الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

فتح وحماس بقلم: سعيد الصرفندي

تاريخ النشر : 2007-10-16
فتح وحماس

بقلم: سعيد الصرفندي

هل أصبح إفساح أحدهما المجال للآخر حتمياً؟!

ما زال كثير من المحللين والباحثين يحجمون عن الغوص في أعماق الصراع والنزاع بين فتح وحماس ، مع أن هذاالغوص تفرضه طبيعة أي بحث علمي عندما نريد تناول مثل هذه القضايا .

حركة فتح نشأت في وقت لم يكن للقضية الفلسطينية من يمثلها ، فقد التبس الأمر على كثير من الناس حول طبيعة القضية الفلسطينية: هل هي قضية اسلامية أم قضية قومية عربية أم قضية وطنية فلسطينية .

كان الأصل في القضية الفلسطينية أنها قضية إسلامية لأن هذا الاعتبار كان قادراً على تجنيد الطاقات الإسلامية والعربية لحلها ، ولكن ضعف الرابطة أو الجامعة الإسلامية عندما تم اغتصاب فلسطين ؛جعل القضية الفلسطينية تظهر وكأنها قضية قومية ، بل قضية العرب الأولى بلا منازع ، وقد ساهم في إظهار هذا البعد بروز التيار القومي على صعيد الفكر والممارسة . إلا أن أهل فلسطين وهم أصحاب القضية ، لم يلمسوا في الحقيقة أن قضيتهم هي قضية العرب الأولى ، أو على الأقل لم يلمسوا توازناً بين التنظير والممارسة العملية ؛ فكان لا بد من ظهور تيار فلسطيني تركزت فيه مشاعر الإحباط والغضب على اغتصاب فلسطين ليتحول إلى مقاومة للاحتلال وإشارة مرورية باتجاه ساحة العمل المسلح ضد الكيان الصهيوني ، وكان هذا التيار هو حركة فتح .

عندما تشكلت حركة فتح لم يكن هناك توجه ايديولوجي ، ولم يكن من الصائب في حينه اشتمال توجهات الحركة على بعد ايديولوجي ، فالتوجهات في ذلك الحين لم تكن سوى تقدميةاو رجعية ، ومعلوم أن التقدمية في حينه تقتضي ولو أثراً ضعيفا ًللفكر الماركسي اللينيني ، وهذا معناه الابتعاد عن الجماهير التي يشكل الدين أهم مكونات الوعي واللاوعي فيها . أما إعلان نوجهات رجعية او علمانية فمعناه الارتماء في أحضان الدول العربية ، وهي التي كانت سبب الإحباط بل إحدى مبررات وجود تيار فلسطيني مستقل . لذلك كانت حركة فتح تمثل الشارع الفلسطيني الذي فقد ثقته بالنزعة القومية ، وخاصة بعد فشل التيار القومي عام 1967 من الحفاظ على ما تبقى من فلسطين ؛ فلم يكن الشعب الفلسطيني في ذلك الوقت يريد الحديث عن الأفكار والأيديولوجيا ، مع أن الفكر الشيوعي عرف امتدادا واسعا في تلك الفترة ، ولكنه امتداد في أوساط الإنتلجنسيا التي كانت بفعل جملة من العوامل متمردة على الواقع بشكل لا عقلاني ، وكان الشارع الفلسطيني يهتم بفكرة المقاومة والتحرير ، لذلك كان من المقبول اعتبار الاتحاد السوفياتي صديقا وهو الذي يمثل المعسكر الشيوعي ، ما دام " الكلاشنكوف " الذي نقاتل به إسرائيل من صناعتها .

نشأت حركة فتح باعتبارها حركة تمثل طموحات الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال وحلم العودة ؛ فكان من الطبيعي أن يحتضن الشعب الفلسطيني هذه الحركة ؛ ليس لأنها تمثل تيارا فكريا وإنما لأنها مثلت تيارا شعورياً جمعيا يعكس الحالة النفسية التي يعيشها الشعب الفلسطيني ، خاصة وأن المعارك الأولى مع الاحتلال كانت على أيدي رجال حركة فتح ، فقد كانت فكرة الكفاح المسلح هي الفكرة التي تستطيع الحصول على إجماع فلسطيني ، ولم يكن من الممكن أن يستحوذ أي تيار مهمته التنظير ولو أبدع في ذلك على الاجماع الفلسطيني ما دام لا يتحدث عن الكفاح المسلح والمقاومة وحق عودة اللاجئين ...

حركة فتح استطاعت باعتبارها حركة مسلحة ودون ايديولوجيا محددة أن تستقطب قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني ، فهي تيار يضم في عضويته كل من يريد مقاتلة اسرائيل ، كل من يريد حمل السلاح دو ن النظر الى قناعاته الفكرية والعقائدية ، فكان في هذه الحركة منذ البدايات رجال متدينون يعتبرون حملهم للسلاح ومقاتلتهم اليهود جهادا في سبيل الله ، وكان فيها من يعتبر حمله للسلاح امتدادا وتعبيراً لأفكار تروتسكي ومبادئ الثورة العالمية الدائمة ضد الاضطهاد والاستغلال، ولكن المساحة بين هذا وذاك كانت تختفي في بوتقة فتح وفي معسكرات التدريب لقتال اليهود .

من الطبيعي أن استمرار الثورة لسنوات عدة كان يفرض بشكل موضوعي ان تنشأ علاقات مع أحزاب وحركات تحرر بل اكثر من ذلك ، علاقات مع دول مستقلة بل دول فاعلة على مسرح السياسة الدولية ، هذه العلاقات كانت تحتاج الى محترفي عمل سياسي كما هي الحاجة الى محترفي عمل عسكري ، كل ذلك بدأ يفرض حالة تتشكل عبرها - في الثورة بوجه عام وفي حركة فتح بوجه خاص – فئة لها مصالح مادية ومعنوية على مستوى السياسيين وبتدرجات اقل تلونا لمجموعة من العسكريين ، كل ذلك لم يمنع التفاف الجماهير حول حركة فتح لأنها كانت حركة تمارس الكفاح المسلح فكراً وعملاً .

بعد عام 1974 بدا واضحاً أن هناك حالة من الإنقسام الشعوري بين حركة فتح وبين قطاعات بدأت بالتوسع ، فالسلام والحديث عن غصن الزيتون معناه الاعتراف بدولة اسرائيل وإن كانت هذه الفكرة قد رسمت لوحة للمستقبل لكنها كانت بخطوط باهتة لا تستطيع الجماهير قراءتها في ظل العمل المسلح الذي كان يشنف أسماعها . الا أن هذه الخطوط بدأت تتضح معالمها لقطاعات اوسع من الشعب الفلسطيني بعد الدورة السادسة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني الذي خرج باعلان الاستقلال ، الذي لم يكن في الحقيقة الا اعترافا بإسرائيل ولكن في جو احتفالي قصد منه التعمية على الشعب الفلسطيني ، فالنصف الممتلئ من الكأس كان الاعتراف باسرائيل والجزء الفارغ منها اعلان الاستقلال .

في هذه الاثناء وقبلها، كانت الثورة الإيرانية، إضافة الى عوامل موضوعية كثيرة قد أعطت زخماً للتوجهات الدينية ؛ فبدأت تيارات اسلامية بالظهور، هذه التيارات لم تكن بحاجة الى مساحات كبيرة من التنظير الفكري والأيديولوجي لاستقطاب الجماهير الفلسطينية ، لأن مجرد وجود تيار ديني يعني أن مساحات التلاقي مع الجماهير واسعة وكبيرة ، فكيف إذا كانت هذه الحركات حركات مقاومه وحركات مسلحة .

إذن كان هناك تراجع عن الفكرة الاساسية التي قامت عليهاحركة فتح باعتبارها حركة مسلحة هدفها تحرير فلسطين من البحر الى النهر ، وكذلك بروز اشخاص وتيارات داخل الحركة تتبني العلمانية بشكل واضح لا لبس فيه .

في هذه الاثناء جاءت الانتفاضة الأولى ، حيث ظهرت حركة حماس بقوة تجاوزت قدرات المحللين والخبراء ، فهي حركة تشابهت مع حركة فتح في تبني العمل العسكري والكفاح المسلح ، وفوق ذلك هي حركة ذات توجهات ومرجعيات دينية ، فكانت جماهيرها على الأغلب هي جماهير فتح ذات التوجه الديني .

ثم جاءت بداية التسعينات لتشهد امورا عظاما ، كهزيمة الاتحاد السوفياتي في افغانستان على يد المجاهدين ومنهم من كان له دور مركزي كالدكتور عبد الله عزام وهو فلسطيني ، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية ؛ الذي اعتبر في حينه نتيجة طبيعة لنظام قام على اساس الالحاد ومحاربة الدين ، كل ذلك شكل بطريقة عفوية مقدمات قوية لاتساع تأثير التيار الديني الذي وجد الظروف الملائمة لاستدعاء مخزوم التراث الاسلامي الذي يمجد الجهاد والاستشهاد في سبيل الله .

مع كل ذلك لم يكن هناك فرق كبير بين برنامج تلتزمه حركة فتح ، وهو برنامج ليس مكتوبا ، ويمكن تسويقه حسب الجمهور الذي يقدم اليه ، فهناك فئات من خارج فتح ومن داخلها ، ما زالت تعتقد أن حركة فتح هي نفسها التي نشأت في الستينات ، وأن كل ما يحدث ليس الا تكتيكا ابدعت في استخدامه حركة فتح .

هذا التصور على بساطت وسذاجته عندما ساد قطاعات كبيرة من جماهير فتح ، أصبح احد عناصر الأزمة المتأزمة في داخل حركة فتح ، فقد كانت التوجهات الرسمية في انتخابات الرئاسة الفلسطينيةً تقضي بدعم محمود عباس الذي أعلن أيام الرئيس الراحل ياسر عرفات أنه ضد المقاومة وضد عسكرة الانتفاضة ، فكان من الطبيعي أن لا تعطي الجماهير غير الحزبية اصواتها لحركة فتح في اتخابات المجلس التشريعي ، وأن تتوجه باصواتها الى حركة حماس التي طرحت برنامج المقاومة ، وهذا يعني أن الشعب الفلسطيني ما زال يملك مقاييسه المعيارية التي كانت منذ نكبته الأولى ، نلك المقاييس التي تدور حول المقاومة والكفاح المسلح ، ولو كان ذلك على مستوى التنظير دون الممارسة في أغلب الاحيان .

لقد بدأت جماهير الشعب الفلسطيني تدرك أن هناك من استلم زمام الامور في حركة فتح ومن ثم السلطة وبدأ يتعاطى مع الواقع الجديد بعد دخول السلطة باعتبار أن القائم هو دولة ، أو أن هناك حاجة الى عبقرية تستطيع التعامل مع الواقع باعتباره استقلالا وفي نقس الوقت السعي لانجاز مرحلة التحرر الوطني .

هذه العلاقة الجدلية بين الاستقلال ومرحلة التحرر الوطني كانت بحاجة الى اكاديميين وطلاب علوم سياسية وقانون دولي ليفهموا ما يجري ، ولم يكن هناك من يستطيع إفهام الجماهير ما ليس بمفهوم . فكانت النتيجة ما جرى في انتخابات المجلس التشريعي .

ماذا يعني هذا : يعني أن البرنامج السياسي لحركة فتح إذا عاد الى ما يريده الشعب الفلسطيني ، عاكسا لاحلامه في التحرر والاستقلال والعودة ، فإنه قادر على اعادة الجماهير إليه ، ولن يكون حتميا التصادم بين فتح وحماس ، ولن يكون من الضروري أن يفسح احدهما المجال للآخر على الساحة الفلسطينية ، أما أن يكون البرنامج السياسي عاكسا لرؤية الآخرين للصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، وهو الصراع الذي ان سببا في وجود الحركات الفلسطينية ، فإن ذلك يقود الى نتيجة واحدة : يجب أن يخلي برنامج أحدهما المجال للآخر على الساحة الفلسطينية [email protected]
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف