دور المراة الفلسطينية في الانتفاضة 1987 بقلم:مازن الشاعر
تاريخ النشر : 2007-06-24
دور المراة الفلسطينية  في الانتفاضة 1987 بقلم:مازن الشاعر


انتفاضة 1987

زادت قناعة رجل الشارع الفلسطيني باستحالة التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية دون تحرك شعبي داخلي، خاصة في ظل أجواء من انحسار الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية واكتفاء معظم الدول العربية بتسجيل مواقف خطابية إعلامية دون أن يتعدى ذلك إلى تحرك عملي تشعر معه إسرائيل بالضغط عليها، هذا إضافة إلى شعور منظمة التحرير الفلسطينية بالعزلة الدولية منذ أن غادرت بيروت عام 1982 متوجهة إلى تونس.. كل ذلك مع ازدياد الأعمال الإجرامية للقوات الإسرائيلية من قصف للقرى والمخيمات في الجنوب اللبناني وهدم المنازل والاعتقالات العشوائية والعقاب الجماعي لأهالي الضفة الغربية وقطاع غزة، أدى إلى أن يجد الغضب الجماهيري متنفساً له في صورة انتفاضة شعبية عمت كل المدن الفلسطينية.

استمرت الانتفاضة حوالي ثلاث سنوات، ظهرت خلالها بطولات فردية، لكن في المقابل كانت القوات الإسرائيلية ترد بعنف، وابتكرت سياسة تهشيم العظام لتسبب إعاقة دائمة للشباب الفلسطينيين المشاركين في الانتفاضة. وتحمست الشعوب العربية لما يحدث في الأراضي المحتلة، وتحسن الموقف السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.

ولكن.. كانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد والتي تعدى تأثيرها السلبي القضية الفلسطينية ليمتد إلى النظام العربي بأكمله، وهي غزو العراق للكويت وما أعقبه من حشد الولايات المتحدة الأميركية الرأي العام الدولي ضد العراق، وقيام قوات التحالف الدولي بشن غارات قاسية على الجيش العراقي والمدن العراقية أجبرت في نهايتها العراق على الانسحاب من الكويت.

أما تأثير ذلك على الانتفاضة فيظهر في سحب حرب الخليج الثانية البساط من تحت أقدامها، وتغييرها لأولويات الاهتمام العربي والدولي، فلم تعد القضية الفلسطينية تأخذ من الاهتمام ما كانت تحصل عليه قبل الغزو العراقي.

أما التأثير الثاني فكان نابعاً من الموقف السياسي الذي اتخذته بعض الدول الخليجية بالاستغناء عن معظم العاملين الفلسطينيين، رداً على الموقف السياسي الذي اتخذته منظمة التحرير والذي فسرته الدول الخليجية بأنه مؤيد للعراق، وقد حرم ذلك الإبعاد الفلسطينيين في الداخل من رافد اقتصادي هام.

.....

المرأة والعمل النقابي

لم يكن ثمة مفر من أن تصبغ التنظيمات النقابية الفلسطينية بالصفة السياسية، التي طغت على مجمل أعمال النقابات الفلسطينية، بعد هزيمة 1967 حيث كانت مهمتها الأولى الدفاع عن حرية الوطن، في وجه الاحتلال الإسرائيلي، في حين تراجعت القضايا المطلبية/ المجتمعية، في خضم الصراع الدائر، لذلك لم يكن من السهل على المرأة الفلسطينية أن تتنصل من الرغبة الجماعية في التعبير عن القضايا الوطنية، لذلك وجدت نفسها مدفوعة لأن تنحي جانباً المطالبة بحقوقها، واتجهت إلى المشاركة الوطنية، بكل معانيها، كما أن انضمام المرأة المتأخر للنقابات الملحقة بالعمل السياسي، تنشط، إذا نشط وتهمد إذا همد أدى إلى تحجيم دورها فيها، وقلص من حرية تعبيرها عن قضاياها، كما أنه لم يمنحها الفرصة لوضع خطط أولية لتوجهاتها داخل المجتمع، فمع الارتباط الحميم، بالسياسة، التي من شأنها عدم الثبوت، كان يختلف ترتيب قضايا المرأة ومطالبها، حسب الظرف السياسي، وبالتالي لم تتمكن من الاستفادة من وجودها داخل التنظيم النقابي وإرساء مطالب محددة، تسير وفق منهج مدروس يرتكز إلى خصائص الاحتياطات الأساسية للنساء الفلسطينيات.

إن قراءة أولية لنسب النساء الفلسطينيات المنتسبات للنقابات المهنية، تشير إلى التباين الشديد بينها وتركزها في المدن الكبيرة نسبياً، ففي مدينة نابلس في الضفة الغربية المفتوحة العلاقات مع الأردن ثمة أكبر عدد من النساء المنتسبات للنقابات المهنية، حيث تبلغ نسبتهن 40.6% وفي رام الله 15.3%، وفي القدس 13.5%، وفي أريحا تنحدر النسبة إلى أقل من 0.6%.

وقد كان "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" أول تنظيم نقابي انضمت إليه المرأة الفلسطينية ومارست من خلاله بعض الأنشطة، ولا عجب في ذلك حيث أعلن الاتحاد نفسه منذ البداية أنه قاعدة من قواعد م.ت.ف. ورغم أن الاتحاد جعل من أهدافه "الدفاع عن مصالح المرأة الفلسطينية لممارسة حقوقها المادية والمعنوية، والنضال لرفع مستواها الاجتماعي والمعيشي والثقافي والمهني" إلا أنه لم يستطع تأطير كل النساء الفلسطينيات اللائي هن بحاجة حقيقية للدفاع عن مصالحهن والارتفاع بمستواهن، بل وقع الاتحاد بين أيدي وجاهات برجوازية، تبتعد وتقترب من النساء الفلسطينيات الريفيات وربات البيوت حسبما يبتعد أو يقترب موعد الانتخابات، صحيح أن الاتحاد استطاع أن ينتزع أكثر من نصف المقاعد المخصصة للنساء في المجلس الوطني، وعددها 25 مقعداً، ولكن هل استطعن حقاً أن ينقلن وأن يعبرن عن الأوضاع الحقيقية التي تعيشها المرأة الفلسطينية؟!

إضافة إلى الاتحاد العام للمرأة، شاركت المرأة في التنظيمات المهنية، كالاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين، والاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين، والتي تواجدت في بعض الهيئات الإدارية لبعض فروعه، وخلا اتحاد العمال الفلسطيني من النساء الفلسطينيات، وكذلك اتحاد المهندسين، بينما شغلت إحدى الحقوقيات الفلسطينيات عضوية الأمانة العامة للاتحاد العام للحقوقيين. إن السمة الأساسية التي تغلب على هذه النقابات جميعاً، عدم عنايتها الجادة بتوسيع قاعدة انتساب النساء إلى هذه النقابات أو وضع برامج خاصة بها كما لم تمثل في هيئاتها التنفيذية، وإن حدث ذلك فبشكل رمزي.

........

المرأة واتخاذ القرار من 1978-1992.

في إطار النضال السياسي الاجتماعي الثقافي ضد الاحتلال ابتدعت المرأة الفلسطينية أنماطا جديدة للعمل والذي تشكلت نواته في بداية السبعينات من خلال العمل التطوعي وتطور في نهاية السبعينات على شكل الأطر الجماهيرية النسوية والصحفية، والزراعية والاتحادات النقابية المختلفة، في عام 1983 كان هناك أربع اطر نسائية تمثل أربع جهات سياسية وقد أصبحت مدخلا تنظيم النساء في الأطر السياسية تسعى إلى زيادة الفاعلية والمشاركة ا لوطنية للمرأة، وفي عام 1987 أصبح عدد الأطر ستة، وقد انتظمت أعداد واسعة من النساء ، في هذه الأطر التي انتشرت في المدن والقرى والمخيمات حيث عملت على تقديم الخدمات للجمهور الفلسطيني وبذلك حازت على ثقة المجتمع الذي تتواجد فيه.

وقد تجلت مشاركة المرأة بوضوح في انتفاضة 1987 ، فقد لعبت المرأة الفلسطينية دورا رئيسيا في الانتفاضة منذ البداية، مما لفت نظر المراقبين، ولولا ذلك ماقيل أن المشاركة في الانتفاضة كانت شاملة، وذلك من خلال دورها الفاعل في تشكيل اللجان الشعبية على مستوى الأحياء التي كانت تقدم للجمهور الخدمات المختلفة في مجال الصحة والتعليم، والرعاية الاجتماعية، وكذلك في أشكال النضال المختلفة المباشرة وغير المباشرة لمواجهة الاحتلال أدت هذه المواجهات إلى اعتقال 433 امرأة مابين الأعوام 1967-1990 لفترة ما بين شهر ومؤبد ، هذا بالإضافة إلى ما يقارب 1000 امرأة تعتقلهم سلطات الاحتلال سنويا ما بين ساعة ويوم وشهر ، كما أبعدت سلطات الاحتلال خلال الفترة ذاتها 250 امرأة وطفلة إلى خارج الوطن( مركز معلومات حقوق الإنسان الفلسطيني بالقدس ) ، ساهمت هذه المشاركة في بلورة وعي جديد لدى المرأة وبشكل خاص فيما يتعلق بدورها المجتمعي الهادف إلى تفعيل دور المرأة في بناء مجتمع مدني ديمقراطي يفي بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الرجال والنساء ، وطرحت عددا من المفاهيم الاجتماعية التقليدية كارتفاع المهور التي شهدت انخفاضا واضحا خلال الانتفاضة إضافة إلى ضرورة مشاركة المرأة في القيادة السياسة سواء في الهيئات القيادية للأحزاب أو في القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، وقد تجلت هذه النقاشات في مؤتمر الانتفاضة وبعض قضايا المرأة الذي أقامته مؤسسة بيسان للبحوث ديسمبر 1990 ، كذلك مؤتمر المرأة العدالة والقانون الذي أقامته مؤسسة الحق والتعاون مع كافة الأطر والمؤسسات النسائية عام 1992.

كما شهدت هذه المرحلة نشوء عدد من المراكز النسوية المتخصصة مثل مراكز الدراسات النسائية عام 1989، ومركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي عام 1991، وقد طرحت هذه المراكز قضايا المرأة الاجتماعية ودعت إلى نشر الثقافة والتوعية القانونية بين النساء خاصة والمجتمع عامة

.......................

دور المرأة في الانتفاضة

لقد حكم علاقة الرجل والمرأة في المجتمع الفلسطيني صيغة النضج والتفاعل ، إلا أن أوجه العلاقة التقليدية بينهما لم تتلاشى وهذه على صلة بالخلفية الاجتماعية والثقافية للمجتمع ، والملفت في الانتفاضة هو أن الدور الملموس والفاعل والمتكامل والمتمازج الذي أسقط الحاسية التقليدية لدور المرأة وضوابطه في الانتفاضة أدى أيضاَ لذوبان الفوارق الشكلية بين المرأة والرجل في الفعل الجماهيري حتى أن تقييما نضالياً جديداً للعمل برز من خلال الانتفاضة بين الرجل والمراة ، أعطى المرأة دوراً بارزاً ومتقدماً لا يستطيعه الرجل مثلاً إعتقال الأطفال والشباب في القرى والمخيمات والمدن وقيام النساء بتخليصهم من أيدي الجنود " .

هذا ولم يكن الدور البطولي الذي لعبته المرأة الفلسطينية في الانتفاضة الباسلة بداية بمسيرتها في التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني وثورته الجبارة بل كانت منذ أن تعرض الشعب الفلسطيني للاحتلال تمارس دورها جنباً إلى جنب مع الرجل في كل موقع وزمان ورسمت دورها بفروعه وإصرار وأبدعت في الأداء والصفاء لفلسطين القضية والأرض والأنسان

فقد ابدعت في الصفاء لفلسطين الأرض حينما رشت حبات عرقها التراب الطاهر وهي تفلح الأرض مع الرجل وفي كثير من الأحيان لوحدها عندما كان يتعرض زوجها أو ابنها للاستشهاد أو الاعتقال حيث لم تدع الأرض تبور أو تجف ترابها كما أنها أبدعت في عطائها لفلسطين الانسان عندما كان لا يجد المال الكافي ليحقق حلمه في شراء البندقية للدفاع عن أرضه وعرضه وسرعان ما يجد المرأة وهي تقدم صيغتها وحليها مقابل الحصول على البندقية وذهبت في نضالها في نفس الأحيان إلى أبعد من ذلك حينما كانت تحمل البندقية وتواجه عمليات الاستيلاء على الأراضي وتخريبها من قبل المستوطنين الصهاينة منذ بداية الغزو الصهيوني لفلسطين . وعلى الرغم مما أحل بقضية فلسطين واتساع حلقة التآمر على شعب فلسطين على صعيد التهويد فإن ذلك زادها إصراراً على مواصلة نضالها حيث أنها بعد عام 67 انخرطت وبشكل فعلي في العمل المسلح وشاركت في المجموعات الفدائية البطولية وساعدت في نقل الأسلحة وتخزينها ونفذت العديد من العمليات النوعية ضد مواقع عدوها الصهيوني

واستمرت المرأة الفلسطينية بعزيمتها القوية تتابع مسيرتها النضالية عبر جميع اشكال العمل الوطني وهي تدق أبواب الحرية والاستقلال ومارست دورها في كل المواقع ،ناضلت كأم تربي أطفالها على التحدي والنضال واخترقت بقوة ارادتها معظم الأطر الطلابية والنسائية لتمثل فلسطين في اتحاد المرأة الفلسطينية على صعيد الخارج وتتعدى النشاط السياسي والعمل الجماهيري الوطني داخل فلسطين المحتلة من خلال مشاركتها في اتحادات مجالس طلبة الجامعات واستطاعت المناضلات الفلسطينيات تكوين وخلق الأطر النسائية في جميع المواقع حتى اصبح دور هذه الأطر يضطر حيزاً كبيراً من احتياجات جماهير الشعب الفلسطيني في المخيم والقرية والمدينة وبرز اتحاد المرأة للعمل الاجتماعي وشارك عبر تفاعله وعطائه اليومي في إيجاد البنية التحتية للانتفاضة الباسلة حيث وفر الظروف والاحتياجات الضرورية لانجاح التعليم الشعبي بعد أن لجأ الاحتلال لاستخدام سلاح التجهيل للضغط على الانتفاضة كما عمل اتحاد المرأة على المشاركة في إقامة العيادات الميدانية لتوفير العلاج السريع لجرحى الانتفاضة ، فضلاً عن دور اتحاد المرأة في إنشاء وتأسيس رياض الأطفال في العديد من المدن والقرى والمخيمات لتوفير التربية والتعليم المناسب للجيل الفلسطيني القادم وتعبئته وطنياً ومساعدته على حمل التراث والحفاظ عليه عبر الأناشيد والصور واللباس

وكما كان لدور المرأة والفتاة الفلسطينية بروزاً مميزاً في انتفاضة الاستقلال والنصر أيضاً كان لدورها في الثورة الفلسطينية السابقة أثراً كبيراً حينما قامت بقيادة المظاهرات ورفع الاعلام الفلسطينية في انتفاضة عام 74 حيث بلغ الحقد الصهيوني على الفتاة الفلسطينية درجة الوحشية حينما داست الدبابات الاسرائيلية في مدينة جنين جسد المناضلة فتحية عوض الحوراني التي تصدت للدبابة بجسدها الطاهر وأضافت ببذلها وعطائها صفحات جديدة لنضال الشعب الفلسطيني وكذلك في انتفاضة عام 67-77 التي استمرت ثلاثة أسابيع ، برز الحقد الصهيوني مرة أخرى حينما لجأ أحد ضباط الاحتلال الى إطلاق الرصاص عن قرب على المناضلة الشهيدة لينا النابلسي في مدينة نابلس لأنها كانت تقود مظاهرة كبيرة واستطاعت النجاح في الافلات من قبضة الاحتلال ولكن جيش الاحتلال تابعها وبعد مطاردة طويلة استطاع أن يساعدها في نيل الشهادة لتعطي نضال المرأة الفلسطينية دفعة قوية ولتثبت للعالم أن جميلة بوحريد لم تمت وأن كل الفلسطينيات هم أمثال المناضلة جميلة ونتيجة لجميع النضالات والعطاء المميز للمرأة الفلسطينية جاءت الانتفاضة البطلة ، وثورة الجماهير الشاملة لتتوج نضالات الشعب الفلسطيني ولتضع المرأة الفلسطينية بصورتها البطولية أمام جميع عدسات التلفزيون ولتظهر في كل بيت في العالم على حقيقتها البطولية وليشهد العالم بدورها الانساني أيضاً

ومع ان الحقيقة لم تظهر كاملة لأن الاحتلال فرض حصاره الاعلامي على دورها محاولاً دفن الحقائق إلا أن الدور العظيم للمراة الفلسطينية كان أحد العوامل الفاعلة والأساسية لاستمرار الانتفاضة …فالمرأة استطاعت أن تفشل سياسة الاحتلال الاسرائيلي في فرض الحصار الاقتصادي على القرى والمخيمات حينما كانت المرأة تحمل كميات كبيرة من الحليب وتتسلل مخترقة الحصار لمساعدة أهالي القرية أو المخيم المحاصر وكان لذلك أثر كبير في رفع معنويات الأهالي المحاصرين ومساعدتهم على الاستمرار في النضال اليومي ، كما عملت المرأة الفلسطينية على توفير كميات كبيرة من الخبز عندما كانت وعلى مدار العشرين ساعة جالسة خلف الغرف وهي تخبز وحينما لجأ الاحتلال الى قطع الكهرباء ومنع الغاز لجأت المرأة الفلسطينية إلى استخدام الطابون الفرن الطبيعي وقهرت الاحتلال ووفرت الخبز والحليب لأبناء الشعب الفلسطيني

كما عملت المرأة الفلسطينية على تحرير العديد من شباب وأبطال الانتفاضة وأفراد المجموعات الضاربة من أيدي جنود الاحتلال حينما كان يلقي القبض عليه وكذلك إنقاذ أعداد كبيرة من الاعتقال وتهريبهم وتوفير كمائن لهم داخل البيوت أو الحقول " سيدة تخبئ شاباً من الجنود مع ابنتها الصبية في نفس الغرفة وتدعي أمام الجنود أنه ابنها وهو ليس ليبحثون عنه " وكانت تحمل للمطاردين في الجبال والحقول احتياجاتهم من الملابس والغذاء اليومي مما ساعدهم على الاستمرار في مطاردة الاحتلال والاختفاء لحمايتهم من الاعتقال ولم يختصر دور المرأة على هذه الجوانب النضالية بل ساهمت بانجاح برامج نداءات القيادة الموحدة للانتفاضة حينما طلب مثلاً رفع الاعلام الفلسطينية في معظم أيام الانتفاضة لجأت المرأة إلى توفير القماش بألوانه الأربعة وقفت ساعات طويلة وهي تخيط راية العزة والنصر ، علم فلسطين وزودت المناضلين بكميات كبيرة وبأحجام مختلفة من الاعلام الفلسطينية لترفرف في كل موقع معلنة أن فلسطين حرة عربية

وها هي المرأة الفلسطينية في الانتفاضة تخرج للشارع لتشارك في الاعتصامات والمظاهرات وتصطدم مع قوات الاحتلال متحدية الغازات السامة والدبابات والرصاص وتقدم فلذات أكبادها والأجنة في بطونها شهداء على درب الاستقلال والنصر جراء استنشاق الغازات السامة أو الاستشهاد أو الضرب على أيدي جنود الاحتلال وتقول للعالم أن الجنين الفلسطيني يسابق جميع الأحياء إلى الشهادة من أجل أن تحيا فلسطين ومن أجل دولة فلسطين المستقلة التي ولدت جنين البطولة والنداء من الصمود والايمان بعدالة قضية فلسطين وحتمية انتصارها . ولم يقتصر دور المرأة على ذلك فقط بل مارست دوراً فاعلاً وهاماً في تحريك وتنظيم الامكانيات النسائية من خلال توعية المرأة الفلسطينية لدورها في الانتفاضة فأصدرت البيانات الخاصة بالمرأة الفلسطينية بما ينسجم مع برامج بيانات القيادة الموحدة للانتفاضة مما دعم هذه البرامج وزادها قوة وشمولية ومن هذه البيانات والنداءات على سبيل المثال لا الحصر

هذا وقد كان لهذه النداءات الأثر البالغ على المرأة الفلسطينية التي التزمت بكل ما جاء فيها بقوة وإصرار على دحر الاحتلال وهنا نورد رصداً لبعض الفعاليات النضالية التي قامت بها الطالبات الفلسطينيات لتوضيح مدى مشاركتهم في الانتفاضة المجيدة علماً أن هذا الرصد يغطى فقط نهاية سنة 1987حتى منتصف عام 1988 وهو مأخوذ من كتاب المرأة الفلسطينية درس في الانتفاضة ونورده هنا بهدف طرح بعض الأمثلة لا لحصرها

ونتيجة للدور الهام والجرئ للمرأة الفلسطينية في الانتفاضة أدركت الادارة الاسرائيلية ذلك إذ قالت " ان الحرب هي الحرب وإن للنساء الفلسطينيات دوراً فعالاً في الانتفاضة لذلك لا بد من اعتقالهن وتعذيبهن إذ لزم الأمر لنزع الاعتراف منهن " جاء ذلك في مجلة الوطن العربي عدد 85 –611-28/ 10/1988 نقلاً عن تقرير جرى تسريبه بواسطة جمعية نسائية تشكلت لنصره المعتقلات السياسيات الفلسطينيات يفوق الرقم 150 إمرأة الذي تعترف به الادارة الاسرائيلية رسمياً في ذلك الوقت

وفي السجن تتدبر المعتقلات ترتيب الوضع التنظيمي والاداري مع إدارة السجن .. ، وتقول أقدم النساء وأعلاهن محكومية " المسؤولية السياسية والادارية ..تماماً كما في سجون الرجال " . وعلى سبيل المثال مثلت القسم النسائي في سجن الشارون فدوى عباسي من القدس محكومة "فتح" 7 سنوات ، حليمة أبو صلب من رام الله محكومة "جبهة شعبية " 3 سنوات ، وفيما يلي أسماء بعض المعتقلات الانتفاضة حتى عام 1988.(أسماء)

ولم يكن الاعتقال أو الضرب أو الجرح أو الشهادة فقط ما تواجهه المراة الفلسطينية خلال مشاركتها في فعاليات ونشاطات الانتفاضة بل واجهت حرباً ديمغرافية مبرمجة هدفها الحد من التكاثر الفلسطيني وليس أدل على ذلك من إجابة "غولدا مائير" عندما سئلت عن السبب الذي يمنع عنها النوم أنه "ولادة طفل عربي" ، إن الهاجس الديمغرافي يشكل قلقاً دائماً على الذهنية الصهيونية وخصوصاً الأحزاب اليمينة المتطرفة

فقد أدى تزايد أعداد الفلسطينيين في السنوات الأخيرة إلى بروز أحزاب وقحة ليس لبرنامجها السياسي أية قيمة ..إذا شطبت منه كلمة الترانسفير وهكذا أصبح من العادي جداً أن تجد مخلوقات بنت على العنصرية الحاقدة مكاناً لها في الكنيست في ذلك الوقت أمثال رحفعام زئيفي ، مئيرر كهانا ، وايتان ، وهورفيتس ونئمان وغئيولا كوهين ، ويظهر هؤلاء كإنسانيين وأخلاقيين بقولهم " لا نريد قتل الفلسطينيين ولكننا سنجهزلهم شاحنات ترمي بهم على الحدود العربية "

ولا استغراب بعد هذا أن تغتنم قوات الاحتلال وضع الانتفاضة لتسلط جام غضبها ليس فقط على الأحياء بل على من لم يروا النور بعد .. فإذا أخذنا احصائية حتى يوم 9/10/1988 للشهداء فنجدها 470 شهيداً ولكن من المنطق أن يضاف إلى هؤلاء شهداء مجهولين قضوا على يد حقد الجيش الاسرائيلي جراء حالات الأجهاض التي بلغت حتى 9/10/1988 "1700" حالة جراء استنشاق الغازات السامة والضرب المبرح

إذ كان يتعمد الجيش الإسرائيلي إلقاء قنابل الغاز السامة على المخيمات المكثفة بالسكان والتي يمتاز الكيلومتر المربع منها بكثافة سكانية تعادل أضعافها في المدن مما يجعل أثرها أوسع وأشمل وعليه تكون أغلب حالات الإجهاض خلال الانتفاضة قادمة من المخيمات

إن تصريحات قادة اسرائيل وأدبياتهم في ذلك الوقت التي تعبر عن قلقهم من تزايد السكان الفلسطينيين وقيام بعض اجهزة اسرائيل الامنية بتسميم خزانات المياه في مدارس البنات بمواد كيماوية تسبب العقم قبل عدة سنوات من الانتفاضة ، وإثبات التقارير الطبية للعلاقة بين الغاز والاجهاض ، كل هذا ليؤكد بأن هناك تعمداً مشفوعاً بأوامر عسكرية بخصوص القاء قنابل الغاز على التجمعات الكثيفة في المخيمات وإن نسبه الاجهاض العالية جداً ليست نتيجة للصدفة او للظروف التي تتبعها الأوضاع القائمة في الارض المحتلة . صحيح ان نسبة الولادة تزايدت خلال الانتفاضة بمعدل 100 حالة زيادة على الرقم العادي ولكن هذا لا يلغي الرقم المرعب لحالات الاجهاض.

: وهذا مثل بيوم واحد في مخيم الشاطئ – غزة ففي يوم 8/3/ 1988 حدثت حالات الاجهاض التالية

السيدة / يسرى شبير : حامل بالشهر السابع ، اجهاض بالغاز السام -

السيدة / نصرة على نمنم : حامل بالشهر السابع ، اجهاض -

السيدة فنلندا أبو أحمد : حامل بالشهر التاسع ، اجهاض بالغاز السام -

السيدة / ايمان الفيشاوي : حامل بالشهر التاسع ، اجهاض بالغاز السام -

السيدة / نجاح كنوع : حامل بالشهر الخامس ، اجهاض بالغاز السام -

السيدة / خضرة ابو الخير : حامل بالشهر الخامس ، اجهاض بالغاز السام -

السيدة / سعدة الشريف : حامل بالشهر التاسع ، اجهاض بالغاز السام -

السيدة / تمام مطر : حامل بالشهر التاسع ، اجهاض بالغاز السام -

السيدة / فوزية درويش : حامل بالشهر التاسع ، اجهاض بالغاز السام -.....................جمع وتحقيق مازن الشاعر-جنين