الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

شهادة بالصوت المسموع بقلم:تيسير نظمي

تاريخ النشر : 2005-01-12
شهادة بالصوت المسموع

* تيسير نظمي

لا يكتشف الإنسان صوته ، ربما لأنه يسمعه للآخرين ، والآخرون لا يكونون كلهم صرحاء في ملاحظاتهم ، بل لربما لا يعجبهم صوتك . لم أكن منتبها لهذه المسألة فالإنسان يبدأ أحيانا باكتشاف ملامح وجهه في المرآة ثم ينشغل عن نفسه باكتشاف ما حوله ، وقد يكتشف جسده في الحمام مثلما يفعلون أيام المراهقة. بالنسبة لي ، تأخرت بعض الاكتشافات طويلا لانشغالي باكتشافات أخرى لذلك لم أنتبه لصوتي وممكناته وخصائصه ومنحنياته البيانية التي باتت تهم أجهزة الاستخبارات والتصنت وعلماء الإلكترونيات والموسيقى وبعض الإناث المتيقظات الحواس .



اليوم ، وبعد إجراء الانتخابات النيابية في الأردن ، ذات الصوت الواحد ، وعدم إدلائي بصوتي فيها ، أدركت إن لم أتذكر بعض كلمات الإطراء فيه 000أن صوتي مهم جداً ، ليس بسبب قدرته الطبيعية غير المفتعلة على تجاوز إطفاء الميكروفونات المتعمد أمام مداخلاتي السياسية منها أو الثقافية ، بل ثمة فتيات وسيدات صارحنني في لحظات صدق وحميمية بأنهن كن ينتظرن في الدورات التدريبية أن يستفزني المحاضر بسؤال فأتكلم ، وبالتالي يتلذذن بسماع ذلك الصوت الجهوري. أخريات صارحنني أنهن كن يسجلن بعض الأحاديث الإذاعية لي بحجة أنها أحاديث ثقافية لا لشيء سوى لسماعهن ذلك الصوت. زملائي في الثقافة والفن، بعضهم أبدى هذه الملاحظة باقتضاب ، فالصديق بسام هلسه قال لي في لقاء لنا في دمشق بعد انقطاع دام زهاء أكثر من اثنتي عشرة سنة ، أنه عرفني من صوتي في مقر الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين في دمشق ، لأن ملامح وجهي تغيرت بعض الشيء بفعل الزمن والمزاج والقهر المبكر.

السيدة ليلى العثمان –الكاتبة الكويتية- وصفته لدى سماعي إذاعيا بأنه صوت "رخيم"، مع أنني لست متأكدا من عدد المرات القليلة التي قرأت أو سمعت تلك المفردة النادرة في حياتي .

المخرج المسرحي المصري عرنوس أبدى إنذهالا بعد مداخلة لي في المركز الثقافي الملكي في عمان فأبدى لي من خبرته بالأصوات ما أدهشني من الممكنات التي يحملها صوتي خاصة عندما أتحدث بانفعال تحمله طبقات صوتي على اختلاف درجاتها كاندفاعات بحر هائج ترتطم أمواجه بعدة أوتار صوتية فلا هو عزف آدمي يذكرك بضربات فريد الأطرش على عوده في مقدمة أول همسة ولا هو صادر من آلة موسيقية محددة يسهل تسميتها وتتبع تواريخ ومراحل تطويرها وتحديثها. لذلك قلت لنفسي اليوم في الأول من تموز عام 2003: لماذا لا أكتب عن صوتي من وجهة نظري أنا وليس من وجهة نظر الآخرين ؟ إنه صوتي وأنا حر فيه ولا أريد أن أمنحه لصناديق الاقتراع المغلقة. إنه صوتي الذي يكتمه كابوس في ليلة أرق ولا يكتمه فقط احتجاز مخفر الشرطة في عمان أومحافظة الزرقاء لبطاقة الأحوال المدنية التي تخصني والتي تخلو على أية حال من أية تسجيلات صوتية لي ، بل أبدوا فيها بصورة صماء وأحرف وأرقام ليس أكثر . وزارة الثقافة مثلا ، سجلت على أشرطة جميع مداخلاتي ولم تسمعني واحدة منها لعلي أدرك خطورة ما أقول وارتدع مثلا لإدراكي كمستمع لحجم خطورة السخرية في الصوت المتحدث أو الغضب الصارم عند بعض العبارات التي أقولها بإخلاص ولا أسمعها ربما من الآخرين. كمتحدث أكون مندفعا بفعل الشجاعة والأخلاق والمشاعر لقول كلمتي كتلك مثلا التي أدليت بها في قصر الثقافة وتم استدعائي للمحافظة على أثرها ولم أذهب. هل صفق لها ألفان موظف حكومي لأن صوتي فيها كان جميلا جهوريا فقط؟ ولماذا استدعائي لو لم تكن تحمل نبرة احتجاج عالية ضد حرمان أي مواطن أردني من صوته أو من حقه الدستوري بالتعبير؟ لا 000لا.

المسألة أكبر من صوتي وممكناته ، لا بد من وجود شيء أكبر من الأوتار الصوتية التي وهبني الله إياها وجعلها في حنجرتي أول المتأثرين من أعضاء جسدي بحكم الإعدام شنقا لا قدر الله لو أن الأمور ساءت ووصلت هذا الحد ، إني أتساءل اليوم بشيء من الأسى عن صوتي إن أصبح هو صوت العرب عام 2003 وليس عام 1967 مثلا ؟

خاصة بعد اختفاء صوت صدام حسين بصورة مفاجئة عن محطات البث الحي الفضائية . هل لصوتي فضاء إذن وأنا لا أعلم ؟ أقصد فضاءات الحلم والأمل في مستنقعات اليأس والإحباط . هل لصوتي صليل السيوف في الأزمنة الغابرة؟ هل هو مملوء حقا بآخر صرخات الهنود الحمر في البراري ؟ من الطبيعي أن يكون صوتي ممتلئا بثقافتي ومن الطبيعي أن يكون هذا الصوت مرتبطا بسحر ما تراه بصيرتي وعقلي من الممكن والقادم والمقبل، فقد كتبت في حياتي مئات القصص وبعضها أكثر نجاحا من بعض القصص العالمية لكنني لم ألحظ شهرة واسعة لها ربما لأنني لم ألقها بصوتي مثلما أفعل في الأمسيات القصصية.

أجل إن الآخرين يقرأونها ويسمعون أنفسهم ويقرءونها بالطريقة التي يريدون تماما مثل الانتخابات الأردنية التي تكون النتائج فيها شبه محسومة سلفا قبل الاقتراع. ولأضرب مثالا على عنوان إحدى قصصي التي نشرت بالشكل التالي في أربع صحف عربية :(بيت الذبابة) في حين أنني لو قرأتها بصوتي لقلت: ( بيت ألذُّ بابه) رغم وجود ذبابة ما في الموضوع لكنها لم تكتب وتنشر بصوتي تماما مثلما تفعل بعض المواقع الإلكترونية الإسرائيلية التي تسجل قصصا و أشعارا لكتاب يهود ملقاة بأصوات يهود آخرين ولكنهم ليسوا الكتاب الحقيقيين لتلك النصوص المقروءة أو المسموعة من رواد الانترنت . أتذكر اليوم الجانب السيئ من صوتي أيضا ، فقد جربت ذات مرة عندما اشتريت أول مسجلة في حياتي أن أسمع صوتي فصدمت . قلت : هذا ليس أنا فالشخص الذي يتحدث غريب عني لم أتحدث معه ولم أستمع إليه من قبل ولم يرق لي صوته إطلاقا ، فماذا لو حدثت الكارثة وغنيت آنذاك أو بعد ذاك لأسمع صوتا أجشا مقهورا لا يحمل أي أمل بالغناء ؟ لا ثم لا وألف لا00الصمت بالنسبة لي أجمل ويجعلني اكتشف ملامحي لدى تفاعلي مع الآخرين ، فلي أيضا عينان تدمعان أحيانا وكعيني صقر أحيانا أخرى وتلمعان بالحديد الأحمر عند بلوغه درجة الانصهار أحيانا في لحظات غضب، فماذا لو تصاحبت الرؤية بالسمع في مشهد تلفزيوني وشاهد بالصدفة الرئيس بوش ذلك المشهد؟ الأرجح أنه سيقول أن شخصا يمارس عليه الإرهاب منذ 52 عاما هو مصدر لا ينضب للإرهاب حتى قبل بزوغ نجم ودولارات العلامة السعودي أسامة بن لادن.

ولا بد لي من الاعتراف والإقرار بحكمة القائمين على التلفزيون الأردني والتلفزيون الكويتي من قبله أنهم لا يظهرون صورا ناطقة لأمثالي خشية استفزاز أمريكا وترسانة أسلحة القطب الواحد، وبالتالي قد يعدمونني مثلما أعدموا سيد قطب. تذكرت الآن أيضا أنني منذ الطفولة كنت معجبا بصوت القائد الزعيم الراحل جمال عبدا لناصر ، ولكنني لم أعجب بما رأيت في أعقاب الأيام الستة بعد الخامس من حزيران1967 عندما سمعت جدي يجهش بالبكاء لفراقنا نحن أحفاده مغادرين سيلة الظهر نحو المجهول الذي ما لبث أن قذفنا نحو المجهول الثاني والثالث وهكذا وطيلة نصف قرن ما يزال صوتي رغم ذلك بالنسبة لي مجهولا ، يا صوتي وأحمد ! يا صوتي وزرد السلاسل وصفعات أبواب السجون! يا صوتي الذي يذهب هباء في التصفيق ولا أحد.

كم مرة يسلمني للتصفيق الحاد الذي ينتهي بعد لحظات لكن القلب المشحون بالألم والعقل المشتعل بالغضب يسمعان دقات خفق قلوب المتعبين وأعود فاسمع صمتي غير متمتع بسماع صوت الآخرين وأنا منهم. أسمع صمتي الجهوري "الرخيم" الرحيم الهامس كما اسمع جريان الدم في عروقي وخلخلة البحث عن قطرة ماء لجذوري في هذه الصحراء المتسعة للأمريكان والإنجليز ودول شرق آسيا . والتي تضيق بي وبصوتي مهما كان جميلا وناطقا بالعربية. صوتي مشكلة، خاصة إذا كان دافئا لقلب محب، صوتي سحر وفتنة للنساء، وأني لأدهش لماذا لم يحرم على الرجل صوته ؟ فهو فتنة للنساء مثلما أن بعض أصوات النساء فتنة للرجال . ألوذ بصوتي في وحدتي واستعيض عنه بصوت فيروز، ومارسيل خليفة، والشيخ إمام ونادرا ما أسمع غير هؤلاء من المطربين أو من الأصوات . مأساة لو أن ملحناً أو مخرجًا استغل صوتي للغناء . لا أتخيل نفسي مطربا ربما لأن صوتي يصدر من عقلي أولا ثم يحمل مشاعري وصدقي . وأتخيل حقا مجموعة من الطرشان جاءوا لسماع صوتي فقط ، كيف يكون الموقف ؟

بل أتخيل نفسي بلا حنجرة أمزق خرائط الدول وكتب الجغرافيا وبعض الفتات من العملات الورقية التي سأكتفي بجعلها مبتلة فقط، فما نفع صوتي إن فقدت عضوا من أعضائي المكتشفة ؟ ها أنا اكتشف كل شيء وأسمع كل شيء ولا اسمع صوتي. أحيانا لا أسمع سوى الصدى، وهكذا سيكون الجسد: رفات الاسم ورماد الجمرة ودخان الكينونة 0 الصوت مجرد ذاكرة لما حلمنا به 000 وأحسسنا به .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف