ نفسه للخروج .

قامت و أعدت له أخته عقدة من الخبز، وزيتا،وجبنا ،وزيتونا ،وبيضا،واخذ معه سكينا،وبعض ما يلزمه في رحلته الطويلة.

وذهب إلى والده النائم،ونظر إليه حيث تحسس يده وقبلها،وخرج و سلمت عليه إيمان وعلياء ،وخرج بعد أن بكت على فراقه أخواته .

والتقى موسى بزميله الذي اتفق على الخروج في نهاية القرية .

كانت الطريق عبارة عن مجموعة محطات فان استراحوا عادوا ليتابعوا المسير ووصلا إلى سهل البقيع وسهل البص وسهل المويلح من سهول سارونة ـ التي غير اليهود تسميتها إلى سهل شارون ـ والسهل تملأه شجيرات الذرة البيضاء ،التي يطحن منها خبز الكراديش ،وكانت الشمس قد أشرقت حيث خرجا في وقت مبكر خوفا من الوشاة .

أخذت الشمس بالارتفاع إلى إن أصبحت في كبد السماء، وأخذ عبد حمد يتجول بين شجيرات الذرة ويقطف منها حتى جمع بعض القش اليابس والحطب الجاف وأشعل النار.

بعد أن فرغا من الأكل وشربا من النهر ، أمضى كلاهما يومه ونهاره تحت شجرة من السدر وأبرزها سدرات ملول التي عرفت منذ إبراهيم باشا وظاهر العمر والأخير استراح تحت ظلها الوارف يوم ذهابه لإخضاع نابلس وصانور.

وفي تلك الإثناء تبادلت المدافع التركية البريطانية طلقاتها أو (الكلة) وحلقت طائرات في السماء لاستكشاف الأوضاع وحل الظلام وتسلل النعاس إلى الفرارية ولم ينتهوا من أحاديثهم .

باتوا ليلتهم هذه وهم على هذا الحال إلى أن حل ظلام اليوم التالي وفكروا الاختباء والفرار عند صديقهما في قرية المحمودية القريبة من يافا،ويدعى سالم العبيد ،وانتظروا حتى حل الظلام الدامس، ودخلوا القرية و وصلوا بيته .

طرق موسى الباب بخفة وروية ونادى بصوت خافت : سالم ، سالم .

كان سالم في هذه الأوقات يغط في نوم عميق الذي تعود أن ينام مع نوم دجاجاته قبيل غروب الشمس و لم تعرف قريته جلسات المقاهي كما هو الحال في مدينة نابلس أو يافا، لكن زوجة سالم أيقظته حيث همست في أذنه وهي ترتجف قائلة : سالم انهض.

أفاق سالم قائلا: يا ساتر أنو بخبط على الباب .

فأجابه افتح أنا موسى .

دخل موسى وصديقه عبد حمد وصافحهم، ولكزه موسى بيده أتنام الآن يا سالم وضحك.

أجاب سالم :يا موسى هذه أجواء قريتنا ،ما بمسي المساء إلا وإحنا نايمين .

نادى سالم زوجته ،وطلب منها أن تحضر بعض الفراش، فأحضرت فرشتين ثقيلتين صنعت من صوف الغنم ، وكان وزنها ثقيل ،وكانت ليلة تسودها الأحاديث والمرح والنوادر والأحجيات التي تجاذبوها.

ونهض ثلاثتهم منذ ساعات الفجر الباكر،وخرجت عائشة زوجة سالم إلى الطابون في خارج البيت ارتدت ثوبا،ولفت رأسها بمنديل وتمضمضت وشربت الماء .

وقالت : الحمد لله ... أصبحنا وأصبح الملك لله وأشرق الصباح صباح السرور يا مدبر الأمور.

وما إن هرعت إلى الطابون حتى انبعثت رائحة خبز الكراديش الزكية.

وفي هذه الأثناء تجاذب ثلاثتهم الأحاديث المختلفة عن الحرب والانجليز والثورة والأتراك والألمان والهنود وفيصل الأول بين ثنايا الحديث قال سالم : هل سمعتم عن إعدام العرب في بيروت ؟

سأل موسى صديقه سالم: ومن هم شباب العرب ؟

هؤلاء شباب من يافا والقدس والخليل ونابلس وجنين وطولكرم ،وبيروت،وصيدا ،ودمشق ،وبغداد والبصرة قرروا إنشاء جمعيات سرية وكذلك الخروج عن التركية والاتحادية ،واستيقاظ الهمم العربية والقومية والعصبية ضد العصبية التركية، لكن هذا العمل لم يرق لجمال باشا الذي أعدمهم وراح يتهمهم بالخيانة والاتصال بالفرنساوية والانجليز في سفاراتهم وقنصلياتهم،وقد سمعنا بوصية الشهيد الزهراوي للعرب والذي كذب هذا القول.

توقفت جدتي عن الحديث وكان إخواني قد ناموا،ولم يبق غيري أتثاءب وقالت جدتي لننام الآن فقد تعبت وفي الغد سأكمل حديثي عن موسى.

حديث اليوم الثاني

نهضت جدتي حاملة موقد النار إلى خارج العقد وأخذت غطاء كان مطروحا جانبا ووضعته على جسدي حيث نمت نوما عميقا،وعدت في اليوم التالي لجدتي ولحكايتها وكلي شوق لسماع روايتها ومشاهداتها وانتظرت حتى فرغت جدتي من صلاتها بعد أن جلست وحملت بيدها مسبحة فأسرعت إليها بخفة ودلال .

فنهرتني والدتي وقالت: دع جدتك وشأنها.

وأعادت جدتي سرد قصتها: كان المختار قد علم بهرب الشباب وركب حصانه إلى معسكر الترك في الوادي القريب. حتى يبلغ عن الشباب الفارين وإلى أين اتجهوا حسبما يتوقع.

و بعد أن فرغ من مهمته عاد لقريتنا ، وكان الضابط مدحت قد أمر بمداهمة القرية والبحث عن الشباب الفارين ، وجابوا شوارع القرية والتقوا بموسى الفراري وسألوه أين موسى؟

قال : لقد مر من هنا واتجه إلى جهة قلقيلية .

وانطلقت الجندرمة لدار المختار :وسألوه عن موسى وأوصافه فرد عليهم : إن الذي مررتم عنه هو موسى ربما توجه إلى سالم العبيد في المحمودية .

راحت خيول الجندرمة تسابق الريح للحاق به،وفي الطريق شاهدوا علي الحمد يطوف حول القرية في حركة غريبة ،وظنوا أنه فراري وقال الضابط : أنت فراري عربي؟

ـ أنا موش فراري .أنا معفى من التجنيد.

ـ أنت كذاب وأطلقوا عليه النار وسقط يسبح بدمه ، ودفنوه أهل البلد بدون سؤال ليش وكيف أو تعليق.

بعدها سألنا عن السبب وجدنا أن الفقير خرج يبحث عن حب قمح علشان يوكله من صول الخيل ومن الشعير الذي أكلته.

وفي الصباح انطلقت فرقة من الجندرمة ومعهم المختار إلى قرية المحمودية أو المر وهي قرية صغيرة العدد جاءت شهرتها ؛بسبب اهتمام السلطان محمود الثاني فيها ، وسميت باسمه وفي ألعراق توجد مدينة بهذا الاسم اشتهرت بمقاومة العدوان البريطاني.

كان موسى وعبد حمد في تلك الأثناء قد استأذنوا صديقهم سالم والذي أمسك بيديهم، و قال: والله يا جماعة إنا تونسنا معكم بهذه الليلة .

وقبض على يد موسى هل تضايقتم ؟ الجود من الموجود .

أجاب عبد حمد لا ولكن ربما تلحق بنا الجندرمة.

خرجوا من السهل ولا يدرون إلى أين يتجهون، لم يعتادوا على هذا البرد وكان الجو باردا صباح هذا اليوم بزغت الشمس بنورها، ولمعت قطرات الندى ، التي ما لبثت أن جفت بعد ساعات وللسهل خضرة وطباع خاصة فهو يعشق الندى حتى أن أيام الندى لا تقل عن ثلاثة أرباع العام .

خرجت فاطمة من البيت بعد أن ناولتها والدتها عقدة من الزاد والزوادة.

وقالت: يا فاطمة خذيها لأبوك بحرث في ارض المويلحي شمال ضفة النهر بدنا نزرع شوية بامية وفقوس.

كانت فاطمة في كامل حيويتها ونشاطها،و قاربت العشرين عاما،وامتازت بخفة خطواتها ورشاقة جسمها وشعرها الأسود ووجهها الأبيض،وفيه حُمرة نضرة، ولسانها العذب الذي يقطر عسلا.

أخذت طريقها نحو أبيها، وبعد إن سارت طويلا ووصلت السهل المنبسط حاملة على رأسها صرة من الخبز واللبن والزيتون ودجاجة بلدية مشوية. وواصلت مسيرها لوحدها وهي صامتة ،و تفكر بالحرب والخوف وتارة تغني لتسلي نفسها و كان الطريق طويلا وتغني ثانية:

وشمالي يا هوي ديري شمالي

على اللي أبوابهم تفتح شمالي

وأنا لا رافق الريح الشمالي

واسقط ندى على جسم الشمالي

وتارة تنشد عتابا ومن ظريف الطول،ومن بعيد شاهدت شابين يمشيان بين حقول الذرة ويقتربان منها والتعب والمشقة بادية عليهما.

قال أحدهما: يا بنت ألم تشاهدي بعض جنود الجاندرمة في دربك ؟

ـ ردت باستحياء حيث سيطر الخجل عليها والارتباك وقالت لا!!

ـ فقط كانت هناك مجموعة تبحث عن موسى محمد وعبد حمد في قريتنا صباحا.

ـ هل أنت من كفر قسام ؟

ـ نعم

ـ من أبوك؟

انا ابنة علي عيسى .

الله يحيي بيك وامك اللي ربتك .

أعجبت فاطمة بدفء كلامه ولطف حديثه وكان الآخر صامتا .

حيث كان موسى متحدثا لبقا وجريئا أكثر من زميله عبد حمد ثم نظر موسى إلى الوجه الذي أمامه نظرة فاحصة بعينيه الواسعتين ،و وقف بثبات التي كشفت عن قوامه الممشوق ورفعت رأسها إلى اعلي فنظرت إلى السهل ،فشاهدت خيلا وجنودا من الترك قادمين ومسرعين الخطى .

فانتبه موسى ونظر إلى الخلف وأشار إلى صديقه إن اختبئ يا عبد ،ابطح أرضا،وأخذا بالزحف بين شجيرات الذرة .

وتابعت فاطمة سيرها وما هي إلا لحظات قصيرة حتى وصلت مجموعة من الجاندرمة الذين أوقفوا خيلهم ونزل احدهم عن ظهر حصانه،واعترض طريق فاطمة واخذوا د يدوسون شجيرات الذرة – وقال المسئول : أين ذهب الشباب ؟

كان الجند قد بحثوا عنهما في كفر قسام وفي قرية المحمودية .

سألت: أي شباب تبحث عنهم ؟ ثم أردفت لم أرى أحدا منهم .

بلى شاهدت … ثم تمتم عرب غجر وفجر .

واتبعها بكلمات تركية أدركت فاطمة انه يسألها وإجابته بشدة : قلت لك لم أر أحدا قلت لك.

لم تعجبه صلابة موقفها ونبرتها العالية في وجهه فلطمها على خدها بيده الثقيلة فوقعت على الأرض، وانتثر ما معها من الزاد ، كانت هذه دقائق قليلة ولحق الضابط الجند بين المزروعات واتجهوا إلى ببدر الشيوخ بجوار بئر النبي حتى عند طريق السباع .

كان مفتوحا واقتربا من البئر ونزل بعضهم ليشاهد البئر قائلين: لعلمهم اختبئوا هنا وكان الضابط إلى الخلف .

تسلل أحد الشباب من الخلف وامسك ثوبه من ذراعيه وطرح كلاهما في داخل البئر وفي نفس اللحظة كان الآخر فقد انقض على الضابط من الخلف وهاجمه وضرب رأسه بحجر كبير وسحب به إلى داخل البئر مع زملائه.

رفعت فاطمة رأسها وهي مصغية ولا تصدق ما تشاهده، وأدركت أنها أمام موسى وعبد حمد حيث سمعت نداء اتهم.

وقال أحدهم: هيا يا موسى لنتوجه إلى يافا وربما يلحقوا بنا في هذا المكان فلنبتعد.

شاهدت فاطمة خيول الجاندرمة فارة ثم أخذت تلملم نفسها وهي ترتجف مما رأت وجمعت الزوادة ونظفت ثوبها من التراب وأكملت مسيرتها نحو والدها تجر ثيابها من هول ما رأت و وصلت ظهرا .

سألها والدها: ما بالك تأخرت ؟

تأخرت في الطريق .

أين الزاد والزوادة ؟

مالي أراك مضطربة ؟ هل حدث معك شيء أو مكروه في الطريق ؟

كان عرقها يتصبب وسكتت برهة، وأصابه الذهول واقترب منها وألح السؤال عندها اضطرت لمصارحته وأجابته: لقد هاجمني كلبا ومن شدة خوفي هربت فسقط الزاد عن رأسي فانسكب الطعام على الأرض وتلوث بالتراب.

ـ أين الكلاب ؟ لم أشاهد أي كلب بري على الإطلاق !

صارحيني يا ابنتي.

لم يكن أمامها إلا أن تروي روايتها لأبيها.

ـ فداك يا ابنتي.

واستراحت قليلا في ظل شجرة السدر، ثم نهضت وهمت بالعودة إلى البيت وأخذت تجمع الحطب ،وبعد أن صنعت حزمة استأذنت من والدها لتعود إلى بيتها عند الطبقات،تماما مطرح مذبحة سنة 1956 عند الطبقات ، وفكرت باستبدال طريقها بطريق وادي ( العرب) ،و مرت بجوار النهر حتى تشرب من مائه فأنزلت حزمة الحطب من على رأسها ،وشربت وغسلت وجهها وشعرت بعودة الحياة إليها ، وهي تقول: يا الله ما أعظم هذا النهر،وما أعظم الآثار الواقعة على منبعه،ممكن تكون لأجدادنا العظماء.

وكأنها لم ترتوي بسبب لذة الماء إلى أن وصلت القرية ثم إلى البيت ونامت نومها العميق.

عادت الخيل إلى الاسطبل في معسكر وادي الرشا مساء في مقر كتيبة الجيش الثامن،فشاهدها احد الجند فتساءل أين الضابط وجنوده فقال أحدهم : أخشى أن يكون الأشقياء والفرارية قد فتكوا بهم.

رد عليه آخر : أعلم قائد المعسكر بعودة الخيول ، ولنقترح إرسال فرقة من الجنود إلى خاراش موسى ألفراري ،ومحفور أبو ظامن، وإلى زاوية حميد الأشقر.

وأمرهم بسلب محاصيل الفلاحين وكل ما يقع تحت أيديهم من القمح والشعير وتقطيع الزيتون،وانطلقت الجند إلى بيت المختار مسرعين الخطى،وكانت خيلهم قد أكلت محصول الفلاحين في طريقها ،ودخلوا خربة ثلثا وقرية أم الغنم، وفتشوا البيوت بيتا بيتا باحثين عن الشباب وعن القمح والشعير في قرية لا يوجد فيها غير القمح زاد للفلاحين .

لم يجدوا في البيوت سوى بعض أرغفة الكراديش وقشور برتقال ورب الخروب إلا محمود الرزق الذي احتفظ بجرة من العسل من سنة سابقة وفي زمن الجدب احتاجها،ووصل الأتراك إلى بيته فحمل احدهم الجرة وادخل فرسه إلى ساحة دار محمود وسكب العسل أمام الفرس فاختلط بالتراب وبروث دوابه، والمسكين يتحسر على عسله الذي صنعه من سدرات ملول.

ثم أخذت مجموعتهم تجر خيبتها ،وتنشر حقدها متجهة إلى بيت المختار ،وما إن وصلوا فنادي مختار.

من بالباب كان المختار لحظتها مختبئا في بيته خوفا من عيون الناس .

افتح الباب أين ذهب شباب الخربة يا مختار قزيطة ؟

ذهبوا إلى ارض ( روم والى البلقان ).

انتم عرب كذابون.

رد المختار : فش فرارية غير موسى وعبد وأبو ظامن وازعيط نطاط الحيط واشوه بدكم الله يخلصنا من حكمكم قريفناكم وعفنا السرطة عبسواكم.

ـ أسكت وضربوه على رأسه بدباشك البارود، في كمان ناس من قرايبك فرارية ما جبت سيرتهم يا كلب .

طلب الضابط من جنوده أن يتوجهوا إلى بيت موسى الفراري وقرعوا الباب بشدة وما لبث أحدهم أن ركله بقدمه فانكسر، ثم أمسك الضابط لحية أبو موسى الذي كان ضريرا ويجلس في زاوية البيت وراح يشد لحيته، وقال وين أبنك يا كلب ؟

ثم قبض بيده على طربوشه الأحمر المشرئب وداس عليه بقدمه وآخر صفعة .

هذا طربوش العهد والدولة لا تدعس عليه يا مراد.

ثم سأل احدهم وبقسوة وين غنمك يا مختار وفي هذه الإثناء كانت إيمان وعلياء يصيحان وجندي يحاول منعهن.

قال أبو موسى : أنها في المغارة .

قال الضابط اسمع مفش غنم مفش طعام حتى تجيبوا موسى ويسلم نفسه للعسكر.

وأشار الضابط لجنوده بجمع الأغنام التي في المغارة وسحبوها وأخذت النساء تصيح وقالت إحداهن :

يا ترك يكفيكم ظلم أورثتم فينا السقم

يا ترك يكفيكم ظلم عفناكم وعفنا الحكم .

وساق الجند الخيل ودواب القرية وكل ذات الصهيل والنهيق حتى كلاب القرية النابحة تعرض لها الجند وقذفوها ببندقية يتقدمها سكين رفيعة تحولت أجواء القرية من الهدوء إلى ضجيج الأهالي والنساء الذين لم يقدروا على منع الجند من تدمير بيوتهم وسلب ثرواتهم البسيطة .

استيقظ عبد حمد من نومه ليلة مفعمة بالخوف والقلق – وزاد الأمر غصة لسعات البعوض القادمة من النهر، وهم نيام في مكان غير بعيد عن بصة قتورية التي ذهب ضحيتها ثلاثة أشخاص من قرية أم الغنم .

قال فيها الشاعر : قتورية قتر البين أهلها حتى الطيور العالية بترميها

فأخذ يحك جسده ويتفقد بيديه ثم فكر بالبحث عن شيء ليأكلاه فتتبع أرنبا صغيرا كان يرعى بين نباتات الخبيزة والحشائش وانقض عليه بحجر أصابه من أول ضربه واستل سكينه وذبحه وعاد حاملا صيده الثمين وهو يغني .

أفاق موسى من نومه على غناء زميله عبد حمد الذي ناداه: انهض يا موسى ؟

وبحثا عن بعض القش اليابس ليشعلا النار واعداه للشيء وانبعثت رائحة الأرنب المشوي وجلسا يتسامران ،وفي هذه الإثناء حلقت طائرات بريطانية في السماء مرة ترتفع ومرة تنخفض باحثة عن تجمعات الأتراك.

وجه الأتراك مدافعهم من موقع القرنين نحو بئر السبع باتجاه البريطانيين القادمين من صحراء سيناء واستمرت رحلتهم أسابيع وبقوا على هذا الحال ينامون في العراء ويأكلون مما تيسر لهم من نباتات أو صيد وما إن فكرا بالعودة إلى قرب النهر وظل البحث مستمرا باتجاههم واستبد بهم الشوق لرؤية الأهل في القرية وسماع إخبارهم ،و القرية تعاني من فقر أصابها ومن جوع استبد بأهلها وزيتون قطع لتسيير القطارات، والأتراك ينهبون غلتهم،ويذبحون دوابهم ، والجراد يغزو البلاد وأفرغت الصوامع التركية في الخليل ، وضيق الشريف حسين وأبنائه الخناق عليهم وقطع طريق الإمدادات،وراح الناس يأكلون بقايا عظم يلتقطونه قرب المعسكر الانجليزي في وادي الرشا وطولكرم ،ثم يأكلون الشعير من صول الخيول، والأدهى والأمر أن الأحوال الصحية سيئة جدا حتى أن اختيارية قرية زويا جلسوا على بلاطة الديوان في ساحة القرية عند البلوطة ، ومن كثرة ما قصفوا من القمل والسيبان ، سار لون البلاطة أحمر قاني.

.

وسارا إلى منطقة النهر وجلس كلاهما تحت شجرة سدر وموسى ينظر باتجاه الغرب عبر السهل الفسيح مشتاقا إلى البحر إلا إن كثبان الرمل تعترض مسار بصره وأشاح بنظره صوب الشرق فشاهد محيا جميلا رآه منذ شهر تقريبا واقتربت وتأكد أنها فاطمة عيسى فنهض متوثبا واعترض سبيلها شوقا إلى رؤيتها وقد رآها ازدادت رونقا وجمالا حيث توشحت ولبست الكرمسوت ذات الأردان الفضفاضة وعلى الرأس منديل من الكتان الأحمر اللون وحملت معها زوادة من الدجاج المطهي على الحطب واللبن المخيض الذي وضع في قربة من الجلد ،واقترب منها فتوقفت وحياها بالسلام وبادرها بالسؤال عن حال البلد والترك والعرب والشيخ والوالد .

وسألها :هل سمعتي أنهم عرفوا شيئا عن الفرارية والمتخفين ؟

سمعت أنهم ذهبوا إلى الخرب وقرية أم الغنم وكفر قسام والمحمودية، وصادروا الغنم والخيل والبعير ولم يسلم احد منهم .

استشاط موسى غضبا وتنهد وقال : لم تبقى حالتنا هكذا وهذه ضربة المقفي.

وسألته : من أين أنت يا موسى .

دهش وبرقت عيناه وشعر بنشوة وابتسم، وقال انأ من بلاد عّم فيها الخراب والجراد وصنع فيها الترك هذا البلاء.

هل ستظل تاركا لزوجتك وأولادك ؟

لست متزوجا وابتسم ثانية، واستطرد قائلا إنشاء الله سنتزوج بعد الحرب.

خجلت فاطمة واحمر وجهها الأبيض وازداد سواد عينيها بريقا ،وخفضت رأسها حياء وفي هذه اللحظات كان عبد حمد يتفلى كعصفور سجن في قفص، واستبد به الجوع وزادته عزلته تذمرا فنادى صديقه وقال :تعال نبحث عن شيء نأكله.

جاءه موسى وتبسم : لقد حصلنا على صيد ثمين وأشار إليها.

وأردف قائلا : ها هو اللبن وقطعة من رغيف الخبز ،وغادرت فاطمة المكان ذاهبة في سبيلها ،واستمرت على هذا الحال حيث عرفت المكان وقد اعتادوا الاختباء في حقول الذرة التي يتوارى فيها الحصان لخصوبة أراضيها ووفرة غلتها.وترددت في كل صباح وهي ترسل الزاد لهما.

قرر موسى وصديقه العودة لقريتهم واقتربوا منها ،وفي منطقة تدعى وادي العرب بالقرب من مجدل الريان عاصمة بلاد جماعين وفي ذلك الوادي حفر الألمان بئر ماء ارتوازي والى ها البئر تقاطرت جموع النساء من القرى والخرب في كل صباح ليملأن جرارهن وعسليا تهن وبعد مسير طويل اتجاه موسى وزميله إلى ذلك البئر محاولين استطلاع الإخبار ولم الشمل مع الأهل ولعلمهم يشاهدون أحدا من أهل القرية وأحبتهم وكانت أولى اللقاءات مع الحاج عبد الكريم زغلول وقد توجه إلى الوسطى لطحن كيس من القمح .

كيف حالك يا حج ؟.

ـ أي والله حالنا مايل ما بقي عند الناس يوكلوا غي العظم ـ هذه سنة أم عظم ـ رايح التاريخ سميها بهذا الإسم .

ـ أتمنى أن تكونوا مبسوطين وين انتو... أجا الأتراك إلى بيت اهلك وساقوا دوابكم إلى معسكرهم وأهل البلد فزعت علشانهن، وجردوا البلد مما فيها من قمح وشعير وقطعوا أشجار الزيتون .

انزعج الصديقان لسماعهما هذه الأخبار والاختيار استطرد على كل هذا هو حال العرب في أيامنا هذه شنق وإعدام بالعشرات على أبواب القدس والخليل وبيروت ودمشق .

ليش هذا يا عمي ؟

اتهمهم جمال باشا صديق زليخة اليهودية بأنهم جواسيس الفرنساوي والبريطانيين .

مثل مين اعدموا من بلادنا .

اقعد يا بني على هالحجر تاحكيلك .

وأكمل قائلا : عد على أصابعك ( محمد الشنطي من قلقيلية – وسعيد الكرمي من طولكرم وحافظ بك السعيد من يافا وسليم عبد الهادي من جنين حتى أن أحدهم من الخليل قال أن محمد عربي ويب العرب وأن القرآن عربي قتلوه لهذا السبب وأعدموه عند باب الخليل بقدر أقولك انه من بيت جبرين من الشوابكة )

قال عبد حمد ايش سر القطيعة يا حاج ؟

بعد ما كنا إخوان عثمانية عربية وتركية !!

الظاهر انه في أصابع دستها أكثر من جهة، وها هو الشريف الحسين ثار وقالوا أن جمال كان سيشنقه ومعه ابنه فيصل حتى إن رجلا من الخليل غلط وقال إن النبي محمد عربي ويحب العرب والدولة لازم تكون بأيدي العرب قامت جماعة الدونمة بإعدامه ويقال إن قائد الجيش الرابع التركي له أقارب نازلين في كبانية ملبس في دار إسحاق بن شوشن.

شعر كلاهما أن أفكاره تشتت وتصدع التفكير واستمر الختيار في طريقه واتجه الاثنين بين البلوط والسريس محاولين التواري بين الشجيرات واقتربا من بئر الماء وشاهدا سرب كبير من النساء يتجهن نحوه وكأنهن سرب من الطيور المهاجرة وأصوات أغانيهن وأحاديثهن ومناداتهن على بعضهن البعض تملا الفضاء والصديقات يترقبن ويختبئن في ظل البلوط وبين السرب سارت علياء وإيمان فترقبها وقذفها بحجر صغير فأدارت بوجهها نحو المكان الذي ضرب منه الحجر فشاهدت أخاها العزيز على قلبها ومن شدة الفرح قذفت بالجرة فتكسرت وأسرعت نحوه وعانقته عناق بعد غياب طويل .

سألها عن حال والده وأعرب لها عن اشتياقه لرؤية الوالد الضرير إما عبد الرحمن الذي اخفي حبا منذ سنوات بادرها بالسؤال عن حالها وحال الأهل ولحقت علياء بباقي النساء لمعاونتهن بملء لجرار، ولكن الفرحة لم تكتمل وحدث شيء لم يكن في الحسبان في هذه اللحظة أوقعت طائرة بريطانية قذيفتها على سرب النساء ربما تخيل الطيار إنهن سرب من جيش الأتراك وحلفائهم الألمان فأوقعت النساء ما حملنهن من الجرار على الأرض وسمع صياح النساء وعويلهن وملء صدى الصوت جميع الإرجاء والمكان وهرول الصديقان من سفح الجبل لإسعاف النساء.

اليوم الثالث

أخذ الأتراك ينسحبون من هذا المكان ، وجرت تغيرات كثيرة في علاقات العرب والأتراك وعلاقات المختار مع المحتلين وتمنى من الله أن يشاهد يوم يخرج فيه الأتراك من بلده ، وقال : والله سأذبح نذر وأفرق لحم العجل على أهل البلد ، شوه نعمل سميت لهم جميع شباب البلد واختيارية البلد والأعمى والمفتح والأجقم والعور وما قنعوا مني .

وروت جدتي: لكن ربنا أخذ وداعته قبل زوال حكم الأتراك بقليل، وهان الناس فلتت على بعض وصاروا يقتلوا في الأتراك ويتعقبوا فائيي الأتراك وهؤلاء كانوا يسندوا مؤخرة الجيش التركي ولحمايتها.

بعدها دخلوا الانجليز وفرحوا الفررارية لتغير الدول والحكومات ،وبذكرنا هذه في غزو العراق يوم ما فرحوا واعتبرها البعض يوم نصر وتحرير حقيقة في ناس مجانين ،دخلوا الأتراك على قرانا ومدنا ووزعوا الحلوى وأظهروا أنهم بحبوا الأطفال كثير كثير وهذا موقف تكرر في حرب حزيران سنة 1967 ، يالله ما أشبه الليلة بالبارحة يا ستي قديش مرت عني حكومات وكل أساليبها الاستعمارية واحدة هيك علمنا الزمن، المهم سيدك كان مبسوط لزوال حكم الأتراك ، لكن أبو سيدك : قال : يا موسى والله أنا خايف هذوله صليبيين جدد ،وإنك انتي وأصحابك تعودوا فرارية ومطاردين للحكومة ، واللي بعيش يا ابني بذكّر الثاني مضت الأيام جمع الانجليز أهل القرى طلبوا منهم سلاح وصاروا المخبرين يخبروا على الفرارية والأشقياء وبعدين حبسوا سيدك ست شهور بتهمة السلاح وهذه خريفية طار عجاجها وعليك ياستي بدالها وطار الطير والله يمسيكم بالخير وتصطبحوا على عافية،والمرة الجاي نكمل عن أبو ظامن .




مختار بوجهين

أ.عبدالعزيز أمين موسى عرار/باحث ومشرف تاريخ وحاضر جامعي

هذه الأحداث جرى بعضها في واحدة من قرى جبل نابلس ،وهي وصف للواقع الفلسطيني المعاش في قرى فلسطين ،وتاريخا شفويا وتراثا لم يكتب.

تعيين المختار أبو الود:

يعد المختار أبو الود من أعظم المخاتير الذين مارسوا تأثيراً في حياة أم الغنم وأبنائها وأقدرهم على فرض سياسته واثبت نجاحه الباهر في التكيف والتغير والتجاوب مع المعطيات الجديدة، وجلب رجال الحكومات وتطويعهم لخدمته ومصالحه، وقد تميز بقدرة عالية على التمويه، ولولا أن البيئه الاجتماعية المحيطة به أو التي يعيش فيها محدودة الأفق، كما أنه كانت تنقصه بعض القدرات المالية والشهادات العلمية والإخلاص والتفاني في حب بلده والانتماء لوطنه وأهله لأصبح زعيما وطنيا ، كانت جاذبيته وسحر كلامه قادرة على جذب صداقة الآخرين ،وتحقيق أهداف كثيرة لكنها كانت محكومة بجاسوسية وعمالة للمندوب السامي البريطاني وسواه.

تحايل أبو الود ومعه بعض أبناء عشيرته من بني شنار واستغلوا مجموعة أسباب وقصور وقع فيه المختار السابق، ولم يكن المختار السابق المدعو (العالم )سوى شاعر يقرض الشعر وسبق له أن خدم مع الجيش العثماني ،وكان ضمن كتيبة للجيش يديرها الضابط عزيز علي المصري الذي عرف كزعيم قومي ورئيس لجمعية العهد التي انتسب إليها عدد من الضباط العرب.

انتمى المختار العالم إلى قضية الأمة العربيةوأحب ليبيا ،وحينما رجع إلى بلده بعد الحرب العالمية الأولى التفت حوله الناس، ونجح في تشويقها بعلمه وكتبه التي اشتراها من مدينة بني غازي ولم يكن في أم الغنم من يفك الحرف والمكتوب سوى بعض المشعوذين الذين يمارسون السحر وكان بعضهم يفرق والبعض الآخر يجمع أي "يجمعون الخليل بالخليل ويطلقون الحبيب من حبيبته أو عشيقته" ،حتى قالوا عن الشيخ محمود أنه نجح في طرق الأباريق بعضها مع بعض وكشف السرقات والمخفي والمستور وشهد له الناس بقدراته السحرية الخارقة .

أما المختار العالم فلم ينتبه لمتطلبات رعيته سوى انه كان يسليهم في قصص وحكايات وأشعار ومديح وهجاء حتى انه جعل من أم الغنم منتدى ثقافي ولذلك أحبه الناس، لأن الناس لم يخطر ببالها الخدمات الصحية والاجتماعية ولم ينفتح وعيها على البنية التحتية وبقيت في وئام تام مع المختار ،حتى أنها حفظت قصائده ومقولاته وهجائه عن ظهر قلب بل وازدهر سوق الشعر الشعبي ونقائضه وكأني بهم في زمن بني أمية وبين الشعراء الأخطل وجرير والفرزدق ، لكن المختار العالم تعرف على المندوب السامي البريطاني بعد امتداد الانتداب في فلسطين وعلى شخصيات صهيونية ويهودية واختلط معهم في سبية وملبس وتل أبيب ورعنانيا وزار مكتب الوكالة اليهودية وخالطهم مع شلة قوادين من العرب ـ كما وصفهم أبناء جيلهم ـ وكانوا يذهبون للمغتصبة للزعرنة وتصيد بعض اليهوديات الشقراوات.

ردد بعض خصومه أقوالا عنه ومفادها أنه تحول من شاعر رقيق إلى استغلال قلمه ،وعمل سمسارا في بيع الأرض حتى اكتشفته مجموعة من الناس يزور في بيع قطعة أرض في الثلاثينيات من القرن الماضي في خلة رشوان وربك لطف وستر إذ أن الناس بدأت تقرأ وتكتب ،حيث أخذت قرى المنطقة المحيطة بأم الغنم تفتح صفوف دراسية مما أسهم في تعليم الأبناء.، لكن رواية أخرى رواها لي عادل عادل أن الرجل لم يخن بلده على الإطلاق ولكن مشكلته انه أيد حزب المفتي وأبدى ميوله نحو ثورة 1936 وقادتها .

وعندما مر عبدالرحيم الحاج محمد من قريته استقبله بحفاوة تليق بقائد ثورة مما أغاظ الانجليز، حتى أن ابنه التحق بصفوف الثورة ، وهو ما دفع الانجليز إلى عزله من المخترة ومعه مخاتير آخرين في كفرقاسم وعزون وغيرها.

وتفاصيل ذلك أن مجموعة مخاتير أظهروا ميلا للثورة ومعهم المختار العالم وانقسم المخاتير في ذلك الزمن إلى عملاء يلبون مصلحة بريطانيا ووطنيين يلبون مصلحة الثورة.

تخاصم مع المختار العالم بعض أقاربه وقال له: انغشينا فيك يا مختار فكرناك عالم وعلمك ينتفع به، ولكن علمك انقلب ضدنا وقل أعوذ من الشيطان الرجيم ومن علم لا ينتفع به .

سكت المختار العالم برهة ثم قال: هذه دعاية من بني شنار.

-وماذا تفسر إرسال رئيس المجلس الإسلامي الأعلى تنبيها لحضرتك بترك السمسرة وبيع الأراضي للحركة الصهيونية ، ولا بتحسب الناس عِمي، وما رأيك في الكتاب المرسل من اختيارية البلد في حضرتك وفيه قدموا شكوى للمفتي الأكبر من فعالك المشينة، ويا مختار مين باع خلة رشوان لليهود؟

ـ أنا لم أبعها ولا زلت أعمل فيها،وأنت شو بعرفك إني بعتها؟

ولو بعت هل بعت أرضك ولا أرضي؟

-يا سلام عليك شو هال حكي .والله لن نبقى في هذه البلاد وسيطردنا الصهاينة اليوم ولا بكرة.

-أنا داري شو أقولك.

-ولك الظروف إللي أجبرتني على بيع الأرض وأجبرت الناس في فلسطين ازرع قمح وازرع سمسم وتربية دواب وشو ما عملت ضرائب انجليز وتحصيل دار بتوحانا والناس ما حدا معمر ولا مثمر.

بعدين سبقونا زعماء البلاد من إقطاعيين فلسطينيين ولبنانيين وجميع اللي حكوا في الوطنية باعوا قبل ما نبيع أرضنا.

ويوما ما سيكشف التاريخ فعالهم وإعمالهم ورايحين الإنجليز يفضحوا هذا الشيء حتى انه بعضهم زعماء في أحزاب.

وينطبق عليهم قول الشاعر إبراهيم طوقان :

وطن يباع ويشترى وتصيح فليحيا الوطن

لو كنت تبغي خيره لبذلت من دمك الثمن

ولقمت تضمد جرحه لو كنت من أهل الفطن

-المهم يا مختار موقفك والإنسان لا يحاسب على موقف الآخرين بل يحاسب على موقفه ومعرفته وعلمه.

في ناس أفقر منك عرضت عليهم الوكالة اليهودية ُرزم مصاري ولكنهم رفضوا الإغراءات ولم يبيعوا ولو دونم واحد.

ألا تذكر موقف صديقك عدنان الذي ذهب مع مجموعة من أصدقائه إلى مكتب الوكالة اليهودية في ملبس ،ولم يدر بخلده أن في هذا المكان يوجد مجموعة من كبار الصهاينة والذين يحيكون لبلاده المكر والدسائس،وقد رحب به أحدهم واغتنم الفرصة ليغريه بالمال،وأخرج صفطة مصاري ورماها قدامه علشان يغريه، ولكنه رفض هذه المواقف حتى أنه لم يرد على رئيس المكتب وخرج من عنده.

فقال لهم لم أحضرتم هذا المخرز أبحثوا لي عن غيره.

أما أنت فينطبق عليك المثل القائل "من برا إرخام ومن جوا إسخام" أو "تحت اللفة قرود ملتفة".

سيعزلك الإنجليز ولن نحزن على فراقك وقد كنت اعتز بصداقتي معك ، أما اليوم فأنني لا أتأسف على هذه الصداقة على الإطلاق.

سُر أبناء عشيرة شنار بتعيين مختار أبو الود ذي الوجهين في اتساع وجهه وضحكته التي تخرج من فم واسع يظهر من خلاله نابه الأصفر والذي يخفي أشياء كثيرة. وهللوا لتعيينه وفرحوا فرحا غامرا واخذ شعراء العشيرة والزجالين منهم يقولون أشعارا وقصائد من الزجل في المختار الجديد.

اجتمع المختار مع حاكم مدينة نابلس السيد أو كما يلفظها عامة الناس المستر" فوت" وعزمه إلى بيته في أم الغنم واخرج له من الذبائح وحضرت معه مجموعة من المتنفذين في العشيرة وأبدى الحاكم سروره من هذا الرهط وجلسوا جميعا في مضافة القرية تحت شجرة التوت في ضيافة أهل البلد.

وخطب فيهم المختار ونوه بمناقب الحاكم وأثنى عليه الحاكم مشيرا إلى فضائل أم الغنم التي لم تعرف التمرد والثورات على الحكومة محذرا من عقبى التدخل فيما يجري من أحداث أو الانحياز للفصائل الثورية مبينا قدرتهم على القمع والتنكيل بالخصوم مشيرا إلى أن عزل المختار السابق كان بسبب خروجه عن المألوف ملمحا إلى أكل أموال التحصيل دار وهي جملة الضرائب الانجليزية التي فرضت على أم الغنم.

كان من بين الحضور شخص يهمس في إذن صديقه: اسمع هال كلام والمزاعم؟

-خلينا ننتظر ونشوف قول الزجال :

لا تحكم على حلو اللسان ما بتعرف الناس إلا بعد التجارب.

علاقة المختار بثورة 1936ـ 1939

مرة تلو الأخرى أخذت أحداث الثورة تنفجر وتشكلت فصائل ثورية في القرى والبادية والمدن كان أكثرها في القرية ووجد الشباب أنفسهم متحمسين ومنقسمين على أنفسهم فبعضهم انضم إلى فصيل جيش العراق، بينما انضم آخرون لفصيل الجيش الأحمر، وكان على المختار الجديد أن يقرر هو الأخر إما إن ينضم أو يتعاون مع إحداها .

وطالما أن الموجة الثورية قد اجتاحت القرية اختار الفصيل الأحمر لما عرف عن قائده من عنف ثوري ونجاح بعض المستعربين في دخول التنظيم فوجد المختار غايته معهم وأظهر سروره بالقائد،ويظهر أن وراء كل متطرف قصة خيانة وأن العملاء يروق لهم الانضمام إلى الفصائل الأكثر مغامرة ومزايدة وعنف.

وطلب من أقاربه أن يعزم في بيت المختار وذبح خروفين أطعمها للثوار، وجلس القائد في صدر الغرفة أو البيت والكل في خدمته ويحييه وكانت أكلة مسخن مشهورة وزيت إفغيش من عصير زيتون البد.

جلس القائد بجانب المختار الذي كان يلبس حطة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ومعطرا ملابسه ويلبس ديماية بيضاء وعباءة تميل للزرقة ،وعيون زرقاء كعيون القائد البريطاني ،الذي رأى فيه كأنه أخيه .ووجه أبيض مائل للصفرة أو جنجي كأنه قديس خرج من صومعة ،فيه جاذبية وسحر غريب.

كشف لباس المختار عن قلبه الصافي الذي يشبه قطعة الجبن وحلاوة لسانه وعذوبته حتى انه لم يقصر في خدمة أو استضافة أحد ، حتى أولئك الذين فقدوا قيمتهم الاجتماعية وازدراهم الناس. فعندما كان (الهريسة) يأتي إلى بيته كان يقدمه في صدر الغرفة ويجلس المختار بدلا منه عند الباب وعلى الصرامي والأحذية عند الباب،و داود(الهريسة) يشعر بالخجل الشديد ويقول: لع يا خالي أنا بقعد بدالك.

فرد عليه :أنا المحلة وأنت الضيف يا أبو محمود.

قالها تأدبا بين الجميع بدلا من أن يناديه باسم الهريسة، ووقعت في نفوس الحاضرين موقعا حسنا ، وتحدثوا فيها عن مآثره وتواضعه.

وطد المختار علاقته ببعض أعضاء الفصيل وقيادته وكان يبدي سروره وحبوره من العمليات التي يقوم بها الفصيل ضد الإنجليز ولكنه في أحد الجلسات اقترح على القائد اقتراحا.

فقال: اقترح عليك تشكيل فرقة لضرب الجواسيس وباعة الأراضي والعملاء ومن يقف ضد ثورتكم الكريمة ونحن على استعداد لدعمكم والنظافة والتطهير مطلوبة يا حضرة القائد.

وجدت هذه الرسالة والأفكار هوى وقبولا عند القائد الشاب ومن معه من مستعربين ومدسوسين على الثورة.

قال محمد الحسن: هذه أفكار بناءة وايجابية يا حضرة المختار.

خلينا نسلخ جلد كل من يعارض الثورة أو من لا يدعمها بالمال، وكل قرية ندخلها عليهم إطعامنا دجاجا ولحما طريا ومشويا.

قالت فاطمة التي كانت ترافق ابنها في الثورة : يا أبنائي لا تشدوا على الناس ولا تزهقوهم بالثورة ،بعدين تخسروا الناس.

هز القائد رأسه معبرا عن امتعاضه من هذا الكلام .

مضت أسابيع وإذا بقائد الثورة يحضر إلى أم الغنم ثلاثة من كبار الشخصيات في منطقة غرب رام الله ويسوقهم كسوق الغنم والنعاج إلى هذه القرية. أمرهم بالوقوف عند حائط ألمدرسه وأعطاهم أمرا أن يعوا كالكلاب.

رد احدهم: أنا أجوح جوح الذئاب.

استشاط القائد غضبا وراح يصوب بندقيته على صدره وأطلق النار عليه لكن الرصاصة انحشرت في البندقيته ولم تنطلق.

رد القائد: لن تنجو ستموت الآن أحضروا حجارة واكسروا رأسه وافغشوه سامعين !!.

قتل الثلاثة في وسط القرية واتجه الثوار غربا صوب بيت المختار، الذي أبدى إعجابه بقائد الفصيل الأحمر وجرأته وتفانيه.وأضاف هناك مجموعة أخرى تستحق الإعدام من بني عواد .

نظر القائد إليه مظهرا طاعته وقبوله وقال :من هم وماذا فعلوا؟

قال المختار : قاموا ببيع أراضي وسمسروا لليهود،وبلغ مجموع ما باعوا ألفي دونهم .

راح أبناء العائلة يبحثون عن وسيلة للخلاص من هذا المأزق وهذه الفتنة. وكان عليهم أن يبحثوا عن وسيلة للتخلص مما أوقعهم فيه . تباحثوا وتشاوروا في أمرهم هذا . واجتمعوا في مضافتهم ومع رئيسهم عمر فاروق والذي خطب فيهم قائلا:

يا جماعة : يوجد تحريض على العشيرة من قبل المختار أبو الود ، ويظهر أنها حملة تستهدفنا جميعا وقد اختبئ المختار خلف القائد أبو فارس قائد الجيش الأحمر وراح يوجهه حسبما أراد.

ويلاحظ أن المختار مختار عشيرته ولم يعد مختار جميع البلد فقط مختار شلة .

أيد الحاضرون وقالوها بصوت واحد: نعم يهتم المختار بمصلحته، ولا يهمه مصالح الناس،كل همه جني المرابح من أي طريق وسبيل ,الغاية عنده تبرر الوسيلة .

اقترح أحد أبناء العشيرة ممن يشاركون في أحد الفصائل الثورية مع فصيل أبو حمد الرأي عندي أن تذهبوا إلى القائد أبو حمد الذي تربى عند عمي يعقوب ، وعمل عنده قطروسا أو حراثا يوما ما، وسيضع حدا لأعماله. ولأنه في خلاف مع أبو فارس ، فعسى أن يقف إلى جانبنا، هيا نذهب ونشتكيه إلى القائد العام قائد الثورة عبدالرحيم الحاج محمد أبو كمال.

والذي يعرف بتدينه ورفضه لإزهاق الأرواح البريئة ، مضى يوم أو يومين حيث رجعوا من قرية ذنابه وإذا بهم قد أحضروا رسالة معهم إلى القائد أبو حمد.

والذي حضر إلى قريتنا ،ومعه ستون مسلحا يحملون مسدسات وستنات وبارودات كنديات وانجليزيات بعضهم يسير كالمشاة والبعض الآخر يمتطي صهوة الجياد ، ومنها مسدسات برابيلو،وفي منتصف القرية وعند ملتقى الأحواش أو الحد الفاصل بين العشيرتين المتنافستين عند موقع البد القديم ،وقف ومعه جماعته وراح ينادي بأعلى صوته داعيا للوحدة بين أبناء الشعب الواحد وتجنب أشكال الفرقة والخلاف،وشد اللحمة بين العشائر محذرا أبو فارس ورجاله من الإقدام على شنق أي وجيه من وجهاء من بني عواد محذرا من وخيم العواقب والسلبيات التي سيجرها العمل ضد الثورة ومصلحتها.

قال أحد الختيارية ممن حضروا خطابه: ينصر دينك يا أبو حمد!!.الحمد والله إن الثورة فيها عقال من أمثالك!،هيك الرجال ولا بلاش !!،والله إنك ابن وفصل! .

قال اليعقوبي: لقد أثرت وأثمرت فيه الضيافة والخبز والتربية التي ترباها في عشيرتنا واليوم نحن انتصرنا لان الثورة فيها عقال من أمثالك . أما أبو فارس فقد أشاح وجهه وآثر الانسحاب إلى قرية الزاوية ولم يعجبه هذا الحال.

مضت الثلاث سنوات من عمر الثورة العربية الفلسطينية الكبرى 1936ـ 1939،وهي سنوات قليلة من عمر الشعوب، وضَّيق المستعمر البريطاني الخناق على الثورة في مصادرها الشعبية ،حيث فرض حظر التجول على القرى،وكان يحشرهم في جوامع أو في قيض الصيف ويطوقهم بأسلاك شائكة ،وأخيرا حشر تجمعاتهم في وادي سونداق ،وكان في الجيش الأحمر مجموعة من الثوار العراقيين والمصريين والسعوديين واليمنيين ومن قرى جبل نابلس.

حضر القائد البريطاني إلى قرية أم الغنم وقرية بديا ليلا وطلب المختار وأحد الوجهاء فيها، وتم تكليفهم بتنفيذ مهمة ضد الثورة،وقد ألبسوهم لباس الجيش البريطاني وتخفوا وأخذوا يتابعون الثوار ويطلقون النار عليهم ويقتنصوهم .

لاحظ أبو فارس أثناء اشتباكه مع العدو وجود أشخاص يعرفهم ،ويرافقون الجيش البريطاني وتعجب مما يجري وقد سقط عدد من رفاقه،وراح يحلف بالأيمان الغلاظ أنه سيجهز عليه عندما تلوح له الفرصة،وأدرك أن في الأمر خيانة عظمى وأنه كان مخدوعا بهذين العميلين، وتذكر قائد الجيش الأحمر أنه أرسل المختار أبو الود إلى لبنان لزيارة الحاج أمين الحسيني وقد أرسل معه خاتم حسن صدقي الدجاني وهي علامة اغتياله وقتله عند قرية بني سمحان أو رأس كركر.

ومرت الأحداث سريعة ونجح القائد في الانسحاب وغادر إلى سوريا العربية،وهناك اختفى لكن المحتلين البريطانيين نجحوا في كشف مكانه وخطفوه إلى فلسطين،وأعدم في سجن عكا أمام مشهد من الناس وكانت الطامة الكبرى أن المختار شهد عليه شهادة ملكية وعلى بعض مرافقيه، قال أبو الفارس: أتمنى من الله أن لا يشنقوني لأفرج البلاد والعباد عليك أيها العميل الحقير،وإن لم يفرج عني سينتقم الله منك ومن أمثالك ،لقد كنت أيها الحقير تتلون بلونين ووجهين وتتلاعب على الثورة والثوار ، ونحن مخدوعون بك وبضحكتك الصفراء، وأنيابك التي تخفي السم ،ما أغبانا من ثوار وما أقل وعينا.

أحوال الناس زمن الحرب العالمية الأولى:

شعر الناس بعد زوال الثورة بحالة إحباط شديدة واستفحل عمل العملاء والجواسيس،حتى أنهم أخذوا يتعدون على الناس في عرابة وبلاطة وكفرثلث،ودير بلوط وعزون،وسموا حالهم عصابات السلام يأسها عميل انجليزي من عرابة جنين، وعمق المختار أبو الود عمل الشلة وراح يقدم لهم الرشوة وحضر الانجليز ومعه بعض التركات على بلد أبو فارس وهي محملة بالمؤن وجمعوا مخاتير ناحية أم الغنم ،وبيَّن لهم أنه قد جلب المؤن لتوزيعها على المخلصين والمريدين ومن لا تتعارض مواقفهم مع الحاكم العسكري،وكذلك سلم كل واحد منهم راديو بحجم تلفزيون قياس 26 بوصة في هذه الأيام ، وكانت الناس تتسابق لمضافة المختار لسماع أخبار الحرب.

زار الحاكم قرية أم الغنم ومعه مجموعة من حكام النواحي، وأظهر ميله واستعداده لسماع مطالب السكان واحتياجاتهم تحت شعار إعادة تأهيل المناطق التي ساعدت الثورة على الانجليز،فكان أن هدى الله أحدهم ونطقها بالفم الملأن نريد فتح مدرسة يكفي أن أبناء قريتنا يذهبون للتعليم في قلقيلية وجلجولية، قال المختار بنا أرض.

رد أحدهم هاي أرض السيد عبدالغني؟

رد عبدالغني وأنا على استعداد لبيعها لهذه الغاية.

اتفق الجميع على جمع المال وفتح المدرسة التي ألتي أحضروا حجارتها من المحفور والمقاطع، وسرت النخوة في الفعل والنفوس وتحمس أبناء القرية لهذا العمل وراحوا يوظفون جمالهم العشرون بالحجارة والشيد وعمل الناس على جمع المال،وسلمت الأموال للمختار والذي جمع مالا من الناحية بما يسهم في بناء ثلاثة غرف أو ثلاثة بيوت معقودة ، ولكن المختار انتهز الثقة التي منحت له ،وتم بناء غرفة قرأ فيها الطلاب للصف الرابع،وأما باقي الأموال رحت مصاريف ورشوات للمسؤولين وغيرها كما برررها للشلة المحيطة به.

حاول المختار إرضاء بعض وجهاء العائلات واستمالتهم دون غيرهم ،وسلمهم أكياسا من الطحين وعلب سردين وأشكال أخرى من التموين في ليلة مدلهمة بالظلام في عام 1944،وتناهى الخبر إلى إدريس الشقران الذي حضر لبيت المختار أبو الود وهو يصيح ويعلي صوته على المختار ويقول : كيف ما بتحسب حسابي الجميع أخذوا مؤن لعداي.

ـ بسيطة يا إدريس خذ ما تشاء وحمل المختار وبعض معاونيه الخرج الواسع على ذاك الحمار الصباحي الأبيض القبرصي ، وشعر إدريس بزهوة النصر وهو متجه إلى خربته في الجهة الغربية من ناحية أم الغنم.

وما إن وصل طريق الملوية حتى هجم عليه ثلاثة شبان كانوا ملثمين،وقاموا بقذف الطحين في نتش الأرض.وطرحوه أرضا وضربوه.

قال إدريس: عملها الحقير وسواها.

هجم عليه أحدهم بخنجره مهددا بأن لا ينبس ببنت شفة.

بعثت جملة أعمال الغدر التي يقوم بها المختار استياء الناس واستقطابه للبعض على حساب الآخر وإرضاءه هذا على حساب ذاك.

استاء بنو عواد مما يجري ولم تعجبهم أعمال المختار ،وبناء على المستجدات جمعهم شيخهم عمر الفاروق وأخذ كبيرهم يفكر في استحداث منصب مخترة جديدة لعشيرته ،بعد أن توصل إلى قناعة مفادها أن هذا المختار مختار عشيرته لا أكثر ولا اقل،وأن الظلم بلغ حده ومداه.

المطالبة بتعيين مختار جديد:

بدا سؤال مهم يراود كبار بني عواد وبني غريب والشقران،ما العمل ؟

كان هذا السؤال عند كارل ماركس وايلتش لينين وميشيل عفلق وحسن البنا و ياسرعرفات وكل الثوريين حينما يبدءون عملهم بهذا السؤال لصنع ثوراتهم وحركاتهم وأحزابهم وتمرداتهم واليوم يجتمع أركان بني عواد ومنهم علي القدح وعمر الفاروق وعبدالرحيم محمد ،وعلي يوسف .وساري الليل.

قال عمر الفاروق في اجتماع مع أبناء العشيرة في مضافته : سيأتي يا جماعة السمر فيلد نائب المندوب السامي إلى مدينة طولكرم،ما رأيكم أن نذهب إليه ونبلغه طلبنا وحاجتنا لمنصب مخترة جديد في الجهة الغربية من ناحية أم الغنم .

لوحظ تحمس علي يوسف والذي كان يطمح أو يطمع في المخترة قالها : آه ولما لا.

ركبوا خيولهم ونعاجهم ومنذ الصباح الباكر تسللوا إلى ارض وادي السهلة ومنها إلى وادي أبو رباح ووادي التين عند خربة جبارة، ووصلوا المدينة مع موعد وصول السمر فيلد إلى مقر البلدية.

ربطوا دوابهم في مقر الاستراحة، حيث توجد خراريم كثيرة في واجهات المبنى ،ودفعوا بضعة جنيهات بدلا من ربطها،وكنت أشاهد مجموعة كبيرة من الخيول جاء أصحابها من الشعراوية ووادي الحوادث .

اتجهوا إلى مبنى البلدية، وكان يجتمع مع السمرفيلد عبدالرحمن الحاج إبراهيم ومعه عدد من أعضاء البلدية.

قال السمرفيلد: انتم تعرفون ظروف الحرب وواقعنا المؤلم، فقد شدت الحرب عليكم، ولكننا وزعنا مؤن وطحين من خلال مخاتير القرى والمدن والبدو ،وسلمنا كل مختار راديو حتى يتابعوا أخبار العالم وأخبار انتصاراتنا على النازي هتلر والفاشي موسوليني ،ولما أبديتم حسن النية وأوقفتم أعمال الشغب والتمردات في "مثلث الرعب" في منطقة نابلس وجنين وطولكرم، لهذا جئنا إليكم ونحن على استعداد للنظر في شؤونكم ودعمكم والآن سأسمع طلباتكم.

تقدم عمر فاروق من السمرفيلد وقال: إحنا مجموعة من شباب واختيارية جينا من ناحية أم الغنم لتعيين مختار عن عشيرتنا في منطقة الهدفة الغربية في ناحية أم الغنم.

رد السمرفيلد من منكم يريدها ؟.

أتريدها يا عمر، نحن جاهزون لتسليمها لك.

قال عمر: هذا ابن عمي عبدالرحيم يناسب المخترة.

قال عبدالرحيم: أنا ما بعطل إشغالي وأعمالي وحراثة الأرض ودرس المحاصيل،هذه المخترة بدها ناس عواطلية لا يعملون ومتفرغين.

أندفع علي اليوسف بين المجموعة ورفع قامته القصيرة أو نبز من بين المجموعة: هذا شرط ينطبق علي.

رمقه السمرفيلد بنظره، وأشاح وجهه عنه وأردف قائلا:أرى أن أنسب واحد فيكم عمر.

رد عمر: يا حضرة السمرفيلد هذا أخي وأنا أعرفه قليل الدين، ولا يهمه الحلال والحرام وهذا انسب واحد لها.

رد السمرفيلد بابتسامة وتعجب وقال: مبروك يا ساري الليل سيأتيك ختم المخترة عما قريب أنت تستلم منطقة الهدفة الغربية ونبقي للمختار أبو الود الهدفة الشرقية.

لم يعجب علي اليوسف هذا العمل وإزاحة المخترة عنه وروَّح لحاله زعلان، وترك أولاد عمه وقرايبه.

بعد أيام أحضر ساري ختم المخترة وأخذ يتصرف بشؤونها.

حدث انه تواجد يوم الجمعة الشيخ البلدي إلى يافا ومر بالقرب من قرية الهدفة الغربية ولاحظ مظاهر الاحتفالات في القرية، وطاب له أن يسأل عن سبب هذا الفرح البادي على وجوه بعض أبناء عشيرة بني عواد.

قال أحدهم: لقد أزحنا سلطة مختار بني شنار عنا واستلم رجل منا مخترة القرية.

رد الشيخ: والله يا ابني لا تفرح ولا على بالك.

-ليش يا شيخ؟

-هؤلاء المخاتير كالنواطير والحراس مطلوب منهم أشي كثير يقدموه للدولة والقليل للشعب.

هاي صار عمري سبعين سنة وما شفت منهم إلا من رحم ربي نفع عشيرته وبلده ، وإلا الجميع مخبرين في خدمة السلطات المحتلة لبلادنا.

طِّول روحك وأنت رايح تقول عال يوم لو ما جبنا هال بلا لحالنا.

اشترى المختار الجديد حطه صفراء وقمباز ابيض و ديماية وبغله بيضاء وملابس جديدة لامرأته وقال لها: البسي ريته مبارك على أصحابه، اليوم صرتي امرأة المختار.

كانت فرحة لسماع كلماته وراحت تطلق زغرودتها وبلسان وصوت عالي وقالت:

هيه ييه ونيالو من عان واشتكى

هيه ييه واحنا اخذناها من اعلى البوابي

هيه ييه ويا ابو عميد يا زينة الشبابي

هيه ييه بهذا اليوم بتحرر وعدانا بتتحسر

ولكن ذهبت السكرة وجاءت الفكرة .كانت امرأته من بني غريب وقالت في نفسها :أجانا بلاء جديد الله بيعلم شو يكون حالنا .

حدثني أحد المعمرين من آل الشاعر في قرية حبلون والذي يزيد عمره عن مائة عام: لم يكن المختار ساري الليل أو إبليس كما لقبوه فيما بعد أفضل حالا من المختار أبو الود فإذا كان الأول جاسوسا وعميلا للاحتلال وينفذ مهمات تطلبها الدولة باستثناء السمسرة وبيع الأرض فلم يعرف أن له دورا فيها حتى أن أحد أقاربه كتب عنه أنه لم يتورط في بيع الأراضي والسمسرة لها، ولكن إبليس عمل على بيع مساحات كبيرة من الأراضي قبل أن يلتحق بقائمة المخاتير وبعد تسلمه برز له دور جديد في طوش البلد وخلافاتها فهو يحرض بعض الشباب من الأشقياء على إحضار السلاح والمال ويعمق الخلافات فيما بينهم ،وكلاهما يلطش المعونات البريطانية والمساعدات التي أرسلت لأبناء القرية في الحرب العالمية الثانية.

أول عمل قام به المختار إبليس هو رعاية وضمان أرض اشترتها شركة حانوتا وهمينوتا الإسرائيلية وتم توكيله في جمع ناتج زراعتها فقد زرعها الفلاحون، وفي كل صيف اخذ منهم حصة بدلا من زراعتها ومنع أي عربي من دخولها دون إذنه والعمل الثاني الذي قام به أنه وقف إلى جانب بعض أقاربه الذين كانوا على عداء مع جانب آخر وبدلا من أن يصلحهم راح يؤلب فيما بينهم.

وساروا في كل ليلة يسمع صوتهم وهم متقاتلين وفازعين ودارعين على بعض بالعصي وطخ البارود وغيره،وكل طرف ركب تله وسار يطخ على الثاني،كان هذا الحال ينذر بسوء الأوضاع قبل حرب 1948

بعد أيام احضر إبليس ختم المخترة واخذ يتصرف بشؤون قرية الهدفة الغربية.

حدث انه تواجد يوم الجمعة الشيخ البلدي إلى يافا ومر بالقرب من قرية الهدفة الغربية ولاحظ مظاهر الاحتفالات في القرية وطاب له ان يسال عن سبب هذا الفرح البادي على وجوه بعض أبناء عشيرة بني عواد.

قال احدهم: لقد أزحنا سلطة مختار بني شنار عنا واستلم رجل منا مخترة القرية.

رد الشيخ: والله يا ابني لا تفرح ولا على بالك.

-ليش يا شيخ؟

-هؤلاء المخاتير أوالنواطير أو والحراس أو الياورات مطلوب منهم أشي كثير يقدموه للدولة والقليل للشعب.هاي صار عمري سبعين سنة وما شفت منهم إلا من رحم ربي نفع عشيرته وبلده ولا الجميع مخبرين في خدمة السلطات المحتله لبلادنا.

طول روحك وأنت رايح تقول عال يوم لو ما جبنا هال بلا لحالنا.

اشترى المختار الجديد حطه صفراء وقمباز أبيض وديماية وبغله بيضاء وملابس جديدة لامرأته وقال لها: البسي ريته مبارك على أصحابه ، اليوم صرتي مرت المختار ساري الليل.

أصبحت الحالة المعيشية في منطقة الهدفة الغربية حالة تتقزز منها المشاعر بعد أن تقاتل الجمع وفقدت استقرارها، ومع أن جهودا حثيثة جرت لإصلاح ذات البين إلا أن الهدفتين كانتا في صراع بين بعضهما البعض ، مثلما حملت كل منها تناقضا داخليا وتدخلات.

وكثرت عمليات القتل والاتهامات المتبادلة حتى أن كل فريق راح يشتري مسدسات من نوع طوموقال ويتمركز كل طرف في تله عالية ومنطقة استراتيجية، في حين كان المستوطنون في مستوطنة أبو علي القريبة يستبشرون خيرا كلما قتل عربي أخاه، وكلا المختارين يمارسان لعبتهما في ناحية أم الغنم .

وجرت محاولات بعض رجال الثورة السابقين أمثال : القائد حمد زواتا والثائر بديع بدير،والوجهاء :علي بدير وعبدالرؤوف جبر ورشدي شبيطة والشيخ نجيب اليحيى والشيخ شاكر أبو كشك

وأخيراً خفت إطلاق النار وجرت هدنة وعطوات عشائرية، وجاءت أحداث حرب 1948 لتنهي صراع الديكين ، وتوحدت عشائر أم الغنم في جبهة واحدة متحدة ضد العدو الصهيوني،وتم توظيف البارودات في أعمال النضال هذه المرة.


دور المخاتير في حرب 1948:

قام البريطانيون بجمع مخاتير لواء طولكرم وألوية أخرى في فلسطين ،وكان سؤال الحاكم العسكري:ماذا أعددتم لليهود،وماذا ستفعلون؟

قام أبو الود من بين الحضور وقال :إذا ما قرر اليهود عمل شيئ فاننا بهذا العقال سنضربهم ونطردهم من فلسطين،عندها صفق الحاضرون له.

هز القائد رأسه وظهرت عليه بوادر السخرية مما يجري.

تظاهر المخاتير في غمرة الكفاح والنضال أنهم متحمسون ويساعدون الثورة، وتوجه بعضهم للملك فاروق كما جرى في بيت جبرين وتوجه آخرون إلى الملك عبدالله طالبين العون والنصرة وقد أشاروا إلى الجريمة والمذبحة التي تعرض لها الشوابكة قرب البحر المتوسط وجملة الجرائم التي حدثت في دير ياسين وحطين وناصرالدين وعيلوط وغيرها، لكن هؤلاء المخاتير شأنهم شأن حكام البلاد وأقطار الوطن العربي كانوا يقولن ما ليس في قلوبهم وينافقون الناس.

بعد أن انتهت الحرب ووضعت أوزارها وعقدت حكومات مصر والأردن معاهداتها انقسمت ناحية أم الغنم إلى شرقية وغربية ، وحضر جنود الجيش العربي الأردني ومعهم أبو فارس كلوب باشا ليضعوا علامات خاصة في منطقة أطلقوا عليها منطقة الحرام وفيها منع الناس من العمل والزراعة .

حضر نائب الحاكم العسكري المسمى عزرا جوردان إلى الهدفة الغربية وألقى فيهم خطابا ساميا بعد أن شاهد استسلام القرية وتعليق الأعلام البيضاء على البيوت وتجمع الناس في المكان،وخطب فيهم مهددا متوعدا بمن يخل بالنظام أو الأمن ، ومطالبا بتسليم البارود والسلاح وما بحوزتهم، ثم أبلغهم بقرار فرض حظر التجوال في المثلث العربي في إسرائيل باعتبارها منطقة عسكرية ،وأن يسمح لهم فقط الذهاب بتصريح إلى مدينة يافا ومستعمرة ملبس وقرية الطيبة،وعدم التوجه إلى الضفة الغربية ن وأن من يقبض عليه متسللا سيقتل ولربما يسجن،وأن من يخل بالأمن العام لا يلومن إلا نفسه.

ظهرت على محيا المختار إبليس علامات الحبور والسرور بقدوم هذا الحاكم ومساعديه،وقد حاول أن يغديهم على كبش، ولكنهم رفضوا واكتفوا بشرب الشاي لا أكثر ولا أقل.

لم يتمتع بحرية الحركة سوى إبليس ومصطفى إدحيمس الذين عملا في كتابة التقارير ورفعها بصورة يومية على الرايح والجاي ومارق الطريق ، حتى كل هسفة وخسفة وزوالة لأي شخصن،أخذت السلطات تهاجم الهدفة الغربية وتضرب وتعذب وتقتل وتطرد وتهجر أبناء أم الغنم باعتبارهم حالة طارئة وحالة مخلة بالأمن العام، ودون طول سيرة طردوهم من بيوتهم بسبب الأبالسة والتلابسة وعلى رأسهم إبليس أو ساري الليل.

بقي بعض الناس في الهدفة الغربية ،أخذ المختار إبليس أو ساري الليل ،يذهب بصورة يومية لمقر الحاكم العسكري وصادف أن التقى هناك بأبي الود ،وجلسوا برفقة رجل( الشاباك أو الشين )بيت،وأدرك كلاهما إنهما مرتبطان بسلطات الاحتلال، قال عزرا لأبي الود بإمكانك إرسال المعلومات الاستخبارية من خلال إبليس، إذا لم تتمكن من القدوم إلى ملبس لأي طارئ،وتحول هذا المختار إلى خان للعملاء والجواسيس القادمين من الضفة الغربية خاصة وأنه يقيم في موقع حدودي يوفر السرعة والأمان للشخص حتى يعود إلى بيته .

لقد وشى بالكثيرين الذين تسللوا لأخذ البرتقال من بيارات الإباء والأبناء،وكان متفانيا في خدمة الاحتلال بصورة لا تطاق وبثقل دم لم يستمرئها أحد حتى رجال الشين بيت تضايقوا من ثقل دمه ولباطته .

ففي أحد المرات دخل على المركز دون أحم أو دستور فتضايق منه: وقال له: عليك بالأدب والتأدب قبل أن تدخل أطرق الباب وإلا أنت موش عربي ، هذه عادات العرب.

ضحك المأفون مين قالك أنا عربي أنا موش عربي ،أنا لو صحلي أتجنست يهودي من زمان.

ـ موش ناقصنا ناس يتجنسوا . أنت بتعامل مقابل خدمتك وبتوخذ مصاري على خدماتك.

لم تكن في تلك الأيام أجهزة البيلفون والجوالات والاتصال متطورة لهذا اعتمد رجال الشين بيت على الحمام الزاجل الذي راح ينقل الرسائل ويطيرها من مكان إلى آخر.

العبور أو (التسلل)إلى الوطن السليب:

شكلت منطقة أم الغنم نقطة عبور للمتسللين من مختلف الأصناف سواء العملاء والمرتبطين ومن عادوا لوطنهم لاسترداد بعض خيراتهم ومصادر رزقهم كالبرتقال والجوافا والأموال والحاجيات، ولكنهم عانوا من نقاط الحراسة والمخافر التي عملها اليهود والأردنيون، مما اضطر بعضهم لحمل السلاح والقنابل واستخدامها ضد العدو ، أما العدو فمن جهته قام بوضع الألغام في مسالك القرى والمواقع المهمة ، وعمل على تكليف الجماعات المستعربة بالقتل أو القبض على بعضهم بسبب ذلك استشهد سبعون رجلا عادوا لقريتهم بيت جبرين ،وكانوا قد رجعوا لأخذ قمحهم الذي خزنوه في مطامير خاصة،وكذلك الحال في أم الغنم قتل شعراء ووجهاء حاولوا الرجوع إلى بياراتهم، ثم أن بعض العرب سرقوا أبقارا هولندية وأبدعوا في جرها بعد أن وضعوا الكلاليب في أنوفها ،واستفادت قلقيلية من هذه الحالة وقرى أم الغنم وحوارة وغيرها.

كان مصطفى المحمود قد اتخذ مسرب أم الغنم كطريق يتجه به إليها،ويظهر أن بعض الشباب الحر لم ترق له هذه الحالة وقد عرف أن مسعاه غير نبيل وقيل أن السبب انحياز مصطفى المحمود لشخص من عائلتين مختلفتين.

مر ذات يوم عن عبدالعزيز الغريب ونمر العنيد فنهروا عليه وطلبوا منه أن يقف ، وقد ظنوه ضبعا أو غول ،فلم يتوقف.

سحب العنيد أقسم سلاحه وأطلق عليه النار وأرداه قتيلا.

حضرت الشرطة الأردنية ومعم أبو فريال وسجنوا في سجن نابلس ، ومع أن قائد المغفر المدعو أبو فريال كان على علاقة حسنة بهما فقد أفرج عنهما بعد مرور شهرين، وكان للرشوة والعزايم والبلصات دور كبير في الحكومة الأردنية ،ومفتاح سر الحكومة البحاشات .

بحث الضابط عدلي في عباءته وقلبه يمينا ويسارا فذهل مما يقرا.

كان تقريرا مفصلا كتب فيه أحد الشخصيات إلى جدعون عزرا رجل الشين بيت في منطقة ملبس.

إليك تفاصيل عن أخر التطورات التي حدثت في متصرفية القدس ومحافظة نابلس.

وفيها تحدث عن الذين حصلوا على ترقيات في الجيش ووزارة التربية والتعليم ووزارات أخرى وأخبار عزل مختار أم الغنم أبو الود وغيره من النواب والشخصيات أمثال عبدالله الريماوي وعبدالقادر الصالح.

نظر إليها وامتقع لونه ووضعها في شنطته سأل الضابط المخاتير الذين تجمعوا ماذا يفعل مصطفى سالم المحمود؟

ما الذي جاء به من مشاريق نابلس الى مغاريبها؟.

هل له علاقة بأبناء ام الغنم؟

أجاب أبو الود: يا حضرة الضابط هذا العميل ينام في بيت عبدالرحيم وله علاقات خاصة به.

مضت دقائق أوعز فيها الضابط باعتقال عبدالرحيم ووضعه في النظارة بالمدينة، وكذلك موسى الحسن وآخرين لأنهم سبق وأن استضافوا مصطفى ،ولكن لم يدر بخلدهم انه يعمل مع سلطات الاحتلال.

سبب سجن مصطفى السالم قطع صلاة مجموعة من القرى المشاريق بالكيان الصهيوني والذي كان يتصدرها هذا العميل .

كما أن السيد أبو الود بدأت الشكوك تراود ضباط الحرس الوطني تجاهه وأخذت تتكشف صفحات جديدة حوله وساد لغط بين الناس عن علاقة أبو الود بهذا الخائن العميل.

حدثني عثمان الأمير أن أحد الضباط في الجيش طلبه وسأله عن أبو الود وعرض عليه أن يراقبه في ذهابه وإيابه، ومدى علاقته بالاحتلال الاسرائيلي ،وفحص إذا ما كان يتسلل إلى ملبس ويقدم معلومات فيها.

استنهاض الهمة وتعمير الأرض الجبلية بعد النكبة الفلسطينية :

بدأت تظهر أفكار العمران والبناء وزراعة البيارات وحفر الآبار الارتوازية خاصة في طولكرم وقلقيلية وفلامية والكفريات وحبلون وكفرثلث وخربها.

أنجز مشروع البئر الارتوازي وأخذ الناس يتجهون نحو مشتل الخضوري في طولكرم لشراء البرتقال البلنصي والشموطي مدفوعين بذكريات جميلة لبيارات يافا.

قال عمر هاني: والله يا جماعة لا زال شذى وعبق بيارات يافا يثير مشاعري ويمتلك قلبي وشراييني وإنني أتخيل صباح احد الأيام حينما مررنا مجموعة شباب أم الغنم متجهين إلى يافا، وقد رأينا العمال يقطفون البرتقال بسلالهم ويحملون عربات الحناطير ويتجهون بها إلى الميناء عند التاجر حزبون المسيحي اه على أيام السعادة، وتنهد تنهيدات عميقة ندى من خلالها ارتفاع بطنه وكأنه استنشق عبيرا وشذى طيب من برتقال يافا هب عليه مع نسمات الريح الغربي.

لم تكن الجرافات والبلدوزرات ولا البواخر والقمبريصات قد عرفتها أم الغنم كان جل عملهم بالأزاميل والسفل والعتلات والفؤوس والقزم يقتلعون بها الأحجار،ويوظفون الجمال،حتى أن أهالي وادي الرشوان وحبلون حفروا بئرا ارتوازيا بهذه الطريقة،وقبل أن يحضروا شركة بايرالألمانية لاستكمال عملية الحفر، واذكر أن عمتي أخذتنا معها وكنا نقطع مسافة أربعة كم من قريتنا أم الغنم إلى خلة الجديدة والتي قمنا بتعزيلها وعملنا مجموعة واحدة واشترك الأخ وأخته في حمل القفة وبها الحجارة التي عزلناها من الأرض وغربلناها كما نغربل القمح.

لم نبقٍ سوى حجارة صغيرة جدا لا تتجاوز قالات الحجارة التي تلعب بها الصبايا، أما عمتي وخالي فقد عملوا سنسال كبيرة في الأرض وصل ارتفاعها في الوادي إلى مترين ولم تمض سوى شهرين حتى كنا قد عمرنا عشرين دونما من الأرض.

كانت دوافعنا للعمل قوية كما إن أجدادي وأبي اندفعوا أيضا بقوة وحماس ومن شدة حماس حامد السفياني انه كان ينام في أرض مجاورة لنا وفي الليل يحلم بأنه يًُّعزل الأرض وقد راح يحرك يديه في منامه حتى نظف في كل ليلة بما يتجاوز مساحة غرفة وتحمس للعمل فيها في ليالي البدر وهو يتحرك يمينا وشمالا.

كان لهذه الأعمال الزراعية أثر كبير وتركت لدينا شعورا بالأمل والفرح وكبرت البيارات وانتشرت الضمانة للذين يشترون البرتقال وتم توظيف مجموعة من النساء كعاملات لهذه الغاية بخمسة قروش لليوم الواحد.

كنت أطرب عندما أسمع صوت ماتور البيارة الذي يطقطق ويدخن من مدخنة سمراء ويعمل على الديزل، وكلما مررت من ذلك المكان وشاهدت الماسورة في الوادي المطوي شعرت بأريحية وعبق سحري خاص،ولازال هذا الشعور يحاصرني حتى اليوم وأطرب إليه كأني أرى ملكوت الله وعزته تظهر في كل نبتة وشجرة ،وكان خرير الماء الذي يسير مسرعا في عمالات وبيارات ناحية أم الغنم ليكسو اللمعان بمسحة رومانسية،ولو أن فان كوخ مر من هذا المكان ورسمه أو عاش فيه لأبدع من الرسومات والنحوتات أكثر مما قرأناه وشاهدناه وقد فعل.

أخذت بيارات البرتقال تكبر بسرعة وطالت الأعشاب شجيرات البرتقال قبل أن نتمكن من تعشيبها وتعلقت عليها الفاصولياء من نوع المدادة ،وتعربشت في المكان وأخذنا نشاهد طيورا جميلة من الكناري والحساسين وملك الطيور وكأني بها والله طيور بحيرة الحولة أو بيارات المويلح عند نهر العوجا، وقد رحلت من مكانها إلى هذا المكان، فقد استاءت مما حدث لها من تجفيف بحيرة الحولة واتجهت إلى أراضي أم الغنم وجنانها الخضراء اليانعة التي زينت هذا المكان،ولأن جمال الطبيعة يخلب بسحره الطير والإنسان.

يا الله ما أجمل هذا المكان انه سحر الشرق وسحر فلسطين.

رغم هذا التغيير الذي حدث في الضفة العربية من نهر الأردن في ظل المملكة الأردنية الهاشمية إلا أن الجهة الشرقية منها لم ينلها نصيب من التعمير والحفر والزراعة فقد بقيت بلا زراعة أو تعمير،كذلك الحال في أم الغنم بقيت بعض جهاتها الشرقية بلا بيارات أم آبار ارتوازية واكتفى الناس بزراعتها بالمحاصيل الصيفية كالباميا والبندورة البعلية والفقوس والشمام ،ومع ذلك صدرنا إلى الكويت قرابة ألف شرحة بندورة أي بما يعادل عشرة أطنان من البندورة،وأمكننا الحصول على دخل يساعد في شراء بعض الحاجيات ويحسن قدرتنا الشرائية بدلا من مقايضة بيض الدجاج ببعض الحاجيات.

يا الله ما أسوا هذه الظروف بدأت جهود بعض العائلات والحمائل تتفق لتعمير الجزء الشرقي الكبير لكن المختار أبو الود أخذ يعيق هذا المشروع ،ويُّحرض بعضهم لتنفيذه ويحاول وضع العراقيل في طريقهم،وقد نجحت عراقيله وحينما اتفق الناس أخيرا كانت حرب 1967 على الأبواب فتعطلت المشاريع،وخضعنا للاحتلال الصهيوني الذي رفض حفر الآبار الارتوازية.

تساءل علي محمد في اجتماع لبني عواد ما الذي دفع أبو الود لعمل مشروع في الجهة الغربية من أراضي ام الغنم بينما يرفض عملنا في الجهة الشرقية.

رد أخوه: السبب إن عبد العزيز السخلة يشارك في هذا المشروع ويتزعمه ثم هل تنسى دوره في إسقاط أبو الود.

-آه عرفت السبب صدقت يا أخي.

وسأل أحد الضيوف أخبروني كيف أسقط.

أجاب اسماعيل: جرت انتخابات نيابية أردنية شارك فيها ممثلون عن مختلف الأحزاب الوطنية والقومية والدينية ، بعد نجاح البعثيين والشيوعيين،ذكروا أن أبو الود حاول أن يقف في وجه أبناء بلده وأظهر انحيازا للنائب هاشم الجيوسي إلا أن قسما كبيرا من أبناء أم الغنم انحازوا للسيد حافظ الحمدالله، كما أن قسما آخر مال لصالح الشيخ أحمد الداعور أحد قادة حزب التحرير الإسلامي ومن دعاة قيام خلافة إسلامية.

ظل أبو الود ينظر لقرية أم الغنم على أنها حسبة وسوق لحضرته ،لدرجة أنه هدد بأنه سيقيم الدنيا إذا ما انتخبوا غير صديقه هاشم،وصل الخبر إلى بني عواد وإلى جميع عشائر القرية،فارتفع الضغط واتجهت عقارب الساعة نحو الارتفاع ثم أن الجو تكهرب ،وثارت فيهم النخوة والحمية،وأخذ بعضهم يحرض على الخلاص من أبو الود وسلطته ،ملمحا إلى أنه أكل المال العام وسرق ونهب مقدرات وخيرات البلد ويتلاعب بمصيرها وغمز البعض بعلاقاته مع العدو الصهيوني،وأن غيابه عن القرية،يدخل في دائرة الشبهة،واتفق الجميع على تقديم عريضة بأسماء أبناء القرية ومطالبة وزارة الداخلية بإسقاطه.

لم يكن هذا العمل سهلا خاصة وأن المختار أبو الود تّجذر وشرش في ناحية أم الغنم وله علاقاته القوية مع ضباط وقواد أردنيين ومع متصرف نابلس ،وله منن التأثير الكبير لدرجة أن الدولة خيرته بين أن يختار أن يبق في موقعه أو أن يختار بدلا منه مختارين للعشيرتين الكبيرتين،فتغلبت عليه الحكمة واختار مختارين عرف أحدهما بدوره الهامشي أما الثاني فكان على قرابة وصداقة معه.

وأخذ يمارس تأثيراته ودوره من وراء الكواليس.

كان في المجلس بشير الابراهيم يتحدث في موضوع آخر مختلف عن هموم ومشاكل أم الغنم.

تحدث عن وحدة مصر وسوريا والعراق وعقد الميثاق القومي عام 1963وبشائر الخير التي تهب في تطبيق مشروع الوحدة العربية وأضاف إن شاء الله بتتحرر فلسطين على يد دعاة الوحدة وبعدها يسقطوا المخاتير والنواطير الكبار وبلحقهم الصغار.

انظروا في كل عاصمة عربية يوجد مختار ومنطرة لمصلحة الاستعمار البريطاني أو الفرنسي.

قال ختيار من بين الجمع الحاشد: لقد جربنا الانظمة العربية وما نفعتنا في شيء ..أنا غير متفاءل من نظام عبدالناصر ولا تنسوا أن أزلام عبد الناصر خربوا الوحدة المصرية والسورية، ثم أن عبد الناصر يقول: إنني لا امتلك خطة لتحرير فلسطين لقد قالها في اجتماعه مع أعيان غزة سامعين شو بدي أقول.

رد الجميع: قول يا أخي وريحنا.

قال: لا أمل في التحرير عن طريق نظام عبد الناصر ولا عن طريق غيره.والجميع غير مخلصين في مطلب الوحدة العربية.

رد عليهم شاب بلغ العشرين ربيعا :أنا أملي بإذن الله في الفلسطينيين وفي تنظيمات الشعب الفلسطيني وتنظيم فتح ورجالها الذين يخططون لحرب التحرير الشعبية .

رد آخر : وين نجحت حرب التحرير؟

رد عليه هذا الشاب:أنظر كيف استقلت فلسطين والجزائر.

كبر همي واتسعت أذناي لأخبار متنوعة، وكنت ألزق بعمي الذي أخذ يحمل راديو ترانزيستور صغير من نوع ناشيونال ويطرب لسماعه في ليالي البدر ،ودايما بفتحه على أغاني أم كلثوم أو أغاني محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ، ولصوت العرب الذي يذيع أخبار متنوعة عن الأردن ومصر والفلسطينيين وكنا شبعانين وسكرانين رومانسية، وها هو يعقد مؤتمر القمة العربية ليبحثوا في تشكيل منظمة لتحرير فلسطين،ثم أن الشباب في قريتنا أم الغنم أخذوا يلتحقون بهذه المنظمة.

عرف بانضمامهم المختار موسى ولم يعر الأمر انتباها،فقد انشغل في رعي دوابه وقطيعه ،وكان كعادته يعزب خارج القرية ويعود إليها في الأسبوع مرة أو مرتين،حتى أن أمي ولدت أخي وكان عليه أن يسجله في دفاتره ،وأن يسلمن شهادة ميلاد،ولكن أخي صار ابن ست سنوات ولم يحصل على شهادة الميلاد،وفي كل مرة يراجعه أبي يقول :أي هو رايح يقرى في موسكو؟

خلاص بنجيب شهادة الميلاد.

أرسلت المنظمة لكل شاب انتسب لها كلاشنكوف عن طريق حكومة مصر وخوفا من المخابرات ورجال المباحث الأردنيين، قاموا بحفظها في شوالات ووضعوها في صبار البلد وخططوا لأعمال منها اغتيال عميل من قرى المثلث.

حضر أحد الأشخاص وسأل: وين دار محمود العرسان ؟

قال له مجموعة من اختيارية البلد جلسوا عند شجرة التين: من هان وخمسين متر غربا.

حصلت في منتصف الستينيات من القرن الماضي سلسلة عمليات ثورية خاصة في منطقة قلقيلية ،حيث نشط الشاب الوطني القومي محمود زهران أو الملقب بالأشوح في القيام بعدد من العمليات داخل إسرائيل من قتل ووضع عبوات ناسفة وقيل على ألسنة الناس أن عمله انتهى حينما تخلصت منه أجهزة المخابرات في الأردن،بسبب الخوف من أن تتعرض قلقيلية إلى عملية احتلال،وذكوا أن فضح اجتماعات الملك منذ عهد مبكر مع رجال المخابرات في تل أبيب وأنه شاهد الملك وأخذ يفضح الحكومة واجتماعات ا لملك مع العدو،وبناء عليه أخذ بمكيدة حيث أوعزوا له بالنزول والقيام بعملية ثورية وقالوا سننتظرك شمال قلقيلية عند فلامية ونطلق إشارات خضراء وتنوير وبدورك استخدم القداحة.

وما إن تمت هذه العملية المدبرة حتى سقط شهيدا.

قام النظام الأردني بحملة اعتقالات في هذه الفترة وكان أهمها الاتهام بالتسلل إلى إسرائيل،وقد

طالت حملة الاعتقالات عشرون شخصا من ناحية أم الغنم وحوالي ثلاثة آلاف فلسطيني وكان محور اتهامهم التسلل والعبور إلى أرض العدو بصورة غير شرعية ،وأنهم قطعوا حدود السموع وقلقيلية وحبلة،وقد بدأت مظاهر التململ عند الناس والتساؤل:

هل هي دولة لحماية العدو أم لحماية الشعب الفلسطيني؟وهل الذهاب إلى جلجولية وكفرقاسم يعد تسللا؟!

في غمرة الأحداث تم اعتقال المختار أبو الود ومعه مجموعة من ناحية أم الغنم وشملت بعض قرى ومدن المملكة ومن مختلف المواقع المهمة ،وتبين أن الشبكة التي يديرها شبكة قوية وذات تأثير،وكان بعضهم على علاقة بنسف بعض الآبار الارتوازية،وهم أصحاب تأثير قوي وتجاوز تأثيرهم دور السفير المصري الذي حاول تجنيد العشرات من شباب الضفة الغربية للعمل المسلح في عام 1955،أو دور المحاولات البعثية للقيام بالعمل المسلح وتشكيل جبهة تحرير فلسطين وكانت لهؤلاء محطات يلتقون فيها مع رجال الشين بيت عند بعض المستوطنات الحدودية في مدرسة قولة وعلية موسى وبيت يوسف الخخن وغيرهم وأخيرا اقتيد إلى سجن المحطة ولم يكن بمقدوره الإنكار ،وانتهى حاله إلى الحكم المؤبد والغريب أن الحكومة الأردنية لم تعدمه بينما أعدم ثلاثة شباب اتهموا بالعمالة لإسرائيل إلا أن الجمهور يكذب هذا القول ،وكنت طفلا صغيرا عام 1968 وقد شاهدت مخزن سلاح أخرج من قطعة أرض تخص أحدهم والذي قيل أنها كانت خاصة بهم،فمن كان وراء إعدامهم ،وما السبب.

إنها صفحة مطوية تستحق البحث والاستفسار... أخيرا بعد مرور ثماني سنوات أفرجت الحكومة الأردنية عن المختار أبو الود وعاد إلى بيته،وكافأته حكومة الكيان الصهيوني بالحصول على قطعة أرض ولم يطل به المقام فقد أصابه داع الفالج.

قال زيدون:هذه أم الغنم لها خطية ومن يخطي في حقها أو يستقوي عليها طرقته كما تطرق العين الحاسدة ويحل فيه الموت السريع أوالسقم أوغضب الرب أو يتعذب طويلا بالشلل الرعاشي والخرف.

[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف