الأخبار
غزة: عطاء فلسطين تنفذ سلسلة مشاريع إغاثية طارئة للمتضررين من العدوانحمدان: إذا أقدم الاحتلال على عملية رفح فسنُوقف التفاوض.. والاتصال مع الضيف والسنوار متواصلأكثر من ألف معتقل في احتجاجات الجامعات الأميركية ضدّ الحرب على غزةرئيس كولومبيا يُعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيلبلينكن: نريد الآن هدنة بغزة.. وعلى حماس أن تقبل العرض الجيد جداًتركيا تقرر الانضمام لدعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيلالكشف عن نص العرض المقدم للتوصل لهدوء مستدام في قطاع غزةنتنياهو: قواتنا ستدخل رفح بصفقة أو بدونهاوفد حماس يغادر القاهرة للعودة برد مكتوب على المقترح الجديد لوقف إطلاق الناربلينكن: أمام حماس مقترح سخي جداً وآمل أن تتخذ القرار الصحيح سريعاًتضامناً مع فلسطين.. احتجاجات الجامعات الأميركية تتسع وسط مخاوف إلغاء مراسم التخرجتل أبيب تستعد لإصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبارإعلام إسرائيلي: 30 جندياً في الاحتياط يرفضون الاستعداد لاجتياح رفحقناة كان: القيادة الإسرائيلية منقسمة بشأن مستقبل الحرب في غزةارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليومي
2024/5/2
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

من كتاب اليهودية في العراء بين الوهم والحقيقة بقلم الكاتب محسن الخزندار

تاريخ النشر : 2010-01-11
من كتاب اليهودية في العراء بين الوهم والحقيقة بقلم الكاتب محسن الخزندار
من كتاب اليهودية في العراء بين الوهم والحقيقة
الكنعانيون بقلم الكاتب محسن الخزندار


أثر الحضارة الكنعانية(العربية) على اليهود(الموسويون –العبريون)
في اللغة والثقافة والحضارة والتقاليد



أولاً :الشـعـوب السـاميـة

الساميون، إحدى السلالات الثلاث (وهذه السلالات هي: الساميون والحاميون الذين كانوا يقطنون السودان وشرقي إفريقية وشماليها حول وادي النيل، والآريون) التي انحدر منها الجنس الأبيض في العالم اليوم. ويرتبط الساميون بوحدة الأصل العنصري، وتشابه معتقداتهم الدينية وتقاليدهم الاجتماعية، وبوحدة لغاتهم التي تنحدر من أصل واحد. فإن كلاً منها جزء من اللغة السامية الأولى، اللغة التي لا يعرفها أحد اليوم. فجذر الأفعال في كل من هذه اللغات ثلاثي، ولها صيغتان: صيغة الماضي وصيغة المضارع، وتصاريف الأفعال فيها متشابهة.
وعائلة اللغات السامية تُعد من أكبر العائلات اللغوية بين لغات البشر، ومن فروعها اللغة الأكادية ( البابلية) والآشورية والآرامية والكنعانية والعبرانية والحبشية والعربية التي تعتبر أشد اللغات السامية تشابهاً باللغة السامية الأم.
وتختلف المجموعة اللغوية السامية عن غيرها من المجموعات اللغوية الأخرى. وأقربها إليها المجموعة الحامية.
وتعتبر جزيرة العرب الموطن الأصلي للجنس السامي، وذلك لأن معظم أراضيها قاحلة، فيضطر أهلها للرحيل عنها كلما ازداد عددهم، فيهاجرون إلى البلاد المجاورة التماساً للرزق وطلباً للعيش.
إن التنقل البطيء من الصحراء إلى الأراضي الخصبة طلباً لرزق وغيره حركة مستمرة لم يقف سيلها منذ أقدم الأزمنة حتى يومنا هذا. إلا أن هذه الهجرات تزداد أحياناً ويتعاظم أمرها حتى تصير موجة قوية جارفة تحمل معها العدد الضخم من القبائل البدوية، من الخليج المُفتقر إلى الهلال الخصيب. (يطلق اسم "الهلال الخصيب" على ما يعرف اليوم بالعراق وبلاد الشام. وسبب هذه التسمية هو أن القطرين المذكورين المعروفين بخصب أراضيهما يكونان نصف دائرة أو هلالاً، طرفه الغربي ينتهي في الجهة الشرقية الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط. وطرفه الشرقي ينتهي بخليج العرب. وسميت الصحراء القاحلة التي تتاخم الهلال وتدخل فيه بالخليج الفقر. ويبلغ عرض هذه الصحراء نحو 500 ميل:800 كم)
قال المؤرخ الإيطالي "كايتاني" عن جزيرة العرب: " لقد أخذت جزيرة العرب تتقهقر وتفقد رطوبتها واعتدال جوها وأسباب العيش فيها منذ أكثر من أربعة عشر ألف سنة، وبما أن هذا التقهقر كان بطيئاً جداً فإن تأثيره في حياة السكان لم يكن فجائياً، بل كان مطرداً تبعاً للقلة في الأمطار، وارتفاع حرارة الجو، على أن ازدحام السكان لم يكن هنالك كما هي الحال في البلاد المزدحمة الآهلة، وكان الناس يعيشون من صيد الأسماك ويسكنون متفرقين متباعدين.
ولذلك يمكن أن يقال إن سكان الجزيرة ظلوا على حياتهم هذه إلى أن أخذوا يشعرون بقلة الزاد والمحصول بسبب ندرة الأمطار فانصرفوا إلى تدجين الحيوانات البرية ليدفعوا عن أنفسهم غائلة الجوع. ولما اشتدت بهم الحالة ونفذ صبرهم من الفاقة والجوع والعطش ارتحلوا إلى بلاد أخصب تربة وأجود جواً وأكثر أمطاراً.
وهكذا بدأت أولى هجراتهم التي حدثت غير مرة. فإن الآثار التي استخرجت من جوف الأرض ما بين الفرات ودجلة تبرهن على أن أُولى الهجرات السامية قد بدأت بنحو خمسة آلاف من السنين من ميلاد المسيح، على أن هذه الاكتشافات يجب أن لا تنفي فكرة وقوع هجرات سامية أخرى قبل هذا التاريخ( )".
وقد شرع الساميون، قبل العصر التاريخي ينزلون مصر حوالي عام 3500 ق.م. ويرجح أنهم دخلوا مصر عن طريق فلسطين فسيناء فالدلتا تم استقروا فيها بعد أن امتزجوا بسكانها الأصليين. ومنهما تكون " المصريون" الذين نعرفهم في التاريخ. فكانت هذه الموجة هي أقدم ما عرفنا من الموجات النازحة من بلاد العرب إلى مشارف الجزيرة – العراق والشام ومصر.
إن تأثير العرب الساميين هؤلاء لم يبق مقتصراً على المصريين، بل تجاوزهم إلى شعوب إفريقية، وعلى الأخص إلى شعوب أقطارها الشمالية والسودان والحبشة وغيرها.
وفي نهاية الألف الرابع أو أوائل الألف الثالث قبل الميلاد، هجر الساميون البادية وأخذوا يقيمون في العراق. فنزل "الأكاديون –Akkadians" منهم في الجنوب والآشوريون في الشمال. وقبل عام 2500 ق.م. تعاظم أمر موجة سامية أخرى عرفت بالموجه" الآمورية – الكنعانية" . وهي الموجة التي اتخذت طريقها إلى بلاد الشام. فنزل الآموريون القسم الداخلي من تلك البلاد، ونزل الكنعانيون قسمة الساحلي وفلسطين. ونزح فريق من الآموريين في نحو عام 1900 ق.م.، إلى العراق وكونوا فيه سلالة بابل الأولى. ومنها ظهر حمورابي في نحو 1728-1686 ق.م. والراجح أن الهكسوس الذين نزلوا مصر وحكموها في القرن السابع عشر قبل الميلاد هم من الكنعانيين.
وبعد الموجة المذكورة بنحو ألف سنة تعرضت بلاد الشام لموجة سامية أخرى وهي الهجرة الآرامية، وفيها القبائل المؤابية والآدومية والعمُّونية. فحل الآراميون في شمالي سورية وأوساطها وأنشأوا فيها دولاً تجارية مهمة، منها دولة مدينة دمشق. ونزل المؤابيون والآدوميون والعمُّونيون جنوبي سورية، شمالي البحر الميت حتى العقبة.
واستوطنت في أواخر القرن الثامن قبل الميلادية قبيلة " كلدْي" الآرامية، جنوبي العراق، وقُدِّر لها أن تؤسس الامبراطورية الكلدانية وهي آخر امبراطورية ظهرت في العراق في العصور القديمة.
ومن الموجات السامية الموجة التي أتت بالأنباط إلى جنوبي الشام في نحو عام 500 قبل الميلاد، ثم هجرة اللَّخْميِّين والغساسنة إلى العراق والشام، وكانت آخر الموجات الكبرى موجة العرب المسلمين في القرن السابع للميلاد. وكان من نتائجها نزول قبائلها في جميع أراضي الهلال الخصيب وفي شمالي افريقية واسبانيا وفارس وبعض أنحاء آسيا الوسطى.
يتضح مما تقدم أن هؤلاء الساميين هم جميعاً طبقات متتابعة من العرب وإن اختلفت أسماؤهم وأن بلادهم جزيرة العرب، ظلت منذ العصور المتناهية في القدم خاصة بهم. وما دراستنا لتاريخهم إلا دراسة لتاريخ بعض الأقوام العربية البائدة. ويرى عدد من ثقات المؤرخين الأوروبيين أن العرب والساميين شيء واحد. وقال " اسبرنجر – Sprenger" إن جميع الساميين عرب.
وصفوة ما تقدم، إن العالم بحضاراته العظيمة المختلفة مدين لهذه الجزيرة العربية التي انتشر سكانها في الشام والعراق وإيران وآسيا الوسطى ومصر وليبيا وبلاد المغرب والحبشة والأندلس وغيرها. وأقاموا فيها أقدم الحضارات وأعرقها.
يتضح وفقاً للمكتشفات الأثرية في مصر والعراق أن الساميين هم أقدم الشعوب المعروفة على أرض فلسطين ، فمنذ الألف الرابع ق.م كان الساميون على شاطيء البحر المتوسط الشرقي .
لكننا لا نستطيع الاستنتاج أنهم كانوا أول السكان البدائيين في المنطقة ،ذلك بأن أقدم المحفوظات المصرية والبابلية تعود إلى سنة 3500 ق.م .
من الوجهة الدينية يعتبر الساميون في الأصل القبائل المتحدرة من سام ، الابن الأكبر لنوح عليه السلام.
واللفظة على الصعيد العلمي باتت لغوية فهي تشمل كل الشعوب التي تكلمت باللغات السامية: الآشورية البابلية (الأكادية) ، والكنعانية والفينيقية والآرامية والعبرية والعربية والأثيوبية ومما لا جدال فيه وجود عدد من نقاط التشابه بين اللغات السامية ، فجذر الأفعال في كل من هذه اللغات ثلاثي،ولها صيغتان هما الماضي والمضارع ، هذا عدا عن التشابه في تصريف الأفعال( ) ووجود المثنى والتشابه في الكلمات الأساسية ، كالكلمات الدالة على القربى في العائلة الواحدة والضمائر والأعداد وأعضاء الجسم .
إن هذه القربى اللغوية هي الأهم ، لكن يضاف إليها تشابه في قيام المؤسسات الاجتماعية والمعتقدات الدينية ، وحتى في الشكل والقسمات الخارجية ، ومن الرسومات المصرية والآشورية ، يظهر أن السامي كان ذا بشرة سمراء داكنة ، وشعر أسود مجعد ، بالإضافة إلى رسومات تشير إلى بشرة شقراء وشعر أحمر .
أما من أين جاء الساميون ؟ فقد أصبحت نظرية متفقاً عليها بين معظم المؤرخين أن الجزيرة العربية هي المهد الأول لجميع الشعوب السامية ، هذه الشعوب التي تعود بدورها إلى الشعب الأصل .
ولا يعطي المؤرخ فيليب حتى الشعب السامي الأول أو الأصل أية مواصفات ، لكنه يجزم أن موطنه كان الجزيرة العربية ، ويضيف العديد من المؤرخين إلى ذلك أن هذا الشعب السامي الأصل ، أي الشعب الأب لكل الشعوب السامية من بعده ، كانت لغته السامية الأم أقرب ما تكون إليها اللغة العربية الفصحى المعروفة . ويؤكد هذه القربى اللغوية الشديدة علماء النحو المقارن للغات السامية ومنهم : بروكلمان ، ووليم رايت ، وإدوار دورم ( ).
وهنا تجدر الإشارة إلى فريقين من المؤرخين العرب : فريق منهم يؤكد التشابه في اللغات ووحدة الأصل والمنشأ من الجزيرة العربية ، وفريق يذهب إلى أبعد من ذلك ، فيؤكد أن الساميين عرب وبالتالي يؤكد هذا الفريق أن الكنعانيين عرب ، ويستشهد بما قاله العلاَّمة المؤرخ ابن خلدون :"أول مُلك في فلسطين في فجر تاريخها كان للعرب "
ويقول الدكتور أحمد سوسة في كتابه "العرب واليهود في التاريخ :" ومن الثابت أن سكان فلسطين الأصليين القدماء قد كانوا كلهم عرباً هاجروا من جزيرة العرب إثر الجفاف الذي حلَّ بها ، فعاشوا في وطنهم الجديد "كنعان" أكثر من ألفي عام قبل ظهور النبي موسى وأتباعه على مسرح الأحداث ، وقد أخذ الموسويون بعد ظهورهم في أرض كنعان بلغة الكنعانيين وثقافتهم وحضارتهم وتقاليدهم ، هذه حقيقة تاريخية ثابتة ،أيدتها المكتشفات الأثرية الأخيرة وأخذ بها العلماء بالإجماع تقريباً إلاَّ أن أكثر الكتاب العرب الذين كتبوا في تاريخ حضارة العرب لم يتناولوا هذا الدور في بحوثهم إلاَّ عرضاً ، ولعل مرد ذلك إلى اصطباغ مصادره بصبغة اختصاصية تنحصر بالبحوث الآثارية .
لذلك انحصرت بحوثهم في عصور الجاهلية على الأكثر فتركوا بذلك فراغاً في تاريخ فترة ما قبل عهد النبي موسى في الأدب العربي ، وهي الفترة التي عدها اليهود بداية تاريخهم من غير أي سند علمي أو واقع تاريخي ، وقد جاراهم في ذلك حتى الكُتاب العرب معتمدين على الكتابات اليهودية والأجنبية التي قبلوها على علاَّتها من غير تمحيص ( ) .
ويقول المؤرخ مصطفى الدباغ في الجزء الأول من موسوعته الضخمة "بلادنا فلسطين" إن هؤلاء الساميين هم جميعاً طبقات متتابعة من العرب وإن اختلفت أسماؤهم ، وإن بلادهم جزيرة العرب ظلت منذ العصور المتناهية في القدم خاصة بهم ، وما دراستنا لتاريخهم إلاَّ دراسة لتاريخ بعض الأقوام العربية البائدة ، ويرى عدد من ثقات المؤرخين الأوروبيين أن العرب والساميين شيء واحد وقال سْبرنْغر أن جميع الساميين عرب ( ).
إن اعتبار الكنعانيين بالذات ساميين عرباً أم ساميين فقط لقضية جدلية ، أما الثابت تاريخياً فهو وجود العديد من القبائل والشعوب العربية على أرض فلسطين قبل الفتح العربي الإسلامي بقرون عديدة ن وحتى من عهد النبي موسى ن ومن هؤلاء العرب العمالقة ،ومنهم القبائل العربية التي نقلها سرجون الثاني إلى السامرة ،ومنهم القبائل التي جاءت البلاد قبيل الفتح .
ومما يميز تاريخ فلسطين منذ القرن الخامس عشر ق.م إلى أوائل القرن الثاني عشر ق.م أنه تعرض لسلسلة من غزوات الحثيين و المصريين وكثيراً ما أصبحت البلاد مسرحاً للقتال بين الجيش الحثي والجيش المصري،وكثيراً أيضاً ما ثار السكان على الاحتلال المصري الفرعوني الذي كانت نهايته بالتدريج بسبب ضعف حلفاء رعمسيس الثالث .
ويعد الفراعنة نازع الكنعانيين وهم السكان الأصليون ،قومان في عصر واحد :"الفلسطينيون" أو الفلسطيون الذين جاءوا من البحر و"الإسرائيليون" الذين قدموا من الصحراء، ولم يصمد الكنعانيون كثيراً أمام الغزاة الجدد وخصوصاً أن البلاد كانت في حالة اقتصادية سيئة نتيجة الحملات التأديبية التي كان يرسلها الفراعنة ،ونتيجة الجزية التي فرضوها عليهم ،وقد تمكن القائد الإسرائيلي يوشع من دخول فلسطين على الرغم من بسالة الكنعانيين وشجاعتهم .





الكنعـانيـون

وبينما كانت فلسطين، في عصور ما قبل التاريخ، آهلة بالسكان، تعرضت في أواخر الألف الرابع وأوائل الألف الثالث قبل الميلاد لموجة عربية (سامية) كبيرة، وهي الموجة المعروفة باسم " الآمورية – الكنعانية" التي تعاظم أمرها قبل عام (2500) ق.م. فنزل الآموريون داخل بلاد الشام وجنوبها الشرقي (شرقي الأردن)، واستوطن الكنعانيون ساحلها وجنوبها الغربي (فلسطين).
والكنعاني على وجه الاجمال، معتدل القامة، ممتلئ الجسم، عريض الأنف، ضخم الشفتين، بارز الذقن، كثيف الشعر وجلود في الأعمال الشاقة.
اختلف العلماء في تفسير معنى كلمة "كنعان" فبعضهم ذكر أن "كِنَع" أو " خَنَع" كلمة سامية بمعنى الأرض المنخفضة. وقد دعى الكنعانيون باسمهم هذا لنزولهم الأراضي السهلية واستقرارهم فيها تمييزاً لهم عن غيرهم الذين نزلوا الجبال والمرتفعات. والحقيقة أنهم سكنوا الجبال كما استقروا في السهول.
وغيرهم ذهب إلى أنها كلمة (حورية) مشتقة من كلمة (Kanggi) التي تعني صبغ الأرجوان الذي اشتهر به الكنعانيون. والذي نرجحه أن الكنعانيين دُعوا بهذا الاسم نسبة إلى جدهم الأول "كنعان" كما هي عادة العرب في تسمية قبائلهم، فيقولون "بنو مخزوم" و" بنو لَخْم" و"بنو تميم" و"بنو هاشم" و"بنو كنعان"... و"بنو كنعان" هؤلاء كانوا يقيمون في بادئ أمرهم، في أرضهم السهلية الواقعة على الساحل الشرقي للخليج العربي. وقد نسبت إليهم وسميت "بأرض كنعان" . ولما نزحوا منها ونزلوا الشام حملوا معهم اسمهم واسم بلادهم الذي أعطوه لوطنهم الجديد.
والكنعانيون شديدو الصلة بالآموريين. فهما فرعان من قبيلة كبرى واحدة تحركت في هجرة واحدة لا في هجرتين مختلفتين. تعد لغة الآموريين والكنعانيين لهجتين من فروع كتلة اللغة السامية (العربي) السورية. فلهجة الكنعانيين شبيهة بلهجة الآموريين لا تختلف عنها أكثر مما تختلف اللهجات الشامية اليوم- من سورية ولبنانية وفلسطينية – بعضها عن بعض. حتى أن بعض المؤرخين ذهب إلى أن الآموريين هم الكنعانيون. والكنعانيون هم الآموريون.
قال أنيس فريحة: ] حوالي 2200 ق.م. بدأ تسلل قبائل عربية بدوية من شمالي الجزيرة العربية على نطاق واسع. وقد انتشرت هذه القبائل في سهول سوريا الشمالية الشرقية وقد اتجه بعضها غرباً جنوباً إلى شرق الأرض وتلال القدس وجبال لبنان. أما الذين تاخموا البحر، فقد عرفوا بالكنعانيين، ومن الكنعانيين كان الفينيقيون. واتجه البعض الآخر شرقاً جنوباً واكتسحوا بابل، ومنهم كانت سلالة حمورابي الآمورية[.
وذكر بعض المؤرخين أن الكنعانيين كانوا في بادئ أمرهم يقطنون سواحل الخليج العربي الغربية، قبل نزوحهم إلى سواحل الشام وفلسطين. وأن سفنهم مخرت مياهه قبل أن تنزل في البحر الأبيض المتوسط. فكانوا يتاجرون مع الهند وإيران وسواحل الجزيرة العربية الجنوبية بل وافريقية.
ومن الذين قالوا بهجرة الكنعانيين من الخليج العربي "هيرودوتس Herodotus - (مؤرخ يوناني 484 -422 ق.م. ساح في بلدان الشرق الأدنى. ولما عاد إلى بلاده كتب تاريخ تلك الأقطار ) نقلاً عن علماء صور الذين ذكروا له ذلك. و" إسترابو " بالوشم والقصيم فالحناكية. ومنها ساروا في الطريق التي يسلكها الحجاج في كل سنة، حين عودتهم من المدينة إلى دمشق .
وقال المرحوم أمين الريحاني: ] ما أجمع عليه المؤرخون والأثريون أن الفينيقيين مثل العرب ساميون. بل أنهم عرب الأصل. نزحوا من الشواطئ العربية الشرقية على خليج فارس (فارس العربي)، ومن البحرين إلى سواحل البحر المتوسط في قديم الزمان.
ويستنتج من درس الآثار التي وُجدت في المقبرة القديمة في البحرين أن هجرتهم كانت قبل عهد الشبه، في أواخر العهد الصواني، يوم لم يكن الإنسان يحسن شيئاً من الكتابة. إذ لا كتابة البتة في مقابر البحرين الكنعانية[ .
وقد ذكر المؤرخ العربي أبو جرير الطبري المتوفى عام 310هـ : 922م. الكنعانيين في تاريخه أنهم من العرب البائدة، وأنهم يرجعون بأنسابهم إلى العمالقة. وأخذ عنه ابن خلدون وغيره من المؤرخين .
وقال الطبري: ] عمليق أبو العماليق. كلهم أمم تفرقت في البلاد، وكان أهل المشرق وأهل عُمان وأهل الحجاز وأهل الشام وأهل مصر منهم، ومنهم كانت الجبابرة بالشام الذين يقال لهم "الكنعانيون"، ومنهم كانت الفراعنة بمصر [ .وقال أيضاً :[ والعماليق قوم عرب لسانهم الذي جلبوا عليه لسان عربي و] إن عمليق أول من تكلم بالعربية [. و]... فعاد وثمود والعماليق وأُميم وجاسم وجديس وطسم هم العرب [.
وقال ابن خلدون عن الكنعانيين: (وأما الكنعانيون الذين ذكرهم الجغرافي الروماني 64 ق.م. -19 م. الذي أشار إلى المقابر الموجودة في جزر البحرين بأنها تشابه مقابر الفينيقيين (إن الرأي السائد بين الذين عنوا بدراسة وفحص هذه المقابر بأنها مقابر فينيقية، ففي عام 1889م جاء " تيودور بنت-Theodore Bent" العالم الانجليزي إلى البحرين وأجرى تنقيباً في مقابرها. وبعث بشيء منها إلى المتحف البريطاني. ولما درستها لجنة المتحف قررت أنها من مقابر الفينيقيين وذلك قبل هجرتهم إلى سواحل الشام وفلسطين) وأن سكان هذه الجزر يذكرون أن أسماء جزائرهم ومدنهم هي أسماء فينيقية. وقال أيضاً إن في هذه المدن هياكل تشبه الهياكل الفينيقية الشامية.
وقد عثر رجال شركة الأرامكو في الأحساء على مقابر أُخرى تشبه بصورة عامة المقابر التي عثر عليها في البحرين، كما عثر الرحالة " جون فلبي" على مثل هذه المقابر في " الخَرْج" و" الأفلاج" من أعمال نجد. وعلى رأيه ربما كان الفينيقيون من هاتين المنطقتين، حيث هاجروا بعدئذٍ إلى سواحل الخليج العربي.
وفضلاً عما تقدم فهناك أسماء في شرق الجزيرة العربية تحمل نفس أسماء المدن التي أنشأها الفينيقيون على الساحل الشامي. مثل " صور " على ساحل عُمان، و" جُبَيْل " على ساحل الأحساء و" ارواد –Aradus" وهي الاسم القديم لجزيرة "المحرِّق".
وقد زار " نيركس –Nearchus" أمير البحر عند الإسكندر المكدوني مدينة الشمس "صيدا" على شاطئ الجزيرة العربية الشرقي. ولم يتمكن أحد بعد من تعيين موقع "صيدا" هذه حتى اليوم.
ويذكر جان جاك بيريبي ( )أن الفينيقيين انطلقوا من البحرين إلى البصرة سالكين طريق الهلال الخصيب إلى الساحل الشامي حيث بنوا مدنهم وأنشأوا حضاراتهم الرفيعة التي نشروها في البحر الأبيض المتوسط.
وأما " فرنسيس لزمان" مؤلف تاريخ الشرق القديم فيرى أنهم سلكوا طريق القوافل من القطيف إلى وادي غطفان وجبل طويق في نجد. ثم ذكرهم ابن خلدون على أنهم من العمالقة، كانوا قد انتشروا ببلاد الشام وملكوها . وقال أيضاً: (أول ملك كان للعرب في الشام فيما علمناه للعمالقة . وقال أيضاً: (وكانت طَسْم والعماليق وأُميم وجاسم يتكلمون بالعربية ).
وقد جاء في الجزء الثاني من "لغة العرب" (والظاهر أنهم (أي الكنعانيين- الفينيقيين) من أصل عربي فقد نقلت التقاليد القديمة أنهم ظعنوا من الديار المجاورة لخليج فارس إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط).
وقال الدكتور جيمس هنري برستيد: ( وسكان هذه البلاد الآسيوية (سورية) ساميون، لا يبعد أن يكونوا من مهاجري صحراء العرب، والمعروف أن مثل هذه الهجرة تكررت في العصور التاريخية. ويقال لهؤلاء القوم الحاليين بالجهات الشمالية "الآراميون" وبالجهات الجنوبية "الكنعانيون" .
(قال رولنسون أن أصل الفينيقيين (الكنعانيين) من سكان البحرين في الخليج العربي. ظعنوا من هناك إلى ساحل الشام منذ نحو خمسة آلاف سنة. وأنهم عرب بأصولهم وأن هناك مدناً فينيقية أسماؤها أسماء فينيقية مثل صور وجبيل .
وعليه فإن الكنعانيين دخلوا بلادنا وهم متقدمون في المدنية، فأخذوا يتابعون نشاطهم ويمارسون حضارتهم على نطاق أوسع من وطنهم الجديد.
ونسبة إلى هؤلاء الكنعانيين دُعيت البلاد بأرض كنعان. فكان أقدم اسم سميت به بلادنا. وقد بقيت لهم السيادة والسلطة في البلاد مدة تنوف عن ألف وخمسمائة سنة. وذلك من نحو 2500 ق.مز إلى نحو 1000ق.م. حيث تمكن اليهود من إعلان مملكتهم.
حـدود أرض كنـعـان:
يتضح من مراسلات " تل العمارنة " التي بتاريخها إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، إن المصريين كانوا يطلقون لفظة " كنعان" على جميع السواحل السورية.
و"العهد القديم" الذي هو أهم مصدر لنا في هذا الشأن اختلف في تحديد " أرض كنعان " في مختلف أسفاره فتارة يطلقها على الساحل الشامي إلى حدود مصر ، وأحياناً يضيف إلى " كنعان" القسم الجبلي وغور الأردن .
يطلق اسم " أرض كنعان " على سكان الجبال والسهول ومنطقة بئر السبع الواقعة في جنوبي البلاد، والتي كانت تعرف باسم " النجب –Negeb " بمعنى الأرض الجافة( ) .
ويحدد الدكتور جورج بوست أرض كنعان بالحدود الآتية: ( وكانت حدودها الأصلية مدخل حماة (بمعنى الطريق إلى حماة) شمالي لبنان إلى الشمال وبادية سورية والعرب إلى الشرق وبادية العرب إلى الجنوب. ولم تمتد إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط في كل الأماكن إلى الغرب لأن الفلسطينيين ما زالوا إلى أن انقرضوا يقطنون ذلك الساحل( ) بوحدة مستقلة قوية. ولذلك اشتمل على عدد كبير من المماليك المدينية الآمورية – الكنعانية المختلفة. فكانت كل منها تسعى لأن تضم أكبر عدد ممكن من الأراضي والقرى المجاورة لها. وكان لكل من هذه المدن ملكها وحكومتها ومعبودها وكهنتها. وكان الملك في بعض الأحايين، يجمع في شخصه منصبي الحاكم والكاهن الأكبر. يأتمر الجميع بأوامر الملك الذي كان أحياناً يتقيد بمجلس المدينة العام المؤلف من رجال الدين والقضاء والأغنياء والأشراف. وكثيراً ما كانت المدن الكنعانية بيد ملوك صالحين يقضون بالعدل ويحفظون حقوق الأرامل واليتامى. وكان الأبناء أو الإخوة يخلفون آباءهم أو إخوتهم على العرش على الأغلب. وقد ينتقل الملك إلى أسرة أخرى أو تنتزع الإمارة وتسلب نتيجة ثورة عناصر تصبح لها الغلبة وحسن الضرورة كانت تعقد مؤتمرات من المدن الكبرى للتداول في الشؤون العامة المشتركة.
ولم تكن المدن والإمارات الكنعانية ميّالة بطبيعتها إلى توحيد كلمتها وتحسين إرادتها، بل كان الشقاق سائداً بينها طمعاً في نهب الأمتعة وضم الأراضي إليها.
(قال المؤرخ جورج رولنسون: ما تأسس حلف من الولايات الفينيقية كلها مرة واحدة، حتى ولا حلف موقت. وما كان يرد إلى الولاية المهددة أي نجدة من الولايات الأخرى شقيقاتها. الانطواء وتضارب المصالح الخاصة، وضعف الحس القومي، كانت كلها تحول دون توحيد الكلمة والعمل في أيام الخطر والشدة, وكانت كل ولاية تسقط وحدها، فتتبعها الولايات الأخرى واحدة واحدة.
فما كان أولئك الفينيقيون ليدركوا معنى التعاون، ولا مالوا يوماً إلى التضامن العام الذي فيه خير القومية الواحدة والوطن. ولنا أن نقول ما كان هناك وطن واحد، ولا حس قومي واحد، حتى ولا إله واحد يجمع شملهم، ويربطهم برابطة وطنية واحدة.
وما عرف أبناء مدنهم المنحدرون من نسل واحد معنى الإخاء القومي، ولا أدركوا مغزى الحياة الوطنية. وقل فوق ذلك أنهم كانوا متعادين في بعض الأحيان، متخاذلين على الدوام ).
إلا أن هذه الإمارات كانت ولا شك ، على جانب عظيم من الحضارة والمدنية في أمور أُخرى مما سنذكره في حينه.
والكنعانيون الذين نزلوا الساحل أمام جبل لبنان عرفوا بعد القرن الثاني عشر أو الحادي عشر قبل الميلاد بالفينيقيين. فالكنعانيون والفينيقيون شعب واحد، نسباً ولغة وديناً وتمدناً، انقسم إلى قسمين: سكن الأول فلسطين والثاني الساحل الشامي من مصب نهر العاصي إلى جنوبي الكرمل. ومع أن اسم الفينيقيين أصبح أشهر من اسم كنعان عليهم إلا أنهم ظلوا محافظين على نسبهم الكنعاني. وبقوا يسمون أنفسهم كنعانيين ولا يرضون عنه بديلاً.ونظراً لما بين بيئتي القسمين الجغرافيين من الاختلاف لم يتشابها تماماً في حياتهما. فالساحل السوري صيّر من كنعان أمة اشتهرت بملاحتها وخوضها عُباب البحور. وأما فلسطين فلعدم وجود موانئ صالحة على سواحلها، ولتعرضها للغارات المتعددة من قبل الأمم القديمة، اتجه كنعانيوها إلى الأعمال الزراعية وإلى الجبال والقلاع، وأحاطوا مدنهم بأسوار يلتجئون إليها كلما شعروا بقدوم غازٍ أو فاتح جديد.
وحصل الفينيقيون على أكبر نصيب من العمران عن طريق التجارة، كما أن إخوانهم في الجنوب اهتموا بالتغلب على صعوبات الحاجات العمرانية بترفيه حالتهم الاقتصادية على أساس زراعة راقية غنية جداً، اتخذت مثالاً نقلت عنه الأمم الأخرى.
ومما يجدر ذكره، ونحن بصدد الحديث عن الكنعانيين أن ابن خلدون المؤرخ العربي المغربي الكبير وكثير ممن درس تاريخ المغرب يؤكدون بأن الأمازيغ أصل وأقدم سكان ليبيا والمغرب العربي كافة – هم من الكنعانيين . دعوا بذلك نسبة إلى جدهم " مازيغ بن كنعان "، وارتحلوا من ربوع الشام إلى شمالي إفريقية عن طريق مصر.
وقد أطلق اللاتينيون، ومن والاهم، اسم " البربر" على الأمازيغ وما زالوا يعرفون به إلى اليوم. وهذا وأن معظم البربر يعتقدون بأنهم مشارقة الأصل.
كان هؤلاء الكنعانيون المغاربة ينقسمون إلى عشائر متعددة وقبائل صغيرة محلية، حضارتهم كنعانية ترتكز على الزراعة.
وجاء في معجم البلدان/1/368: وإنما هم (أي البربر) من الجبّارين الذين قاتلهم داود وطالوت، وكانت منازلهم ناحية فلسطين، فلما أخرجوا من أرض فلسطين أتوا المغرب فتناسلوا به وأقاموا في جباله).وقال مثل ذلك المؤرخ المسعودي المتوفى عام 346 هـ ( ).وفي تاريخ أبي الفداء (هو الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل صاحب حماة. توفي سنة 732 هـ ) أن الكنعانيين بعد تفرقهم سارت طائفة منهم إلى المغرب( ).
وفي نحو 1000ق.م. نزل كنعانيو الشرق – الفينيقيون – سواحل المغرب العربي واستقروا فيه، وأسسوا مع أبناء عمهم الأمازيغ، أسواقاً لتجارتهم أصبحت فيما بعد مدناً قائمة بذاتها، تمتد على سواحل المملكة المغربية الواقعة على المحيط الأطلسي ونتيجة لهذه المستعمرات أو المدن اختلط كنعانيو المشرق مع كنعانيي المغرب اختلاطاً وثيقاً فانتشرت اللغة الكنعانية بين الأمازيع الذين اعتنقوا عقائد أبناء عمهم الفينيقيين الدينية وتطبعوا ببعض عاداتهم وتعلموا منهم أصول التجارة والصناعة وغيرها.
وقد أطلق اسم كنعان على المنطقة الساحلية التي تقع بين مصب نهر العاصي شمالاً وحدود المملكة المصرية جنوباً قرب العريش وتضم هذه المنطقة فلسطين وما سمي فيها بعد فينيقية وأما الكنعانيون فيختلف العلماء في أصلهم فمنهم من قال أنهم الأقوام الذين تسللوا بين العموريين في القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد ويدعوهم كلود شيفر وكاثلين كنيون حملة الأطواق ومنهم من قال الأقوام العمورية التي استوطنت في الأراضي المنخفضة من فينيقية وفلسطين ويقوي الأخذ بالرأي الثاني الدلائل التي تشير إلى أن حملة الأطواق كانوا في الغالب أقواماً حورية لا سامية وأنهم جاؤوا من الشمال لا من الشرق أو الجنوب مهبط الأقوام السامية والكنعانيون كانوا دون أدنى شك من أصل سامي والمعلوم أن العموريين الذين جاؤوا من الصحراء من الصحراء شنوا في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد حملات حملات كثيرة على المدن الفينيقية والفلسطينية التي ازدهرت في الألف الثالث قبل الميلاد وتدعى حضارتها حضارة العصر البرونزي القديم ودمروها شر تدمير وفتكوا بأهلها وأفنوهم عن بكرة أبيهم ونشروا الفوضى والخراب في المنطقة لمدة أربعة قرون وعندما قامت الأسرة الثانية عشرة في مصر في القرن العشرين قبل الميلاد أعيد النظام إلى نصابه وتأسست مدن جديدة على أنقاض المدن التي دمرها العموريون.
تدعى هذه المدينة الجديدة حضارة العصر البرونزي المتوسط وقد حلت محل حضارة العصر البرونزي القديم التي دمرها العموريون وتدل أسماء ملوك بعض المدن على أن اللغة كانت لغة أو لهجة عمورية واستوطن بعض العموريين في المنطقة الجبلية وبقوا على اسمهم واستوطن بعضهم الآخر في الأرض المنخفضة في فلسطين وفينيقية وسموا كنعانيين وكلمة كنعان مشتقة من كلمة كنع ومعناها اللغة الفينيقية أو الكنعانية انخفض ويشمل عهد الكنعانيين العصرين الأثريين البرونزي المتوسط والبرونزي المتأخر.
ومن المدن التي أنشأها العموريون في القرن العشرين والقرن التاسع عشر ق.م جبيل وصيد وصور وأوغاريت (رأس شمرا) في فينيقيا ،ومجدو وتل العجول (غزة القديمة) وبيتين وبيسان وبيت شمش (عين شمس حالياً) وتل الدّوير (لاخيش قديماً) وتل الجزر(جيزر قديماً) وحاصور(تل القاضي حالياً) وأريحا والقدس (يبوس قديماً) وأهم هذه المدن جبيل لكونها مصدّرة الأخشاب من جبل لبنان إلى مصر ،وفي زمن الأسرة الثانية عشر كانت أرض كنعان تابعة لمصر بمحض إرادتها لما جنته من الثراء عن طريق التجارة مع وادي النيل .
وتعرّض فن كنعان للمزيد من التأثير المصري ،وبين الحلي التي وجدت في قبر"أبي شيمو" و"ابشموابي" جواهر مصنوعة محلياً ولكنها منقولة عن المجوهرات المصرية.
وفي أواسط القرن الثامن عشر ق.م تعرضت أرض كنعان لهجمات شنتها أقوام جاءت من شمال العراق تدعى الأقوام الحورية التي غزت أرض كنعان عندما ضعفت السلطة المركزية في مصر بعد زوال الأسرة الثانية عشر،وقد جمع الحوريون عدداً كبيراً من المرتزقة من كنعان وانقضوا على مصر واحتلوها برمتها لمدة 150-180 سنة على وجه التقريب،وكان بين المرتزقة زمرة من العيبرو ويسمي المؤرخ مانيثون هذه الأقوام الهكسوس ،أي الحكام الأجانب وفي زمرة الأسرة الثامنة عشر طرد المصريون الهكسوس من مصر ولاحقوهم حتى مدينة شاروحين في جنوب فلسطين وبعد هذا لا يعثر لهم على أثر إذ اندمجوا بالكنعانيين وضيّعوا شخصيتهم .
لم ينس المصريون ما فعلت بهم أقوام جاءت عن طريق كنعان وإن لم تكن كنعانية ،فأخذوا يشنون الهجمات على كنعان ،وأول من غزا كنعان كان تحتمس الأول،ولكن غزوته كانت غزوة طارئة تلاشت ملامحها بعد أن عاد إلى مصر،ولكنها فتحت أعين الكنعانيين فأخذوا يتحسبون لغزوات تابعة وأقاموا حلفاً بينهم وترصدوا للحملات المصرية في مضيق وادي غارة قرب مجدو.وعندما اعتلى تحتمس الثالث عرش الفراعنة شنّ ست عشرة حملة على المدن الكنعانية والسورية مبتدئاً بمجدو حيث قهر أمير قادش واستولى على أرض كنعان برمتها،وحصلت ثورات كثيرة على الحكم المصري بعد هذا ولكن الفرعون أخمدها.
أذعنت أرض كنعان للحكم المصري لأن الاستقرار الذي رافق حكم الفراعنة حسّن أحوال الكنعانيين وشجّع تجارتهم وصناعتهم فتركوا للمصريين حمايتهم من الغزاة المتربصين بهم في الشرق.
ودامت هذه الحال حتى مجيء أمنحوتب الرابع أو أخناتون الذي لم يكن يكترث بأمور الدولة والحفاظ على الأمن بل صبّ كل جهده على الإصلاحات الدينية وكان أول من بشّر بالتوحيد.
واستغل جيران الكنعانيين من حثيين وعموريين هذا الظرف وكان ملك الحثيين "شوبلوليوما" قد حرض "عبد عشرتا" أمير العموريين على الهجوم على المدن الكنعانية مستعيناً بالمرتزقة من الخبيرو ليفصلها عن منطقة نهارين الخصبة في شمال سوريا التي كان يطمع بها،فاستغاث الكنعانيون بالفرعون أمنحوتب الثالث فأغاثهم وصدّ العموريين ولكن بعد مماته واعتلاء ابنه أخناتون عرش الفراعنة أعاد العموريون الكرّة وهاجموا المدن الكنعانية ،ولم تُجْدِ نفعاً استغاثات ملوكها بالفرعون فاحتلها العموريون الواحدة بعد الأخرى ابتداء من سميرة شمالاً فجبيل فبيروت فصور فأورشليم
وعاث الخبيرو فساداً في الأرياف الفلسطينية ودمّروا قراها،واحتل "شوبلوليوما" ملك الحثيين مدينة أوغاريت (رأس شمرا حالياً) وقد عثر في تل العمارنة على الرسائل التي تبودلت بين الملوك الكنعانيين والبلاط المصري أثناء هذه الأحداث الرهيبة.
وعند قيام الأسرة التاسعة عشر في أواخر القرن الرابع عشر والقرن الثالث عشر ق.م تمكن الفراعنة من طرد العموريين من أرض كنعان وإعادة سيطرتهم عليها فرحب بهم الكنعانيون أجمل ترحيب،واضطر المصريون بعد الحروب التي نشبت بين الحثيين والفرعون رعمسيس الثاني إلى أن يكتفوا بأرض كنعان ويتركوا مناطق سوريا الشمالية تحت سلطة الحثيين.
وفي أوائل القرن الثاني عشر ق.م ظهرت في الأفق أقوام إيجبية هاجمت مصر وأرض كنعان من الجنوب والشمال بشكل كمّاشة . وبالرغم من أن رعمسيس الثالث صدّهم في معركة بلوزيون (قرب بور سعيد) البحرية فقد اضطر إلى أن يفسح لهم المجال للاستيطان في جنوب فلسطين ،وقد دمّرت الموجة التي انصبّت على أرض كنعان من الشمال رأس شمرا وجزيرة أرواد في طريقها واندمجت بالكنعانيين فنشأت بذلك الأقوام الفينيقية .
وفي فلسطين أرض كنعان الجنوبية تمكن الفلسطيّون الذين جاءوا من سواحل البحر الإيجي من إخضاع البلاد وحماية المدن من الإسرائيليين الذين أصبحوا بدورهم تحت سيطرة الفلسطيّين حتى جاء الملك سيدنا داوود.
وأهم مدينتين كنعانيتين هما جبيل في لبنان ومجدو في فلسطين،وكانت مجدو محصنة بسور ذي بوابة مؤلفة من ثلاثة أبواب الواحد تلو الأخر تحميها أربع غرف للحرس،غرفتان من كل جانب،وكان السور مائلاً من الخارج ومبنياً بحجارة ضخمة ،ووجد في داخله معبد وقصر،وكان الكنعانيون في مجدو يدفنون موتاهم في قبور منحوتة في الصخر، وكانت هذه تحتوي عادة على أكثر من مدفن.
وأهم مزايا هذا العصر صناعة الخزف الذي يعد أجمل ما صنع حتى العصر اليوناني،وكان الكنعانيون يفضلون الشكل الإجاصي،وكانوا أول أمرهم يطلون الأواني باللون الأحمر القرمزي ويصقلونها صقلاً لمّاعاً ،ثم أصبحوا يطلونها باللون العاجي ويدهنونها باللونين الأحمر والبني. وتنوعت أشكال الأواني من جرار وأباريق وغطاسات وصبابات وطاسات مجأجأة وسرج وأكواب.
وكان الكنعانيون يصنعون الأواني من النحاس والفضة والذهب كما ظهر في جبيل،وازدهرت صناعة المعادن فصنعوا الفؤوس والخناجر والرماح ،وأما رؤوس النبل فلم تظهر إلاّ في أواخر عهد الكنعانيين في العصر البرونزي المتأخر.ومن أدوات الزينة الأشكال الحلزونية التي كانت تستعمل لتجعيد الشعر والدبابيس المثقوبة المزودة برأس بشكل بطيخة ،وفي مدينة جبيل ترك الكنعانيون عدداً كبيراً من التماثيل للإله رشف،كما أنهم صنعوا تماثيل لجنود يحملون الأسلحة المختلفة.
وكذلك كانوا يصنعون من الطين أيضاً تماثيل للآلهة والأشخاص والحيوانات ،وكان عصر الكنعانيين غني بالحلي والمجوهرات،فهنالك أقراط وخواتم وأساور من الفضة والذهب واستُعمل الخرز بكثرة وكان يصنع من العقيق الأحمر المحزز،ومن الحجر الجيري.
باشر الكنعانيين في أوائل هذا العصر بحفر العاج فأخذ هذا الفن يترعرع حتى بلغ أوجه في القسم الثاني من ذلك العهد،وكانوا يصنعون الخناجر الذهبية للاستعمال في الحفلات ،كما كانوا يتحلون بالقلائد المصنوعة من الذهب والمرصّعة بالحجارة الكريمة،وفي قبر "أبشموابي" وجد كنز من المجوهرات المصنوعة من الذهب والفضة والمرصعة بالحجارة الكريمة.
وفي العصر البرونزي المتأخر قلّ عدد المدن المحصنة وصغر بعضها وتضاءل الأثاث الجنائزي كثيراً بالنظر لفقر البلاد بسبب الضرائب الباهظة التي كانت كنعان تدفعها لمصر.
وأصيب الفن كذلك بالاضمحلال والانحطاط ،وأما الهندسة فقد أصابها بعض الشلل وابتعدت عن الدقة وإن لم يتغير شكلها.
ويظهر هذا الانحطاط جلياً في صناعة الخزف ،إذ فقدت الأواني الدقة والعناية المألوفتين في العصر السابق وكاد الصقل يكون معدوماً ،وقد حاول الخزافون تغطية هذا الانحطاط بتلين الآنية ولكن بطريقة بعيدة عن الذوق ،وفي أواسط هذا العصر استوردت أواني كثيرة من قبرص ومن ميسين في بلاد اليونان وقد حاول الخزافون الكنعانيون تقليد الأواني المستوردة ولكن محاولتهم أخفقت،فالأواني المنقولة عن الأواني المستوردة كانت قبيحة خالية من رونق الخزف القبرصي والميسيني الأصلي.
وفي هذا العصر تلاشت الفؤوس الحربية وحلت محلها فؤوس جديدة غير مزودة بثقوب ،وظهرت خناجر جديدة منقولة عن الخناجر الميسينية ذات يد من خشب فوق أساس من البرونز.
وظهرت لأول مرة رؤوس النبل المصنوعة من البرونز ويشبه شكلها ورق الغار بزيادة قطع على جوانبها لتساعدها على الرسوخ في الهدف.
ولا تختلف أدوات الزينة الأخرى عن العصر السابق إلاّ في هبوط مستوى الصنع ،فهنالك مرايا كالعهد السابق ودبابيس ولكن دون رأس كروي ، إذ استبدل به رأس حلزوني الشكل ،وقلّ استعمال الحجارة الكريمة في المجوهرات واستعيض عنها بالزجاج غير الشفاف المعروف بالفايانس وصنعت من هذه المادة القلائد والخرز والأختام، وتفننوا في صناعة الخرز من هذه المادة فصنعوه بشكل زهرة اللوتس والزنبق والصدف وتماثيل الحيوانات الصغيرة كما أنهم صنعوا المكاحل من هذه المادة.
وكثر استعمال الجعلان المصرية المصنوعة من الستاتيت ولا سيما تلك المحفورة باسمي تحتمس الثالث ورعمسيس الثاني وكذلك استعملت الأختام الاسطوانية المستوردة من العراق.
وكانت الأصنام الصغيرة تصنع في قوالب من الطين المشوي،وهناك تماثيل لآلهة الخصب وعدد كبير من الحيوانات والطيور،كما أن الكنعانيين صنعوا تماثيل من الزجاج غير الشفاف للآلهة كالإله بس والإله تاورت والإله إوزيرس .
أدّى ازدهار التجارة في هذا العصر إلى إختراع الكتابة الأبجدية ،ففي هذا العصر استعمل في كنعان ما لا يقل ن خمسة أشكال مختلفة للكتابة منها الكتابة الهيروغليفية المقطعية المصرية،والكتابة المسمارية المقطعية الأكدية، والكتابة الأبجدية التي عثر عليها في "سرابط الخادم" في شبه جزيرة سيناء،والكتابة الجبيلية التي ما زالت رموزها مجهولة،وكتابة رأس شمرا المسمارية الأبجدية ،ولكتابة سرابط الخادم أهمية كبرى،فهي تعد الأم التي أنتجت الكتابة الفينيقية الأبجدية كما ظهرت على قبر أحيرام في جبيل في مستهل العهد الفينيقي.
وبالنظر إلى العلاقات التجارية مع مصر استوردت المدن الكنعانية عدداً كبيراً من الأواني المصنوعة من المرمر.
وقام الكنعانيون في هذا العهد بعدة محاولات في فن النحت نقلاً عن الجيران المصريين من جهة والبابليين من جهة أخرى ،ففي رأس شمرا عثر على نصب من الحجر الكلسي المنحوت بشكل الإله بعل يظهر فيه واقفاً متجهاً نحو اليمين معتمراً تاجاً بشكل المخروط مزخرفاً بقرنين وشعره منسدل من تحته بخصلتين، ويلبس ثوباً قصيراً وعلى جنبه خنجر وبيمناه هراوة وبيسراه شعار البرق،وعثر في عمريت على نصب آخر في أعلاه جناحان مبسوطان تحتهما هلال،ويظهر الإله بعل واقفاً يضع رِجلاً على رأس أسد واقف على رأس جبل والأخرى على ذنبه، ويعتمر تاجاً مخروطي الشكل له "شرّابة" وأمامه رأس الأفعى بيورياس،ويبلس قميصاً مزخرفاً بحزّات عمودية وثوباً قصيراً مزخرفاً بحزّات مائلة وأفقية وبيمناه شعار البرق وبيسراه حيوان صغير.
واشتهر هذا العصر بحفر العاج حفراً أنيقاً وبديعاً،وقد وجدت كميات كبيرة في رأس شمرا ومجدّو وكميات صغيرة في أماكن أخرى مثل جبيل وتل الدوير،وكان حفر العاج مألوفاً منذ أقدم الأزمنة ولكن بكميات صغيرة ،وكثر استعمال العاج بعد ظهور الكنعانيين في العصر البرونزي المتوسط،وبلغ أوجه في العصر البرونزي المتأخر،وعثر في رأس شمرا على تخت ملبس بالعاج المحفور على جانبيه وطرفيه،كما عثر على غطاء علبة ربما كانت للمجوهرات محفور عليه الإله الخصب متزينة بقلادة وشعرها ينسدل بخصل متموجة ومربوطة في مؤخرتها ،وهي تلبس ثوباً طويلاً من خصرها إلى أخمص قدميها وصدرها عارٍ.وظهر عن يمينها ويسارها ثوان يقف كل منهما على قائمتيه الخلفيتين وهو يأكل العشب الذي تمده له.فالنحت دقيق وناعم،وملامح الإلاهة منحوتة بدقة وإتقان، ويبدو في هذا النحت التأثير الكريتي أو المينوي لجهة رشاقة الآلهة،والتأثير البابلي لجهة الحيوانات الواقفة على قوائمها الخلفية.
وعثر في مجدو على صندوق من العاج جوانبه محفور فيها أسود مجنّحة.
ولا يختلف هذا العصر عن العصر السابق إلاّ بفقر محتويات القبور وأما في رأس شمرا حيث كان تأثير الميسينين قوياً فقد أقام الكنعانيون قبوراً تشبه القبور الميسينية التي تعود إلى العهد البرونزي المتأخر في ميسين أو في قبرص.فهذه القبور مبنية تحت الأرض ولها سقف يشبه العقود وأمامها دهليز صغير يؤدي إلى داخل القبر.
ومن أجمل ما عثر عليه في هذا العصر من تحف طبقان مصنوعان من الذهب ومزخرفان بمظاهر حية،فالأول مزخرف بمشهد أُسود تهاجم غزلاناً وثيراناً لافتراسها،والثاني بمشهد رجل أو ملك داخل عربة تجرها الخيل وهو يصطاد الغزلان والثيران البرية بقوس وقد بدا أحد هذه الثيران وهو يهاجم عربة الصياد من الخلف بينما يحاول أحد الكلاب طرده ( ) .
وفقاً للتقديرات الموثقة فإن الهجرة الآمورية-الكنعانية الشهيرة من الجزيرة العربية قد حدثت في منتصف الألف الثالث ق.م غير أن بعض الباحثين يستنتجون أن الكنعانيين كانوا منذ بداية الألف الثالث ق.م مستندين في ذلك إلى أن اللغة الكنعانية قد ثبت انتشارها منذ أول الألف الثاني ق.م وذلك من خلال مكتشفات الآثار المصرية ، ويذهب باحثون آخرون إلى أبعد من ذلك فيقولون بوجود الكنعانيين ما قبل سبعة آلاف سنة ، وذلك من خلال تتبع الآثار في مدنهم القديمة ، وأقدمها مدينة أريحا الباقية حتى اليوم ،وهي تعتبر أقدم مدينة في العالم .
وإن تأرجحت تقديرات البداية الزمنية لوجود الكنعانيين ،فمما لا خلاف فيه إطلاقاً أنهم كانوا أول من سكن المنطقة من الشعوب المعروفة تاريخياً ،وأول من بنى على أرض فلسطين حضارة .
وورد في الكتابات العبرية أن الكنعانيين هم سكان البلاد الأصليون ،كما ذُكر في التوراة أنهم الشعب الآموري ،ويحلل بعض أن الآموريين هم الكنعانيون ،والكنعانيين هم الآموريون ،إنما كانوا يسمون أولاً بالآموريين ،ومع الزمن عرفوا باسم الكنعانيين ( ) .
يذكرنا هذا التشابه بتاريخ الكنعانيين الفينيقيين ،فالشعبان شعب واحد في الأساس لغةً وديناً وحضارةً ،لكنهما كانا قبائل لم تجمعها رابطة سياسية إلاّ في الأوقات العصيبة لدرء الخطر عنها من الشمال والجنوب .ووفقاً للتوراة تمتد كنعان من أوغاريت (رأس شمرا) حتى غزة ،وقد عثر على قطعة نقود أثرية كتب عليها "اللاذقية في كنعان" .
وقد ورد في أماكن أخرى أن الكنعاني مرادف للفينيقي ،والفينيقي مرادف للتاجر ( ) ،وقد كانت أهم المدن الفينيقية كصيدا وصور وأوغاريت تعرف أيضاً بالمدن الكنعانية ،فبلاد كنعان إذاً امتدت تاريخياً على طول الشاطئ ،وفي الداخل شملت فلسطين كلها وقسماً كبيراً من سوريا .
واليونانيون هم أول من أطلق اسم الفينيقيين منذ القرن الثاني عشر ق.م. على الكنعانيين الذين بادلوهم التجارة على شاطيء المتوسط ( الشاطئ اللبناني السوري اليوم) .أما الكنعانيون (سكان فلسطين) فقد رفضوا تبديل اسمهم على الرغم من الشهرة التي اكتسبها الفينيقيون عبر البحار ( ) .
هناك اختلاف في تفسير كلمة كنعان ،فقد ذكر البعض أن "كَنَع) أو "خَنَع" كلمة سامية معناها الأرض المنخفضة ،فكانت تسميتهم بالكنعانيين لسكناهم الأراضي السهلية ،غير أنهم كانوا من سكان الجبال كذلك ،والأرجح أن التسمية جاءت نسبة إلى الجد الأول كنعان ،سيراً على العادة القبلية بأن ينتسب القوم إلى الجد فيقال "بنو هاشم" أو "بنو كنعان" ،وليس من شك في أن الجزيرة العربية كانت موطنهم الأول ( ).
كانت لغة الكنعانيين أقرب ما تكون إلى اللغة السامية الأم (أي اللغة العربية البائدة، وذلك وفقاً للعديد من المتضلعين من اللغات السامية) ،ثم انفردت بخصائص معينة وأصبحت ضمن مجموعة عرفت بكتلة اللغات السامية الغربية ،ومنها المؤابية والفينيقية والعبرية ( ) .
واليوم عندما نقارن اللغة العربية باللغة الكنعانية ،نكتشف كلمات متطابقة لا تحصى ومنها : جبل، لون ،أم ،أب، أخ ، بيت ، أرض ن قبر، رأس، يد ، ثلاث ، أربع ، ...إلخ وهناك كلمات عديدة متشابهة ، ومنها : لسن (لسان) ، شمش (شمس) ، نحس (نحاس) ، كتن (كتان) ،قرت (قرية) ... إلخ ) ( ) .
ويبدو أن لغة الكنعانيين وطقوسهم الدينية قد تبلورت ونضجت في بداية الألف الثاني ق.م. وكان الإله أيل هو الإله العظيم الذي آمنوا بأنه يبعث مياه الأنهر لتجري في الأرض ،ويحيي مواتها ،وهو يبعث المطر فيجعل الأودية فيض عسلاً وهو القادر على كل شيء ( ).
لم يكن الحكم في كنعان حكماً موحداً قط ،فقد كانت البلاد تتألف من دول مدينية تتقاتل فيما بينها إلاَّ عند مجابهة الخطر الخارجي ،وخصوصاً من الحثيين أو المصريين ،واشتهر الكنعانيون ببناء القلاع و الأسوار لحماية أنفسهم ،وقد أرهبت قلاع أريحا الجواسيس والعيون الذين أرسلهم سيدنا موسى لإستكشاف أرض فلسطين .
وتوصل الكنعانيون إلى بناء الصهاريج فوق السطوح ،وحفر الأنفاق الطويلة تحت الأرض لإيصال المياه إلى داخل القلاع ، ومن أهم هذه الأنفاق نفق مدينة جازر التي كانت تقع على بعد 35 كلم من يبوس (القدس) ،وكذلك نفق لمدينة يبوس نفسها حفره اليبوسيون (وهم فرع من القبائل الكنعانية) وجاءوا بالمياه إلى حصن يبوس من نبع جيحون ،ولذلك صمدت القلعة ثلاثمائة سنة أمام الإسرائيليين .غير أن الملك سيدنا داوود اكتشف المدخل السري من خارج السور ،فأدخل رجاله إلى النفق حتى وصلوا إلى منتهاه داخل السور وصعدوا إلى السطح وباغتوا اليبوسيين واحتلوا الحصن والمدينة بلا قتال على الأرجح ( ) .
استعمل الكنعانيون في الحرب الحصان والمركبة الحربية ،وكذلك أسلحة الحديد ،كما استعملوا القوس والنشَّاب والخنجر القصير والسكين المعقوف ،وعلى الرغم من براعة الكنعانيين في صناعة الأدوات الحربية ،وعلى الرغم من كونهم أول من أدخل فن التعدين مما ساعدهم في صناعة الأسلحة الفتاكة من البرونز والحديد وحتى الفولاذ ،فإنهم لم يشتهروا بأنهم شعب مقاتل ،لقد برهنوا على أنهم شعب مسالم أكثر من كونهم شعباً تحكمه عقلية الحرب ،كانوا مدافعين عن أنفسهم ولم يكونوا مهاجمين وهذا ما جعل العديد من الأمم المجاورة تتغلب عليهم من مصر وبابل وبلاد الحثيين ومقدونيا ،وكانوا عادة يفضلون دفع الضرائب والجزية كي يدفعوا عنهم التدخلات الخارجية ،وفي عهد الفرعون تحتمس الثالث اضطروا إلى التحالف فيما بينهم (1479 ق.م) ضد الفرعون المصري في مجدو ،وعندما عاد تحتمس الثالث إلى بلاده أخذ معه العربات المطعمة بالذهب ،وأسِرَّة من العاج ،وأواني وسيوفاً وتماثيل من الذهب ،كما أخذ 207 آلاف كيس من الحنطة ،وفي كتاباته أسماء 118 مدينة يعتقد أنها المدن التي افتتحها في بلاده كنعان ،وقد تحولت الدويلات أو الدول المدينية إلى محميات مصرية بعد ذلك ( ).
ومن أقدم المدن الكنعانية الباقية حتى اليوم :أريحا ،وأشدود (اسدود)،وعكو (عكا)،وغزة والمجدل ويافي( يافا) ،ومن المدن التي تغيرت أسماؤها بمرور الزمن :يبوس (القدس)، وشكيم (نابلس) ،وأشقلون (عسقلان) ،وبيت شان (بيسان) ،وصدِّيم (حطين) ،وهنالك أيضاً أسماء مئات من المدن والقرى ،منها ما بقى حتى اليوم ومنها ما اندثر ،وقد كانت شكيم العاصمة الطبيعية لكنعان ( ).
اشتهر الكنعانيون بالزراعة وخصوصاً زراعة مختلف أنواع الحبوب والعنب والتين والزيتون والرمان والنخيل والتفاح ، وكانوا يعرفون معظم الأشجار والفاكهة والأعشاب التي نعرفها اليوم ( )
وفي الصناعة برعوا في التعدين وصناعة الخزف والزجاج والنسيج وصناعة الثياب ،كما برعوا في فن العمارة ،فبنيت منازل الملوك والأغنياء داخل الأسوار من الحجارة المنحوتة نوهي عادة تتألف من باحة في الوسط وحولها الغرف ،وحتى البيوت العادية فقد كان فيها آبار للمياه وعنابر للقمح ونوافذها تطل على الباحة ،أما بيوت الفقراء فكانت من اللبن (مزيج من التراب والطين والماء) أو الحجارة غير المنحوتة وفي الداخل استعملوا الأسِرة والكراسي والفخار وأدوات المطبخ المتنوعة ،وكانت مفاتيح بيوتهم ضخمة وكبيرة تصنع من الخشب أو المعدن ، وفي الكثير من قرى فلسطين والشام ومصر ما زالت المفاتيح حتى اليوم على هذا الطراز ( ) .
وعلى رأس الهرم في الحضارة الكنعانية الموسيقى ، ويقول فيليب حتي المؤرخ اللباني :" لم يُعْنَ شعب سامي بالفن الموسيقي كما عني به الكنعانيون ،فقد اقتبسوا كثيراً من عناصر موسيقاهم من شعوب مختلفة توطنت الشرق الأدنى القديم ، وسموا به إلى أعلى ما عرف في الموسيقى عند معاصريهم ،ذلك لأن طقوس العبادة الكنعانية كانت تقتضي استخدام الغناء ،وهكذا انتشرت ألحانهم وأدوات موسيقاهم في جميع بقاع المتوسط ،وتكاثر الطلب على اقتناء مغنيهم ومغنياتهم من الجواري في مصر زمن الإمبراطورية الحديثة ."
ليس هناك من يجادل في أن الأدب والفن هما عنوان للحضارة ،فليس غريباً إذاً أننا عندما نتتبع الكتابات الإسرائيلية نكتشف الجهد الكبير الذي بذله الإسرائيليون ويبذلونه لإيهام الدنيا بأنهم هم الذين كانوا بناة الحضارة العريقة ،وأصحاب الأناشيد والتراتيل والغناء ،وقد تمكنوا فعلاً من جعل الوهم حقيقة في عقول الكثيرين ،إلاّ المؤرخين الكبار الثقات أمثال برستد الذي يصف المدن الكنعانية المزدهرة يوم دخلها العبريون بقوله أنها كانت مدناً فيها البيوت المترفة المريحة ،وفيها الصناعة والتجارة والكتابة والمعابد ،وفيها الحضارة التي سرعان ما اقتبسها العبريون الرعاة البدائيون ،فتركوا خيامهم وقلدوهم في بناء البيوت كما خلعوا الجلود التي ارتدوها في الصحراء ،وارتدوا الثياب الصوفية الزاهية الألوان ،وبعد فترة لم يعد في الإمكان أن يفرق المرء بين الكنعانيين والعبريين بالمظهر الخارجي
وباختصار فهم اقتبسوا الحضارة الكنعانية كما يقتبس المهاجرون الجدد إلى أمريكا في يومنا هذا طرق المعيشة الأمريكية .
وبعد دول الفلسطينيين من جهة البحر والإسرائيليين من جهة الأردن توزعت أرض كنعان بين الأقوام الثلاثة ولم يعد الكنعانيون وحدهم سادة البلاد ،غير أن اللغة الكنعانية بقيت هي السائدة ،ومنذ فجر التاريخ المكتوب ،أي منذ خمسة آلاف عام لم تعرف فلسطين حتى عهد الانتداب البريطاني سنة 1920 سوى لغاتٍ ثلاث :الكنعانية أولاً -والآرامية ثانياً –وهي اللغة التي تكلم بها السيد المسيح –والعربية ثالثاً .
إن الحضارة الكنعانية الشامخة شأنها شأن الحضارات الكبرى في التاريخ قد ولدت من رحم أجناس شتى.
وتطورت هذه الحضارة من خلال ما اقتبسته الحضارة الكنعانية من العموريين والآراميين والعبريين والأنباط والشعوب الهندو آرية والحوريين ومن قدموا من بحر إيجة كالفلسطينيين.
وتبنى العبرانيون فكرة فرعون الطاغية التي نشأت قبل التوراة بأكثر من ألف سنة من العموريين والكنعانيين الذين ما استساغوا الحكم المصري لبلادهم إلاّ على مضض ولم يدخروا أي فرصة للإطاحة والتحرر من نير حكم الفراعنة باعتباره محتلاً غريباً كما يستدل على كثرة الثورات على الحكم المصري في تلك الحقبة.

اللغة الكنعانية:
رحل الكنعانيون مع العموريين من الجزيرة العربية في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد دفعة واحدة ولكن المؤرخين يفرقون عادة بين العموريين والكنعانيين واستمروا على ذلك وقتاً طويلاً ثم اتضح أن الاختلاف بينهما هو في التسمية فحسب ومرده بالأساس إلى أسباب جغرافية ليس أكثر فالذين استقروا غرب بلاد الرافدين مباشرة عرفوا باسم العموريين بدءاً من مطلع الألف الثاني ق.م. لأن عمورو تعني (الغرب) لدى سكان الرافدين وأطلق على من استقر منهم على سواحل بلاد الشام وجنوبها (فلسطين) اسم الكنعانيين والنظرية الحديثة تشتق اسمهم من كناخي أي تجار الأرجون وقد عرفهم اليونان على سواحل بلاد الشام باسم (الفنيقيين) وهم الكنعانيون حتى العهد الكلاسيكي كما يستنتج من المسكوكات على أن اسم بلاد كنعان أو أرض كنعان غلب على جنوب بلاد الشام (فلسطين) وقد عرفت اللغة التي كان يتكلمها الكنعانيون في بلاد الشام وعلى ساحلها وفي الجنوب باسم اللغة الكنعانية وهي متفرعة من اللغة الأم في الجزيرة العربية والتي تلك اللغة تلونت بعوامل جغرافية واقتصادية وتاريخية وبقيت إجمالاً واحدة في مختلف مناطقها والفرع الشمالي الغربي من الجزيرة العربية يضم الكنعانية القديمة ومنها الأوغارتية (وتضم العمورية أحياناً إلى الكنعانية القديمة) والعبرية والكنعانية الحديثة (أو الفنيقية) والبونيقية (لغة قرطاج ومنطقتها في شمال إفريقيا قديماً)وهناك من يرفض التقسيم الجغرافي في اللغات أو اللهجات المعروفة بالسامية ويرى أن مثل هذا التقسيم كان للتسهيل فحسب واللغة الكنعانية تسمى عادة اللغات السامية.
وكانت تعرف اللغات كما يلي: الأكادية القديمة ومنها لغة ايبلا (تل مرديخ) والأكادية والعمورية والكنعانية و الآرامية والعربية والعربية الجنوبية والحبشية ولكل منها فروع أو لهجات.
واللغات الكنعانية أكثر حروفاً من غيرها من لغات الجزيرة العربية وفيها حروف للتفخيم وأخرى للترقيق وهي في ذلك قريبة جداً من العربية وفيها أيضاً حروف الحلق (الهمزة والهاء والحاء والعين) وحروف الإطباق (الصاد والضاد والطاء والظاء) والمصدر فيها ثلاثي والكلمات قد يعتورها القلب المكاني(تغيير موضع الحروف) وليس فيها سوى المذكر والمؤنث كما أن فيها علاقة عكسية بين العدد والمعدود وتندر فيها أخيراً الكلمات المركبة.
ومن مميزات اللغة الكنعانية أيضاً تحويل الألف الممدودة إلى ألف مضمومة (فاعل=فوعل, راش=روش) وليس فرق بين جمع المذكر وجمع المؤنث في الغائب (كتبوا تعني كتبوا وكتبن) وصيغة المؤنث الغائب تنتهي بالهاء بدلا من تاء التأنيث الساكنة.
وبين كلمات نص كنعاني واحد لا يتجاوز عشرة سطور قصيرة مكتشف في جبيل ويعود لمطلع الألف الثاني قبل الميلاد قرابة عشرين لفظاً موحداً مع اللغة العربية حتى في تطورها الحاضر مع تعديل طفيف باللفظ أحياناً (نحاس- سن –حفر- مفتاح- بيت -كتب -اسم -مذبح –نحلة- ابن- أخ –لهبة- أهله -وهب -سادس -يوم -تموز).
وقد أثرت اللغة الكنعانية القديمة بصورة مباشرة في اللغة المصرية فدخل فيها كثير من مفرداتها في عصر المملكة المصرية القديمة والوسطى.
ولأوغاريت (رأس الشمرة) فضل في اتساع المعرفة باللغة الكنعانية فقبل اكتشافها لم تكن الكنعانية القديمة معروفة لأنها تركت أهم آثارها في أوغاريت في القرن الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد وهي محررة بالأبجدية الأوغاريتية على مئات من رقم (لوحات) الطين المشوي أو المجفف بالشمس.
وهجائية الكنعانية الأوغاريتية محافظة كالعربية تميز بين الخاء والحاء والظاء والطاء وهذا الأمر غير موجود في الأكدية أو الكنعانية أو العبرية.
وقد تطورت الكنعانية الأوغاريتية إلى الفنيقية على الساحل وخصائصهما المشتركة واضحة في لهجة جبيل ومن الآثار الفنيقية لذلك ما حرر بالأبجدية الخطية على تابوت حيرام ملك جبيل من القرن الثاني عشر قبل الميلاد( ).
أما جنوب بلاد الشام فإن الكنعانية أعطت عدداً من اللهجات منها العبرية التي تكلمها بنو إسرائيل بعد قدومهم إلى فلسطين كما هو واضح من التوراة (أشعيا 19:18) وقد لحقت اللغة الكنعانية الأم على ألسنتهم كثير من التحريف في أصواتها ومفرداتها وبعض قواعدها فأصبحت مزيجاً من النحو الآرامي والنحو الكنعاني ويمكن القول بكل وضوح أن العبرية هو تطور لاحق لكنعانية فلسطين التي هي أقرب إلى الكنعانية الأم لغة سكان فلسطين قبل تسرب الإسرائيليين إليها ثم تطورت تلك اللغة معهم إلى الشكل المعروف اليوم ومن مؤيدات ذلك أسماء الأعلام وأسماء المدن القديمة في فلسطين.
وقد دخل جزء كبير من آداب اللغة الكنعانية في تراث العبرانيين ولاسيما في كتاباتهم المقدسة كأقوال الحكمة والأمثال والمزامير والأناشيد وبعض الأساطير كما جاء في سفر التكوين ونشيد الأنشاد وقد أوضحت اكتشافات أوغاريت هذا الأمر بتقديمها كثيراً من المورثات الأدبية الكنعانية كما ساهمت اللغة الكنعانية على قراءة التوراة لدى العبرانيين ( ).
بالإضافة للهجات الكنعانية الأوغاريتية والفنيقية والبونيقية التي عرفت في بلاد الشام وشمال إفريقيا هناك لهجات تطورت مع العبرية في جنوب بلاد الشام ومنها اللهجة المآبية التي عرفت من خلال أثرها الكتابي الهام والمعروف بنص الملك المآبي موشع أو ميشع ويعود هذا النص إلى منتصف القرن التاسع قبل الميلاد ومعه نصان مشوهان آخران من الفترة نفسها وفي هذا النص يتحدث الملك المذكور عن حربه وجهوده في إعمار مدن مآب بعد انتصاره على الإسرائيليين ومن الجدير ذكره هنا في هذا الصد أن الأحداث المذكورة فيه لم تذكرها التوراة.
بالإضافة للهجة المآبية هناك اللهجة العمونية واللهجة الأدومية اللتان تظهر آثارهما في بعض الأختام والمنقوشات وعلى بعض أواني الفخار من القرن السابع قبل الميلاد على أن أكثر آثار الألف الأول قبل الميلاد الكنعانية في فلسطين حررت على مواد قابلة للتلف كالبردي والرق فضاع منها الكثير( ).

الكنعانيون في سوريا :
كانت هجرة الكنعانيين أكبر هجرة عربية خرجت من الجزيرة العربية وانتشرت في سائر أرجاء الهلال الخصيب وخاصة سواحل لبنان وفلسطين وسيناء كما انحدر جزء منها إلى مصر .
وعرفت أرض فلسطين بأرض كنعان وهو أقدم اسم معلوم أطلق على هذه البلاد ويعتقد أن الكنعانيين هاجروا إلى فلسطين من شرقي الجزيرة العربية من المناطق المجاورة للخليج العربي وكانت هجرتهم قبل الميلاد (3-4) آلاف سنة ويعتقد أن بداية تاريخهم في الهلال الخصيب تعود إلى (4500 ق.م) وكان يلقب ملوكهم بملوك العالم وملوك الأقطار الأربعة وتفرع من الكنعانيين (البوسيون الذين بنوا القدس والفنيقيين الذين سكنوا سواحل لبنان والساحل الشمالي لفلسطين).
عبادة الكنعانيين
كان الكنعانيون أصحاب عقيدة بدائية قديمة فأخذ الكنعانيون إله (بعل) من الشعب العموري فالإله بعل هو اله الشمس والخصب والإنتاج ،كذلك فإن الإله بعل يسيطر على الرياح والغيوم والأمطار وكان الآلهة بعل هو الاله الأكبر من كل المدن الكبرى عند الكنعانيين واعتقد الكنعانيين أن (أيل) هو أب كل الآلهة وأن الآلهة (بعل هو ابنه) .
فالكنعانيون وثنيين يعبدون الأصنام ولا تختلف ديانتهم عن غيرها من الديانات القديمة من حيث عبادتها لقوى الطبيعة التي لها أثر في حياة البشر اليومية ،فعبدوا الشمس والقمر وقدّسوهم لاعتقادهم أنهما إلهان يراقبانهم من عليائهما ويحاسبانهم على أفعالهم .ومن أصنامهم المشهورة "بعل" ومعناه رب أو سيد وصاحب أو مالك .وهي عندهم أله الشمس التي عُزي إليها الفضل في خصوبة الأرض واستنبات الزرع،ولعل الشمس أول معبودات الناس و"عشتاروت" –إله القمر وغيرهما .
"البعل" يمثل قوة الخليقة الذكرية و"عشتاروت" القوة الأنثوية ،ومن معبوداتهم "مِلكارت" ومعناه "ملك المدينة" وهو إله صور و"داجون" وكان إله الغلاّت الغذائية،وقد عبده فيما بعد الفلسطينيون على صورة رأس إنسان ويدي إنسان وجسم سمكة مغطاة بالفلوس والزعانف،ودعوه "داج-Dag " بمعنى سمكة كبيرة .و"بعل زبوب" أي "إله الذباب" وهو إله "عقرون" ولا يزال سبب تسميته بهذا الاسم مجهولاً ولعلهم كانوا يلجئون إليه ليحميهم من شر الذباب الذي يكثر في فصل الصيف ،وذكر بعضهم أنه كان إله الطب عندهم.
ويظهر أن عبادة "الحيّة" كانت عادة كنعانية متفشية كثيراً كما يستدل من تماثيل الثعابين الكثيرة التي تزين أدوات العبادة وأوانيها ،وقد وُجد نصب للحية في قصر بيت مرسم يرجع بتاريخه إلى ما بين عامي 2000-1600 ق.م ،القسم الأسفل منه من الحجر الكلسي منقوشة عليه الآلهة تسير إلى اليسار لابسة ثوباً طويلاً يصل إلى قدميها ،وترى حيّة كبيرة ملتفة حول ساقى الآلهة ( ).
و"ساري" وهو إله الحرب عند الكنعانيين وقد كان له معبد في "النبي ثاري" ،وإن كلمة ثاري التي تذكر اليوم علماً لبعض الأماكن في لبنان وفلسطين باسم "النبي ثاري" إنما هي تحريف لكلمة "بيت ساري"أي معبد ساري.
وكان الكنعانيون يقدسون الينابيع وبعض الآبار والأشجار وخاصة أشجار الجميز،حيث الينابيع تروي الأرض بالماء فتنمو به المزروعات ويستقي منها الناس ،وما زالت هذه العادة شائعة في كثير من أنحاء الوطن العربي، فعبادة الينابيع والأشجار وتقديسها معروفة عند العرب وغيرهم من الأمم القديمة ،فقد صور هذا الخصب لهم وجود قوى كامنة في تلك الأرضين كانت السبب في نظرهم في بعث الحياة للإنسان،كما اعتقدوا في الأشجار بأنها تزيل عنهم الآلام وتشفي من الأمراض.
ويرجح أن قرية سِفْر –بيت مِرْسِم كانت مركزاً لتعليم ديانة الكنعانيين وقد عرفت هذه المدينة بحب أهلها للعلم وبكثرة من نشأ فيها من الكُتّاب والأدباء وغيرهم ،فقد كانت مركزاً عظيماً للثقافة الكنعانية ،ومع الأسف أن آثارهم المختلفة ذهبت بها عوادي الزمن.
ويظهر أنه لم يكن للقبائل الكنعانية في أقدم أيامها هياكل ومعابد بل كانوا يختارون الأماكن المرتفعة كالجبال والتلال ذات المناظر الجميلة فيقيمون عليها في الهواء الطلق نُصُباً يسمونه "بيت الإله" فيعبدونه ، وعنهم أخذ اليهود ذلك فأقاموا معابدهم على قمم الجبال.
أقام الكنعانيون معابدهم في مختلف أنحاء بلادهم وكانوا يضعون داخلها تمثال الإله المعبود ،وبالقرب منه مكان لتقديم الضحايا التي كانت إما بشرية أو حيوانية ،وكانت الضحايا البشرية عندهم أعظم الضحايا ويقدمونه بها غالباً بكر أولادهم أو أحدث مولود لهم زاعمين أن هذه الضحايا تستجلب بركات الآلهة على أصحابها ،وقد استبدلت فيما بعد الذبائح البشرية بذبائح من الحيوان، وأول من فعل ذلك سيدنا إبراهيم عليه السلام.
وأقدم الهياكل الكنعانية التي عثروا عليها هي التي وُجدت في أريحا ومجدّو وعاي وتعود بتاريخها إلى مطلع الألف الثالث ق.م، ثم عثروا عليها في جازر وبيسان وتِعِنِّك وغيرها ، وعثروا في بقايا بعض المعابد على مغاسل للأقدام وقد وُجدت المغسلة في الغرفة الكبرى من المعبد ولا بد أن العابدين كانوا يستعملونها للغسل قبل العبادة ( ).
قال المطران الدِّبس :"كانت كهنة بعل وعشتروت عند الفينيقيين (الكنعانيين) في أعيادهم يلبسون ملابس النساء ويخضبون وجوههم بالحمرة ويزججون حواجبهم ويكحلون عيونهم ويعرون أيديهم إلى الكتف ويحملون بأيديهم سيوفاً أو يتنكبون حراباً ويتأبطون دفوفاً أو معازف يضربون بها ويرقصون ويضجون ويدورون على عقب واحد ،وينعطفون برأسهم إلى الأرض عند دورانهم فيمرغون شعورهم بالوحول ويعضون أذرعهم ويخدشون أجسامهم بسيوف وحراب"
وكان لهؤلاء الكهنة نفوذ في أمور مملكتهم يصغى لهم الحكام ويستشيرونهم ويعملون بمشورتهم ( ).
كانت توابيت الكنعانيين عبارة عن جرار من الفخار يطوى فيها الميت طياً كما يكون الطفل قبل الولادة في بطن أمه،وأما توابيت الملوك فمنها ما هو من الصخر الصلد ومنها ما هو من الخشب المزين بقطع من القيشاني الملون.وقد وجد في الجرار وفي توابيت الملوك الكثير من السكاكين والملاعق والحلي والتعاويذ وغيرها. وهذا يدل على أنهم كانوا يعتقدون أنه من حاجات الرحلة في الظلمات الأبدية.
ولم يؤمن الكنعانيون بوجه عام باليوم الآخر وبالحساب والثواب والعقاب ،فالموت عندهم كان النهاية الأبدية للحياة.
لم يكن الثواب والعقاب عندهم أمراً يتعلق بالسلوك الاجتماعي أو التصرف الخلقي بقدر ما كان يتعلق بإقامة الفروض والطقوس الدينية ،وكان الثواب والعقاب عندهم غنماً أو غرماً مادياً يناله العابد على هذه الأرض ،فكانوا ينظرون إلى الصحة والثروة والفلاح المادي والبنين وما شابهها أنها ثواب على القيام بفروضهم الدينية ،وإذا حرموا هذه اللذات فإنهم كانوا ينظرون إلى الأمر على أنه عقاب لتركهم فروض دينهم ( ).
وكانت مزاولة السحر والعرافة والتنبؤ بالغيب أشياء مألوفة لدى الكنعانيين وقد عثروا في البلاد على تمائم تعود بتاريخها إلى ما بين عامي 1600-1200 ق.م .فتمائم مجدو كانت مصنوعة من القيشاني وأما تمائم "تل العجول" فبعضها كان على صورة كبش من الفضة والبعض الآخر كان على صورة ضفدع من العقيق الأحمر( ).
ومما هو جدير بالذكر أنه بينما كانت الوثنية سائدة بين الكنعانيين انتشرت ديانة التوحيد بين جماعات منهم على أثر قيام سيدنا إبراهيم عليه السلام بدعوته الإسلامية.
كان للأب عند الكنعانيين مقام رفيع وسلطة قوية وكانوا يعتقدون بتأثير رضاه وغضبه وكان له حق التحكم في أولاده سواء تزوجوا أم لا ،وإذا مات رب العائلة تناط رياستها إلى ابنه الأكبر.
وكان الختان شائعاً بين الكنعانيين ( ) ،كما كان شائعاً عند المصريين منذ عصور ما قبل التاريخ(أي منذ عام 4000 ق.م) وعند قبائل كثيرة في الجزيرة العربية منذ عصور طويلة، والأدوات المستعملة للختن هي السكاكين الحجرية كالمدية والموس.
وكانوا يحلقون بعض أجزاء رؤوسهم كانوا يدهنون شعورهم بزيت عطر ولا سيما في الأعياد والمواسم ،وكانوا يعتبرون حلق الرأس وجزه دلالة على الحزن الشديد والتوبة على الخطيئة.
وكانوا يخلعون نعالهم حين دخولهم للمعابد وغيرها دليلاً على الاحترام.
والظاهر أن انتخاب العريس والعروس كان منوطاً بالأقارب ،وكان للكنعانيين أعياد يحتفلون بها، منها بداية حصاد الشعير وآخر عيد ختام حصيد القمح وعيد الكروم وغيرها.
وكانت سنة الكنعانيين مؤلفة من اثني عشر شهراً قمرياً،ولما كانت السنة القمرية أقل من السنة الشمسية بنحو 11 يوماً فكانوا ضبطاً للفصول يضيفون بين حين وآخر شهراً على سنتهم ولعلهم أخذوا ذلك عن السومريين سكان العراق في فجر تاريخه .وقد ورثت بعض الأمم الشرقية هذا التقويم القمري وما زالت تستعمله في شئونها الدينية.
وقد عرف الكنعانيون "الأسبوع" الذي يعزى اختراعه إلى العراق القديم ،قال بريستيد:"وحوالي 2000 ق.م كان جميع هؤلاء الساميين الغربيين قد بلغوا درجة من المدنية لا يستخف بها معظمها مستمد من مصر وبابل وبعضها وهو القليل مقتبس من بلاد اليونان لأن وطنهم الذي هو الطرف الشرقي من بحر الروم على السكة السلطانية التي بين هذه البلدان فكان لهم اتصال بها غير منقطع"( )
وقال حتي:"ومن المعروف الآن أن اليهود أخذوا الكثير من أعيادهم وطقوسهم الدينية عن سكان البلاد القدماء الذين كانوا يفوقونهم حضارة ورقياً"( )
والمؤسف أن الكنعانيين بفرعيهم أنشأوا حضارة زاهرة من أرقى الحضارات السامية القديمة ومع أنهم هم الذين بسّطوا الكتابة بالنسبة للخط الهيروغليفي حتى أصبح الخط الكنعاني أساساً لخطوط العالم المتمدن،لم يتركوا لنا آثاراً مدونة في مختلف العلوم والفنون التي اختصوا بها كالتجارة والزراعة والصناعة ومسك الدفاتر والمحاسبات التجارية وغيرها .وإذا استثنينا المصادر الكلاسيكية –اليونانية والرومانية وبعض النقوش الكنعانية القليلة المقتضبة فإن أكثر ما لدينا من معلومات مصدره العهد القديم ورسائل تل العمارنة وكتابات أوغاريت التي عثروا عليها في شمال اللاذقية.
وقد اقتبس العبرانيون عبادة الإله (أيل) من الكنعانيين وجعلوا يهوه ابناً له وكذلك فكرة هيكل سيدنا سليمان (بيت يهوه) مأخوذة من فكرة بيت بعل عند الكنعانيين والعموريون كما كانوا يقدمون له القرابين وكانت القرابين تتألف من الانسان والحيوان والنبات كما يحرقون عند التضحية: الزيت والدهن والبخور والعبرانيون يبتدأون بسيدنا ابراهيم (سفر التكوين 13-14 ) فينسبون إليه أنه بنى مذبحاً إلى الإله أيل كما تكلم الكنعانيون لهجة أو لغة مشتقة من اللغة العربية الأولى قبل أن تحل اللغة الآرامية وكتب الكنعانيون الأبجدية المسمارية وهي أقدم أبجدية في تاريخ البشرية وقد ساهم الكنعانيون في تطوير الكتابة وانتقلوا من الحروف القديمة الدالة على المقاطع إلى الحروف الهجائية.
أثر اللغة والأدب الكنعاني في الفكر والأدب العبري
دلت الحفريات الحديثة على مقارنات ومشابهات بين الأدب الكنعاني والأدب العبري من حيث اللغة والأفكار بين أدب أوغاريت الكنعاني وسفر أيوب التوراتي.
حيث لوحظ وجود موازنات شعرية في شعر أوغاريت وكذلك الشعر العبري وجدير بالذكر ان التشابه في المفردات والأفكار والأوزان الشعرية والتركيب الأدبي بين الأدب الأوغاريتي والمزامير العبرية وجد في الوثائق الأوغاريتية حيث أن بعل يوصف (راكب الغيوم) وكذلك يصفون الاله في العبرية (المزمور 4/68) وهذا المزمور بكامله من أصل كنعاني ظاهر وفي أحد نصوص أوغاريت نجد أن الرعد هو صوت بعل وفي سفر أيوب (2/37 )-5 والمزمور 29/3-5 نجد أنه صوت يهوه.
ويقول العالم ج جراي أن وثائق أوغاريت الأثرية سجلت بصورة وثائقية عبادة الخصب عند الكنعانيين التي تأثر بها العبرانيون كما سجلت العادات الاجتماعية والعلاقات العائلية والفضائل المتبعة عند العبرانيين المقتبسة من الكنعانيين بشكل واضح لا ريب فيه.
اقتبس العبرانيون خير ما تركه التراث الأدبي الكنعاني ودخل في كتاباتهم المقدسة ويتضح ذلك جلياً على القطع الغنائية والحكم التي استعارها سفر الأمثال والمزامير ونشيد الإنشاد وعلى الأخبار الخرافية التي دخلت كتبهم المقدسة حيث لم يكن هذا الأمر معروفاً لدى العبرانيين إلى أن اكتشفت مدينة أوغاريت الكنعانية.
ويتناول د.نسيب وهيبة الخازن في كتابه أوغاريت الاقتباس العبري من التراث الكنعاني بشيء من التفصيل والذي قام بتأليفه عن نتائج الحفريات الأثرية حيث دلل أن التسميات الإلهية التي وردت في سفر التكوين في الفصول 14-15 هي بلا شك سابقة لعهد العبرانيين ويبرهن من خلال بعض الأسماء لنجد ثلاثة أرباع التسميات كنعانية .
نصوص أوغاريت نصوص التوراة لدى العبرانيين
بيت ايل - بيت ايل عولام -الأبدي
يشمع ايل -ليسمع ايل اسماعيل رؤي - الذي يرى
عليون -العالي -العي
يضحك ايل - ليبتسم ايل
كما يورد الدكتور نسيب الخازن أمثلة عديدة:

نصوص أوغاريت نصوص التوراة
طبخ جد بحلب (كنعاني أطبخ جدياً بالحليب ولا تطبخ جدياً بحليب أمه
تثنية 14/21
شمم شمن تمطرن السموات سمناً تمطر يسيل الحليب والعسل
نحلم تلك بنتم (عسلاً الينابيع تسيل) وفي ذلك اليوم تقطر الجبال سلافاً وتقبض الآكام لبناً (مزامير 6/7)
ان أعداءك يا بعل ان أعداءك يا يهوه
ان أعداءك ستضربهم ان أعداءك يبيدون
ويقول د.نسيب الخازن نقلاً عن الأب دي لا تج ان الكثيرين من كبار علماء الأدب يرون أن آداب اليونانيين وآداب العبرانيين تعود إلى مصدر واحد هو الأدب الكنعاني .









القبائل الكنعانية في فلسطين وأثر الغزو اليهودي (الوسويون-العبريون) عليها

كان الكنعانيون، في فلسطين، ينقسمون إلى قبائل متعددة. منها:
اليبوسيون
اليبوسيون بطن من بطون الكنعانيين واسمهم نسبةً إلى جدهم يبوس وجاء ذكرهم ذلك أن سيدنا إبراهيم عندما مر على القدس وزاره (ملكي صادق ملك القدس) وكاهنها الأعظم الذي دعا لسيدنا إبراهيم وباركه ببركات من عنده فأعطاه سيدنا إبراهيم في حينه جزية العشر من كل ما يملك( ) .
وكذلك جاء ذكرهم جاء رجل إلى يبوس أورشليم القدس ( )
كما وجاء ذكرهم أما اليبوسيون الساكنون في أورشليم فلم يقدر بني يهوذا على طردهم فسكن اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم ( ).
واليبوسيون هم الذين أطلقوا على القدس اسم أورسالم أي مدينة السلام كما وورد في التوراة أورشالم أي مدينة الاله شالم ، وشالم أحد آلهة اليبوسيون وهذا ينفي الدعوى الأسطورية لليهود الداعية إلى تسمية القدس وأن سالم بن سيدنا نوح قد سماها شلم بمعنى السلام وأن سيدنا ابراهيم قد سماها يرأه بمعنى الخوف إرادة الله أن يسميها بالاسمين (يرأه-شلم) أي أورشلم بمعنى أن تكون مدينة الخوف والسلام.
ولا تزال هوية اليبوس القومية من المواضيع المثيرة للجدل وتعدد الآراء في هذا المجال بسبب ندرة الأدلة من معرفة هويتهم في الوقت الحاضر من جهة أخرى فهناك من الباحثين من يؤكد أن اليبوسيين كانوا من الشعوب السامية ويستندون في رأيهم هذا إلى المصادر التوراتية التي تعتبرهم من الأقوام التي انحدرت من كنعان ويرى آخرون أنهم من الساميين العموريين استناداً إلى ما تحدثت عنه التوراة من عقد ملك اليبوسيين آدوني صادق لحلف مع العموريون للوقوف في وجه الزحف الإسرائيلي على فلسطين بزعامة يشوع كما عثر على اسم يابو سوم في الكتابات العمورية التي تعود إلى بداية الألف الثاني قبل الميلاد في المنطقة الواقعة على حدود بلاد بابل الشمالية الغربية وهي منطقة كانت تعرف باسم بلاد عمورو ومنها دخل العموريون إلى العراق( ).
ويرفض عدد آخر من الباحثين قبول الرأي القائل إن اليبوسيين كانوا من الساميين ويرجحون نسبهم إلى أصول حورية وحجتهم في ذلك أن الأسرة التي كانت تحكم القدس في عصر العمارنة (حوالي 1400 ق.م.) كانت تحمل أسماء حورية كالملك عبدي-خيبا أو خيبات اسم إلاهة حورية مشهورة وكذلك فإن اسم الملك اليبوسي أرومة الذي باع أرضاً للملك سيدنا داود هو وفقاً لهذا الرأي تحريف لتعبير حوري ورد في المصادر الأوغاريتية وهو أويري Ewiri ويعني سيداً أو ملكاً.
إن تعدد الآراء وتناقضها بالنسبة إلى هوية اليبوسيين بشير بوضوح إلى أن هذا الموضوع ما زال بحاجة إلى مزيد من الأدلة والتنقيب.
أما بخصوص دخول اليبوسيين فلسطين فإن العلماء الذين يعتبرونهم من الشعوب السامية ويحددون هجرتهم في الفترة التي دخلت خلالها بقية القبائل الكنعانية في أواخر الألف الثالث وأوائل الألف الثاني قبل الميلاد وإن كان من الصعب البرهنة على وجود اليبوسيين في هذا التاريخ المبكر فإن الأدلة المستنبطة من رسائل تل العمارنة تشير بما لا يترك مجالاً للشك إلى وجودهم في فلسطين في القرن الخامس عشر قبل الميلاد وهناك من يعتقد بأن اليبوسيين كانوا آخر من دخل فلسطين من الشعوب قبل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين كما أن اسمهم ورد نهاية قائمة الشعوب المذكورة في التوراة.
ويبدو أن عدد اليبوسيين لم يكن كبيراً فقطنوا مدينة يبوس فقط وعدم وجود ما يثبت لانتشارهم في مدن أخرى لفلسطين ومع قلة عددهم ظلوا يحكمون مدينة يبوس (القدس) قروناً كثيرة قبل أن يتمكن سيدنا داود من الاستيلاء عليها وسجل اليبوسيون مقاومتهم للغزو الإسرائيلي حتى إن ملكهم (آدوني صادق) ترأس حلفاً مع أربعة ملوك لمقاومة المشروع الإسرائيلي بزعامة (يشوع) الذي استطاع الأخير أن ينزل هزيمة نكراء بالحلفاء وبقى نفوذ اليبوسيين قوياً حتى الاحتلال الإسرائيلي الأمر الذي استدعى الملك سيدنا داود إلى شراء الأرض لبناء عليها معبداً.
ويبدو أن اليبوسيين استعادوا استقلالهم ومجدهم مرة أخرى وذلك بعد سقوط دولة يهودا في سنة 586 ق.م. على يد (نبوخذ نصر) وسبى الكثير من اليهود إلى بلاد بابل وقد عمل اليبوسيون جاهدين من منع اليهود من إعادة بناء الهيكل المزعوم الذي دمره نبوخذ نصر.
وكانت لليبوسيين ديانة مميزة هي مزيج من العقائد السامية والحورية وكانت لهم صناعة وتجارة بهروا العالم بها ومع توالي اللسنين انصهروا بالأقوام الأخرى( ).
واليابوسيون دُعوا بذلك نسبة إلى " يبوس" جدهم الأعلى. وكانت منازلهم في مدينة "يبوس" (مما هو جدير بالذكر أن في سورية اليوم قرية تعرف باسم "يبوس" من أعمال" الزبداني" وعلى مسيرة 32 كم منها )وحولها. و"يبوس" هو اسم القدس العربي الكنعاني، أقيمت على الجبل الجنوبي الغربي من القدس الحالية ويعرف اليوم باسم " جبل صَهيون" أو " جبل النبي داود 2550 قدماً-770م". وقد حصن اليبوسيون مدينتهم بسور عظيم كان له الفضل الأكبر في صد هجمات يوشع وقوسه، وبقاء المدنية في يد أصحابها.
ويبدو أن " ملكي صادق" الذي هَنأ إبراهيم عليه السلام على انتصاراته في حروبه ضد "كدَر لَعُومر" العيلامي (عيلام، كانت تقع غربي" فارس" وتمتد إلى الخليج العربي. و"كدر لعومر" من ملوكها الاقوياء. تمكن من فرض سلطته على قسم كبير من بلاد العراق، وذلك قبل أن تمكن حمورابي (نحو 1728-1686 ق.م.) من توحيد العراق تحت سلطته. وفي احدى حروب "كدر لعومر" في فلسطين، أخذ لوط عليه السلام أسيراً إلا أن إبراهيم أدركه بجيش صغير فانتصر عليه واسترد ابن اخيه الأسير) وقدم له ما يلزم من معونة ومأكل ومشروب كان كنعانياً يبوساً من ملوك القدس التي كانت تُدعى في أيامه "شاليم" (شاليم" كان إله السلام عند الكنعانيين. وأول مرة ورد فيه اسم "اورشليم" هو في نقش مصري قديم يرجع إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد. وفي ألواح "تل العارنة"، في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ذكرت القدس باسم "أورسلمو" أو" أروسالم )واعترافاً بفضله قدم له سيدنا إبراهيم عشر أمواله. ويقال إن " ملكي صادق" هذا كان هو وجماعته من المعتقدين بالتوحيد، ويبدو أنه كان من جملة الذين آمنوا بدعوة إبراهيم لعبادة الله.
وعرفنا من اليبوسيين أيضاً:
(أ) ملكهم " أدوني صادق" بمعنى – سيد العدل – الذي قتله اليهود، بقيادة يوشع، في إحدى معاركهم ضد الكنعانيين أصحاب البلاد. وقتل معه ملوك آخرون من حلفائه. ويظهر أن المعركة كانت في جوار قرية " المغار" من أعمال الرملة. ويصف العهد القديم هذه المعركة، بأن يوشع بعد أن أسر هؤلاء الملوك، وكانوا خمسة، أمر قواد جيشه أن يضعوا أرجلهم على أعناقهم إهانة لهم.
( ثم ضربهم يوشع بعد ذلك وقتلهم، وعَلقهم على خمسة خشب وبقوا معلقين على الخشب حتى المساء. وكان عند غروب الشمس أن يوشع أمر فأنزلوهم عن الخشب وطرحوهم في المغارة التي اختبئوا فيها ووضعوا حجارة كبيرة على فم المغارة حتى إلى هذا اليوم عينه ).
(ب) "أرونة" أو "أرنان" اليبوسي من سكان القدس، الذي اشترى منه النبي داود بيدره بست مائة شاقل من الذهب ( قال صاحب قاموس الكتاب المقدس. ح2/166 المطبوع في بيروت عام 1901م (قيمة شاقل الذهب نحو ليرتين عثمانيتين.وكانت قيمة الذهب والفضة في تلك الأيام نحو عشرة أضعاف ما هي الآن) حيث بنى عليه بعد حين، الهيكل المعروف بهيكل النبي سليمان.
ولما دخل سيدنا داود القدس في القرن العاشر قبل الميلاد، قاومه اليبوسيون مقاومة عنيفة إلا أنهم في النهاية غُلبوا على أمرهم وانصاعوا للفاتح الجديد. وفي عهد ولده سيدنا سلميان عومل اليبوسيون معاملة العبيد. وقد بقيت قلة منهم إلى أيام الحكم الفارسي وأيام المسيح عليه السلام. ولم نسمع عنهم بعد ذلك شيئاً.
العناقيون:
كانت منازلهم تمتد من جنوبي الخليل إلى القدس. ونزل بعضهم الساحل فأقاموا في "غزة" و " جَتّ" (جتن بمعنى معصرة. تقوم على بقعتها اليوم قرية "عراق المنشية" الواقعة شمال شرقي غزة وعلى بعد 46 كم منها ) وينسب إليهم بناء "اسدود (دعاها العناقيون باسم "اشدود" بمعنى "حصن" . تقع على الطريق بين يافا وغزة وعلى مسيرة نحو 45 كم من الثانية وعلى بعد خمسة كيلومترات من البحر)
ونذكر من العناقيين " أربع" ويعتبر أعظم رجل ظهر في قومه. وهو باني ومؤسس مدينة الخليل. ونسبة إليه دعيت يومئذٍ "قرية أربع" بمعني "مدينة أربع".
وينسب إلى العناقيين أيضاً بناء "قرية سفر" التي تقوم على بقعتها اليوم "بيت مِرْسِم" على مسافة 12 ميلاً للجنوب الغربي من الخليل. وبلدة "عَناب" وهي قرية "عناب" على بعد ثلاثة أميال غربي قرية "الظاهرية".
واشتهر العناقيون بطول قامتهم وكثرتهم وبأسهم في الحروب، حتى أنهم أرعبوا جواسيس اليهود الذين بعثهم موسى عليه السلام إلى فلسطين لمعرفة أحوالهم وكيفية الدنو منهم والتسرب إليها. ولما دخل اليهود البلاد، بقيادة يوشع، حاربوهم وبعد معارك دامية بين الطرفين انتصروا عليهم وأعملوا السيف فيهم فأبادوهم. والناجون منهم التحقوا بأبناء عمهم في "غزة" و"جَثّ" و"اسدود" و"عاقر" و" عسقلان".

الحوّيّون
شعب لم يرد ذكره في غير التوراة من المصادر القديمة، ولذا أصبحت الروايات التي وردت في الكتب التوراتية المصدر الوحيد الذي استند إليه المؤرخون في محاولتهم تحديد هوية هذا الشعب وصلاته ببقية الشعوب واستنباط ملامح تاريخه ،ولما كانت روايات التوراة في أغلب الأحيان مقتضبة وغير وافية، وفي أحيان أخرى غير واضحة فإن الغموض ما زال يكتنف تاريخ الحوّيين، وستبقى معرفة هذا التاريخ ناقصة إلى حين العثور على مصادر جديدة تلقي ضوءاً على ما خفي من جوانبه .
نسب الحويّون في التوراة إلى كنعان كما نسب اليبوسيون والعموريون والجرجاشيون،فإذا صحت هذه النسبة فإنها تعني أنهم كانوا من الشعوب السامية التي استوطنت بلاد كنعان قل الغزو الإسرائيلي لهذه البلاد ،إلاَّ أن العلاّمة "سبايزر Speiser "يرى أن نسبة الشعب "الحوّي" إلى الساميين لا يمكن قبولها،ويعتقد بأن اسم "حوّي" الذي ورد في التوراة ما هو إلاّ تحريف للاسم "حووئيا" الذي عثر عليه بين الأسماء الحورية في الوثائق الحورية المكتشفة في مدينة نوزي التي كانت المركز الحضاري الرئيس للحوريين في العراق .فإذا قبل ما ذهب إليه سبايزر يكون الحوّيون والحوريون شعباً واحداً ،وبالتالي لا يمكن نسبتهم إلى الشعوب السامية. ومن الذين يؤيدون سبايزر في رأيه هذا العلاّمة "جرنتز Grintz " .
ومما يستند إليه هذان العالمان أيضاً أن لفظ "حوّي" كان يحل محل "حورايت"أي الحوريين، كما يحل الاسم الأخير محل الأول ( )ويشيران كذلك إلى أن الحوّيين كانوا من الغرباء الذين نزحوا إلى البلاد من مناطق نائية( )،وهذا يتفق مع حقيقة أن الحوريين كانوا أيضاً غرباء نزحوا إلى فلسطين من مناطق بعيدة تقع في شمال العراق وبلاد الأناضول، ويرى سبايزر أن الحويّين دخلوا إلى فلسطين مع الجموع التي كانت تعرف بالهكسوس عند مرورها بهذه البلاد في طريقها إلى مصر بين القرنين الثامن عشر والسابع عشر ق.م.
وهناك فريق آخر من الباحثين يعتقد أن الحويّين لم يكونوا غير "الآخيين" اليونانيين الذين ذكروا في الإلياذة وظهروا في الوثائق المصرية باسم "آكيواشا" غير أن هذا الزعم لا يستند إلى دليل واضح ،وبالتالي لا يمكن قبوله
يظهر مما مر بوضوح صعوبة البت في تحديد هوية الحويّين ،وأن أياً من الآراء التي قدمت تنقصها الأدلة المقنعة،مما دفع أغلب المؤرخين إلى الاعتماد في الوقت الحاضر على ما ورد عنهم في التوراة .
كان الحويّين كما ورد في التوراة يقيمون في شكيم (نابلس) وجبعون،وعندما تحالفت شعوب المنطقة من الحثيين والعموريين والكنعانيين والفرزيين للوقوف بوجه الغزو الإسرائيلي خرج الحويّين على هذا الاجماع وحاولوا تجنب الحرب بالتقرب من الإسرائيليين والتوسل إلى يشوع بعدم التعرض لهم ،وأنكر الحوّيون وجود أية علاقة بينهم وبين الشعوب الأخرى ،وادّعوا أنهم غرباء وفدوا من مناطق نائية بعد أن تنكروا بارتداء ملابس بالية وسالمهم يشوع وعفا عنهم ،ثم بدأ يستخدمهم في جمع الحطب ونقل الماء للإسرائيليين. ويبدو أن موقف الحوّيين هذا أثار عليهم غضب الشعوب الأخرى،حتى أن ملك المقدس العموري حاول ضربهم في جبعون ،إلاّ أن الحوّيين استنجدوا بيشوع الذي أسرع لنجدتهم وتتحدث التوراة عن التقارب الشديد بين الحوّيين وبني سيدنا يعقوب،حتى أن شكيم بن حمور الحوّي خطب ابنة سيدنا يعقوب"دينة" لإبنه أملاً في أن تؤدي المصاهرة إلى تقوية ما كان بين بني سيدنا يعقوب والحوّيين من عقاتنووعد شكيم بتسهيل إقامة يعقوب في أراضي الحوّيين ومنحهم حق تملك الأرض والمتاجرة معهم ، واشترط بنو سيدنا يعقوب لقبول ذلك أن يوافق الحوّيون على ممارسة ختن الذكور منهم . وتوجه زعماء الحوّيين بنداء إلى قومهم يدعونهم فيه إلى قبول بني سيدنا يعقوب بينهم والاتجار والتزاوج معهم ،غير أن كل ما فعله الحوّيون لكسب ود الإسرائيليين ،وكل ما قدموه من تنازلات لم يمنع هؤلاء النازحين الجدد من نهب أراضيهم وسلب أغنامهم وأبقارهم وسبي نسائهم واختطاف أولادهم كما ورد في سفر التكوين .( )
والحوّيون كانت منازلهم في نابلس. ثم انتشروا في شمال فلسطين حتى جبل الشيخ وجبل لبنان. وكانت "عيون" أهم مدنهم ويرجح أنها "دِبِّين" من أعمال مرجعيون في جنوبي لبنان. وقد نزل فريق منهم شمالي القدس وأنشأوا " قرية بعاريم"، بمعنى "مدينة الغابات" وهي المعروفة اليوم باسم قرية العنب أو قرية "أبو غوش" على مسافة ثمانية أميال للشمال الغربي من القدس.
عرفنا من "الحويين" "حُمور الحِوِيّ" رئيس مدينة "شكيم –بلاطة نابلس" الذي باع قطعة من أراضية لسيدنا يعقوب عليه السلام. وفي العهد القديم أن "حمور" أغوى "دِينَة" ابنة يعقوب. فغضب لذلك ابناه "شمعون" و"لاوي". وكان أن قتلا "حمور" وولده ونهبا شكيم.
ولما دخل اليهود فلسطين لاغتصابها، حاربهم الحويون كما حاربهم غيرهم من سكان البلاد باستثناء سكان "جِبعون" بمعنى تل تقوم على بقعتها قرية "الجيب" التي ترتفع (710) أمتار عن سطح البحر. تقع شمالي القدس، على مسيرة عشرة كيلومترات منها )الحويين الذي سالموا الأعداء، فكافأهم يوشع بأن جعلهم " محتطبي حطب ومستقى ماء " لقومه. وفي عهد سلميان عومل الحويون معاملة الأرقاء ومن بعده لم نعد نسمع لهم ذكراً يُذكر.

العمالقة
تشمل كلمة العرب في عصرنا العرب جميعاً ، وقد قيل قديماً العرب البائدة، ومنهم ثمود وعاد وطسم وجديس، والعرب الباقية وهم العرب العاربة أي أهل اليمن من سلالة قحطان ، والعرب المستعربة أي أهل الحجاز ونجد وتدمر والبترا من سلالة عدنان من نسل إسماعيل ( ) .
والعمالقة هم أصل العرب القدماء ، أي العرب البائدة ، وقد سكنوا شمال الحجاز وامتد موطنهم من مصر إلى سيناء ففلسطين ، وكان لسانهم اللسان المضري وهو لسان كل العرب البائدة التي تفرقت في شتى البلاد وتنتسب كل القبائل التي بادت قبل الإسلام إلى إرم بن سام ، إلاَّ العمالقة فينتسبون إلى أخيه لاوذ بن سام( ).
عندما خرج سيدنا موسى وقومه من مصر كان العمالقة أول شعب تصادموا معه وقد كانوا شعباً مقاتلاً مما أوقع الرعب في نفوس بني إسرائيل ، واستمرت الحرب سجالاً بينهما حتى أوصى النبي صموئيل الملك شاول أول ملوك بني إسرائيل بقتل العمالقة بنسائهم وأطفالهم : " فالآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما له ولا تعف عنهم ، بل اقتل رجلاً وامرأة ، طفلاً ورضيعاً ، بقراً وغنماً جملاً وحماراً ."
وحاربهم شاول غير أنه لم يتمكن من تنفيذ وصية النبي صموئيل بالقضاء عليهم قضاء مبرماً فأتم المهمة الملك سيدنا داوودوقتل الكثيرين منهم وقد انتهى ذكر العمالقة باندماجهم في القبائل العربية الأخرى بعد القرن الثامن ق.م.( )
غير أن اليهود لم ينسوا اسم العمالقة عبر ألفي سنة ، ففي سنة 1956 لما ابتدأ الفدائيون العرب من قطاع غزة يزرعون الرعب في الأرض المحتلة ويباغتونها ليلاً مما جعل اليهود يختبئون في منازلهم كل غروب ، قال بن غوريون في الكنيست الإسرائيلي :"هؤلاء أبناء العمالقة !! هؤلاء أبناء العمالقة !! "( ).
يرجح أن مدينة العمالقة الرئيسية كانت في منطقة بئر السبع ، ومن الثابت أنهم امتلكوا العديد من المدن والقرى ، وكانوا شعباً مزارعاً ، وفي منطقة نابلس اليوم جبل يدعى جبل العمالقة ( ).
ومما لا شك فيه أن الانتماء إلى العمالقة كان انتماء عز ومجد ، وكان ذكرهم ما زال حياً في الأذهان أيام الفتوحات العربية الإسلامية ، وقد ذكر الواقدي في كتابه " فتوح الشام" ما قاله عمرو بن العاص لقسطنطين بن هرقل قبل فتح قيسارية عن أجداده العمالقة ، وحق العرب في البلاد ( ) .
يروي المؤرخون بعض القصص والأساطير عن أنساب هؤلاء القوم وانتشارهم في البلاد المجاورة وعما اشتهروا به من طول القامة وشدة البأس.
وظهر من خلال بعض هذه الروايات أنها مأخوذة من منابع يهودية تستند إلى ما جاء في أسفار التوراة من أخبار ومن المؤسف أن يقول ليس هناك أية إشارة إلى هؤلاء العمالقة في الكتابات المصرية أو الأشورية أو غيرها من الوثائق القديمة التي يمكن أن تؤيد ذلك ( ).
ويرجع بعض المؤرخون العرب نسب العمالقة إلى جدهم الأعلى عميلق بن لاوذ بن سام بن نوح ولكن التوراة لا تذكر لاوذ بن سام البتة وإنما تقول ((كانت تمناع سرية لاليفاز بين عيسو (العص) فولدت لالفياز عماليق)) وهنا يجب ملاحظة أن الكتبة الذين دونوا أسفار التوراة كانوا يشعرون بالنقمة والحقد على العمالقة فلم يدخروا جهداً في الحط من شأنهم وتشويه سمعتهم ((عماليق أول الشعوب وأما آخرته الهلاك))( ) ويقصد بذلك أن العمالقة كانوا أول شعب أذوا من بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر بقيادة سيدنا موسى في أوائل القرن الثالث عشر قبل الميلاد وكان العمالقة يسكنون في جنوب فلسطين أي (سيناء والنقب) وفي حين كان الحيثيون واليبوسيون والآراميون يسكنون في الجبال والكنعانيون عند سواحل البحر وعلى جانب الأردن( ).
كما تجرد الإشارة إلى ما ورد في سفر التثنية بشأن العمالقة ((اذكر ما فعله بك عماليق في الطريق عند خروجك من مصر كيف لاقاك في الطريق وقطع من مؤخرك كل المستضعفين وراءك وأنت كليل متعب فمتى أراحك الرب إلهك من جميع أعدائك حولك تمحو ذكرى عماليق من تحت السماء لا تنس))( ).
ويبدو أن العمالقة عقدوا تحالفات شتى من أجل الدفاع وظلوا يدافعون عن بلادهم ومقاومة المحتلين الإسرائيليين وسجل تحالفهم مع سائر القبائل العربية من مآبيين وعمونيين ومدنيين وقد استطاع عجلون ملك مآب أن يجمع إليه بني عمون وعماليق ويسترجع من الإسرائيليين مدينة النخل أي أريحا.( )
ويتجلى حقد الإسرائيليين على العماليق في العبارات التالية الواردة في سفر صموئيل الأول مخاطباً الملك شاول طالوت ((هكذا يقول رب الجنود: إني قد افتقدت ما عمل عماليق بإسرائيل حين وقف له في الطريق عند صعوده من مصر فالآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ماله ولا تعف عنهم بل اقتل رحلاً وامرأة وطفلاً رضيعاً بقراً وغنماً جملاً وحماراً))( )
وقد جاء شاول إلى مدينة عماليق التي لم يذكر اسمها ولا حدد موقعها وضرب العمالقة في أراضيهم بين حويلة وبرية شور أي في المنطقة الممتدة من حدود نجد إلى غرب سيناء المتاخم لمصر.
ونهب شاول أموال العمالقة وأمسك ملكهم أجاج ولكنه خلافاً لأوامر صموئيل لم يقتل الملك كما أنه احتفظ بكل جيد من الغنم والبقر والخراف وبذلك استحق غضب صموئيل الذي قطع بيده رأس أجاج( ).
بالرغم من تغلب شاول على العمالقة لم يتوقفوا عن قتال الإسرائيليين ومحاربتهم وسجل في عهد سيدنا داوود هجوم العمالقة على مدينة صقلغ شمال بير السبع (في موقع تل الخويلفة) وغنموا وسبوا فأسرع سيدنا داود إلى تعقبهم واستطاع ضربهم في وادي البسور (منطقة وادي غزة الآن) فلم ينج منهم سوى 400 غلام تمكنوا من الفرار واستطاع سيدنا داود القضاء على العمالقة وأنقذ امرأتيه من بين السبايا( ).
وفي عهد حزقيا ملك يهودا (727-699 ق.م.) ذهب فريق من بني شمعون إلى جبل سعير وقضوا على بقايا العمالقة وسكنوا أراضيهم ولم تقم منذ ذلك التاريخ للعمالقة قائمة ويرد المؤرخون ذلك إلى سببين:
1-ضعف وانحطاط العمالقة الذين أصيبوا بالوهن بعد الحروب التي خاضوها مع شاول و سيدنا داود.
2-احتلال حلفاء إسرائيل للقطاع الشرقي من صحراء سيناء.
ومن الأهمية بمكان أن نشير هنا أن النبي بلعام قد تنبأ بانقراض العمالقة وانطفاء سلالتهم( ).
يستدل من روايات التوراة أن العمالقة كانت لهم مستوطنات في جنوب فلسطين حول بجوار مدينة قادس برنيع والبتراء وجبال سعير كما كانوا يسيطرون على طريق القوافل التجارية الآتية من جزيرة العرب إلى إيلات وغزة ومصر وقد وقفوا في وجه الإسرائيليين الذين جاؤوا من مصر للاستيلاء على ممتلكاتهم فتحالفوا مع المدينين وبني المشرق للدفاع عن بلادهم وظلوا يقاومونهم ويحاربونهم من عهد سيدنا موسى في القرن الثالث عشر قبل الميلاد حتى عهد حزقيا في أواخر القرن الثامن قبل الميلاد( ).
ويعرف العمالقة أنهم والكنعانيون شعب واحد، كما قال الطبري. وكانت بلادهم تقع في جنوبي فلسطين وفي الأراضي الكائنة إلى الغرب والشمال الغربي من " البتراء" وفي "سيناء".
وقد روى الإخباريون عنهم قصصاً عن كبر أجسامهم وطولهم وعن أبنيتهم وقدمهم. ولا تزال قصصهم هذه تروى حتى اليوم.
لعل "الجِرَزيين" و" الجَشُّوريين" الذين كانوا يقطنون في وقت ما، الأراضي الواقعة بين جنوبي فلسطين ومصر وبلاد العرب يعودون بنسبهم إلى هؤلاء العمالقة. والظاهر أن "جبل جِرِزِّيم" أحد الجبلين المقامة عليهما مدينة نابلس دُعي بذلك نسبة إلى " الجرزيين" الذين نزلوه في العصور السالفة. كما أن جماعة أخرى من العمالقة نزلت نابلس وعمَّرتها، بدليل أن هناك جبلاً نسب إليهم وكان يُدعى "جبل العمالقة ". ومن المدن التي تقع على جبل العمالقة هذا مدينة " فِرْعَتُون" والمعروفة اليوم باسم "فَرْعتَا"، على مسافة عشرة كيلومترات غربي نابلس.
وكان العمالقة يملكون عدداً من القرى والمدن، وقد عنوا بحراثة الأرض وزراعتها، كما عنوا بتربية الماشية والأنعام.
والأرجح أن لفظة "أجاج (ربما معناها "متأجج" أو " عنيف )كانت اسماً عاماً لملوك العماليق، كما كان فرعون اسماً عاماً لملوك مصر . ولما جيء بأحد ملوكهم أسيراً إلى " صموئيل "، أحدد قضاة اليهود أمر بتقطيعه إرباً إرباً . وكان ذلك في " جِلْجُلْيَة" على مسيرة كيلومترين شرقي أريحا.
ولما كانت الطرق التجارية المارة بالعقبة والمنتهية عند غزة ومصر تمر في بلادهم وتحت حمايتهم فالراجح أنهم أثروا من مرور القوافل في بلادهم.
وقد اكتشف، في القرن الماضي، في "عين القديرات"( تقع هذه العين على نحو ثلاثة أميال شرقي "القصيمة" بالقرب من الحدود الفلسطينية المصرية )آثار دلت على وجود قلعة كنعانية ترقى إلى الألف قبل المسيح، وبالطبع ليس من غاية لهذه القلعة المشيدة في أراض صحراوية إلا المحافظة على الطريق التجارية الواصلة بين مصر والبحر الأحمر، عن طريق العمالقة.
لا نعرف أين كانت تقع المدينة الرئيسية للعمالقة في جنوبي فلسطين. والأرجح أنها كانت في مكان ما في بلاد بئر السبع. حاربهم " كِدِرْ لعومَر" العيلامي إبان غزوته للبلاد في القرن الثامن عشر قبل الميلاد.وهم أول من صدم اليهود حينما حاولوا اغتصاب البلاد، وظلوا يحاربونهم ويكبدونهم خسائر كبيرة،وأوقعوا الرعب في نفوسهم حتى أنهم أسروا في احدى معاركهم جميع من قاتلهم من اليهود. فكانوا مصدراً لمتاعب المغيرين طوال المدة التي كانوا يعسكرون أثنائها في منطقتهم.
وقد ساعدوا " عِجْلون " ملك المؤابيين في اخراج اليهود من أريحا كما كانوا كثيراً ما يغيرون بالاتفاق مع " المَدْينيين " ، الآتي ذكرهم، وغيرهم على مزروعات اليهود فيتلفونها ويغنمون مواشيهم وحيواناتهم. وكان "سهل زرعين" أكثر مناطق اليهود تعرضاً لهذه الغارات التي كانت تمتد إلى غزة.
أزعج العمالقة اليهود إزعاجاً بالغاً مما جعلهم يعملون للانتقام منهم. فحاربهم" شاول – طالوت"وانتصر عليهم. وفي هذا يقول العهد القديم: " وقال صموئيل لشاول... إضرب عماليق وحَرمِّوا كل ما له ولا تعف عنهم بل اقتل رجلاً وامرأة. طفلاً ورضيعاً وبقراً وغنماً وجملاً وحماراً "، وأعلن من بعده سيدنا داود الحرب عليهم وذبح الكثيرين منهم. فالضربات الكثيرة التي أنزلها بهم اليهود أدّت إلى انقراض اسمهم ولم نعد نسمع عنهم شيئاً بعد القرن الثامن قبل الميلاد. ويبدو أنهم، كغيرهم من القبائل الكنعانية، اندمجوا في الشعوب والقبائل العربية الأخرى.
الفِرَزِيون:
لعلهم من الكنعانيين. كانوا يقطنون القرى. وفي أيام سيدنا سليمان بن سيدنا داوود عوملوا معاملة العبيد ولم يُسمع لهم اسم بعد القرن الخامس قبل الميلاد.
العويون:
ومن سكان فلسطين القدماء قبيلة كانت تُدعى "أليفيم" ، ذكرها الدبس بقوله: "... وكانوا (الأليفيم) يسكنون السهول الواقعة في الجنوب الغربي من فلسطين إلى غزة. ويظهر أنهم "العويون" الذين قال فيهم سيدنا موسى (تثنية 2 عدد 23) "العويون المقيمون بالقرى إلى غزة، أبادهم الكفتوريون الخارجون من كفتور وأقاموا مكانهم( )"
ويذكر المطران الدبس بأن كفتور هي كريت الكفتوريون هم الفلسطينيون .
الجرجاشيون
من الأقوام السامية التي استوطنت أرض كنعان (فلسطين) قبل الغزو الإسرائيلي وتردد اسم الجرجاشيين في عدد من أسفار التوراة حيث اُعتبروا من سلالة كنعان( ) ولذلك يرجح بعض الباحثين أنهم كانوا من الشعوب السامية ولم تحدد التوراة مناطق إقامتهم في فلسطين وهناك من يعتقد أنهم كانوا يقيمون في المنطقة الجبلية المحيطة بمدينة القدس وأن لهم صلة باليبوسيين سكان هذه المدينة التي تعرف باسم يبوس، بيد أن هناك من يرى في صيغة اسمهم التي وردت في التوراة ما يشير إلى رجوعهم إلى أصل حورى فإذا صح هذا الرأي كان الجرجاشيون من الشعوب غير السامية التي كانت مستقرة في فلسطين كالحثيين والحوريين إلى جانب الشعوب السامية كالكنعانيين والعموريين قبل مجيء الإسرائيليين.
ويرجح علماء التاريخ أن المصريين أشاروا إلى الجرجاشيين باسم كركاسي الذي ورد في قائمة كشفت عنها في مصر تضم أسماء الشعوب التي وقفت إلى جانب الحثيين في حربهم ضد الملك المصري رعمسيس الثاني.
بكل ما تقدم ما زال تبايناً واضحاً في تحديد هوية الجرجاشييين القومية ولعل أكثر الآراء قبولاً في ضوء ما يتيسر من الأدلة في الوقت الحاضر هو الرأي القائل إنهم من الشعوب السامية.
وكان الجرجاشيون على ما يبدو ( ) من الشعوب التي حاولت الوقوف في وجه الغزو الإسرائيلي إلا أنهم وقعوا أخيراً تحت نفوذهم وسلبت أراضيهم كما سلبت أراضي الشعوب الأخرى( ).
و الجِرْجاشيون"من القبائل الكنعانية التي نزلت بلاد الشام وكانت منازلهم شرقي بحيرة طبرية، تمتد إلى الجليل والكرمل واليهم نسبت بحيرة طبرية ودعيت باسم "بحيرة الجرجشيين" . وذكر بعضهم أنهم هم الذين أسسوا عكا. و"الصيدونيون" في صيدا (اسمها القديم "صيدون" بمعنى الصيد وصيد السمك).
السينيون:
وفي شمالهم "السينيون" وكانوا يسكنون مدينة "سينا" أو "شينا" فوق "البترون" ولا يعلم محلها الآن .
العرقيون:
وكانوا يقيمون في جهات "عَرْقَة" شمالي طرابلس الشام.
الحماثيون
و"الحماثيون" في ناحية "حماة" و"الآرواديون" في جزيرة أرواد وجوارها .

الفنينيقيون
الفنيقيون هم من الأقوام السامية سكنوا الشاطئ الفينيقي الممتد من مصب نهر العاصي شمالاً إلى دور (حالياً الطنطورة) في شمال فلسطين ويرجع تسميتهم بالفينيقيين إلى اليونان حيث سموا بهذا الاسم لاكتشافهم الصباغ الأحمر منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد ومن الجدير بالذكر أن أهالي تلك المنطقة من قبل يعرفون بالكنعانيين وتشير الدلائل التاريخية والأثرية إلى أن الفينيقيين هم مزيج من الكنعانيين القدماء والعناصر الإيجية التي شنت عدة حملات على المدن الكنعانية على الساحل بعد أن طرد الدوريون الإيجيين من بلادهم في القرن الثاني عشر قبل الميلاد فالنصوص المصرية تشير إلى تحرك الإيجيين وتسميهم أهل البحر.
منذ أواسط القرن الثاني عشر قبل الميلاد قامت مدن فينيقية كثيرة أهمها أرواد وبيروت وجبيل وصور وأخذت تتبادل التجارة مع اليونان وشمال إفريقيا وأسست مدناً جديدة مثل أوتكا وقرطاجة في شمال إفريقيا وكان الفينيقيون يمقتون الحرب ويفضلون التجارة في جو سلمي ومثال ذلك المعاهدة التي أبرمها احيرام ملك صور مع سيدنا سليمان ملك إسرائيل كما أن اتوبعل ملك صيدا أقام علاقات تجارية وثقافية متينة مع آخاب ملك إسرائيل.
وبالرغم من أن صور وصيدا تفوقتا في تجارتهما على مدينة جبيل فقد ظلت هذه أهم المدن الفينيقية من الوجهة الدينية والثقافية كما يسجل أن أحرف الهجاء أخذها اليونان من مدينة جبيل.
أخذت أغلب أسماء ملوك المدن الفينيقية من تاريخ مناندر وإما من التوراة فقد وردت بعض أسماء الملوك كربعل وأبي بعل والى بعل ويهو ملك ملوك جبيل وأما عن ملوك مدينة صور فالمعلومات عنها أوسع ابتداء من حيرام الذي كان معاصراً للملك سيدنا سليمان ملك إسرائيل إلى خلفائه بعل صور وعبد عشتارت واتوبعل الذي زوج ابنته جزيل لآخاب ملك إسرائيل كما أن عثاليا بنت جزيل وآخاب تزوجت من يهوزام ملك اليهودية.
أما أسطورة تأسيس مدينة قرطاجة ففيها شيء من الغموض ولم يعثر على أي شيء يؤيدها ذلك .
بسطت المملكة الأشورية سيطرتها على المدن الفنيقية وأرغمتها على دفع الجزية بعد معركة قرقر سنة 853 ق.م..
وقد أقيمت النصب التذكارية عند مصب نهر الكلب تخليداً لانتصارهم على الملوك الفنيقيين دون فيه أسماء ملوك أرواد وجبيل.
وعملت مصر جاهدة على تحريض الفينيقيين للثورة ضد الآشوريين إلا أنها أخفقت وظل الأمر على هذه الحال إلى أن قوض البابليون المملكة الآشورية فاستعادت المدن الفينيقية استقلالها ورحبت بقدوم فرعون مصر نخو الثاني إلا أن الفرحة لم تكتمل وبعد معركة كركميش في سنة 605 ق.م. التي قهر فيها نبوخذ نصر ملك بابل نخو الثاني وقعت فينيقية تحت نير البابليين وبقيت ترزح تحت الحكم البابلي حتى جاء قورش ملك الفرس الذي احتل بابل سنة 538 ق.م. فأصبحت فينيقية تحت الحكم الفارسي.
قسم دارا الأول الإمبراطورية الفارسية إلى عشرين مقاطعة يحكم كل واحدة مها مرزبان وكانت احدى المقاطات فينيقية وسورية وعرف بالمقاطعة الخامسة وفي بادئ الأمر تعاون الفينيقيون مع الفرس وساعدوهم في حروبهم مع اليونان وعين ملك صيدا أميراً على الأسطول الفارسي ثم ثاروا عليهم في أواخر القرن الخامس وأوائل القرن الرابع عشر قبل الميلاد.
ولما جاء الإسكندر المقدوبي في سنة 333 ق.م. فتحت له المدن الفينيقية أبوابها إلا مدينة صور التي أعربت عن رغبتها في أن تبقى على الحياد في الصراع القائم بين اليونان والفرس فاستجاب الإسكندر برغبة مدينة صور ولكنه أصر على أن يدخل معبد ملقارت ويقدم القرابين فلما رفض الصوريون هاجمهم الإسكندر وحاصر جزيرتهم ودخل المدينة وقتل الكثير من سكانها وأسر الآخرين.
وفي زمن الإسكندر حافظت المدن الفينيقية على حكمها الذاتي ولكنها تأثرت بالمدينة الهلنستية خصوصاً في الهندسة وفي عهد الإسكندر شهدت المدن الفينيقية بمعارك كثيرة.
واحتفظت مصر بالمدن الفينيقية جتى معركة بانيون في سنة 198 ق.م. التي قهر أنطوخيوس الثالث الملك السلوقي بطليموس الخامس وجرده من فينيقية وأصبحت المدن الفينيقية فيما بعد تابعة للملوك السلوقيين ثم اكتسبت المدن الفينيقية استقلالها الذاتي الواحدة تلو الأخرى وأخذت تضرب مسكوكاتها عن سلطة الملوك السلوقيين حتى سنة 64 ق.م. حينما جاء القائد الروماني بومبيوس وحول فينيقية إلى مقاطعة رومانية.
في عهد الرومان ازدهرت التجارة والصناعة في فينيقية واخترع في صيدا الزجاج المنفوخ وظهر أثر ذلك في ثقافة المدن الفينيقية.
كان الفينيقيون يعبدون عدداً كبيراً من الآلهة التي ورثوها عن الكنعانيين ففي مدينة جبيل كانت الآلهة بعلة جبيل وبعل رشف أدونيس وفي صيدا كان الإله المفضل أشمون أدونيس وفي صور ملقارت وفي أرواد بعل إيم وأما عشتارت فكانت تعبد في جميع المدن الفينية وقد انتشرت النصرانية في فينيقية منذ نشأتها وأصبحت لفينيقية أهمية خاصة بعد نقل العاصمة الرومانية إلى القسطنطينية لأنها غدت واقعة على الطريق بين العاصمة الرومانية والبلاد المقدسة.
اشتهر الفينيقيون بالتجارة وورثوا عن الإيجيين سيطرتهم على البحار فأصبحوا تجاراً في مصر والبابليين والأشوريين والآراميين من جهة واليونان وشمال إفريقية وجزيرة صقلية وإسبانيا من جهة أخرى.
وسيطروا لمدة ثلاثة قرون بكاملها (من القرن الحادي عشر حتى القرن الثامن عشر قبل الميلاد) على مياه البحر المتوسط بدون منازع وكانت أغلب تجارتهم مع بلاد اليونان ولكن منذ القرن السابع أخذ اليونان ينافسون الفينيقيين فاضطر الفينيقيون إلى اللجوء إلى القسم الغربي من البحر المتوسط وأصبحت قرطاجة محور ومركز تجارتهم.
كانت الصناعة الفينيقية قليلة لأن الفينيقيين كانوا يتاجرون بمصنوعات البلاد المجاورة لا بمصنوعاتهم وكانوا ماهرين في صناعة السفن ويستخرجون اللون القرمزي من صدف الموركس ويصبغون به الملابس وأهم صناعاتهم صناعة الزجاج واشتهروا بحفر العاج واتقنوا صناعة النحاس وعملوا كذلك في الزراعة.
تأثرت فينيقية بفنون البلاد المجاورة لوقوعها بين بلاد الحضارات العظيمة مثل مصر والعراق والأناضول ففي النحت قلد الفينيقيون الأساليب المصرية ولكن الأشخاص المنحوتة تبدو أكثر حركة وقد عثر على نصب للإله بعل في عمريت (مرثوس قديماً) يبدو فيه تأثير الفن البابلي والمصري والحوري وعثر في جبيل على نصب للملك يهو ملك وهو يقدم القرابين إلى بعلت جبيل ويعود هذا النصب إلى العصر الفارسي وكذلك وجدت مقاعد حجرية في موقع أم العمد في جنوب لبنان تعود إلى العصر الهلنستي.
كان الفينيقيون منذ العهد الفارسي يضربون المسكوكات الفضية في صور وصيدا وجبيل وأرواد وفي العصور المتعاقبة اكتسبت أغلب المدن الفينيقية الحكم الذاتي وحق ضرب المسكوكات النحاسية وفي أغلب الأحيان استعملوا رموزاً على مسكوكاتهم تمثل الآلهة والشعائر الدينية.
وهنالك أدلة تشير إلى أن الفينيقيين كانوا يعتقدون بحياة بعد الموت فقد كانوا يعتنون بموتاهم غاية الاعتناء فيدفنون مع الميت أغلب ممتلكاته من حلي وأسلحة وفي العصر الفارسي أخذوا يضعون في القبور بعض المسكوكات وفي موقع قرب صيدا وجدت مقبرة لملوك الفارسيين وتدل التوابيت الحجرية مثل تابوت تبنيت وتابوت الملك أشمون عزار على تأثير مصري في دفن موتاهم ويدل بعضها الآخر مثل تابوت الإسكندر وتابوت النائحات على تأثير يوناني هذا عدا التوابيت المصنوعة من المرمر التي وجدت في القبور المعروفة بالموسوليا نسبة إلى موسولس ملك كاريا وكان هو أول من استعمل هذا النوع من القبور وهو قبر منحوت بالصخر تحت الأرض وفوقه بناء كبير بأشكال مختلفة منها ما هو هرمي ومنها ما هو أسطواني مثل القبور المعروفة بالمغازل في قرية عمريت وفي العهد الروماني درج استعمال التوابيت الحجرية المصنوعة من المرمر وكانوا ينحتون في جوانبها وأطرافها مشاهد من الأساطير (الميتولوجيا) اليونانية.
وكان الفينيقيون يستعملون الحجارة المنحوتة من الطوب في بنائهم وابتكروا الطراز المعروف ببيت هيلاني في بناء قصورهم ومعابدهم.
وبعد قدوم الإسكندر أخذت المعابد طابعاً هلنستياً فأقيمت عدة معابد على الطراز اليوناني غير أن جميع هذه المعابد أعيد بناؤها في العهد الروماني ولم يبق منها إلا الأعمدة والحجارة التي استعملها الرومان ثانية في معابدهم.
والمعابد الرومانية في فينيقية منقولة عن المعابد الرومانية في أوربا وتختلف عنها بفارق واحد هو إقامتها ضمن باحة واسعة ومسورة وكثيراً ما تظهر صور لهذه المعابد على المسكوكات الفينيقية وفي العهد البيزنطي أقيمت كنائس في أغلب المدن الفينيقية منقولة عن الكنائس في القسطنطينية ورافنا في إيطاليا.
وعند الفتح العربي اصطبغت فينيقية بصيغة عربية وزالت شخصيتها الفينيقية التي أصبحت جزءاً من الوطن العربي( ).







المراجع
1- مجلة المتقطف عدد تموز 1944
2- مصطفى مراد الدباغ ،بلادنا فلسطين" ،بيروت،دار الطليعة،1965 ، الجزء الأول ،القسم الأول ص378
3- حسن ظاظا ،"الساميون ولغاتهم: تعريف بالقرابات اللغوية والحضارية للعرب" ،القاهرة ،دار المعارف 1971 ص15
4- أحمد سوسة:"العرب واليهود في التاريخ:حقائق تاريخية تظهرها المكتشفات الآثارية" ،بغداد،وزارة الإعلام-مديرية الثقافة العامة،1972 ،المقدمة ،ص ل-م
5- مصطفى مراد الدباغ ،بلادنا فلسطين" ،بيروت،دار الطليعة،1965 ، الجزء الأول ،القسم الأول ،ص381
6- تاريخ سورية للمطران الدبس. المجلد الأول، الجزء الأول ص255. طبع بيروت 1893م. وهو في الأصل منقول عن "بليني" المؤرخ الروماني الذي ظهر في القرن الأول للميلاد
7- أنيس فريحة :"أسماء المدن والقرى اللبنانية وتفسير معانيها :دراسة لغوية"،سلسلة العلوم الشرقية–الحلقة السابعة والعشرون،بيروت،الجامعة الأمريكية-منشورات كلية العلوم والآداب 1956
8- تاريخ لبنان للأب مرتين اليسوعي ص 277- بيروت مطبعة الآباء اليسوعيين 1889م
9- أمين الريحاني ،:"قلب لبنان" ص 433- طبع دار ريحاني للطباعة والنشر- بيروت 1958
10- مقدمة ابن خلدون،بيروت،دار الرائد العربي،ط1402هجري،1982 م ، 1/9
11- تفسير الطبري، 1/203 طبع دار الفكر القاهرة 2001
12- تفسير الطبري ، 1/207 طبع دار الفكر القاهرة 2001
13-تفسير الطبري ، 1/204 طبع دار الفكر القاهرة 2001
14- مجلة الخليج العربي ص 169
15- مقدمة ابن خلدون،بيروت،دار الرائد العربي،ط1402هجري،1982 م 1/44
16- مقدمة ابن خلدون،بيروت،دار الرائد العربي،ط1402هجري،1982 م 2/07
17- مقدمة ابن خلدون،بيروت،دار الرائد العربي،ط1402هجري،1982 م ، 1/10
18- تاريخ مصر من أقدم العصور إلى الفتح الفارسي ، تأليف جيمس هنري برستد ـ ترجمة د.حسن كمال، القاهرة 1347هـ : 1929م
19-محمد كرد علي- خطط الشام، 1/85 دمشق 1925
20-الكتاب المقدس -سِفرالتكوين، 10:19
21- الكتاب المقدس -سِفر يشوع،11:03
22- الكتاب المقدس -سِفر العدد، 13:29
23- الكتاب المقدس -سِفر القضاة-الاصحاح الأول
24- قاموس الكتاب المقدس:2/268 بيروت 1901م
25-أمين الريحاني :" قلب لبنان" ص 429-430 -طبع دار ريحاني للطباعة والنشر- بيروت 1958
26- مقدمة ابن خلدون،بيروت،دار الرائد العربي،ط1402هجري،1982 م:1/11
27- مقدمة ابن خلدون،بيروت،دار الرائد العربي،ط1402هجري،1982 م 1/18
28- أبو الحسن المسعودي :"مروج الذهب ومعادن الجوهر"،2/119 القاهرة 1958
29- أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن علي :"المختصر في أخبار البشر". ج1، المطبعة الحسينية بمصر 1325.ص 97
30- الموسوعة الفلسطينية –القسم العام في أربعة مجلدات (المجلد الثالث ،الطبعة الأولى 1984،ص667-670
31- أنيس فريحة :"أسماء المدن والقرى اللبنانية وتفسير معانيها :دراسة لغوية"،سلسلة العلوم الشرقية –الحلقة السابعة والعشرون،بيروت،الجامعة الأمريكية-منشورات كلية العلوم والآداب 1956 ،المقدمة ،ص XVIII، XIX
32- أنيس فريحة :"أسماء المدن والقرى اللبنانية وتفسير معانيها :دراسة لغوية"،سلسلة العلوم الشرقية –الحلقة السابعة والعشرون ،المقدمة، صXXII
33- أحمد سوسة :"العرب واليهود في التاريخ:حقائق تاريخية تظهرها المكتشفات الآثارية" ،ص10
34- مصطفى مراد الدباغ ،بلادنا فلسطين" ،بيروت،دار الطليعة،1965 ، الجزء الأول ،القسم الأول ، ص387
35- أحمد سوسة :"العرب واليهود في التاريخ:حقائق تاريخية تظهرها المكتشفات الآثارية" ،ص10
36- مصطفى مراد الدباغ ،بلادنا فلسطين" ،بيروت،دار الطليعة،1965 ، الجزء الأول ،القسم الأول ،ص486
37- أحمد سوسة :"العرب واليهود في التاريخ:حقائق تاريخية تظهرها المكتشفات الآثارية" ،ص26
38- أحمد سوسة :"العرب واليهود في التاريخ:حقائق تاريخية تظهرها المكتشفات الآثارية" ، ص13-16
39- أحمد سوسة :"العرب واليهود في التاريخ:حقائق تاريخية تظهرها المكتشفات الآثارية" ، ص11-33
40- مصطفى مراد الدباغ ،بلادنا فلسطين" ،بيروت،دار الطليعة،1965 ، الجزء الأول ،القسم الأول " ،ص420-461
41-راجع بشأن أنواع الحبوب والفاكهة والأشجار الكنعانية :
- مصطفى مراد الدباغ ،بلادنا فلسطين" ،بيروت،دار الطليعة،1965 ، الجزء الأول ،القسم الأول ،ص462-468
- عز الدين المناصرة ،"الكانعانياات" ،بيروت، الدار العالمية 1983
42- مصطفى مراد الدباغ ،بلادنا فلسطين" ،بيروت،دار الطليعة،1965 ، الجزء الأول ،القسم الأول ،ص462-488
43- إسرائيل ولفنسون: تاريخ اللغات السامية- القاهرة 1929
44- مصطفى مراد الدباغ ،بلادنا فلسطين" ،بيروت،دار الطليعة،1965 ، الجزء الأول ،القسم الأول
45- فيليب حتي: تاريخ سورية ولبنان وفلسطين- بيروت 1957
46- عز الدين غربية: فلسطين تاريخها وحضارتها- بغداد 1981
47- الموسوعة الفلسطينية: القسم العام في أربعة مجلدات- المجلد الرابع (ل-ي)- الطبعة الأولى 1984.إصدار هيئة الموسوعة الفلسطينية-ص47-49
48- متحف الآثار الفلسطيني-القدس عام 1937 م، ص75
49- متحف الآثار الفلسطيني-القدس عام 1937 م، ص131
50- تاريخ سورية للمطران الدبس. المجلد الأول، الجزء الأول ، طبع بيروت 1893م 367
51- متحف الآثار الفلسطيني-القدس عام 1937 م، ص127
52- قاموس الكتاب المقدس 1/406
53- فراس سواح –آرام دمشق وإسرائيل –منشورات دار علاء الدين –الطبعة الخامسة 2002
54- محمد أديب العامري – عروبة فلسطين في التاريخ –المكتبة العصرية –بيروت –الطبعة الأولى 1972
55-الكتاب المقدس –سِفر التكوين 14/18-20)
56- الكتاب المقدس -سفر القضاه - الآية 10)
57-الكتاب المقدس- سفر يشوع 16/63
58- أحمد سوسة: العرب واليهود في التاريخ- بغداد 1972
59- مصطفى مراد الدباغ ،بلادنا فلسطين" ،بيروت،دار الطليعة،1965 ، الجزء الأول ،القسم الأول –ص316
60- الموسوعة الفلسطينية: القسم العام في أربعة مجلدات- المجلد الرابع (ل-ي)- الطبعة الأولى 1984- إصدار هيئة الموسوعة الفلسطينية- صـ625-626
61- الكتاب المقدس -الإصحاح العاشر من سفر يشوع:26-27
62-الكتاب المقدس- سفر التكوين (2:36)
63- الكتاب المقدس -سفر يشوع (6:9)
64- أحمد سوسة ،"العرب واليهود في التاريخ"،بغداد 1972
64- الكتاب المقدس- سفر يشوع، الإصحاح التاسع 27
66- فيليب حتي، وإدوارد جرجين وجبرائيل جبور "تاريخ العرب (مطول)" ، بيروت ندار الكشاف ، الطبعة الثالثة 1961 ، الجزء الأول ، ص39
67- أحمد سوسه ،العرب واليهود في التاريخ: حقائق تاريخية تظهرها المكتشفات الآثارية" ، بغداد ، وزارة الإعلام-مديرية الثقافة العامة1972 ، ص485-486.
68- مصطفى مراد الدباغ، "بلادنا فلسطين" ، بيروت ، دار الطليعة 1965 ، الجزء الأول ، القسم الأول ، ص401.
69- عجاج نويهض ،" بروتوكولات حكماء صهيون" ، بيروت ، منشورات فلسطين المحتلة ، الطبعة الثانية 1980، المجلد الثاني ، ص27.
70- مصطفى مراد الدباغ ،بلادنا فلسطين" ،بيروت،دار الطليعة،1965 ، الجزء الأول ،القسم الأول ، ص399.
71- بيان نويهض الحوت ،"فلسطين –القضية*الشعب*الحضارة-(التاريخ السياسي من عهد الكنعانيين حتى القرن العشرين)"، دار الاستقلال للدراسات والنشر، بيروت1991، ص52.
72- جواد علي: "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"- ج1- بيروت 1976
73- الكتاب المقدس-سفر العدد 24/2.
74- جورج بوست: قاموس الكتاب المقدس- بيروت 1971
75- الكتاب المقدس-سفر التثنية 25/17-19
76- الكتاب المقدس-سفر القضاء 13/3
77- الكتاب المقدس -سفر صموئيل الأول 15/2-3.
78- مصطفى مراد الدباغ ،بلادنا فلسطين" ،بيروت،دار الطليعة،1965 ، الجزء الأول ،القسم الأول
79- الكتاب المقدس-سِفر صموئيل الأول 30/17-18
80- الكتاب المقدس –سِفر صموئيل الأول 24-30.
81- الموسوعة الفلسطينية: القسم العام في أربعة مجلدات- المجلد الثالث (ص-ك)- الطبعة الأولى 1984- إصدار هيئة الموسوعة الفلسطينية- صـ325-326.
82- قاموس الكتاب المقدس:2/113
83- قاموس الكتاب المقدس:1/37
84- الكتاب المقدس : سِفر صموئيل الأول 15-33
85- الكتاب المقدس ،صموئيل الأول: 1-4
86- تاريخ سورية للمطران الدبس. المجلد الأول، الجزء الأول - طبع بيروت 1893م. وهو في الأصل منقول عن "بليني" المؤرخ الروماني الذي ظهر في القرن الأول للميلاد-ص152
87 - تاريخ سورية للمطران الدبس. المجلد الأول، الجزء الأول -طبع بيروت 1893م. وهو في الأصل منقول عن "بليني" المؤرخ الروماني الذي ظهر في القرن الأول للميلاد-ص 110
88- الكتاب المقدس-سفر التكوين 16:10
89- الكتاب المقدس-سفر يوشع (24:11)
90- الموسوعة الفلسطينية: القسم العام في أربعة مجلدات- المجلد الثاني- (ج -ش)- الطبعة الأولى 1984- إصدار هيئة الموسوعة الفلسطينية- ص34
91- تاريخ سورية للمطران الدبس. المجلد الأول، الجزء الأول - طبع بيروت 1893م. وهو في الأصل منقول عن "بليني" المؤرخ الروماني الذي ظهر في القرن الأول للميلاد-ص 113
92- الموسوعة الفلسطينية: القسم العام في أربعة مجلدات- المجلد الثالث (ص-ك)- الطبعة الأولى 1984- إصدار هيئة الموسوعة الفلسطينية- ص487-489
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف