دراسة التواصل الأدبي بين الشعوب
[ الأهمية والشروط ]
بقلم
يسري عبد الغني عبد الله
باحث ومحاضر في الدراسات العربية
والإسلامية والمقارنية
Email: [email protected]
عنوان المراسلات :
14 شارع محمد شاكر / الحلمية الجديدة / بريد القلعة (11411) / القاهرة / مصر .
هاتف : 3176705 022 أو 3959261 022
جوال : 0114656533
الأهمية:
يكشف الأدب المقارن أو دراسة التبادل الأدبي بين الشعوب عن مصادر الأصالة في الأدب القومي ، كما أنه يستطيع أن يحدد الأصول الأساسية فيه ، وما دخل عليه نتيجة تلاقيه أو تلاقحه بالآداب الأخرى في عصور نهضاته ، فهو يكشف لنا جوانب تأثر المبدعين في الأدب القومي بالآداب العالمية المختلفة ، ولا شك أن جوانب التأثر كثيرة ومتعددة ، فالأدب كائن حي ، يؤثر ويتأثر ، يأخذ ويعطي ، وهذه سنة العطاء الإنساني .
يوضح الأدب المقارن خط سير الآداب في علاقاتها بالآداب الأخرى ، ومدى تقاربها في الأفكار ، كما أنه يبين لنا أهمية التأثير والتأثر في تقوية الأدب القومي ، في نفس الوقت الذي يساعد فيه على فهم تقارب الشعوب فضلاً عن خروجها من عزلتها .
وعليه فالأدب المقارن ينظر إلى الآداب بوصفها جزءاً من بناء كلي متكامل تتضح أجزاؤه إذا قورنت بالأخرى ، وبذلك يكون لهذا الأدب أهمية عظمى في دراسة المجتمعات وتفهمها .
للأدب المقارن من المكانة ما للاقتصاد السياسي والتاريخ بأنواعه ، فهو يدرس مثلهما العلاقات الخارجية والمشروعات التي تبدأ بها دولة ما ، وأنواع النفوذ التي قد تخضع له ، وما يتعرض له إن طوعاً وإن كرهاً من وراء حدودها ، وكل هذا ما تتوثق به نواحي النشاط الإنساني وتتنوع مظاهره .
الشروط الواجب توافرها في الباحث المقارني :
هناك مجموعة من الشروط يجب توافرها في من يبحث في الأدب المقارن ، نحاول أن نذكر بعضها فيما يلي : ـ
– أن تتسع معارف الباحث المقارني فيكون عارفاً بالتأريخ وحقائقه ، ومطلع على جوانب عديدة من الثقافات في هذه الناحية التاريخية التي تتصل بالأدب ، أو ما يعالجه منها .
فعلى سبيل المثال : لا سبيل إلى معرفة الأدباء الفلاسفة المسلمين إن لم يكن الباحث المقارني مزوداً بثقافة تاريخية كافية حول عصر هؤلاء الأدباء الفلاسفة ، وبمعرفة كافية وافية عن الثقافات الأجنبية غير الإسلامية التي صاحبت عصره.
– معرفة عدة لغات أجنبية غير لغته الأصلية ، إذ أنه لا يستطيع أن يعرف مسألة التأثير والتأثر في الجوانب الأدبية التي يبحثها أو يدرسها إلا بالإطلاع على النصوص والآثار الأدبية في لغاتها الأصلية ، عن طريق قراءتها وفهمها .
وكثيراً ما يؤدي الاعتماد على الترجمات دون الرجوع إلى الأصول إلى أخطاء في النتائج نتيجة سوء الترجمة أو قصورها أو تحويرها أو تركها لأشياء مهمة في اللغات المنقول عنها .
فمن صفات الباحث المقارني أن يكون قادراً على القراءة الواعية لأدب من الآداب في لغته الأصلية ، وهذا يعني أن من يريد معرفة تأثير الشاعر الألماني جوته في الأدباء الرومانسيين لابد له أن يقرأ جوته الألماني في اللغة الألمانية ، وليس له أن يلجأ إلى المترجم من أدبه ، وذلك ليتمكن من معرفة انتقال التأثير ، مع مراعاة أن هناك نوع من الترجمة يطلق عليه الترجمة غير الأمينة أو غير المباشرة أو المحورة .
وعلى هذا فيلزم الباحث المقارن المعرفة بلغات عدة ، ليقرأ بها أيضاً البحوث الأجنبية اللازمة لبحثه واختصاصه .
– معرفة الباحث المقارني بالمصادر والأصول الخاصة بموضوع البحث ، وكذلك المراجع العامة المتصلة به ، ليستطيع معرفة عملية التأثير والتأثر سواء كانت بلغاتها الأصلية أو المترجمة ، وعليه أن يقارن بين الترجمة والأصل ، أو الترجمات المتنوعة بعضها ببعض .
أمور يجب أن تراعى عند الدراسة المقارنية :-
– ما يختص بدراسة الأجناس أو الأنواع الأدبية ، كنشأة قصص الرعاة ومسرحية الرعاة في الأدب الأوربي ، وانتشار القصة التاريخية في أوربا مع أوائل القرن التاسع عشر ، وكيف نشأت القصة والمسرحية في الأدب العربي ، ثم الحكايات التي كتبت على ألسنة الطير والحيوان أو ما يسمى بالخرافة على لسان الحيوان ، وكيف أدخلها إلى الأدب العربي الكاتب العباسي ، الفارسي الأصل / عبد الله بن المقفع ، وكيف أثر الأدب العربي في الأدب الفارسي ، أو كيف أثر الأدب الفارسي في الأدب العربي ؟ .
يجب على الباحث المقارني أن يتتبع كل نوع وتطوره في لغتين أو أكثر ، ويبحث العوامل التي أثرت في كل الآداب التي يراد دراستها .
– قد يحاول الباحث المقارني دراسة جنس أدبي في أدبين فقط ، وذلك كدراسة القصة الرومانسية الفرنسية وتأثيرها في القصة العربية ، أو يحاول دراسة جنس أدبي في أكثر من أدبين ، كدراسة القصة الرومانسية في الآداب الأوربية ، ثم تأثيرها في القصة العربية خلال العصر الحديث ، وعند ذلك يجب أن يراعي الباحث المقارني تحديد الجنس الأدبي الذي يريد أن يقوم بدراسته ، قصة مثلاً أو مسرحية ، وعليه أن يأتي بالدليل على تأثر الكاتب أو الكتاب بالجنس الأدبي موضوع الدراسة ، وقد يصرح الكاتب نفسه بهذا التأثير ، وعليه تكون مهمة التدليل والبرهنة يسيرة على الباحث المقارني .
وذلك كما فعل الفرنسي / فيكتور هوجو عندما صرح بمحاكاة مسرح شكسبير الإنجليزي ، هنا تكون مهمة الباحث سهلة ، أما إذا لم يصرح الكاتب بذلك كما في محاكاة أحمد شوقي لشكسبير في مسرحية شوقي (مصرع كليوباترا) ، نفس الأمر فعله شوقي عندما نفى تأثره بكتاب كليلة ودمنة الذي عربه عبد الله بن المقفع ، وذلك عندما كتب شوقي أشعاره على ألسنة الطير والحيوان ، وفي مثل هذه الحالات تكون مهمة الباحث المقارني صعبة .
بعد ذلك على الباحث المقارني أن يحدد مدى تأثر الكاتب بالجنس الأدبي ، وهل تأثر به تأثراً شاملاً ، أم تأثراً جزئياً ؟ ، ثم عليه ببحث الأسباب التي جعلته لا يتأثر تأثراً شاملاً ، ومن هنا يجب على المقارني دراسة حياة الكاتب ، وظروفه الاجتماعية والنفسية ، وكذلك مكوناته الفكرية والثقافية .
وبالنسبة لدراسة الموضوعات الأدبية كدراسة شخصية الملكة كليوباترا في الأدب الإنجليزي والأدب الفرنسي والأدب العربي ، فهذه الدراسة تحتاج من الباحث المقارني إلى جهد كبير يتطلب سعة في العلم ، ومعرفة بخصائص الشعوب ونفسياتها .
ومن أكثر فروع الأدب المقارن انتشاراً : دراسة تأثير كاتب معين في أدب أمة أخرى ، والتأثير قد يكون شخصي أو فني أو فكري .
ولا مانع من دراسة أثر كاتب أو عمل معين في أمة من الأمم على كاتب أو أعمال إبداعية معينة من أمة أخرى ، مثال على ذلك : يمكن دراسة أثر إبسن أو برنارد شو أو بيراندللو أو بريخت أو يوجين يونسكو أو الكتاب الأسبان في مسرح توفيق الحكيم .
وقد ندرس رواية مثل : (الرباط المقدس) لتوفيق الحكيم ، وعلاقتها برواية (تاييس) للكاتب الفرنسي / أناتول فرانس ..
وقد ندرس التأثير الفرنسي في أدب الدكتور / طه حسين ، وبالذات في رواياته ، مثل : (المعذبون في الأرض) و( شجرة البؤس) ... وغيرهما.
أو ندرس تأثير الكاتب الفرنسي / موباسان في قصص محمود تيمور ومسرحه .. إلى آخر هذه الموضوعات التي يمكن للباحث المقارني أن يقوم بدراستها وبحثها .
******************************
[ الأهمية والشروط ]
بقلم
يسري عبد الغني عبد الله
باحث ومحاضر في الدراسات العربية
والإسلامية والمقارنية
Email: [email protected]
عنوان المراسلات :
14 شارع محمد شاكر / الحلمية الجديدة / بريد القلعة (11411) / القاهرة / مصر .
هاتف : 3176705 022 أو 3959261 022
جوال : 0114656533
الأهمية:
يكشف الأدب المقارن أو دراسة التبادل الأدبي بين الشعوب عن مصادر الأصالة في الأدب القومي ، كما أنه يستطيع أن يحدد الأصول الأساسية فيه ، وما دخل عليه نتيجة تلاقيه أو تلاقحه بالآداب الأخرى في عصور نهضاته ، فهو يكشف لنا جوانب تأثر المبدعين في الأدب القومي بالآداب العالمية المختلفة ، ولا شك أن جوانب التأثر كثيرة ومتعددة ، فالأدب كائن حي ، يؤثر ويتأثر ، يأخذ ويعطي ، وهذه سنة العطاء الإنساني .
يوضح الأدب المقارن خط سير الآداب في علاقاتها بالآداب الأخرى ، ومدى تقاربها في الأفكار ، كما أنه يبين لنا أهمية التأثير والتأثر في تقوية الأدب القومي ، في نفس الوقت الذي يساعد فيه على فهم تقارب الشعوب فضلاً عن خروجها من عزلتها .
وعليه فالأدب المقارن ينظر إلى الآداب بوصفها جزءاً من بناء كلي متكامل تتضح أجزاؤه إذا قورنت بالأخرى ، وبذلك يكون لهذا الأدب أهمية عظمى في دراسة المجتمعات وتفهمها .
للأدب المقارن من المكانة ما للاقتصاد السياسي والتاريخ بأنواعه ، فهو يدرس مثلهما العلاقات الخارجية والمشروعات التي تبدأ بها دولة ما ، وأنواع النفوذ التي قد تخضع له ، وما يتعرض له إن طوعاً وإن كرهاً من وراء حدودها ، وكل هذا ما تتوثق به نواحي النشاط الإنساني وتتنوع مظاهره .
الشروط الواجب توافرها في الباحث المقارني :
هناك مجموعة من الشروط يجب توافرها في من يبحث في الأدب المقارن ، نحاول أن نذكر بعضها فيما يلي : ـ
– أن تتسع معارف الباحث المقارني فيكون عارفاً بالتأريخ وحقائقه ، ومطلع على جوانب عديدة من الثقافات في هذه الناحية التاريخية التي تتصل بالأدب ، أو ما يعالجه منها .
فعلى سبيل المثال : لا سبيل إلى معرفة الأدباء الفلاسفة المسلمين إن لم يكن الباحث المقارني مزوداً بثقافة تاريخية كافية حول عصر هؤلاء الأدباء الفلاسفة ، وبمعرفة كافية وافية عن الثقافات الأجنبية غير الإسلامية التي صاحبت عصره.
– معرفة عدة لغات أجنبية غير لغته الأصلية ، إذ أنه لا يستطيع أن يعرف مسألة التأثير والتأثر في الجوانب الأدبية التي يبحثها أو يدرسها إلا بالإطلاع على النصوص والآثار الأدبية في لغاتها الأصلية ، عن طريق قراءتها وفهمها .
وكثيراً ما يؤدي الاعتماد على الترجمات دون الرجوع إلى الأصول إلى أخطاء في النتائج نتيجة سوء الترجمة أو قصورها أو تحويرها أو تركها لأشياء مهمة في اللغات المنقول عنها .
فمن صفات الباحث المقارني أن يكون قادراً على القراءة الواعية لأدب من الآداب في لغته الأصلية ، وهذا يعني أن من يريد معرفة تأثير الشاعر الألماني جوته في الأدباء الرومانسيين لابد له أن يقرأ جوته الألماني في اللغة الألمانية ، وليس له أن يلجأ إلى المترجم من أدبه ، وذلك ليتمكن من معرفة انتقال التأثير ، مع مراعاة أن هناك نوع من الترجمة يطلق عليه الترجمة غير الأمينة أو غير المباشرة أو المحورة .
وعلى هذا فيلزم الباحث المقارن المعرفة بلغات عدة ، ليقرأ بها أيضاً البحوث الأجنبية اللازمة لبحثه واختصاصه .
– معرفة الباحث المقارني بالمصادر والأصول الخاصة بموضوع البحث ، وكذلك المراجع العامة المتصلة به ، ليستطيع معرفة عملية التأثير والتأثر سواء كانت بلغاتها الأصلية أو المترجمة ، وعليه أن يقارن بين الترجمة والأصل ، أو الترجمات المتنوعة بعضها ببعض .
أمور يجب أن تراعى عند الدراسة المقارنية :-
– ما يختص بدراسة الأجناس أو الأنواع الأدبية ، كنشأة قصص الرعاة ومسرحية الرعاة في الأدب الأوربي ، وانتشار القصة التاريخية في أوربا مع أوائل القرن التاسع عشر ، وكيف نشأت القصة والمسرحية في الأدب العربي ، ثم الحكايات التي كتبت على ألسنة الطير والحيوان أو ما يسمى بالخرافة على لسان الحيوان ، وكيف أدخلها إلى الأدب العربي الكاتب العباسي ، الفارسي الأصل / عبد الله بن المقفع ، وكيف أثر الأدب العربي في الأدب الفارسي ، أو كيف أثر الأدب الفارسي في الأدب العربي ؟ .
يجب على الباحث المقارني أن يتتبع كل نوع وتطوره في لغتين أو أكثر ، ويبحث العوامل التي أثرت في كل الآداب التي يراد دراستها .
– قد يحاول الباحث المقارني دراسة جنس أدبي في أدبين فقط ، وذلك كدراسة القصة الرومانسية الفرنسية وتأثيرها في القصة العربية ، أو يحاول دراسة جنس أدبي في أكثر من أدبين ، كدراسة القصة الرومانسية في الآداب الأوربية ، ثم تأثيرها في القصة العربية خلال العصر الحديث ، وعند ذلك يجب أن يراعي الباحث المقارني تحديد الجنس الأدبي الذي يريد أن يقوم بدراسته ، قصة مثلاً أو مسرحية ، وعليه أن يأتي بالدليل على تأثر الكاتب أو الكتاب بالجنس الأدبي موضوع الدراسة ، وقد يصرح الكاتب نفسه بهذا التأثير ، وعليه تكون مهمة التدليل والبرهنة يسيرة على الباحث المقارني .
وذلك كما فعل الفرنسي / فيكتور هوجو عندما صرح بمحاكاة مسرح شكسبير الإنجليزي ، هنا تكون مهمة الباحث سهلة ، أما إذا لم يصرح الكاتب بذلك كما في محاكاة أحمد شوقي لشكسبير في مسرحية شوقي (مصرع كليوباترا) ، نفس الأمر فعله شوقي عندما نفى تأثره بكتاب كليلة ودمنة الذي عربه عبد الله بن المقفع ، وذلك عندما كتب شوقي أشعاره على ألسنة الطير والحيوان ، وفي مثل هذه الحالات تكون مهمة الباحث المقارني صعبة .
بعد ذلك على الباحث المقارني أن يحدد مدى تأثر الكاتب بالجنس الأدبي ، وهل تأثر به تأثراً شاملاً ، أم تأثراً جزئياً ؟ ، ثم عليه ببحث الأسباب التي جعلته لا يتأثر تأثراً شاملاً ، ومن هنا يجب على المقارني دراسة حياة الكاتب ، وظروفه الاجتماعية والنفسية ، وكذلك مكوناته الفكرية والثقافية .
وبالنسبة لدراسة الموضوعات الأدبية كدراسة شخصية الملكة كليوباترا في الأدب الإنجليزي والأدب الفرنسي والأدب العربي ، فهذه الدراسة تحتاج من الباحث المقارني إلى جهد كبير يتطلب سعة في العلم ، ومعرفة بخصائص الشعوب ونفسياتها .
ومن أكثر فروع الأدب المقارن انتشاراً : دراسة تأثير كاتب معين في أدب أمة أخرى ، والتأثير قد يكون شخصي أو فني أو فكري .
ولا مانع من دراسة أثر كاتب أو عمل معين في أمة من الأمم على كاتب أو أعمال إبداعية معينة من أمة أخرى ، مثال على ذلك : يمكن دراسة أثر إبسن أو برنارد شو أو بيراندللو أو بريخت أو يوجين يونسكو أو الكتاب الأسبان في مسرح توفيق الحكيم .
وقد ندرس رواية مثل : (الرباط المقدس) لتوفيق الحكيم ، وعلاقتها برواية (تاييس) للكاتب الفرنسي / أناتول فرانس ..
وقد ندرس التأثير الفرنسي في أدب الدكتور / طه حسين ، وبالذات في رواياته ، مثل : (المعذبون في الأرض) و( شجرة البؤس) ... وغيرهما.
أو ندرس تأثير الكاتب الفرنسي / موباسان في قصص محمود تيمور ومسرحه .. إلى آخر هذه الموضوعات التي يمكن للباحث المقارني أن يقوم بدراستها وبحثها .
******************************