بريطانيا وإشكاليات الخروج من الاتحاد الأوروبي بقلم : زياد عبد الفتاح الاسدي
تاريخ النشر : 2019-09-15
بريطانيا وإشكاليات الخروج  من الاتحاد الأوروبي بقلم : زياد عبد الفتاح الاسدي


بريطانيا ... وإشكاليات الخروج من الاتحاد الاوروبي ....!!!!
قبل التعرض لهذا المقال أود أن اشير الى مقالين (الرابطين في نهاية المقال) تم نشرهما في صيف 2016 , وهما يتعرضان لتداعيات الاستفتاء البريطاني الذي جرى عام 2016 للخروج من الاتحاد الاوروبي , وتأثير هذا الخروج في إضعاف الاتحاد الاوروبي عموماً وبالتالي الهيمنة الاوروبية والامريكية على المسرح السياسي العالمي بما في ذلك الشرق الاوسط والمشرق العربي .. كما يُشير أحد هذين المقالين بأن نتيجة الاستفتاء البريطاني عام 2016 بالخروج من الاتحاد الاوروبي تُؤشر الى ازدياد شعبية اليمين القومي المُتطرف في دول الاتحاد الاوروبي الذي يُشجع على الانفصال عن منظومة الاتحاد الاوروبي . وقد أظهرت بالفعل نتائج انتخابات البرلمان الاوروبي التي جرت مُؤخراًازدياد هذه الشعبية بالفعل , وما قد ينجم عنها من تفاقم لظواهر الكراهية والتمييز العنصري ضد الاقليات العربية والافريقية والاسلامية التي تُقيم في دول الاتحاد الاوروبي .

بريطانيا والحرب البرلمانية للخروج من الاتحاد الاوروبي ....!!!!
مع اقتراب الموعد النهائي المُحدد لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي الذي تم تمديده منذ ستة أشهر الى 31 اكتوبر 2019 , تزداد المعركة البرلمانبة والاعلامية شراسة في بريطانيا مع قيادة حزب المحافظين , بدءاً من تيريزا ماي , ثم بوريس جونسون الذي كان يُصر على الخروج من الاتحاد الاوروبي بأي ثمن وبدون اتفاق مُسبق رغم ما قد يخلق خروج كهذا لبريطانيا من متاعب سياسية وأضرار إقتصادية لا يُستهان بها .
ويُمكننا فيما يلي رصد الاسباب والنتائج المُرتقبة للصراع السياسي والبرلماني الذي يخوضه الجناح اليميني المُتطرف في حزب المحافظين بإصرار رغم الانقسام الحاد الذي يُعاني منه هذا الحزب :
1. من أهم الاسباب التي قادت الى استقالة تيريزا كرئيسة للحكومة البريطانية هو فشلها أمام مجلس العموم في تمرير الاتفاقية التي وضعتها للخروج المُسبق من الاتحاد الاوروبي .. بالاضافة الى الانقسام الذي شهده حزب المحافظين قبل استقالتها , ثم تفاقم هذا الانقسام بشدة بما يُهدد بانهيار وحدة الحزب مع قدوم بوريس جونسون لرئاسة الحزب والحكومة بعد استقالة تيريزا ماي .
2 . الفشل الذي واجهه ولم يزل يُواجهه بوريس جونسون في مجلس العموم البريطاني منذ استلامه رئاسة الحكومة يعود الى عدم تمكنه من الحصول على الاغلبية البرلمانية والى الخلافات بين أعضاء حزب المحافظين حول عملية الخروج , بين مُؤيد للخروج بدون اتفاق ومُؤيد للخروج باتفاق مُسبق ومنهم رافضين بالاصل لعملية الخروج وهؤلاء يُمثلون أقلية على أية حال .. كما يعود أيضاً هذا الفشل الى التنافس والتناحرالحاد بين بعض قيادات الحزب على رئاسة الحزب والحكومة , ثم خروج واستقالة بعض الاعضاء الهامين من الحزب والحكومة بما قد يُؤدي الى تزايد احتمالات الانشقاق داخل حزب المحافظين في إطار هذا التنافس والتناحر على قيادة الحزب ورئاسة الحكومة .
3 .هذا الانقسام الخطير في حزب المحافظين الذي ساهمت فيه في البداية تيريزا ماي , تفاقم مع قدوم بوريس جونسون الى رئاسة الحزب والحكومة .. وهذا ما تسبب في النصيب الاكبر من الهزائم التي واجهها كل من تيريزا ماي وبوريس جونسون في مجلس العموم البريطاني , وأهم هذه الهزائم على الاطلاق كانت في محاولات جونسون تعطيل عمل البرلمان وفي محاولته الاخيرة للحصول على موافقة البرلمان لاجراء انتخابات مُبكرة .. والغريب في طرح جونسون للانتخابات المُبكرة هو وجود إحتمال كبير لان يفقد حزب المُحافظين العديد من مقاعده في مجلس العموم مع تدني شعبيته .. وقد يفقد الحزب حتى الاغلبية البرلمانية اللازمة لتشكيل الحكومة .
4 . الهزائم التي واجهها جونسون في البرلمان البريطاني إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى التخبط الشديد الذي مارسه وما زال يُمارسه جونسون في إدارة الحزب والحكومة وفي مداخلاته البرلمانية الفاشلة وعدم إكتراثه لمصالح بريطانيا الحيوية في عدم الخروج دون اتفاق مسبق .. وكذلك عدم اهتمامه بالخلافات والانقسامات داخل حزبه والتي قادت الى استقالة بعض الوزراء وأعضاء الحكومة وخروج البعض من الحزب .
5 . لم يُبدي جونسون كرئيس للحكومة أي اهتمام في مُتابعة التفاوض مع الاوروبيين لانجاز بنود اتفاق ضروري للغاية لعملية الخروج .. فهو لم يُبادر مثلاً فور استلامه رئاسة الحكومة إهتماماً واضحاً لمقابلة زعماء الدولتين التين تقودان الاتحاد الاوروبي وهما ألمانيا وفرنسا .
6 . أبدى جونسون أخيراً بعد هزائمه المُتكررة في مجلس العموم استعداده للتفاوض مع الاتحاد الاوروبي , في الوقت الذي تم فيه تخفيض كبير في عدد المُفاوضين البريطانيين المُخصصين للتفاوض مع الاتحاد الاوروبي , وهذا يُؤشر الى عدم جدية جونسون أو حتى استعداده الفعلي للتفاوض .
7 .لم يتفهم جونسون أهمية وجدية الموقف الثابت للاتحاد الاوروبي الغير قابل لاي تنازلات ولا سيما فيما يتعلق بحماية إقتصاد السوق الاوروبية المُوحدة من خلال الوصول الى اتفاق مسبق قبل الخروج البريطاني .. بحيث يُغطي هذا الاتفاق على نحوٍ عادل كافة المناحي الاقتصادية والجمركية والتجارية وبما يشمل قطاعات المواصلات والنقل والصناعة والزراعة والخدمات والطاقة والاغذية ... الخ ... واتفاق كهذا يسبق عملية الخروج لا يُؤمن فقط مصالح السوق الاوروبية المُوحدة , بل أيضاً يُجنب بريطانيا خسائر جسيمة تشمل الجوانب الاقتصادية والتجارية والجمركية وقطاع النقل والخدمات والصحة .. وهذا ما يجعل من بريطانيا صاحبة المصلحة الاكبر في الاتفاق المُسبق .
8 . أخيراً : أنصار الخروج من الاتحاد الاوروبي وأغلبهم من سكان انجلترا لم يُعطوا اهتماماً كافياً وجاداً للمسألة الأيرلندية أو حتى الاسكتلندية ، وهم يُسارعون الى الخروج من الاتحاد الاوروبي دون حتى التفكير بما قد يجلبه هذا الخروج للمملكة البريطانية من الانحسار والتفكك والتراجع على الصعيد الاوروبي وفي المجتمع الدولي , الى درجة أنهم يفضلون خسارة أيرلندا الشمالية واسكتلندا على البقاء في الاتحاد الأوروبي .

على اية حال نعود ونُؤكد في نهاية الامر أن ما يهمنا بشكلٍ رئيسي في العالم العربي من قضية الخروج البريطاني من الاتحاد الاوروبي أو غير ذلك من القضايا هو استمرار الضعف والتراجع في النفوذ الامبريالي للاتحاد الاوروبي ومنظومة الغرب بقيادة الولايات المُتحدة , بما يقود الى تراجع وهزيمة هذا المحور وبالتالي فشل المُؤامرات والتدخلات والهيمنة التي يفرضها الاتحاد الاوروبي بالمُشاركة مع الولايات المتحدة على العديد من دول الشرق الاوسط والمشرق العربي بما يشمل سوريا ولبنان ومصر والعراق وليبيا واليمن والسودان والجزائر ...الخ . ولكن يهمنا أيضاً بالمقابل الحيلولة دون صعود اليمين القومي المُتطرف الى مراكز القيادة والقرار سواء في بريطانيا أو دول الاتحاد الاوروبي أو في الولايات المتحدة .. لما يجلبه هذا الصعود من تصاعد الاعتداءات والاضطهاد والتمييز العنصري الذي تواجهه العديد من الاقليات العربية والافريقية والاسلامية وحتى الاسيوية في دول الغرب التي تزايدت وتيرتها في السنوات الاحيرة .

بريطانيا وتداعيات الخروج من الاتحاد الاوروبي بقلم: زياد عبد الفتاح الاسدي

لماذا التفاؤل (أو التشاؤم) المُفرط بخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي ؟ بقلم: زياد عبد الفتاح الاسدي