الأخبار
قطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيراني
2024/4/18
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

النحات الفلسطيني جواد إبراهيم بقلم: تيسير مشارقة

تاريخ النشر : 2004-12-23
النحات الفلسطيني جواد إبراهيم



بقلم تيسير مشارقة

يتحدث جواد إبراهيم عن عمله في نحت الحجر بنهم وبحماس شديدين. كأنه يمارس طقساً من طقوس تعبّدية ، أو عملية خلق من نوع خاص. فالعمل الفني المهم الذي يتصدر بيته وهو عبارة عن مجسم لامرأة تحمل في صدرها كومة من الحجارة تمثل واقعياً تلك المرأة التي كانت تقف على الحواجز الاسرائيلية الملتهبة أثناء الانتفاضة ومنها (حاجز فندق السيتي إن) في البالوع برام الله، وكانت تلك المرأة تحمل الحجارة لرماة الحجارة. وعرفت منذ تلك الأيام بالمرأة المزودة بالحجارة لجموع المنتفضين .. تخلدت في العمل الفني المذكور،الذي يقول عنه الفنان الفلسطيني جواد إبراهيم "لا أبيعه ولو بالذهب".

هو نصب حجري كبير يزن أكثر من عشرين رطلاً يحتاج لاثنين من الاقوياء لحمله أو زحزحته ، وقد أنهك صحة الفنان أثناء عمله ليصل به إلى صورته الأخيرة .

انتقل الفنان إلى فن النحت ماراً بخطوات فنية كثيرة ، فقد بدأ بالزيت والأكواريل أو اللون المائي، وانتقل بعد ذلك إلى النحت على الخشب واستخدام أحبار خاصة واستقر نهائياً على مزاولة النحت ، ويسترق الوقت للإبداع في أعمال فنية حداثوية ، مثل الرسم على براميل النفط او الزفتة. وهذا الحقل له جماليات قريبة من الشارع والتراب ، فلديه أعمال أنجزها مؤخراً على قطع من التنك يقوم الفنان بقصها بعناية ويعالجها بالنار وماء النار لتخرج بأشكال راقية من الناحية الجمالية.

ويعبث جواد إبراهيم بصنع الأقنعة والجداريات والمجسّمات مثل الكراسي المطعمة والمطرزة بالخرز والحجارة والتنك المصقول . إنه دائم الحضور في التجريب الفني إلى جانب النحت في الصخر . يستهويه الشارع والمارة ووجوه الناس. وقد اشتق من وجوه المارة مجموعة من الأعمال الفنية (حبر على ورق) وعرض هذه الأعمال في رام الله في معرض بعنوان"ناس من ورق وحجر"(وجوه ارتبطت بذاكرته، فزعة وملونة في آن) شتاء العام 2000 .

لاحق الفنان جواد إبراهيم الوجوه القلقة والمضطربة ، تلك الوجوه المرهقة التي تدرك بوعي كامل المسافة بين القاع والسطح. الوجوه التي تحمل في طياتها تعابير الزمن الفلسطيني المر والتي تبحث عن المفقود في غمرة الألوان وفي شقوق المكان ..هل ستجد المفقود ؟ لا يعرف الفنان ذلك بقوله "لا أدري.." ولكنه يحاول البحث عن إجابات في الوجوه.الموغلة في المجهول.

الفنان الفلسطيني جواد إبراهيم المولود في جبال يعبد في شمال الضفة الفسطينية الغربية العام 1953 تعلم الفن في أحد أقبية العمارات على يد فنان آخر يعترف له بالفضل كونه مدرساً له . علماً بأن الفنان جواد إبراهيم قد درس التربية وعلم النفس في الجامعة الأردنية وتخرج من هناك العام 1977.

عمان المدينة الساحرة بفسيفسائها أخذته من التربية وعلم النفس إلى مشارف الفن. التقيت الفنان الفلسطيني جواد إبراهيم في مقهى رام الله يوم 22،10/2004 فاندلق يتحدث عن فلسفة المكان والزمان بعمان العاصمة الأردنية. كانت انشغالاته في العاصمة الاردنية كثيرة ، يعرج دائماً على (سوق البالة) ليرقب "الرجل الصنم" الأصلع طويل القامة الأسمر النحيف الذي لوحته الشمس وهو يبيع الجاكيتات يعلقها على يده المبتورة (لا أحد يعرف لماذا بترت !). يصفه الفنان جواد إبراهيم بحميمية رائعة ويقول إنه سيعمل على نحته من الحجر ذات يوم، فذلك الرجل الذي يلحظ المرء اصفراراً في عينيه ، وشعر غير مكتمل في ذقنه بالرغم من الزمن الذي مر به يقف حتى يومنا الحالي على بعد مائة متر من الجامع الحسيني في شارع الطلياني وسط عمان.

يقول جواد ابراهيم : كان بائع الجاكيتات موجوداً عام 1973 ، ولما عدت عام 1993 ، اي بعد عشرين سنه وجدته منتصباً هناك ويحمل جاكيتاته على كتفه كالمعتاد ، صنم لا يتكلم تحت أشعة الشمس اللآهبة.

ويسترجع الفنان ايامه في عمان التي يقول إنها هي التي برمجته ليصبح فناناً فيما بعد ، قائلاً : ما زلت أذكر حلويات أبو سير وحلويات حبيبة وكشك أبو علي لبيع الكتب . وما زال عالقا في ذاكرته "أبو العبد" البويجي ذلك الرجل الذي يحب العرق ولا يدهن أحذية زبائن معروفين ومحددين ينتقيهم هو بخاطره. كان أبو العبد ينصب صندوقه عند حلويات أبو سير تحت البنك العربي بعمان ، ويفتتح يومه بكسر العرق في معدته، "مثل توفيق الدقن" ملامحه ولكنه غاب بعد وجبة عرق رديء ولم يعد.

وللفنان الفلسطيني حكايات مع بائع الفول السوداني "أبو دخنه" في سوق الذهب . من لا يعرفه ذلك الآسود النحيل بفوله المحمص "عالمطرح" . من لا يعرفه.. لا يعرف عمان ولم يتذوّق سر المكان هناك.

الفنان جواد يلتقط أشياء كثيرة من الأرصفة بالاضافة إلى وجوه الناس والزمالات المارقة والمهمة في آن، إنه يلتقط حجارته وألوانه ومقتنياته الفنية التي يعمل على إعادة بنائها بأسلوب ما بعد حداثوي . وبالرغم من انهماكه بمتابعة التفاصيل في المكان والزمان إلا أن المتابع لحياته يكتشف النظام الأسروي في منزله والرتابة غير المعهودة ، فمنزله متحف بمقتنيات فنية راقية لا توحي أبداً بأنه سليل الرصيف وابن الشارع العتيق.

يترحّم جواد إبراهيم على أيام زمان لما كان برفقة زميلية الكاتبين محمد حمزة غنايم وعبد الحكيم سمارة . أكثر شيء يتأسف عليه أنه لم يشاركهما هواية "تصوير الحمير السائبة في ربوع فلسطين" . ويقول أن ألبوم المرحوم محمد حمزة غنايم ملىء بتلك الصور النادرة والفريدة من نوعها. غنايم الكاتب والمترجم المبدع توفي في باقة الغربية بالسرطان ، بكاه الفنان جواد إبراهيم الذي كان يحب معه سماع "أم كلثوم" (أغداً ألقاك) من صوت زميل فلسطيني عتيق هو الفنان عوض الدوخي.

أما عبد الحكيم سمارة الذي كتب الشعر وأصدر ديوانا أثناء تواجده في سجون الاحتلال الإسرائيلي أواخر الثمانينات فقد أصدر برفقته الفنان جواد إبراهيم والراحل محمد حمزة غنايم مجلة "شمس " (توقفت بعد صدور ثلاثة أعداد) وانتقل من الكتابة إلى تجارة بيع السكاكر "لأن الناس لا تريد القراءة، وتبحث عن الأكل". يقول سمارة ذلك وعينيه يكاد تدمع.

هؤلاء: الكاتب الراحل محمد حمزة غنايم ، والفنان عوض الدوخي ، والشاعر المستقيل عبد الحكيم سمارة ، كانوا برفقة الفنان جواد إبراهيم في مرسمه الأول بمدينة "يعبد" في الشمال الفلسطيني. وهناك معهم تبلورت قريحته الأولى في الفن وفضاء الإبداع.

بصوفية المحب يتحدث الفنان جواد إبراهيم عن منحوتاته الحجرية . يقول: إنه الحجر الذي أتعذب في البحث عنه لأعيش معه متعة النحت ولغة التشكيل وحوار الكتلة.

ولم يكتف جواد إبراهيم بالحجر ، فقد قام باستخدام خامة التراب (تراب وماء وغراء) ليصنع مجموعة من الأعمال الفنية النادرة . وقد قام قبل شهور قليلة من رحيل الرئيس ياسر عرفات بغربلة حفنات من تراب المقاطعة المدمرة ، حيث حوصر الراحل عرفات طويلاً ، وجبلها في لوحات فنية تعبيرية من الماء والتراب والغراء باضافة ألوان نيلية من نيلة الغسيل ، عبر من خلالها الفنان عن رغبة الشعب الفلسطيني في الانعتاق من براثن الاحتلال . لوحة من تلك اللوحات المجبولة بتراب المقاطعة المخضب بالصمود أهداها الفنان إلى الرئيس الراحل ياسر عرفات علقها على حائط مكتبه.

هناك أعمال نحتية أخرى دقها الفنان بإزميله على واجهات المنازل العتيقة برام الله ومنها على مدخل بناء مركز خليل السكاكيني الثقافي. وفي مكتب الشاعر الفلسطيني محمود درويش في نفس المركز تنتصب أعمال نحتية للفنان جواد إبراهيم تقترب بفنّيتها من لغة الشعر.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف