الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

هل يشكل حزب لتحرير حماية للحكام من شعوبهم؟! بقلم: أ. سعيد الصرفندي

تاريخ النشر : 2009-07-01
حزب التحرير :
هل يشكل حماية للحكام من شعوبهم ؟!
بقلم: أ. سعيد الصرفندي
بعد سقوط الدولة العثمانية عام 1924، والتي تسمى عند حزب التحرير "دولة الخلافة العثمانية"، بدأ العمل عند البعض لإعادتها منذ ذلك الوقت، باعتبارها دولة أوجب الشرع على المسلمين إقامتها والحفاظ عليها، وقد تفاوت الجهد المبذول في ذلك، حتى عرفت الأمة نشوء حزب التحرير عام 1952، وهو الحزب الذي ارتبط اسمه بدولة الخلافة، مما أدى الى أن يكون الجهد كله، ثقافة وتثقيفاً واتصالاً بالناس، مرتبطاً بفكرة اقامة دولة الخلافة الاسلامية.
ومن العجيب أنهم يعتبرون الدولة العثمانية التي هدمت عام 1924 هي دولة خلافة توقفت الحياة الاسلامية عندها ولا بد من استئنافها، علماً أن تلك الدولة التي كانت تسمى بالرجل المريض كانت تنتظر منذ مئة عام أن يتفق الاوروبيون على تقاسمها، فهي دولة ضعيفة استجابت لإملاءات الدول الاوروبية في حينه سواء فيما يتعلق بالدستور او الامتيازات التي حصلت عليها الجاليات الغربية ومن أهمها وجود محاكم خاصة تحكم بقوانين الدول الغربية، الى الصمت المريب تجاه احتلال مصر وفلسطين من قبل بريطانيا، الى غير ذلك من الانجازات العظيمة التي فعلتها الدولة العثمانية، كالفقر الذي تفشى في البلاد العربية والجهل بحيث أنك كنت لا تجد في سبعة قرى من " يفك الخط" ، ايعقل هذا في دولة تقوم على أساس الكتاب والسنة وشعوبها من أهل العربية لا يقرأون القران ولا يعرفونه، بل هناك قرى كثيرة لم يكن فيها مسجد تقام الصلاة فيه، هل هذه هي دولة الخلافة التي توقف تطبيق الاسلام عندها وتريدون استئنافها. دولة فقدت كل صلة وصفة بدولة الخلفاء الراشدين، ولم يبق الا صفة " دولة الخلافة" ، هل أصبح تقديس الاسم على حساب الجوهر والمضمون هو المطلوب. إنني اتفهم ويتفهم كل مسلم لو كان الهدف هو استئناف حكم الاسلام الذي كان في عهد الخلفاء الراشدين وهدمه معاوية حين اغتصب الحكم وسلمه لابنه حتى اصبحت الخلافة كرة يتلاعب بها بنو أمية ومن بعدهم عائلات كبرى جعلت الحكم ميراثها الذي لا ينازعه فيه أحد، وكل خروج عليهم هو خروج على الله.
لم يكن هناك من يدرك عند الحزب أن الدولة التي أقامها النبي صلى الله عليه ةآله وسلم لها شقان، الشق الأول هو التشريع الذي لا تتغير ثوابته العقائدية والتعبدية؛ لأنه خارج سياق الزمان والمكان، فهو تصور كلي عن الكون والانسان والحياة: من أين جاءت وما هي الغاية من وجودها والى اين المصير بعد الموت وما اعده الله جل جلاله للمتقين وللكافرين. أما الشق الآخر فهو الشق المتعلق بالنظام السياسي حيث لا يمكن اعتباره ثابتاً لأنه وليد مستوى معين من تطور المجتمع، يتغير بفعل لزمان والمكان.
قبل سقوط الدولة العثمانية بدأت الدولة القومية في الظهور تأثراً بالدولة القومية التي ظهرت في أوروبا، وكان هذا التأثر بالشكل قوياً جامحاً، فقد كانت أوروبا تقول للعرب والمسلمين من خلال نظامها أن الحاكم ليس سيداً للأمة بل هو خادم أو موظف عند الشعب، يمكن استبداله إذا تجاوز حدوده، كانت أوروبا تقول ذلك لأمة عاشت مئات السنين لا تعرف من السياسة الا التأمين على دعاء الشيخ للخليفة، ولا تملك الا أن تقول عاش الخليفة ... مات الخليفة وعاش الخليفة الجديد. وهذا ما جعل الناس يحاولون تقليد النظام السياسي الاوروبي مع بقائهم مسلمين، فهم أرادوا استبدال النظام السياسي بنظام جديد ولكنهم لم يسعوا الى استبدال عقيدتهم وتشريعاتهم الثابته، حتى لو جاءت حكومات تلغي كثيراً من التشريعات الاسلامية في حياتهم .
إذن أصبحت الدول القائمة دولاً بعيدة عن الاسلام،واستطاعت من خلال المجالس النيابية والتشريعية الحفاظ على مصالحهم،فكان واجب الأمة خلعهم والتخلص من شرهم، وهنا كانت اشكالية الطريقة لفعل ذلك. هل هناك طريقة شرعية أم طريقة سياسية تتعامل مع الواقع القائم ؟
لقد قفز حزب التحرير الف واربعمئة عام ليستحضر طريقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاقامة دولة الاسلام، وهي الطريقة التي كانت مناسبة ومنسجمة مع ذلك الزمان، إذ لم يكن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يخالف زمانه في الطريقة والاسلوب، فكان طلب النصرة طبيعياً في زمانه، بل لا يمكن لأي جماعة تنشأ في ذلك الزمان أن تقفز على طلب النصرة، فهي الطريقة الوحيدة لوصول المظلوم الى حقه، ومن هنا كان حلف الفضول على أثر مظلمة حصلت في قريش، فكان الضعيف يلجأ الى ذوي القوة والمنعة لانصافه من أجل تحقيق هدفه، وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، طلب النصرة من زعماء القبائل، وكان هذا واقعة حال لا يترتب عليها حكم شرعي، ومعنى واقعة الحال هو حصول أمر لا يفهم منه أنه قيد أو شرط أو صفة، فصلاة الجمعة التي حصلت أول مرة في المدينة حضرها حسب بعض الروايات ربعون رجلاً، فجاء من يقول لا تنعقد الجمعة الا بأربعين رجلاً فما فوق، وهذا باطل لأن العدد لم يكن شرطا، بل هكذا حصل، فلا يبنى على ذلك حكم شرعي لأنه واقعة حال.وهكذا حصل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يترتب على طريقته في إقامة الدولة الاسلامية ما يلزمنا بنسخ طريقته، سيما وان مفهوم الدولة في زمنه صلى الله عليه وآله يختلف عن مفهوم الدولة في زماننا، فالدولة مصطلح تتسع دلالته بتغير الزمان والمكان لأنه مرتبط بالمجتمع الذي يتغير باستمرار ولا ينكر هذا الا شقي.
إذن التغيير في زماننا يحتاج الى طريقة ناجعة وقادرة على التغيير، فخرج من بين المسلمين من يقول إن التغيير يمكن ان يكون باستغلال هامش الحرية التي التزمها الحكام القائمون، ويمكن أن يتم هذا من خلال الانتخابات التي توصل حتماً الى فوز المسلمين في بلاد جل اهلها من المسلمين، والتجارب اثبتت ذلك، بل إن التجارب تثبت أن الكفار وعملاؤهم من الحكام يعملون المستحيل كي لا ينتخب الناس الحركات الاسلامية التي اختارت هذا الطريق .
في هذا السياق الذي اصبح مقبولاً فيه التغيير من خلال الانتخابات لقلع نفوذ الحكام من المجالس التشريعية والنيابية، وهي المجالس التي ثبتت هؤلاء الحكام واعطتهم الشرعية امام شعوبهم، في هذا السياق يأتي حزب التحرير ليقول أن هناك طريقة واحدة لإقامة الدولة الاسلامية، وهي طلب النصرة من الجيش لتسليم الحكم لحزب التحرير. الا يعلم هؤلاء أن جيوش المسلمين هي التي تعمل ضد الاسلام وأهله وتمنع تطبيق شرع الله، وأنهم أصبحوا مثل سادتهم لهم مصالح يدافعون عنها ولو وصل الأمر الى حد القتل . الا يعلم هؤلاء أن الجيوش التي شاهدت القتل والدماء للاطفال والنساء والشيوخ في غزة ولبنان، ولم تحرك ساكناً بل كانت تقمع المتظاهرين المتضامنين مع غزة، هؤلاء لن يستجيبوا لجهاز النصرة من حزب التحرير، وستظل تلك الجيوش حصناً امام التغيير لا طريقاً للتغيير.
امام هذا كله، وامام تحريم الحزب للتغيير من خلال الانتخابات أو الثورة المسلحة ضد لحكام، وتأثيم كل من يشارك في آليات التغيير التي لا يرضاها الحزب،بحجة أن هناط طريقة شرعية للتغير واقامة الدولة الاسلامية وهي طريقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، امام ذلك كله الا يكون السؤال مشروعاً وهو : هل هل يشكل حزب التحرير حماية للحكام من شعوبهم؟!
[email protected]
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف