الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ماء زمزم : هندسة هيدروجيولوجية بعناية إلهية بقلم:الخبير الهيدرولوجي المهندس عبد الرحمن عيتاني

تاريخ النشر : 2009-06-14
إن ماء زمزم , باختصار شديد , قد نبع لأول مرة بعد أن خافت جدتنا أم إسماعيل " هاجر " على ولدها الرضيع إسماعيل من الموت , وقامت بالسعي بين الصفا والمروة حتى خرج الماء أخيرا من تحت أقدام سيدنا إسماعيل . وان سيدنا محمد ( ص ) أتاه سيدنا جبريل ( ع ) وغسل له صدره بماء زمزم قبل أن يعرج به إلى السماء , ويرى من آيات ربه الكبرى إن بئر زمزم يقع في مكة المكرمة وبداخل المسجد الحرام أي بجانب الكعبة المشرفة تماما . ومن السنة أن يشرب الحجاج من ماء زمزم وأن يحضروا معهم إلى أوطانهم قدر ما استطاعوا من هذه المياه الطاهرة ليشربها أهلهم وأصدقاءهم عند عودتهم , وذلك لكثرة ما ورد من أحاديث عن الفائدة الكبيرة لهذه المياه ...

إن كافة الحجاج عليهم الذهاب إلى عرفات ليوم أو يومين على الأقل , ثم عليهم المبيت بمزدلفة ثم عليهم ذبح الهدي " خراف , إبل أوبقر " بمنى . والمبيت فيها ثلاثة أيام , وعند اليوم الثالث يتوجه الحجاج إلى مكة المكرمة ويطوفون طواف الوداع حول الكعبة , ويشربون ويملأون أوعيتهم من ماء زمزم استعدادا للرحيل إلى بلادهم ... وحسب طبيعة المنطقة فان عرفات هي أبعد منطقة ثم المزدلفة ثم منى ثم مكة المكرمة , وبالتالي فان منطقة منى هي الأقرب إلى مكة , وبالتالي فان الحجاج عند مكوثهم ثلاثة أيام بمنى يذبحون الهدي ويأكلون ويشربون فان ذلك سوف يسبب الكثير من انتشار الأمراض والأوبئة وخاصة مما يتركون من مخلفات الأضاحي . إنني لا أتكلم عن الأوبئة في هذه الأيام حيث المسالخ الحديثة وعمليات النظافة المتواصلة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية قد خففت أو منعت انتشار الأمراض والأوبئة , ولكني أتكلم عن الحج قديما وحتى 20 أو 30 سنة مضت , حيث لم يكن هناك أي إجراءات وقائية للنظافة ومن حج منذ عشرين أو ثلاثين سنة يعلم كم كانت الأمراض تنتشر بين الحجاج في منطقة منى . إنني أريد أن أركز على المخلفات التي يتركها الحجاج عند ذبحهم الأضاحي حيث الدماء والأمعاء والجلود وغيرها من البقايا التي ترمى سوف تسبب تلوثا كبيرا للبيئة . ولكن التلوث الأخطر والمميت هو تلوث المياه الجوفية والذي يجب أن يؤثر على ماء زمزم المجاورة لمنطقة منى حيث يذهب الحجاج إلى مكة بعد الانتهاء من منى للشرب ولملء أوعيتهم لإحضارها معهم إلى أوطانهم . وبالتالي فان ماء زمزم يجب أن تكون ملوثة بأوساخ الأضاحي وبغيرها من الأوساخ التي يتركها الحجاج . والتي ستغوص بالأرض وبالتالي تصل إلى ماء زمزم , ولكن لماذا لم يمرض أحد بسبب ماء زمزم لا من الحجاج ولا من أهلهم وأصدقائهم في أوطانهم . وحسب النشرة الحديثة لمنظمة الصحة العالمية فان 80 % من الأمراض في كافة أنحاء العالم تنتشر بواسطة المياه . وان 30 % من كافة الوفيات بالعالم سببها أيضا أمراض منشأها الماء . فإننا ندرك أن الماء من أخطر الأسباب لنشر الأمراض والوفيات فلماذا لم يمرض الحجاج من ماء زمزم , أو أهلهم وأصدقاؤهم على مر مئات السنين حيث أن الحجاج وأهلهم وأصدقاءهم يشربون من ماء زمزم منذ أكثر من 1400 سنة .

إن السر الذي اكتشفته كان حين دراستي لمياه الأمطار التي تتجمع في الأودية المجاورة لمكة المكرمة , وقد تبين لي أن منطقة مكة المكرمة محاطة بالجبال من ناحية عرفات والمزدلفة ومنى مما يشكل حاجزا طبيعيا ربانيا يمنع دخول أي مياه سطحية أو جوفية من الاتجاه نحو مكة المكرمة ونحو بئر زمزم , وبالتالي فان كافة الملوثات من بقايا الأضاحي وغيرها من المخلفات التي يتركها الحجاج لا يمكنها أن تسبب أي تلوث لماء زمزم . إذ أن كافة الأودية والمياه الجوفية في منطقة عرفات والمزدلفة ومنى تنحدر بسرعة نحو البحر بعيدا عن مكة المكرمة وعن ماء زمزم الطاهر المطهر الذي حفظه الله بقدرته .

إن سيدنا محمد ( ص ) والقرآن الكريم قد أشارا بوضوح للذهاب إلى عرفات وللمزدلفة وللبقاء بمنى والذبح فيها , ثم الذهاب إلى مكة المكرمة للطواف وللشرب من ماء زمزم . ولولا عناية الله رب الكون وخالق السماء والأرض وخالق الجبال ومفجر مياه الينابيع والأنهار لكان موقع زمزم غير ملائم من الناحية البيئية , وبالتالي لكان الحجاج والمسلمون قد ماتوا بأمراض المياه التي تنتشر بأسرع من البرق .

هذا السر الصغير الذي هداني الله لمعرفته هو أن ماء زمزم قد حماها الله من التلوث بواسطة الجبال المحيطة بمكة ولهو أكبر دليل على قدرة الله وعلى نبوة سيدنا محمد ( ص ) حيث لم يكن في وقتها أي علم عن كيفية انتشار الأمراض بواسطة المياه ولم يكن هناك أي علم عن تلوث المياه الجوفية بواسطة النفايات والأوساخ . ولو أن النبي محمد ( ص ) لم يكن ملهما من الله تعالى لكان أشار للمسلمين بذبح الأضاحي بمكة المكرمة عند ماء زمزم حيث يوجد الماء الوفير , بدل أن يذبحوا الأضاحي بمنى حيث لا يوجد ماء بتاتا , مما يتوجب على الحجاج نقل الماء من زمزم إلى منى لاستعمالها حين الذبح , وللأكل والشرب ولو ذبحت الأضاحي عند بئر زمزم لكانت الكارثة ولكان التلوث قد أدى إلى أمراض ووفيات عديدة بين الحجاج وذويهم
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف