الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

المطلوب التوجه الى حماس وليس الى مجلس الأمن بقلم: أ. سعيـــد الصرفنـــدي

تاريخ النشر : 2009-11-20
المطلوب التوجه الى حماس وليس الى مجلس الأمن بقلم: أ. سعيـــد الصرفنـــدي
بعد الإعتراف بفشل منهج المفاوضات الذي استمر ثمانية عشر عاماً دون أن يحقق شيئاً، فإنه لا يجوز الإرتجال في قضية مهمة على مستوى القضية الفلسطينية، فالفشل كان يستوجب الوقوف مطولاً لدراسة أسباب الفشل والظروف والملابسات التي احاطت بعملية المفاوضات منذ انطلاقتها في مؤتمر مدريد وحتى اعتراف كبير المفاوضين بفشلها.
إن مسار المفاوضات لم يكن خياراً فلسطينياً في حقيقة الأمر، فقد كانت الإنتفاضة الأولى التي انطلقت أواخر عام 1987، خيار الشعب الفلسطيني في الرد على الإذلال والمهانة التي توجه له من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وكانت في الحقيقة توجهاً شعبياً ثم أصبحت خياراً للفصائل الفلسطينية من خلال تشكيل القيادة الموحدة للإنتفاضة، حيث تحولت من فعل شعبي عفوي الى عمل منظم عبر الفعاليات التي كان ينص عليها بيان القيادة الموحدة، وبقيت الإنتفاضة في عنفوانها حتى حرب الخليج، فقد فترت نسبياً ثم توقفت عمليا مع انطلاق المفاوضات في مؤتمر مدريد وتوقيع اتفاقية اوسلو عام 1993.
صحيح أن الانتفاضة لم تحقق دولة، ولكنها بلورت الأهداف البعيدة للشعب الفلسطيني عبر التأكيد على الهوية الوطنية الفلسطينية، فأكدت من ضمن ما أكدته الانتفاضة أنه لا يجوز النظر للشعب الفلسطيني على أنهم مواطنون اردنيون، بل شعب مستقل، لهم حق في دولة مستقلة، اي أن الانتفاضة، هي التي ابرزت الهوية الوطنية الفلسطينية وليس منظمة التحرير عبر وجودها خارج الوطن كما يحلو لكثير من منظري السلطة قوله.
الا أن الملفت للنظر ان اتفاقية اوسلو لم تكن بحجم التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، أي انه لم يكن هناك استثمار للحالة التي خلقتها الانتفاضة محليا وعربيا ودولياً، وهذا معناه عدم وجود ووضوح استراتيجية العمل لمنظمة التحرير بعد مرحلة الانتفاضة، فقد طرح على الشعب الفلسطيني في اتفاقيات كامب ديفيد أكثر مما طرح عليه في اتفاقية اوسلو، مع أنه لم تكن هناك انتفاضة، ولم تكن هناك بلورة للهوية الوطنية الفلسطينية .
لقد أصبح خيار منظمة التحرير هو خيار المفاوضات والتسوية السياسية دون أن يتم الاعتراف بهذا الخيار من قبل القوى الفاعلة على الصعيد الفلسطيني، حتى أن اتفاقيات اوسلو وقعت دون علم شخصيات قيادية للمنظمة وللشعب الفلسطيني، فقد وقعت الاتفاقيات وخضع الشعب الفلسطيني لنتائجها دون مشورته وموافقته، ولكن الآلة الإعلامية المتنفذة، إضافة الى وسائل الاعلام العربية والعالمية، استطاعت تصوير الاتفاقيات وبناء السلطة الفلسطينية باعتباره انجازاً ضخماً وجبارا، وأن الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي مر بها الشعب الفلسطيني منذ الانتفاضة، سوف يزول ويتحسن الوضع لتصبح مناطق السلطة سنغافورة الشرق الاوسط.
باختصار كان التوجه لمسار المفاوضات والتسوية السلمية استجابة لظروف عربية واقليمية ودولية، وليس استثماراً للحالة النضالية التي نشأت في الضفة الغربية وقطاع غزة بفعل الانتفاضة وتداعيات ذلك ايجابيا على المستوى العربي والعالمي. فقد كان بمقدور مفاوض حقيقي أن يأخذ أكثر مما اعطي للمنظمة في هذه الاتفاقيات، وكلنا نعلم أن رسائل لالاعتراف المتبادل بين عرفات ورابين نصت على الاعتراف بدولة اسرائيل، مقابل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيدا للشعب الفلسطيني، وقد كان الاعتراف من المنظمة بدولة اسرائيل اعظم انجاز اسرائيلي واعظم تنازل من قبل المنظمة بحقوق الشعب الفلسطيني، فقد كان يفترض في المفاوض الفلسطيني أن يؤجل مسألة الاعتراف بدولة اسرائيل الى ما بعد اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ولكن الاعتراف بها حتى قبل بناء سلطة الحكم الذاتي اعطى اسرائيل الحق ان تفعل ما تشاء لأن اعظم ورقة كان يمكن للفلسطينيين استخدامها قد سقطت من ايديهم.
إن خيار المفاوضات فشل، وهذا يتطلب الوقوف كما اسلفت لدراسة الحالة مطولاً، وليس الانتقال بهذا الشكل الأكروباتي، من الاعتراف بفشل المفاوضات الى خيار التوجه لمجلس الأمن لاستصدار قرار بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، فالفشل بعد ثمانية عشر عاماً كان يتطلب اجراء مراجعات واستخلاص دروس.
لا يعقل أن ينتقل الشعب الفلسطيني من خيار فاشل الى خيار مجهول بنفس الأسماء، لا يعقل أن ينعى الدكتور صائب عريقات منهج المفاوضات وفي نفس المقابلة التلفزيونية يعلن عن خيار جديد وهو التوجه الى مجلس الأمن؛ لأن هذا الخيار يحتاج كما اسلفت الى دراسة نقدية لمنهج المفاوضات، ثم صياغة استراتيجية جديدة بمشاركة كل القوى السياسية الفاعلة على الساحة الفلسطينية، وهنا قد يقفز الى الذهن سؤال مشروع، لماذا كان هذا الخيار وبهذه السرعة.
الجواب على ذلك، هو التغطية على حالة الفشل والمأزق الذي تعيشه السلطة الفلسطينية في رام الله، فالنقاش والتشاور مع القوى السياسية معناه توجيه انتقادات لاذعة للطريقة التي تمت فيها قيادة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية في الفترة السابقة، وضرورة مشاركة تلك القوى في الخيارات المستقبلية مما ينهي حالة الاستفراد التي عاشتها القضية الفلسطينية منذ سنوات طويلة.
لقد كان للشعب الفلسطيني خيار واحد هو خيار المقاومة قبل خيار المفاوضات، وهو الخيار الذي فرض على الشعب الفلسطيني وقواه السياسية دون موافقة منه، وبعد فشل خيار المفاوضات فإن الوضع الطبيعي هو العودة الى خيار المقاومة حتى يتم دراسة الحالة الناشئة عن الاعتراف بفشل منهج المفاوضات، وهذا معناه توجه السلطة الى حركة حماس لدراسة الوضع الفلسطيني والخروج بموقف موحد، بعد انهاء حالة الانقسام، يكون هذا الموقف معبراً عن الشعب الفلسطيني وقواه الحية، ويعطي أي توجه وخيار جديد زخماً افتقده خيار المفاوضات.
هذا الخيار امام السلطة هو الخيار الذي يعبر عن مصالح الشعب الفلسطيني، ويصون قضيته من المهاترات والتجاوزات، وبناء الاستراتيجات على اساس المصلحة الوطنية وليس على اساس المصلحة الفردية والحزبية، لا مناص امام السلطة قبل التوجه الى مجلس الأمن من التوجه الى حركة حماس باعتبارها الحركة الأقوى والأكثر شعبية كما دلت على ذلك نتائج الانتخابات التشريعية عام 2006، فالقضية الفلسطينية لم تعد تحتمل الإرتجال ولا الارتهان للاجندة الخارجية؛ والا فمن يدري، ربما يخرجون بعد سنوات ليقولوا أن خيارهم الجديد في التوجه الى مجلس الامن قد فشل، حتى دون أن يعتذروا للشعب الفلسطيني وشهدائه ومعتقليه وجرحاه.
[email protected]
[email protected]
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف