الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

منهج التكفير وخطره على المجتمع المسلم بقلم:أ. سعيد الصرفندي

تاريخ النشر : 2009-08-15
منهج التكفير وخطره على المجتمع المسلم
بقلم:أ. سعيد الصرفندي
التكفير، بمعنى تبني مجموعة من الأفكار وكل من يخالفها فهو كافر، ليس جديداً في التاريخ الإسلامي، فقد كان الآباء الأوائل للتكفيريين وهم الخوارج الذين كفروا أمير المؤمنين علي عليه السلام، قد تبنوا فكرة أن الحكم لله، فيكون علي رضي الله عنه كافراً لأنه قبل بالتحكيم بينه وبين الباغي معاوية، وكان من السهل على من تبنى تلك الفكرة ان يتنازل عنها إذا تبين له أن الحق في خلاف ما تبني، فقد حاور ابن عباس رضي الله عنه الخوارج بالحجة الدامغة المستندة الى النصوص وفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم،فقد كانت اعتراضات الخوارج على علي تنحصر في ثلاثة امور يرى من ليس عنده فقه أن مصيب فيما ذهب اليه من منهج التكفير.
قالوا بأن علياً بقبوله التحكيم قد نفى عن نفسه صفة أمير المؤمنين، والناس عندهم إما مؤمن أو كافر، فيكون علي رضي الله عنه أمير للكافرين ، فرد عليهم ابن عباس مذكراً اياهم بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي يوم الحديبية، بعد أن احتج كفار قريش على الصيغة التي تدل على أن محمداً رسول الله، فقالوا لو كنا نعلم أنك رسول الله ما منعناك من دخول مكة وما حاربناك، فقال ابن عباس للخوارج : إذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قبل أن يمحو عن نفسه صفة النبوة من أجل تحقيق مصلحة للمسلمين ، الا يجوز لعلي أن يمحو عن نفسه صفة أمير المؤمنين لحقن دماء المسلمين، مع أن الإمارة ثابتة له قطعاً كما كانت النبوة ثابتة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قطعاً . فقبل جزء منهم حجة ابن عباس رضي الله عنه .
ثم قالوا بأن علياً قبل بتحكيم الرجال والله يقول " إن الحكم الا لله" ، فرد عليهم ابن عباس ليصحح فهمهم السقيم للآية ، فقال لهم إن الله جل جلاله يقول في حق المحرم الذي قتل صيداً أن عليه كفارة ولكن هذه الكفارة ليست محددة في النص ، بل جعل الله تحديدها للمسلمين بقوله " يحكم به ذوا عدل منكم" أي يحكم اثنان من المسلمين في تقييم الدم الذي أصابه المحرم ، فقال لهم: إذا كان الله رضي حكم العدول من المسلمين في دماء البهائم ، ألا يقبل حكم العدول منهم في دماء المسلمين . فقبل جزء آخر منهم حجة ابن عباس .
ثم قالوا : أن علياً أمر بقتال المخالفين ولم يأمر بسبي نسائهم، فإما أن يكونوا كفاراً ويقاتلون قتال الكفار فتسبى نساؤهم ، أو يكونوا مسلمين فلا يجوز قتالهم. فقال ابن عباس رضي الله عنه : لم نسمع أحداً من المسلمين يأمر بسبي أمه ، وقد كانت عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الطرف المخالف لعلي ، فإما ان تنكروا ان عائشة رضي الله عنها هي أم المؤمنين وتكونوا بذلك قد كفرتم لأنكم خالفتم القطعي من القرآن الذي أثبت أن ازواج النبي هن امهات المؤمنين، وإما أن تقبلوا بأنها –أي عائشة رضي الله عنها- أم المؤمنين فلا يجوز أن يأمر أمير المؤمنين عليه السلام بسبيها.
لقد كانت النتيجة أن رجع عدد كبير من الخوارج الى صف علي رضي الله عنه . وبقي عدد قليل منهم هزمهم علي في معركة النهروان.
بعد ذلك لم يعد فكر الخوارج المنحرف يجد من يدافع عنه ، فقد تصدى علماء الأمة لبيان انحراف هذا الفكر وخطره على الأمة الاسلامية.
في العصر الحديث ظهر الفكر المنحرف مرة أخرى من جماعة التكفير والهجرة في مصر ، ومعظم هؤلاء كانوا ممن اعتقل في سجون عبد الناصر ، فقد تم تعذيبهم تعذيباً شديدا حتى خرج من يقول أن النظام الذي يفعل بالمسلمين كل ذلك لا يمكن ان يكون نظاما اسلامياً ولا الفرد فيه فرد مسلم، فقالوا بكفر النظام وكفر من لم يكفره من عوام المسلمين ، واستندوا الى اقوال اجتزأها هؤلاء من قاعدة اثبتها ابن تيمية وهي : من لم يكفر الكافر فقد كفر ، والقاعدة صحيحة لو تم فهمها كما قالها ابن تيمية، فالكافر المقطوع بكفره كاليهود والنصارى وغيرهم ممن نص القرآن على كفرهم يجب على المسلم أن يكفرهم ومن حكم بغير ذلك فقد كذّب الله وهذا أيضا يعتبر كفراً ، أما المسلم الذي شهد شهادة التوحيد فلا يجوز تكفيره ولو أظهر فعلاً كفرياً؛ لأن الفعل يمكن أن يكون كفراً الا أن فاعله ليس بكافر ، فقد نص الامام أحمد على كفر من قال بأن القرآن مخلوق وهو قول المعتزله ، ولكن ذلك لم يمنعه من الصلاة على موتاهم ولا من الصلاة خلف أئمتهم ، فالقول بخلق القرآن عنده كفر ولكنه لا يكفر من يقول بهذا القول . ولكن فكرة التكفير والهجرة خبت حتى زالت .
ثم ظهرت أفكار السلفية الجهادية التكفيرية، والتي هي امتداد لفكر الخوارج، ففعلوا ما فعلوا في بلاد المسلمين من استباحة للدماء والأعراض بحجة أن هذه المجتمعات مجتمعات كافرة، فالحاكم لا يحكم بما انزل الله والفرد الذي لا يكفر الحاكم فهو كافر.
من المؤسف أن كثيراً من الجماعات التكفيرية تضم بين صفوفها ، بل بين قياداتها من لم يحصل العلم الشرعي المعتبر ، والمعرفة عندهم انتقائية وليست منهجية، فتجد الواحد منهم قد قرأ لابن تيمية شيئاً فهمه كما يريد هو لا كما قاله ابن تيمية، فالناس في اقوالهم محكم ومتشابه، فلا يجوز التمسك بجملة هنا او هناك للإستدلال على صحة القول ، ومعلوم أن منهج ابن تيمية في التكفير لا يتوافق مع فكر الجماعات التكفيرية التي تجعل من ابن تيمية عمدة لها .
لقد نص ابن تيمية كما نص غيره من العلماء على أن تكفير المعين لا يجوز الا إذا انتفت موانع التكفير وتحققت شروطه ، ومن الموانع التي ذكرها حتى بعض التكفيريين المعاصرين كأبي محمد المقدسي ما يمكن اجماله ب:
1. الجهل : فالجهل مانع من موانع التكفير ، ويكفي أن يقول ابن تيمية عن الرجل الذي طلب من أبناءه عند موته أن يحرقوه ثم يذروه في يوم عاصف "فلئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه احدا من العالمين" فلما جمعه الله قال لم فعلت ذلك : قال من خشيتك يا رب، فيقول ابن تيمية : هذا رجل انكر قدرة الله على بعثه وجمعه ، وهذا الانكار كان جهلاً بصفة من صفات الله ، ولكن الله غفر له. الا أن الجماعات التكفيرية لا تعترف بأن الجهل مانع من موانع تكفير المعين.
2. التأويل : قد يتأول المعين فعلاً كفرياً فيفعله استناداً الى جواز الفعل بعد التأويل ، فلا يحكم بكفر هذا المعين ولو كان الفعل كفراً .
3. عدم بلوغ الحجة، فقد يفعل الانسان فعلاً لم يعلم أنه كفر، ولم يبلغه بالحجة أن الشارع يكفر من فعله .
هذه الموانع وغيرها مما اتفق عليه المسلمون بالدليل الواضح، لا تعتبرها الجماعات التكفيرية من موانع التكفير، فلا يلتمسون عذرا لمن أتى بفعل يخالف الشرع مع أن الشرع قد جعل له عذراً .
إن تكفير المجتمعات الاسلامية انظمة وأفرادا ، فكرة منحرفة لا تستند الى دليل شرعي ولا الى شبهة دليل، وكل من حمل هذه الافكار يجب ان يحارب فكرياً ومادياً لما لهذه الافكار من خطر على المجتمعات الاسلامية ؛ لأنها تستبيح دماء المسلمين وأعراضهم وفي ذلك فساد في الارض عظيم.

[email protected]
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف