الأخبار
2024/5/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

اللغة الدبلوماسية فن حديث ومهارة متكلم بقلم: محمود توفيق زكارنة

تاريخ النشر : 2005-12-14
اللغة الدبلوماسية فن حديث ومهارة متكلم بقلم: محمود توفيق زكارنة
اللغة الدبلوماسية

" فن حديث ومهارة المتكلم"

بقلم محمود توفيق زكارنة

أشار الأوربيون في أمثالهم حول الدبلوماسية والدبلوماسيين إلى عناصر التورية الرشيدة والعبارات الحذرة في خطاب الدبلوماسيين فقالوا : "عندما يقول الدبلوماسي ( نعم )، فمعنى ذلك ( يجوز ).. وعندما يقول ( يجوز )، فمعنى ذلك ( لا ) .. وإذا قال ( لا )، فهو ليس بدبلوماسي"!! ولأن المقصود باللغة الدبلوماسية فن الخطابة ولباقة الحديث، فإننا لن نتعرض إلى التعريف العام للغة العادية " الإشارات والرموز أو الأصوات التي يستخدمها الإنسان للتواصل والتعبير عن الغرض الذي يريد "والتي تختلف باختلاف الألسن، رغم أنها الترجمة الصوتية للغة الدبلوماسية ومهارة الحديث!!

نسمع كثيرًا بنعت أحد الأشخاص بالدبلوماسي، وذلك تعبيرا عن إجادته فن الحديث.. وإتقانه أسلوب التودد والمجاملة.. وقدرته على إيصال ما يدور في مكنونه الشخصي دون أن يخدش الذوق السليم في الحديث وجرح غيره.. ولذلك حاولنا طرح وتقديم هذا الموضوع.

كما هو معلوم إن الدبلوماسية علم وفن..علم يكتسب بالمتابعة والمطالعة والغوص في أغوار الكتب والمجلدات التي توثق الأعراف والمعاهدات والقوانين الدبلوماسية.. وفن يعتمد على إمكانيات الشخص ومواهبه الفطرية، فالدبلوماسي مطلوب منه أكثر من غيرة..ومحاسب أكثر من غيره.. ومراقب أكثر من غيره.. من قبل حكومته والدولة الموفد إليها..لهذا يشترط دائما أن ينتقى من بين أهل العلم والمعرفة والفصاحة والبلاغة.. وأن يتمتع بثقافة عالية، لحساسية المهنة التي يؤديها وأهميتها.. وعليه أيضا إتقان القواعد والأصول الدبلوماسية المختلفة ليكون ناجحا في أدائه لمهمته ومجنبا الإحراج لنفسه، والأزمات لدولته..فالدبلوماسي يمثل دولنه وأخطاؤه تنعكس عليها ليس على شخصه.وإتقانه أحد فروع العلوم فقط لا تكفي لنجاحه، فهو بحاجة إلى جانب العلم والمعرفة.. فن ولباقة في التعامل.. وكياسة في الأسلوب، ليترجم العلم إلى مادة ملموسة في العمل، فيكون قادرا على الانتقال بمحدثه من موضوع لأخر دون أن يثير انتباهه.. ويأخذه لما يرنو إليه دون أن يترك له مساحة للانتقاد أو العنف من الطرف المقابل.

ففن الحديث والمخاطبة والرصانة في الأسلوب والحصافة في التعامل من ضروريات العمل الدبلوماسي الناجح، والركائز الأساسية للغة والإنشاء الدبلوماسي، وكلما كان الدبلوماسي قادرا على استخدام وطرح المصطلحات والمواضيع المزدوجة المعنى.. كلما اتصف بالمهارة والكياسة ومتانة الأسلوب ودقته، وخرج من مطبات وأخطاء قد يقع بها أثناء الحديث.

فلغة الدبلوماسي تختلف عن لغة ابن الشارع أو المواطن العادي.. فهو ملزم باختيار الكلمات المؤدبة والمنتقاة بحرص ودقة، التي تعكس مهمته الأساسية.. التعاون والصداقة.. وتمتين العلاقات بين دولته والدولة الموفد إليها، وألا يكون دبلوماسيا فاشلا مضرا لحكومته ومصالحها.. لهذا يفضل عند اختيار الممثلين أن لا يتم انتقائهم بصورة عشوائية، أو على أساس السيرة النضالية أو الانتماء العائلي.. بل على معيار الكفاءة والخبرة والاختصاص.. فمطلوب من المبعوث الدبلوماسي أن يكون ودوداً مؤدبا في حديثة.. حتى وهو يحمل رسالة من حكومته لحكومة الدولة المضيفة أثناء الحرب والنزاع، وان يتخذ موقفا وسطيا في التعبير عن إرادة دولته.. فيجب أن تكون لغته متزنة مرنة منمقة.. لا تتعدى حدود الغضب حتى في أصعب الظروف، ولو كان معتديا على دولته..فإذا طلب منه نقل رسالة تهديد من حكومته إلى حكومة الدولة المعتمد لديها( المضيفة ) حول قضية معينة تهم دولته.. عليه أن يعرف كيف يتعامل مع مثل هذه المواقف، كأن يقول: أن حكومتي تنظر للأمر بقلق شديد.. أي ما يعني انه يريد إعطاء إشارة لمستمعيه أن ذلك هو إنذار أو تهديد للحكومة الأخرى.. أو كأن يقول أن حكومتي قررت إعادة النظر باهتمام فيما يحصل وذلك يعني أن العلاقات بين الدولتين قد ساءت وان الصداقة قد تنقلب إلى عداوة واستمرار الوضع قد يؤدي إلى قطع العلاقات بين الدولتين..لان مهارة المبعوث ونباهته تبرزه كدبلوماسي ناجح ومميز في عمله.. وتعود بالمنفعة والفائدة في تحقيق المصالح العليا لوطنه.

فاللغة الدبلوماسية هي العبارات الحذرة والإنشاء اللفظي الرشيد.. الذي يستخدمه الدبلوماسيون فيما بينهم في الحديث والمراسلة، حيث تمكن الدبلوماسيين من أن يقولوا لبعضهم بعضا أشياءاً حادة دون إثارة حفيظة المتلقي من الطرف الآخر وتجاوز حدود الأدب.. كما أسلفنا سابقا يتوجب على الدبلوماسي المسلكي أن يتحلى باللغة اللطيفة الناعمة.. البعيدة عن الشدة والعنف والخشونة.. الجذابة للآخرين.. في حين أن المجاملة وحسن اختيار الكلمات الجميلة والهادئة.. والإطراء الحسن.. تخلق جوا من المحبة والثقة والاطمئنان.. وشعورا بالارتياح لدى المستمع.. وتكون خفيفة على السمع تدخل القلب بغير استئذان.

فقاموس الدبلوماسي بكل الأحوال يجب أن يكون خاليا من الجمل والعبارات الجارحة.. بعيداً عن الإساءة والتلميح.. والاحتجاج المتهور.. الذي ينعكس سلبا ويسئ للعلاقات بين البلدين.. ويرفض من قبل الطرف الآخر.

وبما أن الدبلوماسي هو الوسيلة الحية لنقل حضارة وثقافة بلدة، يجب على وزارة الخارجية في السلطة الوطنية أن تشدد الرقابة على انتقاء العاملين في وزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي.. وأن تفرض على من تم اختيارهم معرفة عدة لغات.. وان تضع الرجل المناسب في المكان المناسب.. لأداء المهمة على أكمل وجه وأجمل صورة.. وكفانا أخذ خواطر ومحسوبيات.. وهرطقة باسم النضال الوطني.. فكثيرًا من حسن الكلام يفقد رونقه بعد الخروج من عمليات الترجمة.. فالترجمة غالبا ما تجرح جوهر الحديث وتحرقه.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف