الأخبار
2024/6/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تجـارة الكـُـتـُب الشَعـبـيـِّة بقلم:الدكتور عبـد القـادر حسين ياسين

تاريخ النشر : 2009-06-14
تجـارة الكـُـتـُب الشَعـبـيـِّة بقلم:الدكتور عبـد القـادر حسين ياسين
تجـارة الكـُـتـُب الشَعـبـيـِّة



الدكتور عبـد القـادر حسين ياسين*



الكتاب ، هذا العالم الذي يختزنه غلافان من الورق ، صار رغيف الإنسان الذي يشبع العقل والمخيلة ، وصارت له مؤسساته التي تعتني بنشره وتطويره وطباعته وصناعة أغلفته والتفنن في إخراجه وتوزيعه مما جعل دور النشر تتبارى في تطوير كتبها وأصبحت لها سماتها التي تميزها بل وسمعتها فضلا عن أن لكل دار نشر قراءها الذين يتابعون عن كثب كل ما تصدره من كتب علمية أو أدبية أو في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية .


ومعارض الكتب ، على هذا الأساس ، مناسبات تعرض خلالها الإصدارات التي تشكل الخلاصة الطبيعية لدور النشر والمؤلفين . وعادة ما تحفل هذه المعارض بالجديد من الكتب والمؤلفات التي تشكل رصيدا فنيا تتعمق فيه مبادئ دور النشر نفسها سواء تلك التي تعني بالنص الأدبي (شعر أو رواية أو قصة أو مسرحية) أو تلك التي تعني بالنص التاريخي وتحقيقه.


وعلى الرغم من كل المحاولات التي بذلت في صناعة الكتاب العربي (تأليفاً وطباعةً ونشراً وتوزيعاً) فإن المكتبة العربية ما زالت تعاني من فراغ كبير لن يسده إلا الطبعات الشعبية التي يستطيع القارئ العربي الحصول عليها بسهولة (دون أن يرهق ميزانيته الشهرية) والانتفاع بها في تربية الجيل الجديد من جهة وتثقيف نفسه من جهة أخرى.


في الثلاثين من شهر تموز عام 1935 أصدر الدكتور ألين لين أول كتاب في العالم يجمع كل الملامح المميزة للكتب الشعبية، فمنظره يروق القارئ وشكله مميز، وبذلك أتاح الدكتور لين الفرصة للتراث الثقافي لكي ينتشر بكميات كبيرة وبسعر زهيد للغاية (لا يزيد عن ثمن وجبة غذاء!!).


وكان من مؤلفي الكتب الأولى في سلسلةPenguin ارنيست همنغـواي، أندريه موروا، وأغاثا كريستي. واستطاعت سلسة كتب "بنغوين" أن تحقق فتحاً جديداً في عالم النشر وتركت بصماتها على صناعة الكتاب في كل أرجاء العالم.


وإذا كانت سلسة "بنغـوين" البريطانية تعتبر "النموذج الأمثل للكتاب الشعبي في العالم المعاصر" ، على حد تعبير الدكتور روبرت ويلسون، المحرر الثقافي لمجلة "Books and Bookmen" البريطانية ، فإن دور النشر العربية حاولت غير مرة إصدار سلسلة مماثلة تحقق الإنتشارعلى مستوى العالم العربي. وأذكر على سبيل المثال لا الحصر تجربة "الألف كتاب" في مصر التي بدأت في منتصف الخمسينات وقد توقفت مع الأسف الشديد في مطلع الستينات.


وكان يمكن لهذه السلسة أن تكون نواة طيبة للكتب الشعبية في هذا المجال لو كتب لها الاستمرار وتم تطويرها . وكان الهدف الأول لهذا المشروع الثقافي الرائد هو خدمة القارئ العربي الذي يتعذر عليه ، لسبب أو لآخر، الاطلاع على الثقافة العالمية من مصادرها الأصلية، فقدمت المجموعة ألف كتاب (مترجم ومؤلف) في جميع علوم المعرفة الإنسانية من أدب وتاريخ وجغرافيا واقتصاد واجتماع وفلسفة وطبيعة ورياضة وفلك وطب وغيرها. وعلى الرغم من سنواته القليلة فقد مـهـَّـد المشروع الطريق أمام الناشرين العرب للإقبال على إصدار الكتب العلمية والأدبية والفلسفية الرفيعة التي لم يكونوا يقبلون عليها من قبل، هذا بالطبع فضلا عن إحياء الترجمة التي كانت محدودة للغاية ، وقاصرة عن تلبية حاجات الثقافة العربية، كما أنها - في أفضل الأحوال ـ لم تكن تسير وفق خطة مرسومة بل تترك للمصادفة والارتجال.


وليس ثمة شك في أن سلسلة "الألف كتاب" المصرية وسلسلة "الموسوعة الصغيرة" العراقية و"زدني علماًً" اللبنانية قد أسهمت بشكل فعال في تنشيط الحركة الفكرية والثقافية بصفة عامة. وليس غريباً أن يتجدد الحديث لإحياء سلسلة "الألف كتاب" من جديد بعد أكثر من 40 عاماً على توقفها عن الصدور، وأن يفكر بعض الناشرين في إصدار سلاسل جديدة بسعر زهيد.


ومن نافلة القول أن الكتاب الشعبي بمادته الثقافية والزهيد الثمن ليس تجارة خاسرة كما يزعم بعض "تجار" الثقافة عندنا ، وإلا لكانت دار "بنغوين" البريطانية قد أفلست منذ 75 عـامـا.


وبعـد،


إنَّ تجارة الكتب الشعبية تجارة رابحة مادياً وفكرياً لأنها تجعل الكتاب في متناول جمهور عريض، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على تقليل نفقات النشر . كما أن تنازل الكتاب العرب عن بعض حقوقهم يسهم في جعل الناس ترتاد المعارض كحاجة ماسة لشراء الكتب، تماماً كما ترتاد سوق الخضار لشراء غذائها اليومي الذي تقتات به.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــ


كاتب وأكاديمي فلسطيني مـقـيم في السويد.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف