الأخبار
تفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطيني
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحاكمية بين سيد قطب ونصر ابو زيد صراع في الصياغات بقلم:أثير طاهر الخاقاني

تاريخ النشر : 2010-02-20
الحاكمية بين سيد قطب ونصر ابوزيد صراع في الصياغات ....الفصل الثالث
الحاكمية والتكفير عند سيد قطب

المجتمع الجاهلي رقم 20
يرى سيد قطب وهو في منتصف القرن العشرين او أكثر بسنين قلائل ان المجتمعات - وباعتقادي انه قاس على محنة المجتمع المصري المجتمعات الإسلامية الأخرى - المسلمة بعيدة عن الروح الحقيقية للإسلام فالفرد المصري مثلا – في حينه – كان يُسيّر منذ الصباح من قبل الدولة نظاما وتشريعا ثوابا وعقابا كما ان الجهل الكبير بأصول الدين وفروعه والابتعاد عن الجادة الواضحة الى الانحراف الواضح تعد أسباباً خلقت أسباب أخرى حفزت على ظهور ماتبناه سيد قطب من مفهوم الحاكمية وجاهلية المجتمعات ، وهناك أمثلة لا تخفى على أي مصري عاش حقبة الملكية والناصرية الآتي الحديث عنهما في الفصل القادم بإذن الله تعالى - والفرق بين الملكية والناصرية أن الأولى كانت مظاهر الفساد والانحلال متاحة وربما للأكابر فقط وان كانت الآثار تعم المجتمع بالتساوي أما في العهد الناصري فقد كانت هذه المظاهر جزء من واقع يرغم عليه الكثير ويحاسب من يتنزه عنه ويتورط بانه من خلايا الإخوان او بقايا المكتب العسكري له , ولا ادري هل نقف اما شخصية صلاح نصر مدير الاستخبارات المصرية الى عام 1967 او عند المشير عبد الحكيم عامر وفضائح القصور المعتمة في الجانب الآخر من حياته العسكرية ..ام نتجاوزها ونوكلها الى كتب السياسة وهذا هو الأحرى ..هذا الواقع استدعى الغوص في أعماق الدين والاعتزال الذاتي في حدود الشريعة – نقصد به جيل سيد قطب من الإسلاميين على اختلاف مستوياتهم - خصوصا والجيل هذا ألزمته السجون أن لاينفتح في أفكاره وأحكامه خارج زاوية الرأي الحاد ووجهة النظر المناسبة لمن يقبع في الزنازين ويعاني الم السياط وتصفيق الآخرين لهم وانغماس المحيط في افلام الفراش والهنود الحمر ..!
حكم سيد قطب من تلك الزنزانة بالجاهلية على هذا المجتمع وبما انه –كغيره - قد بلغ مراتب في الشريعة معمقة نظر الى المجتمع من أعلى ومن فوقيات المعاني الشرعية والعقائدية وحتما وجدوا المجتمع وهو في وادي سحيق ، يستحق وصمه بالجاهلي وأناسه بالجاهلية والكفر دين الجاهلية ، ومما زاد الطين بلة أن الكلمات خرجت من فقيه أديب يسرح في الألفاظ الى المعاني بخيال خصب قد لايعتني بالقارئ وهو لا يدري في أي مقصد أراده الكاتب له وفي أي معنى سلك وكما يعبر عن ذلك الكاتب معتز الخطيب بقوله :
لا بد أن نقرر أن المعاني تُطلب من المفاهيم لا من الألفاظ، فمن طلب المعاني من الألفاظ ضل وتاه، وقوام الأدبية قائم على التشبيه والتخييل والتمثيل، ورقة العبارة، وسعة التعبير، وفي هذا غلبة للحس على اللفظ، وللعاطفة على الفكر، ومشكلة قطب أنه خاض بعباراته المرنة هذه في قضايا عقدية ولا بد، والمسائل العقدية يطلبها الناس من الألفاظ، والأحكام الشرعية تقوم في الحدود والعبارات، فلا يمكن تبرئة الأديب سيد قطب رحمه الله من مسؤولية عباراته.
ثم إن المفاهيم التي شرحها ونظّر لها حين تُضم إلى بعضها لا يمكن إلا أن تؤدي إلى نتائج عنيفة، من الجاهلية والحاكمية -على ما شرحه وأفاض فيه- والجهاد وفق شرحه، والبرنامج الحركي الذي رسمه في معالمه، ومنعه الاجتهاد الفقهي بتعليله السابق، والقول بتوقف وجود الإسلام، وبإنشاء المسلمين من جديد، وحصر الإسلام في الطليعة المؤمنة التي ستشكل نواة المجتمع المسلم المنشود، إلى غير ذلك.
إن إطلاقية قطب الصارمة في مجمل ما يصدر عنه بوصفه يقينًا لا يحمل الاجتهاد، وصوابًا لا يحمل شائبة من الخطأ، كل هذا يبني تصورًا ويُشيد قلاعًا، ويحطم كل الجسور؛ لأن المسألة لديه أبيض وأسود فقط والثالث مرفوع!.
أقول هذا مع علمي بأنه هو نفسه حين سُئل عن التكفير قال: إن "المسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس! ، وهو بالفعل كان معنيًّا بهذا في فكره وكتاباته، وكذلك أنا لست معنيًّا هنا بأن قطبًا يكفر المجتمع أو لا، غير أن مفاهيمه لم تكن لتقف عند حدود المقدمات التي تبنيها دون النتائج التي تسكت عنها، بل كان من المنطقي أن يأتي من يستنتج من تلك المقدمات ما تحمله في طياتها وفي ذاتها!.


هذه المقاربة كما يراها الدكتور ابو الفتوح في تشخيص وفهم الواقع لم يقل بها أي من الدعاة من قبل، ناهيك عن حسن البنا نفسه، والذي كان قد وضع أسس العمل الإسلامي على قاعدة أن المجتمع مسلم ينقصه بعض قيم وأخلاقيات الإسلام، وهذا دورنا وحقه علينا، ومن ثم كانت الدعوة، وأن الدولة مسلمة، ولكن عليها الاقتراب أكثر من الأحكام والتشريعات التي تقيم العدل والحرية والحياة الكريمة الآمنة لمواطنيها، ومن ثم كانت النصيحة الدائمة والتواجد القوي في المؤسسات التشريعية والرقابية والنقابية.
سيد قطب والتكفير :

التكفير الذي تحركت به الأقلام والباحثين نحو سيد قطب جاء من اشتباه في قراءة نصوص كتبه الأساسية ككتاب الظلال والمعالم وخصائص التصور الإسلامي وباقي كتبه الأخيرة التي كتبها في السجون - وماهي الا سيد قطب في المرحلة الاخيرة من حياته ولكن ليست الخاتمة الأخيرة من أفكاره لانها طبعت بإعدامه رغما ولو شاءت الأقدار إمهاله لكانت المتغيرات كفيلة بتغيير في الأفكار - هذا الاشتباه تولد عند البعض بفعل الرغبة في توسيع مظلة الشرعية على ما يقاسيه بعض الإسلاميين من حيف او أذى من الأنظمة فاسقطوا هذه النصوص على مأساتهم بغية الشرعية على ما سيصدر عن التكفير من تجويز او توجيب الجهاد ! هذا لمن اخذ النصوص بحسن نية أما من أراد ان يتخذ من هذه النصوص وصاحبها غرضا لإلغائه ودروه عن الساحة المصرية وبالتالي العربية الإسلامية فهو مما يجري ضمن السياق الاعتيادي لامتنا في تحبيذ النقد على البناء والتفكير في الإلغاء بدلا من الاحتواء ، وكلامي يتعداهم تماما لأنهم ظاهرة قديمة ومتجددة في واقعنا العربي خصوصا .. وزيادة في التفصيل لهذا الموضوع الحيوي "التكفير " عند سيد قطب أورد مسائل أخذت من بعض المعنيين بهذا الشأن - كالمستشار "د. كمال المصرى"الذي ساق شواهد متعددة من كلام "سيد "، وكذلك ما نقله عن بعض العلماء - أراها منصفة للقضية وللموضوع معا واليك المسائل :

المسألة الأولى: أن سيد قطب لا يعدو عن كونه بشرًا يصيب ويخطئ، ويُؤخَذ من كلامه ويُردُّ، ،.وفي هذا إثبات لأخطاء افتراضية في المنهج وإخطار للقارئ الناظر فيه ثم لا تعد هذه مثلبة في المنهج العلمي بل تصنف من الأعراض الجانبية للمفكر - أي مفكر - فيما يكتب وفيما يقول .
المسألة الثانية: أن نعرف ونفهم وندرك بوضوحٍ وجلاءٍ أن "سيدًا" "أديبٌ" وليس "بفقيهٍ ولا أصوليٍّ"، وما هو مطلوبٌ من "الأديب" ليس هو ذاته المطلوب من "الفقيه أو الأصوليّ"، وحين يكتب "الأديب" لا يكون محدَّدًا ودقيقًا وجازمًا في كلامه، ولا مطلوبٌ منه ذلك، بينما حينما يكتب "الفقيه أو الأصوليُّ" فلا مجال للبس في ما يكتب أو يستدل، بل يجب أن يكون واضحًا دقيقًا ومحدَّدًا، حتى لا يلتبس الفهم على أحد. إننا إن فهمنا هذه الخلفية واستوعبناها جيِّدًا ندرك أن ما كتبه الأستاذ "سيد" كان كتابة أديبٍ يحمل في طيات كلماته المجاز والبلاغة وجمال العبارة وعدم المباشرة حتى وهو يكتب في "ظلال" القرآن الكريم وآياته، وحتى وهو يتطرق لمفاهيم ومصطلحات إسلامية.
وإن فهمنا هذه الخلفية واستوعبناها جيِّدًا كذلك نعرف أن نظرتنا لكتاباته على أنها آراء وأقوال صدرت من فقيهٍ أو أصوليٍّ، وتحميل هذه الأقوال بما تعارف عليه الفقهاء والأصوليون من محدداتٍ واصطلاحات كان خطأً كبيرًا أدى بنا إلى هذا الفهم الذي ما كان ليصلنا لو تعاملنا مع كتاباته تعاملاً سليمًا من البداية ، ولذا نرى سيد قطب ذاته في بعض كتاباته يحيل القارئ الى الفقهاء في المورد الفقهي والى علماء الأصول في ما يخص بعض قواعدهم .

المسألة الثالثة: أن قضية اختلاف الرأي، واجتماع الرأي والرأي الآخر، مسألةٌ أصيلةٌ علينا أن نقبلها ونتقبلها بصدرٍ رحبٍ، فليس معنى دفاعي عن وجهة نظري في كتابات الأستاذ "سيد"، ليس معنى هذا تجريحي أو طعني أو اتهامي لمن خالفني الرأي، وإنما هو وجهات نظرٍ، واختلافٌ في الرأي، من حقِّ كلِّ أحدٍ أن يرى ويكتب ما يقتنع به، مع حفظ الودِّ والاحترام بين جميع الأطراف.

انتهت المسائل الثلاث وهي ضرورية لفهم مسائل معمقة اخرى تتوقف مقدماتها على المسائل السالفة فمسالة التكفير والجاهلية تتوقف على اتساع الصدور للآراء فيها أي في مثل هذه المسائل وكذلك تحتاج الى رفع التعصب المقيت كليا لمعرفة الحقيقة فإذا دخل التقديس من باب خرج البحث الموضوعي وإصابة الحق من باب آخر وهكذا نقرر في مسالة التكفير في حق سيد قطب ثلاث نتائج تمثل وجهة نظر في موضوع يصعب الحسم فيه وهذه النتائج :
1. التكفير اخذ من نصوص نورد نصين منها لاننا ذكرنا في اول البحث في الحاكمية نصوص أخرى وهي في الغالب متشابه ويمكن قياس بعضها على الجميع تقريبا :
• مقاطع مختلفة في المعالم يبين فيها الحاكمية ومنطق الحكم الإلهي ولان الكتاب بمجموعه نصوص ثورية على الواقع في حينه يصح اعتباره بمجموعه نصا في هذا المورد .
• إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولةٌ مسلمةٌ ولا مجتمعٌ مسلمٌ قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي (ظلال مقدمة سورة الحجر).
• إن هذا الكون بجملته لا يستقيم أمره ولا يصلح حاله، إلا أن يكون هناك إلهٌ واحدٌ، يدبِّر أمره و(لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا).. وأظهر خصائص الإلوهية بالقياس إلى البشرية تعبّد العبيد، والتشريع لهم في حياتهم، وإقامة الموازين لهم، فمن ادعى لنفسه شيئًا من هذا فقد ادعى لنفسه أظهر خصائص الإلوهية، وأقام نفسه للناس إلهًا من دون الله. وما يقع الفساد في الأرض كما يقع عندما تتعدد الآلهة في الأرض على هذا النحو، عندما يتعبد الناس الناس، عندما يدعي عبدٌ من العبيد أن له على الناس حق الطاعة لذاته، وأن له فيهم حق التشريع لذاته، وأن له كذلك حق إقامة القيم والموازين لذاته، فهذا هو ادعاء الألوهية ولو لم يقل كما قال فرعون: (أنا ربكم الأعلى) (سورة آل عمران- ظلال الآيات 58- 64).

هذه النصوص وبعض الكتب كالمعالم عندما الفت وطرحت في عناوينها الرئيسية لم تلق بالا من المجتمع وهذا ما تعضده العديد من الشهادات من داخل حركة الإخوان ومن خارجها من مثقفين ومعنيين وانما استقطب المجتمع بفئاته ماكتب سيد قطب بعد إعدامه وهذه من الطبائع البشرية انها تتعاطف مع المفكر والاديب والرسام ونحوهم من المبدعين اذا اختفى جسده عنها فإنها تعوض خسارتها بإهماله حيا بالاهتمام به فكريا او بتمجيد آثاره حتى أن بعض المشاهير حاولوا خداع الجماهير بتضليلهم إعلاميا بإشاعة مماتهم لاستحصال اكبر قدر من الاهتمام والعناية !
وقياسا على هذا حصل لمؤلفات سيد قطب من الاهتمام المفرط ما يستدعي الدراسة له لا لما كتب "سيد" فكتاب معالم في الطريق بحجمه الصغير القريب من الكتيبات ولغته السهلة كأنها كتب المناهج وعناوينه الواضحة وفصوله القصيرة- إلا من الأسلوب الأدبي الذي يحمل أحيانا في الكتاب هموما تنأى عن الفهم السريع لها – لم يحفل به الكثير لولا إضافة الكاتب الى الكتاب ومن هنا أصبح كل سجين يبحث فيه عن نص للخلاص وكل مناوئ إسلامي للسلطة الحاكمة يتحرى في زواياه عن ثورة ! هذه من طبيعة الناس لا طبيعة الكتاب او الكاتب .ثم متى كان المكفِّرون يعتمدون على مرجع او مصدر فهم منذ الخوارج في عملية سحب التراث على الواقع
تأكد بالدليل أن الفكر "التكفيري" لم يعتمد على النصوص بل مال نسبيا الى الأشخاص أي يقرا ويستدل بعقل القائد او المسؤول عنهم وهذه الطريقة تصاغ بمنهج مشابه للوجوب التعييني في القاموس الفقهي أي يقوم القائد بإصدار الدليل ومع هذا فانهم يقومون في نفس الوقت بنقضه او تعديله فالكل يشترك في عملية الاستدلال وإعمال الرأي وهذا ماحدث مع الامام علي عليه السلام حينما أمره الخوارج باللجوء الى التحكيم ثم بعد رفضه للتحكيم نزل عند رأيهم لأسباب قهرية بعد ذلك أمروه بالحرب ولان علي ليس من طبيعتهم مطلقا فهو لم يأمرهم بإطاعته بلا دليل او طاعتهم بغير برهان لم يفلحوا في عملية الانصهار الاجتماعي في الجسم الإسلامي ولو تاخروا في الولاء الى زمن معاوية مثلا لكتبهم التاريخ بأنهم من أفضل الرعية في الإسلام نظرا للعبادة الظاهرية عليهم ولكن علي عليه السلام عراهم بضحالة أفكارهم فلم يلبثوا الا مطمعا للحكام في دمائهم متفرقين في زوايا الأمصار والدول .. ورجوعا الى موضوعنا فلم يقم أيٌّ من أوساط المسلمين بالاستشهاد أو الاستدلال بكتابات "سيد"، بل إن عددًا من هذه الكيانات التكفيرية قد كفَّرته وأخرجته من ملة الإسلام، ولو كانت كلماته تعطيهم الحجة لما وصلت إليه أفهامهم من تكفير المسلمين، لما كانوا تراجعوا لحظةً عن الاستدلال والاستشهاد بها بدل تكفيره.
وكما يذهب المستشار د كمال المصري بقوله :وحتى ادعاء عديدٌ من الكتَّاب أن شكري مصطفى قائد جماعة "التكفير والهجرة" -أو "جماعة المسلمين" كما كانت تسمي نفسها- كان منبع فهمه وفهم جماعته كتابات "سيد"، حتى هذا الادعاء هو ادعاءٌ باطلٌ، ولا أدلَّ على ذلك من نقلي لهذه الكلمات التي وردت في كتابٍ طرحته الجماعة الإسلامية في مصر ضمن إصداراتها لعام 1997م، تردُّ فيه على الشيخ الألباني وتؤكد فيه ما أقول، وهذا نصٌّ من هذا الكتاب – تم نقل نقطتين كاملتين من الكتاب هي ثالثا ورابعا :
• "ثالثًا: وبعد بيان خطأ الكاتب فيما نسبه للجماعة الإسلامية، نحب أن نؤكد له ولغيره أن الجماعة الإسلامية تقدر الأستاذ سيد قطب رحمه الله أعظم التقدير، وله في قلوب أبنائها مكانة خاصة، بيد أن الجماعة لم تنسب منهجها إلى الظلال أو المعالم ولم تقل إنها أخذت فكرها منهما وإن كانت كثيراً ما تستشهد بأقواله رحمه الله باعتباره واحداً من دعاة الإسلام ورجاله المعدودين في هذا العصر .
إننا نؤكد أن الجماعة الإسلامية لم تكن يومًا من هؤلاء الذين نسبوا إلى الأستاذ سيد رحمه الله ما لم يقله وادعوا زورًا أنه في المعالم أو الظلال .
رابعًا: وإن الإنصاف ليقتضي هنا أن أبريء ساحة الجماعة التي تسمي نفسها جماعة المسلمين من جزء مما نسبه إليها الكاتب، فإنه وإن كان شكري قد قال بكثير مما نسبه الكاتب إليه إلا أن المعروف أن شكري لم ينسب ذلك إلى الأستاذ سيد رحمه الله، وقد قرأ كاتب هذه السطور بعضًا من مخطوطات شكري -غفر الله له- وقابل الكثيرين من أتباعه وناقشهم، ويمكنني من خلال ذلك كله أن أقول إن شكري لم يكن يعتد بأقوال أحد من العلماء المتقدمين ولا المتأخرين، وكان يرى الحجة في القرآن والسنة وحدهما، وكان يرى أن معجمًا لغويًّا يكفي لفهم القرآن والسنة مع الاستعانة بأدلة الفطرة أو الأدلة العقلية، وما سيد قطب عند شكري إلا كغيره من الناس لا يعتد به ولا ينسب فهمه إليه، وقد يكون تأثر به في بداية سجنه، ولكن الحديث هنا ليس عن روافد شكري الفكرية، وإنما هو عن الأسس التي أقام عليها جماعته" انتهى من كتاب "وقفات مع الشيخ الألباني حول شريط (من منهج الخوارج)"- الطبعة الأولى- 1418هـ1997م– من إصدارات الجماعة الإسلامية بمصر.

ومع تذكيري بما أشار إليه هذا الكتاب من عدم اعتماد الجماعة الإسلامية أو شكري مصطفى كتابات الأستاذ "سيد" كمستندٍ لاعتقاداتهم، إلا أنني أحب التأكيد على عبارةٍ مهمةٍ وردت في هذا الكتاب، وهي قولهم: "إننا نؤكد أن الجماعة الإسلامية لم تكن يومًا من هؤلاء الذين نسبوا إلى الأستاذ سيد رحمه الله ما لم يقله وادعوا زورًا أنه في المعالم أو الظلال" فهنا نجد أن الجماعة الإسلامية نفسها وصفت من ادعى أن "سيدًا" كان يقول بتكفير المسلمين، وصفت ذلك بأنه زورٌ لم يقله "سيد"، ولم تحمل كتبه هذا الفهم، وأظن أن هذا من أهم وأدق الأدلة على ما نقول.
• نقولات النوع الثاني:
- "وقد بهتت صورة الزكاة في حسنا وحس الأجيال التعيسة من الأمة الإسلامية التي لم تشهد نظام الإسلام مطبقا في عالم الواقع؛ ولم تشهد هذا النظام يقوم على أساس التصور الإيماني والتربية الإيمانية والأخلاق الإيمانية فيصوغ النفس البشرية صياغة خاصة ثم يقيم لها النظام الذي تتنفس فيه تصوراتها الصحيحة وأخلاقها النظيفة وفضائلها العالية ويجعل الزكاة قاعدة هذا النظام في مقابل نظام الجاهلية الذي يقوم على القاعدة الربوية، ويجعل الحياة تنمو والاقتصاد يرتقي عن طريق الجهد الفردي أو التعاون البريء من الربا".
ثم يقول: "إن الله سبحانه يعد الذين يقيمون حياتهم على الإيمان والصلاح والعبادة والتعاون أن يحتفظ لهم بأجرهم عنده، ويعدهم بالأمن فلا يخافون، وبالسعادة فلا يحزنون، لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، في الوقت الذي يوعد أكلة الربا والمجتمع الربوي بالمحق والسحق وبالتخبط والضلال وبالقلق والخوف.
وشهدت البشرية ذلك واقعًا في المجتمع المسلم؛ وتشهد اليوم هذا واقعًا كذلك في المجتمع الربوي، ولو كنا نملك أن نمسك بكل قلب غافلٍ فنهزه هزًّا عنيفا حتى يستيقظ لهذه الحقيقة الماثلة، ونمسك بكل عينٍ مغمضة فنفتح جفنيها على هذا الواقع، لو كنا نملك لفعلنا، ولكننا لا نملك إلا أن نشير إلى هذه الحقيقة، لعل الله أن يهدي البشرية المنكودة الطالع إليها والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن والهدى هدى الله" (سورة البقرة- ظلال الآية 177).
• يصف سيد قطب هذه الامة بالمجتمع المسلم والمجتمع الربوي ويرى تغلب الربا على المجتمع ومظاهر الفساد الاخرى وبالتالي ترجح كفة المجتمع الربوي على المجتمع المسلم هذه الحقيقة ترسم لنا منهجية سيد قطب فهو يبدو انفعالي مع مايشاهده متعاطف مع النص يتوقع من النص ان يحاكم المجتمع الربوي مثلا باشد الاحكام ثم يعود الى المجتمع لينظر منه الى النص فيتوقع ان يرحم النص هذه الامة بقوله : ( لعل الله أن يهدي البشرية المنكودة الطالع إليها والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن والهدى هدى الله ) إن لكل أمة من الأمم الكبيرة رسالة، وأكبر أمة هي التي تحمل أكبر رسالة، وهي التي تقدم أكبر منهج، وهي التي تتفرد في الأرض بأرفع مذهب للحياة، والعرب يملكون هذه الرسالة وهم فيها أصلاء، وغيرهم من الشعوب هم شركاء فأي شيطان يا ترى يصرفهم عن هذا الرصيد الضخم؟ أي شيطان؟ لقد كانت المنة الإلهية على هذه الأمة بهذا الرسول وبهذه الرسالة عظيمة عظيمة، وما يمكن أن يصرفها عن هذه المنة إلا شيطان وهي مكلفة من ربها بمطاردة الشيطان" (سورة آل عمران- ظلال الآيات 159- 164).
فلو كان الأستاذ "سيد" يرى تكفير الأمة، أكان يجعلها مكلفةً من ربها بمطاردة الشيطان؟؟ أيكلف الله تعالى الكفار بمطاردة الشيطان؟؟؟!!!

هذا ما عنيته بالجمع بين كتاباته، فما وجدته يحمل معنى في مكان ستجد تفسير هذا المعنى في مكان آخر، فتحمل هذا على ذاك، وتفهم النصوص في سياقاتها الطبيعية.
• من "أفراح الروح":
هذا الكتاب عبارة عن رسالة أرسلها الأستاذ "سيد" لأخته، ونشرت هذه الرسالة في كتابٍ عُنوِن بـ"أفراح الروح"، وهو رغم صغره وعدم شهرته إلا أنه يحمل في طياته فكرًا محبًّا للعالم والناس، يجعل من الصعوبة بمكانٍ أن يكون كاتب هذه الكلمات مكفِّرًا للناس والمجتمعات.
وهذه نبذة مما احتوته هذه الرسالة:
- "إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة‘ حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين، نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية!".
- "عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيرا كثيرا قد لا تراه العيون أول وهلة!… لقد جربت ذلك. جربته مع الكثيرين… حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور".
- "كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير!".
- "حين نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحا، أو أطيب منهم قلبا، أو أرحب منهم نفسا، أو أذكى منهم عقلا، لا نكون قد صنعنا شيئا كبيرا… لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبيل وأقلها مؤونة!. إن العظمة الحقيقية: أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع!". - "بالتجربة عرفت أنه لا شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف الذي نجده عندما نستطيع أن ندخل العزاء أو الرضا، الثقة أو الأمل أو الفرح إلى نفوس الآخرين!. إنها لذة سماوية عجيبة ليست في شيء من هذه الأرض، إنها تجاوب العنصر السماوي الخالص في طبيعتنا، إنها لا تطلب لها جزاءً خارجيا، لأن جزاءها كاملا فيها!".


أهذه كلماتُ مكفِّر؟؟!!
• لماذا أعدموني؟
هذا الكتاب - بالرغم من التشكيك بنسبته الى سيد قطب الا ان الواضح فيه تقاربه مع الأسلوب العام " لسيد " في كتاباته - هو عبارة عن تجميعٍ لإفادات "سيد" عند التحقيق معه قبل الحكم لإعدامه، وهو من الأهمية بمكانٍ لأنه يُعتبَر آخر ما وصل إليه الأستاذ "سيد" من مفاهيم وآراء، وفي هذا الكتاب كلامٌ كثيرٌ عن منهجية التغيير عند سيد، وكيف رد مجموعة من الانقلابيين عن فكرهم الانقلابي.
وهذان نصَّان أنقلهما من هذا الكتاب:
- "ولابد إذن أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة: وهي إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول، وتربية من يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات الصحيحة، تربية إسلامية صحيحة، وعدم إضاعة الوقت في الأحداث السياسية الجارية، وعدم محاولات فرض النظام الإسلامي عن طريق الاستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة المسلمة في المجتمعات هي التي تطلب النظام الإسلامي لأنها عرفته على حقيقته وتريد أن تحكم به".
فلو كان يرى كفر المجتمع لما كانت لديه مشكلة في أن تتم عملية التغيير بأي شكلٍّ وبأي خسائرٍّ من هؤلاء "الكفار" من أفراد المجتمع.

- "ويجب أن أقرر أن الإسلام شيءٌ أكبر من هذا كله.. إنه نظام حياة كاملة، وإنه لا يقوم إلا بتربية وتكوين للأفراد، وإلا بتحكيم شريعة الله في حياة الناس بعد تربيتهم تربية إسلامية، وإنه ليس مجرد أفكارٍ تُنشَر أو تذاع بدون الأخذ في تطبيقها عمليًّا في التربية أولاً، وفي نظام الحياة والحكم أخيراً".

فالمقصود هنا هو أن الإسلام نظام شامل وليس مجرد صلاة وصيام وحج، وما من مسلم إلا ويقول بذلك، وكل حديث "سيد" كان عن ضرورة أخذ الإسلام كله، وهذه هي عبارة النص عنده "كما يقول الأصوليون في طرق دلالة النصوص"، ولم يكن معنيًّا هنا بالحديث عن تكفير الناس، وإنما فَهِمه الناس ضمنًا عبر مفهوم المخالفة، وهو فهمٌ لا يستقيم حين نبحث عن دلالة نصه وعن مقصده من ورائه.
أما من فهم ما فهم فهذا يرجع له ويُحمَل عليه، وليس على قائل الكلام، وقد أشرت سابقًا أن من فهم هذا الفهم إنما فهمه لظروف الحالة التي كان عليها، والتعذيب الذي كان يعيشه ليل نهار، فاتجه فكره لتكفير هؤلاء المسؤولين عن حملات التعذيب وللمجتمع الساكت عليهم، ويبقى فهمهم هذا لهم أو عليهم، ولا يحمَّل على قائله بحال.
وهناك شهادة أخرى تزيد في عزم الباحث على الحكم في قضية التكفير ..هذه الشخصية عايشت الظرف الصعب الذي مرّ به "سيد" إنها شهادة احمد عبد المجيد (شهادة الأستاذ "أحمد عبد المجيد" لتلقي الضوء على شخصية الشهيد "سيد قطب" باعتباره كان من الدائرة الأولى التي تجالس "قطب" وتأخذ منه مباشرة، وتأثرت بأفكاره تأثرا كبيرا، لم تستطع أربعة وثلاثون عامًا أن تمحو منه هذا التأثير رغم تقلبات الدهر؛ لذا يحسبه البعض على التيار القطبي، والرجل حقوقي من مواليد 1933م، وحكم عليه بالإعدام في قضية تنظيم 1965م، لكن خفف الحكم إلى المؤبد، وبالمناسبة فإنه متزوج من ابنة "محمد هواش" الذي كان من كبار قادة تنظيم 1965م، ونُفذ فيه حكم الإعدام، ثم خرج "أحمد عبد المجيد" في السبعينيات، وله كتاب حول حقيقة تنظيم 1965صادر عن دار الزهراء للإعلام العربي، وعدد من المقالات عن الحركة الإسلامية في مجلة "المنار الجديد". )


(تحدث الأستاذ "أحمد عبد المجيد" عن شخصية "قطب"، وأشار إلى نقطتين مهمتين كانت تتميز بهما تلك الشخصية وهما: الحب للمجتمع، وعدم الانعزال عن هذا المجتمع، فأكد أنه "كان رحيمًا لا يغضب، عف اللسان، لا تفارقه الابتسامة الوقور، وذا دعابة مؤدبة، رقيق المشاعر مرهف الحس، وأنه كان في فترة شهرته الأدبية من مؤيدي "العقاد"، وكان ممن له سبب في شهرة الأديب الكبير "نجيب محفوظ"، وأن "محفوظًا" ممن زاره في بيته بعد خروجه من السجن عام 1964م، بحكم الصلة والمعرفة القديمة بينهما، وهو دليل على أنه غير منغلق، وغير انعزالي، كما كانت صلته بالضباط والجنود في السجن صلة طيبة، حتى إن مأمور سجن طرة قال: إن سيدًا هو مدير السجن لصلته القوية بالجميع". )
تعرض الأستاذ "أحمد عبد المجيد" في شهادته لمسألة "التكفير"، وأكد " أن سيد قطب لم يكن من دعاة التكفير، لأن هذا الاتجاه نشأ في سجن "مزرعة ليمان طرة" عام 1968م وما بعدها، على يد "شكري مصطفى" وأمثاله، ولو كانت هذه الفكرة عند سيد قطب لكان من باب أولى أن تكون عند من تتلمذ على يديه، ومن كان يقابله ويجالسه، وهو ما لم يحدث، وأحب أن أقول: إنه هو أول من قال عبارة "نحن دعاة ولسنا قضاة"، وأذكر أنه قال لنا: "عندما تعرضون الإسلام على الناس، اعرضوا الإسلام بوضوحه ونصاعته، وإياكم أن تعرضوا عليهم النتائج، اتركوا للمستمع أن يستنتج موقعه في أي مرحلة هو من هذا الدين".
"فلم تكن قضية التكفير تشغل باله، وإنما الذي كان يشغله هو قضية الدعوة، وكشف مخططات أعداء الإسلام، والدليل على أننا لم نعرف قضية التكفير إلا أوائل عام 1968م عندما ذهبنا إلى سجن " قنا " أبلغنا الإخوان القدامى في المعتقل أن موضوع التكفير أثير حولنا في الصحف، ولم نكن نعلم عنه شيئا منذ اعتقالنا؛ لأننا كنا نعيش في عزلة تامة لأكثر من عامين عن العالم، أما المرة الثانية التي سمعنا فيها عن موضوع التكفير فكان في نهاية 1968 عندما أثير في سجن مزرعة طرة".)
وهذا ما يجعلنا ننظر الى قضية التكفير نظرنا الى الوضع السياسي في اثناء وبعد حقبة جمال عبد الناصر فسيد ليس له عداء مع جمال بشكل شخصي مطلقا وانما تشكلت هذه القطيعة بفعل مبررات فكرية وعقائدية يختفي معها حتى مفهوم المواطنة ، ولاشك ان سيد كان يحكم على المجتمع والحكم انذاك بانه خارج عن الإسلام كسلوك وتطبيق وحقيقة وفهمت لأدبية ألفاظه والتباس المعنى معها فقهيا على انها حكم بالتكفير ساري على حكم جمال عبد الناصر والمجتمع المصري كافة .! هذا التصور لنظرة سيد تخدم أي سياسة تأتي الى مصر لضرب الفكر الإسلامي التجديدي بهذه الحجة ، وهي في ذات الوقت عون لمأزق الحكومات المتهالكة لرمي سقطاتها وأخطائها عليه بوصفه " تطرفا " وتحميله تأخر عملية التنمية والتقدم والتطور .!! اننا في حيرة حقيقية امام التخوف من سيد قطب وهو مفكر واديب واتهامه للمجتمع بالتكفير في حين ينقل عن "سيد " انه كان يصلي خلف بعض المساجين ، وانه استقبل الكاتب والأديب نجيب محفوظ في بيته بعد خروجه من السجن قبل اعتقاله الذي اتصل بإعدامه عام 1966 . مع كل هذه المخففات من حدة الاتهام الى مستوى الشبهة وفي الشبهات تدرأ الحدود شرعا وحتى في القانون الوضعي اذ تسمى حينئذ بضعف الأدلة لا يكفي ويبقى " سيد " حبيس الاتهام في قفص العقول المتفاوتة في الإنصاف .. لكننا لانسمع الا همسا مع الأصوات التي تكفر ثلثا المسلمين وتبيح دم ثلث منه متى ما استطاع الحاكم بأمر الفقيه انجاز القصاص بحقهم ، وفوق ذلك ينعت هذا الفكر بالفكر النقي والإصلاحي والسلفي ولاتعده الحكومات خطرا وهو بالفعل لايشكل خطرا عليها سوى للأبرياء من العزل والمستضعفين من عامة المسلمين !!
كلمتان احدهما لفقيه من المذاهب الاسلامية وهو الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي - مفتى قطر – والآخر وهو داعية سلفي معتدل من مدرسة الوهابية
يتوخى القرضاوي في كلمته الحذر من كتابات سيد قطب بالنسبة للناشئين والشباب غير المحصن بالوعي من ان يتملكه الكاتب دون المكتوب فينساق مع ظواهر وألفاظ مجملة القصد على المعنى مما سبب الانحدار باتجاه تبني فكرة الانعزال والتكفير والمجتمع الجاهلي هذه الأفكار التي حللناها وبيناها بانها ملتبسة بإرادتين إرادة الكاتب وإرادة القارئ الفاهم عن الكاتب ماكتب لا ما أراد من كتابته . في الجهة الاخرى يشيد سليمان العودة بفكر سيد قطب ولكنه يضع عليه علامة توضح انه لبشر يصح في حقه الصواب والخطأ واترك القارئ ليتامل في النصين مبتدئا بالقرضاوي :


1. الدكتور يوسف القرضاوي: (مفتي دولة قطر )

"الأستاذ سيد رحمه الله قال بجاهلية المجتمعات، ويعني بالمجتمعات الأنظمة الحاكمة التي لا تلتزم بشريعة الإسلام، وعدم الالتزام بشريعة الإسلام يمكن أن يفسر بترك الاحتكام أو بترك الالتزام، ترك الالتزام يعني الرفض، وهذا لا يُشكُّ في كفر من فعل هذا، ولذلك العلمانية الصريحة التي تقبل الإسلام عقيدةً وترفضه شريعةً هذا لا يُشكُّ في كفر من فعل ذلك وهذا الذي ينطبق عليه: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) فينطبق على من رفض الشريعة أساسًا"
حلقة من برنامج "الشريعة والحياة" بتاريخ 21/1/2001.
فالشيخ القرضاوي هنا نفى تهمة تكفير المجتمع عن الأستاذ "سيد"، وذكر أن تكفيره كان للأنظمة الحاكمة، ثم أيَّد هذا التكفير بشكلٍ من الأشكال، ولا يعنينا هنا الحديث عن تكفير الحكام سواءً رفضنا هذا الرأي أو قبلناه، وإنما يعنينا محل الخلاف في المسألة وهو "تكفير المجتمع والناس".
وتأكيدًا لهذا المعنى، ولخوف الشيخ القرضاوي من أن يخطئ الناس الفهم، - حذر في نفس الحلقة من قراءة كتب الأستاذ "سيد" إلا للشباب المتمكنين الراسخين، فقال: "أنا لا أنصح إلا الشاب المتمكن الراسخ الذي يستطيع أن يقرأ لأي كاتب ولكنه لا يكون أسيرًا له، أنا أنصح الشباب إذا قرؤوا كتابًا لمؤلفٍ ما مهما كان قدره، سيد قطب على أعيننا ورؤوسنا، ونقول عنه الشهيد سيد قطب لأنه مهما كان قُتل مظلومًا، ولكن أقول إذا قرأ الإنسان لسيد قطب، وقرأ لغيره، لابد أن يقرأ وعنده أصولٌ راسخةٌ يرجع إليها، ويُأَوِّل بعض كلامه الذي يمكن أن يُأَوَّل، وإذا لم يستطع أن يُأَوِّل يرفضه، لأنه سيد قطب ليس معصومًا، سيد قطب بشر".
وهو الذي اشار اليه المفكر المصري فهمي هويدي في كتابه "التدين المنقوص " في فصل الحاكمية إخطار ماحذر منه القرضاوي من التامل في كتابات سيد قطب قبل الحكم عليها ومحاولة تاويل المشكل منها لانها شدت اجيال بحالها دون ان تتلمس هذه الاجيال دراسة ظرف "سيد" الزماني والمكاني الذي كتب فيه ماكتب !

2. الشيخ سلمان العودة( الداعية السعودي )

"وبنى بعض هؤلاء على هذه القراءة الحرفية الضيقة تكفير الناس كافة، أو التوقف بشأنهم أو الهجرة من ديارهم... إلى أين؟ لا أدري!
وبنى آخرون عليها فكرة الانفصال عن المجتمعات وترك العمل فيها واعتزالها، وفهمت كلمة سيد -رحمه الله- عن (العزلة الشعورية) بتكثيفٍ قويٍّ، وترميزٍ شديدٍ، جعلها بؤرة العمل والانطلاق.

والحق أن القراءة الحرفية الظاهرية لتراث كاتبٍ ما، ليست أمرًا خاصًّا وقع مع سيد قطب رحمه الله وحده، لكنها مشكلة تراثية يعاد إنتاجها الآن مع عدد كبير من رموز العلم والفقه والدعوة والاجتهاد، من المتقدمين والمعاصرين".
واستشهد فضيلته بأمثلةٍ ثم قال: "وكلما كان العالِم أوسع انتشارًا، وأكثر أتباعًا، وأوغل في الرمزية -لأي سببٍ- كان الأمر بالنسبة له أشد، وكانت المشكلة أظهر، لكنها تخف تدريجيًّا بتقدم الزمن، ولو من بعض الوجوه.
هذه ليست مشكلة العالِم أو المفكر، بقدر ما هي مشكلة القارئ أو المتلقي؛ وأيًّا ما كانت فهي مما يحتاج إلى بحثٍ ودراسة، وقديمًا كان علي رضي الله عنه يقول قولته المشهورة: "يهلك فيَّ رجلان: غالٍ وجافٍ".
والخلاصة: أن سيد قطب وغيره من أهل العلم يؤخذ من قولهم ويترك، ويصيبون ويخطئون، ويُردُّون ويُردُّ عليهم، وهم إن شاء الله بين أجرٍ وأجرين، ولئن حُرِموا أجر المصيب في عشر مسائل، أو مائة مسألة فلعلهم -بإذن الله- ألا يحرموا أجر المجتهد" انتهى من مقالةٍ بعنوان "رأيي في سيد قطب" للشيخ سلمان العودة.

ما أود التنبيه إليه هنا هو مسألة القراءة الحرفية الظاهرية للكلام التي أشار إليها الشيخ سلمان العودة، والتي أظن أنها السبب الرئيسي لما التبس من فهم لكتابات الأستاذ "سيد" في أذهان الناس.

وختامًا.. يهمني أن أذكر أنه قد حدثني من أثق أنه - الكلام لسلمان العودة - سمع ممن عايش الأستاذ "سيدًا" أنه سئل هل يرى تكفير المجتمع، فكانت إجابته بالنفي القاطع لذلك واستغرابه ممن قال بذلك أو فهم هذا من كتاباته.. ولعلها شهادةٌ تنهي الخلاف في هذه القضية.

يبقى سيد قطب يؤرخ للحاكمية ومعه رعيل من مريديه وبالمقابل له آخرون يرونه مكفرا ومفكرا قاتلا وإسلاميا مسلحا همه الفتك بالمجتمعات المدنية ..! ولكن الحقيقة تابى ان يكون سيد قطب الا مفكرا اديبا قضى بقية حياته سجينا سياسيا ثم اعدم .ولم يعدم ذكره وما وراء ذلك من العقول والافهام دون الحق والحقيقة ..



المصادر :
1. معالم في الطريق :سيد قطب .
2. افراح الروح :سيد قطب
3. في ظلال القران : سيد قطب .
4. لماذا اعدموني : سيد قطب .
5. التدين المنقوص : فهمي هويدي .
6. الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح احد مفكري الاخوان المسلمين : حوار على الانترنت .
7. المستشار الدكتور كمال المصري : مقال حول "التكفير عند سيد قطب :
8. أرشيف حلقة من برنامج "الشريعة والحياة" بتاريخ 21/1/2001. قناة الجزيرة الفضائية مع الدكتور يوسف القرضاوي .
9. مقال للداعية السعودي الشيخ سلمان العودة حول منهج وشخصية سيد قطب . بعنوان سيد قطب ومعركة التغيير على موقع اسلام اون لاين نت .
10. شهادة احمد عبد المجيد احد أقطاب تنظيمات الإخوان والمزامن لسيد قطب في حقبة الستينيات من القرن المنصرم .
11. ذكريات لا مذكرات : عمر التلمساني : وهو من رجال حركة الإخوان ومن المزامنين لسيد قطب في محنته .
12. سيد قطب والتكفير والعنف : شهادة زينب الغزالي وعبد الحليم خفاجي . مجلة المجتمع الكويتية عام 1402هـ - 1982م وكتاب الخفاجي عندما غابت الشمس .
13. شهادة "سيد نزيلي" من قيادات تنظيم 65 إعداد: مصطفى عاشور بتاريخ 12 / 7 / 2004 .
14. شهادة الدكتور محمود عزت : نفس التاريخ : أحد الذين عايشوا سيد قطب أثناء محاكمات الإخوان المسلمين أمام الفريق الدجوي عام 1965 .
15. دراسة بعنوان : سيد قطب.. قراءة تاريخية : للمستشار طارق البشري : منشورة ضمن كتاب "الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية" لعدد من المفكرين والباحثين، تحرير د. عبد الله النفيسي. بتاريخ 21 / 6 / 2004 م .
16 . لإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ" لمحمود عبد الحليم "1/190-192". طبعة دار الدعوة ـ الإسكندرية.


الكاتب
أثير طاهر الخاقاني
[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف