لو كانت الحرية ثلجا لنمت فى العراءبقلم:احمد سعيد ابو دقة
تاريخ النشر : 2007-06-01
لو كانت الحرية ثلجا لنمت فى العراءبقلم:احمد سعيد ابو دقة


حكنى وابكانى ....احببت السجن لاجلة واحبب الشارع وازقتها لاجلة ..احبب تشائمة وتفائلة ...احببت كبريائة ..واحباطة ..احبب كلماتة القاتلة ...افضلها على رحلة لهوليود او مشوار بالشنزاليزية ..ما بعرف ادا الاسم هيك صح ..على العموم بدى اريحكم من لغتى الركيكة واتركم لتستمتعو بفن وابداع الماغوط رحمة الله علية ..ولد محمد الماغوط عام 1934 في مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماه السورية

- يعتبر محمد الماغوط أحد أهم رواد قصيدة النثر في الوطن العربي.

- زوجته الشاعرة الراحلة سنية صالح، ولهما بنتان (شام) وتعمل طبيبة، و(سلافة) متخرجة من كلية الفنون الجميلة بدمشق.

- الأديب الكبير محمد الماغوط واحد من الكبار الذين ساهموا في تحديد هوية وطبيعة وتوجه صحيفة «تشرين» السورية في نشأتها وصدورها وتطورها، حين تناوب مع الكاتب القاص زكريا تامر على كتابة زاوية يومية ، تعادل في مواقفها صحيفة كاملة في عام 1975 ومابعد، وكذلك الحال حين انتقل ليكتب «أليس في بلاد العجائب» في مجلة«المستقبل» الأسبوعية،وكانت بشهادة المرحوم نبيل خوري (رئيس التحرير) جواز مرور ،ممهوراً بكل البيانات الصادقة والأختام الى القارئ العربي، ولاسيما السوري، لما كان لها من دور كبير في انتشار «المستقبل» على نحو بارز وشائع في سورية. ‏

من مؤلفاته :

1- حزن في ضوء القمر - شعر (دار مجلة شعر - بيروت 1959 )

2- غرفة بملايين الجدران - شعر (دار مجلة شعر - بيروت 1960)

3- العصفور الأحدب - مسرحية 1960 (لم تمثل على المسرح)

4- المهرج - مسرحية ( مُثلت على المسرح 1960 ، طُبعت عام 1998 من قبل دار المدى - دمشق )

5- الفرح ليس مهنتي - شعر (منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق 1970)

6- ضيعة تشرين - مسرحية ( لم تطبع - مُثلت على المسرح 1973-1974)

7- شقائق النعمان - مسرحية

8- الأرجوحة - رواية 1974 (نشرت عام 1974 - 1991 عن دار رياض الريس للنشر)

9- غربة - مسرحية (لم تُطبع - مُثلت على المسرح 1976 )

10- كاسك يا وطن - مسرحية (لم تطبع - مُثلت على المسرح 1979)

11- خارج السرب - مسرحية ( دار المدى - دمشق 1999 ، مُثلت على المسرح بإخراج الفنان جهاد سعد)

12- حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني ( من إنتاج التلفزيون السوري )

13- وين الغلط - مسلسل تلفزيوني (إنتاج التلفزيون السوري )

14- وادي المسك - مسلسل تلفزيوني

15- حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني

16- الحدود - فيلم سينمائي ( إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام )

17- التقرير - فيلم سينمائي ( إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام)

18- سأخون وطني - مجموعة مقالات ( 1987- أعادت طباعتها دار المدى بدمشق 2001 )

19- سياف الزهور - نصوص ( دار المدى بدمشق 2001)................محمد الماغوط ...مقالات... " سأخون وطني"

---------------------------------------------------------

المواطن والكلب

كان المثقف العربي غارقاً في بث همومه ومكنونات صدره للكلب الصغير المتثاقل ترفاً واسترخاء في احدى سيارات السلك الديبلوماسي الأجنبي وسط تجمع المارة وسخريتهم، عندما أقدم أحد رجال الشرطة مسرعاً بمسدسه وهراوته وأصفاده وغيرها من عدة الديموقراطية العربية.

المثقف: سنتابع حديثنا فيما بعد.

الكلب: لم يرتجف صوتك وتصطك ركبتاك؟

المثقف: لقد جاء الشرطي؟

الكلب: وإن جاء، ما علاقته بك أو بسواك؟

المثقف: إذا لم تفهموا هذه العلاقة حتى الآن فلن تفهموا ما يجري في منطقتنا أبداً.

الكلب: أنا لا أخاف من حلف الأطلسي.

المثقف: لأن حلف الأطلسي قد يراجع بشأنك إذا ما تعرضت لمكروه.

الكلب: أليس لك أهل وأصدقاء يراجعون بشأنك؟

المثقف: طبعاً. ولكن المشكلة أن الذين سيراجعون بشأني سيصبحون هم اوتوماتيكيا بحاجة إلى من يراجع بشأنهم. الآن وصل الشرطي. أرجوك أن تتصرف وكأنك لا تعرفني.

الشرطي: ما هذا التجمع وسط الشارع؟

المثقف: الا تسمعون؟ ممنوع التجمع إلا لرجال الأمن.

الشرطي: هيا . كل في حال سبيله.

المثقف: مواطن يتحدث إلى كلب، هل هي فرجة؟

الشرطي: بل جريمة.

المثقف: قبل أن ترفع هذه العصا يجب أن تعرف، وأنت رجل القانون، لا يوجد في أي عرف أو دستور أو بيان وزاري ما يمنع المواطن من التحدث إلى كلب؟

الشرطي: من ندرة الاشخاص والمنابر والمتفقهين من حولك حتى تتحدث بما تعانيه إلى هذا المخلوق المنفر الغريب؟

المثقف: ولمن أتحدث يا سيدي...الكتاب مشغولون بالجمعيات السكنية...والفنانون بالمسلسلات الخليجية....والمعلمون بالامتحانات....والطلاب بمعاكسة الفتيات....والتجار باحصاء الارباح....والفقراء بغلاء الأسعار....والمسؤولون بالخطابات.

الشرطي: عمّ كنتما تتحدثان؟

المثقف: موضوعات عامة. كنا نتحدث عن الحب.

الشرطي: كذاب. لا أحد يحب أحداً.

المثقف: عن الصداقة.

الشرطي: أيضاً كذاب. لا أحد يثق بأحد.

المثقف: عن الصحافة العربية.

الشرطي: لا أحد يقرأها.

المثقف: عن الاذاعات.

الشرطي: لا أحد يسمعها.

المثقف: عن الإنتصارات.

الشرطي: لا أحد يصدقها.

المثقف: عن المقاومة الفلسطينية.

الشرطي: لا أحد يحس بوجودها.

المثقف: عن حرب الخليج.

الشرطي: لا أحد يبالي بها.

المثقف: عن الزراعة.

الشرطي: لا أحد يزرع شيئاً. كل طعامنا صار معلبات. عمّ كنتما تتحدثان للمرة الأخيرة؟

المثقف: بصراحة، كنت احدثه عن قضية الصراع العربي - الإسرائيلي من الألف إلى الياء.

الشرطي: ياللفضيحة. تتحدث عن أهم قضية عربية إلى كلب وأجنبي أيضاً.

المثقف: لا تحمل الموضوع أكثر مما يحتمل. اعتبره تتمة للحوار العربي - الاوروبي.

الشرطي: ولماذا كنت تطلعه على صحفنا المحلية.

المثقف: كنت أتلو عليه احدى الافتتاحيات.

الشرطي: وكيف كان تعقيبه عليها؟

المثقف: لقد عوى.

الشرطي: كلب متواطىء.

المثقف: لماذا تتحدث عنه بكل هذه الضعة والاستصغار يا سيدي؟ صحيح أنه كلب صغير بحجم قبضة اليد ولكن انظر إليه كيف يبدو وادعاً مطمئناً، وواثقاً من كل شيء، يعرف متى يأكل ومتى يشرب ومتى يخرج إلى النزهة ومتى يعود منها، ومتى ينام ومتى يستيقظ. باختصار: كلب صغير يعرف مصيره ورجل طويل عريض لا يعرف مصيره. آه (يا سيّدي) ...الشرطي. أنا الإنسان العربي، لو كان لي حقوق كلب فرنسي أو جرو بريطاني لصنعت المعجزات بقلمي البائس ودفتري المهترىء هذا. هل سمعت بإلياذة هوميروس؟

الشرطي: لا.

المثقف: بالأوديسة؟

الشرطي: لا.

المثقف: بملحمة غلغامش؟

الشرطي: لا.

المثقف: بالكوميديا الإلهية لدانتي؟

الشرطي: لا.

المثقف: بمسرحية فوست لغوته؟

الشرطي: لا.

المثقف: إذن بماذا سمعت؟

الشرطي: منذ غزو لبنان لم أسمع إلا أغنية "صيدلي يا صيدلي".

المثقف: إذن: هل تسمح لي بأن أعوي معه قليلاً.

الشرطي: لا هيّا أمامي.

المثقف: لن أمشي في الشارع هكذا.

الشرطي: ماذا تريد؟ موكباً رسمياً!

المثقف: أريد طوقاً حول عنقي فقد أهرب. كمّامة على فمي فقد أعض.

الشرطي: من ستعض يا هذا؟

المثقف: قد أعض الأرصفة.. البنوك.. الجماهير.. اليمين.. اليسار.. الشرق.. الغرب.. الجنوب..الشمال.... اخفض مسدسك يا سيدي ولا تصدق ما أقول ففي النتيجة لن أعض إلا لساني على قارعة الطريق، أو أصابعي حتى يتصل الناب بالناب لأنني آمنت بشيء ما في يوم من الأيام. أليس كذلك يا سيدي الشرطي؟

الشرطي: أرجوك لا تضربني على الوتر الحساس وإلا تركت عملي وانضممت إلى المحادثات معكما .......سيداتي سادتي

مواطن عربي ينقل إبرة الراديو من محطة إلى محطة ويقلّق على ما يسمعه من أغان وبرامج وأخبار وتعليقات، من الصباح الباكر حتى نهاية الإرسال في الوطن العربي.

إذاعة رقم 1 : عزيزي المستمع، في نزهتنا الصباحية كل يوم تعال معنا إلى ربوع الوطن الحبيب حيث لا شيء سوى الحب والجمال.

المستمع: والتخلف.

إذاعة رقم 2: أغنية لفيروز "جايي، أنا جايي .... جايي لعندك جايي".

المتسمع: يا فتّاح يا رزّاق، انها حتماً فاتورة الماء أو الكهرباء أو الهاتف.

إذاعة رقم 3: عزيزي المستمع مع الورود والرياحين والنرجس والنسرين والفل والياسمين.

المستمع: أي فل وأي ياسمين. والله لو مات أحد أصدقائي في هذا الغلاء الفاحش فلن أستطيع أن أقدم له إلا إكليلاً من الخطابات.

إذاعة رقم 4: قصيدة اليوم: وللحرية الحمراء باب.

المستمع: بكل يد قابضة يدق.

إذاعة رقم 5: واننا نعلن من هنا أن لا شروط لنا أبداً على تحقيق الوحدة العربية.

المستمع: باستثناء شرط واحد هو أننا لا نريدها.

إذاعة رقم 6: حكمة اليوم، قل كلمتك وامش.

المستمع: إلى البنك.

إذاعة رقم 7: ان المجلس الأعلى لشركات الطيران العربية يحذر في مؤتمره المارقين والعابثين بقضايانا المصيرية ويضع كافة امكاناته وطاقاته في خدمة المعركة.

المستمع: بما أن الأمور قد وصلت إلى شركات الطيران فمعنى ذلك أن القضية "طايرة قريباً".

إذاعة رقم 8: أغنية "حلم لاح لعين الساهر".

المستمع: عودة الحياة الطبيعية إلى لبنان.

إذاعة رقم 9: من أنبائنا الرياضية خرج الجواد العربي "نور الصباح" من الداربي الانكليزي بعد الشوط الأول بسبب إهمال الجوكي وسقوطه عنه.

المستمع: طبعاً لأن العرب لا يعرفون أن يخيّلوا إلا على بعضهم.

إذاعة رقم 10: وان الاتحاد النسائي العام في الوطن العربي يدعو كافة أعضائه المنتسبات ...

المستمع: .... إلى ترك أطفالهن دون رضاعة، وأزواجهن دون طعام، وبيوتهن دون ترتيب ومطابخهن دون جلي والتفرّغ لحلّ مسؤولياتهن وفضح المؤامرات التي تحاك ضد قضيتنا وأمتنا، وكل فرع لا يتقيد بهذه التعليمات يغلق وتختم جميع مكاتبه "بالشكلس الأحمر" .

إذاعة رقم 11: وكما قلنا وأكدنا مراراً نعلن أمام العالم أجمع أنه:

لا صلح

لا اعتراف

لا مفاوضات

المستمع: لا تكذبي. إني رأيتكما معا.

إذاعة رقم 12: واننا نؤكد أيضاً من هنا ولجميع شعوبنا العربية والإسلامية أننا لن نذهب إلى مؤتمر ولن ننسحب من جلسة ولن نتهاون في قضية ولن نساوم على حق ولن نتردد في مساعدة ولن نتراجع عن موقف ولن نفاوض ولن نصالح ولن نقرر إلا ما تمليه ارادة الشعوب.

المستمع: والشعوب في السجون.

إذاعة رقم 13: أغنية " دايماً وراك دايماً أتبع خطاك دايماً ".

المستمع: معروفة المواطن والمخابرات.

إذاعة رقم 14: وبعد أن شرح سعادته لسفراء الدول الغربية الظروف الخطيرة التي تمر بها المنقطة، أعطاهم مهلة شهرين للعودة بأجوبة واضحة من حكوماتهم، وذلك قبل بدء حملة الانتخابات الأمريكية وانشغال العالم بها، لأن العرب مصممين أكثر من أي وقت مضى على صوم رمضان القادم في القدس والصلاة في عكا والوضوء في مياه نهر الأردن.

ثم استقل سعادته الطائرة في رحلة استجمام إلى أوروبا تستمر...

المستمع: إلى ما بعد الإنتخابات الأمريكية.

إذاعة رقم 15: واننا في هذه الظروف المصيرية نحث جميع القادة والمسؤولين العرب على الالتزام بقرارات جميع القمم العربية دون استثناء: قمة الخرطوم وقمة الرباط وقمة بغداد وقمة فاس الأولى والثانية.

المستمع: عجيب، كل هذه القمم وما زلنا في الحضيض.

إذاعة رقم 16: والآن سيداتي سادتي، ومع اقترابنا من ركن المنزل تنضم جميع موجاتنا العاملة...

المستمع: إلى جبهة الصمود والكفاح العربي ... ونقدم لكم طبخة اليوم.

إذاعة رقم 17: ان طريقنا إلى فلسطين لا بد أن تمر من بيروت.

المستمع: .... ومن جونيه.

إذاعة رقم 18: ومن موسكو.

إذاعة رقم 19: ومن واشنطن.

المستمع: من كثرة الطرق التي أصبحت تؤدي إلى فلسطين صارت القضية في حاجة إلى ادارة مرور.

المذيع : إخرس.

إذاعة رقم 20: فيروز تغني أنا وشادي ... تربينا سوا ... راح شادي ... ضاع شادي ...

المستمع: بس شادي؟

المذيعون العرب: إخرس.

المستمع: لن أخرس.

المذيعون العرب: ستخرس رغماً عن أنفك . ( وتمتد مئات الأيدي من الراديو وتنهال عليك ضرباً وصفعاً ): كلب، جاسوس، حقير، طابور خامس ... الخ...

إذاعة رقم 21: نأسف لهذا الخلل الفني، وسنعود إليكم فور إصلاحه.

إذاعة اسرائيل: لا ... لا ... خذوا راحتكم.

لحديقة قرب الغابة.....

اجمل شعارات هذه الأمة واعرقها. بل ثوب زفافها الأبيض. ماذا حل بها؟ ماذا بقي منها غير الازرار الصدئة والاكمام المتهدلة والجيوب الفارغة؟

شعارات نقية يطلقها اناس انقياء وبلمح البصر تصبح كثياب عمال الدباغة مع أن الكل يدعي النظافة وتعقيم اليدين.

معاهد جامعات مخابر تكنولوجيا، ومع ذلك حكمة قيلت قبل أربعين قرناً على ظهر بعير تحكمنا وتسيطر على افعالنا ونحن على متن الجامبو أو الكارافيل وعلى ارتفاع اربعين ألف قدم عن سطح الأرض.

ما أذرب السنتنا في اطلاق الشعارات. وما ارشق ايدينا في التصفيق لها، وما أعظم جلدنا في انتظار ثمارها، ومع ذلك فان منظر ثائر عربي يتحدث عن آلام شعبه للصحفيين وهو يداعب كلبه الخارج لتوه من الحمام، أو منظر طفل مقنزع في صدر سيارة بمفرده أمام مدرسة خاصة أو حضانة أطفال، وعلى مسافة أمتار من ظل سياراته يقف المئات تحت الشمس المحرقة بانتظار باص، يلغي مفعول عشرين دراسة ومائة محاضرة والف أغنية واهزوجة عن العدالة والاشتراكية. كأن هناك من اختص في تجويف الشعارات العربية وتفريغها كالخلد من أي محتوى... ولا يقر له قرار ما لم يتركها لمن سيجيء من بعده وهي كالبطيخة المنهوشة بالأسنان حتى القشرة البيضاء.

كأني بهؤلاء وأمثالهم منذ أول مظاهرة عام 1948 اصطفوا على طريق النضال العربي وكل منهم وضع شعاراً من الشعارات في "حلة" ووقف وراءها وبيده مغرفة وراح يفرغ ما بها كبائع السحلب.

وعندما تصبح هذه الشعارات ضجة بلا محتوى... يعودون إلى الصف مرة ثانية ويقفون رتلاً احاديا وراء بعضهم كما في النظام المنضم وكل منهم يحمل فرشاة في يمينه وسطل دهان في يساره، ويبدأ بلصق التهمة تلو التهمة على ظهر الذي أمامه بينما تكون فرشاة الذي وراءه تعمل في ظهره وتلصق عليه ألف تهمة مماثلة. حتى أصبح ظهر المواطن العربي مع مرور الأيام والعهود والمراحل كواجهة السينما أو لوحة الاعلانات.

وفي المقابل هناك فريق ثالث يتألم ويخبط كفاً بكف لهذه الحالة.. ويدعو إلى الشفقة والرحمة بهذه الأمة ... ثم يتلفت يمنة ويسرة وينهش منها ثمن سيارته ويمضي.

ويأتي آخر ينهش منها ثمن طقم كنبايات.

وآخر ثمن مزرعة دواجن.

وآخر ثمن كباريه.

وآخر ثمن شاليه.

وآخر محضر بناء.

وآخر تعهد قمامات.

وهذه خاتم سونيتر.

وتلك فسطان سواريه للصيف.

وتلك معطف فرو للشتاء.

وهذه الأمة ترتجع كالنعجة في موسم القصاص بعد أن جردت من كل ما يسترها ولم يبق منها إلا الأنسجة والاعصاب.

ولكن حذار:

يحكى أن نمراً في سيرك هندي بعد أن تقدم به العمر وأحيل على التقاعد كأي دركي عجوز، دفن رأسه بين قائمتيه وانزوى بعيداً عن الأعين، لكن الحيوانات الاخرى لم تتركه وشأنه فراح كل ما في السيرك من قطط صغيرة وقردة وثعالب وسحالي وببغاوات وسعادين يتحرش به ذهاباً وإياباً. وهو صامت لا يروم، تعففاً وسأماً، ولكن في يوم من الأيام عندما زادوا من تحرشهم لم يطق صبراً على ذلك. فانتظرهم حتى مروا قافلة واحدة ورفع يده وهوى بها عليهم. فقضى على الجميع بضربة واحدة.................

..................شجار عائلي....

الأول: لماذا تختبىء في هذا البرميل؟ وفي مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ قل الحقيقة وإلا أبلغت عنك الحارس أو منظمة " أوبيك" .

الثاني: وأين أختبىء اذن؟

الأول: ومم أنت هارب؟

الثاني: من الصحفيين والسياح الأجانب.

الأول: لماذا؟

الثاني: في الحقيقة. منذ ان احتلت اسرائيل سيناء والجولان والضفة الغربية، وأعلنت القدس عاصمة أبدية لها، وعزلت مصر، وضربت المفاعل النووي العراقي، ووصلت إلى بيروت، وشردت المقاومة بحراً وبراً وجواً، وألحقت بها الحركة الوطنية، ولم تتحقق أهدافها، كما يؤكد لنا الاعلام العربي بكل اعتزاز وفخر، صار هدفي الوحيد كعربي أن أتوارى عن الأنظار حتى لا يصيبني أحد بالعين، أو يقتطع أحد ثوار أمريكا اللاتينية وايرلندا خصلة من شعري أو مزقة من ثيابي للتبرك بها في معاركهم الدائرة هناك. أو أن يحاصرني الصحافيون والسياح الأجانب بالأسئلة أو ينوموني مغناطيسياً، ليعرفوا السر الذي يجعل العربي يحقق الانتصار تلو الانتصار في جميع الظروف والمناسبات وهو يتثاءب في المقاهي، فالموضوع يحتاج إلى كثير من الحيطة والحذر.

الأول: بل تحتاج إلى لطمة على هذا الوجه، وهل شعوب أوروبا وأمريكا وروسيا عديمة انتصارات أيها المغفل؟

الثاني: طبعاً. لقد حقق المساكين كلهم مجتمعين، انتصاراً يتيماً واحداً على ألمانيا منذ أربعين سنة وانتهى الأمر. بينما نحن العرب، نحقق كل يوم عشرات الانتصارات دون ملاجىء وصفارات إنذار ومشوهي حرب كما كان عندهم. ولذلك فهم يغارون منا، ويحاولون المستحيل لمعرفة السر الكامن وراء هذا الاسهال في الانتصارات المتلاحقة، وهذا يفرض علينا أن نكون كتومين ومقتضبين في أحاديثنا معهم، وأن لا نبوح بأية كلمة عن أسرار هذه الانتصارات لأنها ملك للمستقبل وللأجيال اللاحقة.

الأول: اطمئن، فكل محاولاتهم ستتحطم على صخرة الصمود والمقاومة العربية ..

الثاني: ومع ذلك، حذار من أية كلمة هنا أو هناك.

الأول: لا توصي حريصاً، فعندي مكان لكل أسرار العالم، ولكن ليس عندي مكان أنام فيه.

الثاني: انزل إلى جانبي في هذا البرميل، ماذا تنتظر؟

الأول: وهل يتسع لاثنين؟

الثاني: إنه يتسع لمؤتمر قمة، أفلا يتسع لاثنين من رعاياه؟

الأول: افسح لي مكاناً إذن؟

الثاني: تفضل على الرحب والسعة. وقهوتك المرة جاهزة.

الأول: شكراً. أنا لا أشرب إلا الفودكا.

الثاني: أنت يساري اذن؟

الأول: ومتطرف أيضاً.

الثاني: وماذا تفعل عندي في هذا البرميل اذن؟

الأول: وأين أنام في هذا البرد القارس؟

الثاني: في قلوب الجماهير.

الأول: وإذا تكشفت في الليل؟

الثاني: تغطيك الدولة اعلامياً.

الأول: أنا لست موظفاً ولا علاقة لي بأية جهة رسمية. أنا مناضل قطاع خاص، ومتفائل أيضاً.

الثاني: أما أنا فيائس ومتشائم قطاع عام.

الأول: لولا هذا البرد المريع لما بقيت معك لحظة واحدة.

الثاني: هناك أزمة طاقة.

الأول: اذن نحن نجلس في أزمة الطاقة.

الثاني: وأين أزمة الطاقة؟

الأول: في البرميل.

الثاني: وأين البرميل؟

الأول: في الوطن.

الثاني: وأين الوطن؟

الأول: في قلوبنا، في قلوب الجماهير.

الثاني: وأين الجماهير؟

الأول: في البرميل، اذن دحرجونا إلى فلسطين، إلى حيفا ويافا.

الثاني: اخفض صوتك، جاءت الدورية.

الأول: إلى الناصرة، إلى بيت لحم.

الثاني: إذا لم تسكت، فلن يدحرجوك إلا إلى بيت خالتك.

الأول: أعظم برد في العالم هو برد روسيا، هناك حيث تظل متجمداً باستمرار أمام عظمة الانجازات التي حققتها الشعوب.

الثاني: نحن والحمد لله، دون ثلج أو صقيع أو أوحال، متجمدون منذ الجاهلية حتى الآن.

الأول: أعظم وحل في التاريخ هو وحل روسيا. هناك حيث تنزلق أقدام المجتمع من الاقطاع إلى الاشتراكية إلى الشيوعية دون أن يشعر أحد بذلك. إنه وحل صبور وداهية.

الثاني: أما الوحل العربي، فهو عصبي وانفعالي جعل الأمة العربية بكاملها تتزحلق خلال شهور فقط من تحرير فلسطين وضرب مصالح الشرق والغرب إلى تحرير النبطية وسوق الغرب وتصبح على خير.

الأول: كل هذا الذي حدث ويحدث لأن الشكل النهائي لخريطة النضال العربي لم يكتمل بعد.

الثاني: إذا بقيت مفاهيم النضال العربي كما هي عليه الآن، فإن الشكل النهائي لخريطته، وخريطة الوطن العربي نفسه، لن يكون في المستقبل إلا كشكل الخنفس بعد أن يقول له حلاق السجن " نعيماً " وتصبح على ألف خير.

الأول: هل تنام؟

الثاني: نعم وشراع الحق حطام.

الأول: إلى متى؟

الثاني: حتى تنتهي مفاوضات خلدة.

الأول: ولكنها لن تنتهي كما تريد أمريكا.

الثاني: ولا روسيا.

الأول: لا تقرن اسم صديقة الشعوب بعدوة الشعوب.

الثاني: اهدأ قليلاً ستقلب بنا البرميل.

الأول: لينقلب العالم بأسره، لن تنتهي المفاوضات كما يحلو لأعداء هذه الأمة. فالخلافات قائمة على قدم وساق فيما بينهم. أين الراديو؟ أريد أن أسمع الأخبار.

الثاني: بدون راديو أو صحف أو تلفزيون. أنا أقول لك آخر الأخبار وأول الأخبار منذ النكبة حتى الآن.

كل طبخة سياسية في المنطقة، أمريكا تعدها، وروسيا توقد تحتها، واوروبا تبردها، واسرائيل تأكلها، والعرب يغسلون الصحون..... أنين في محبرة محمد الماغوط .....

الذين لا يتحدثون إلا عن الأدب الجاد و المسرح الجاد و الخبز الجاد و الأفلام الجادة و المواعيد الجادة هم في الحقيقة أكبر مهرجين في الساحة الأدبية ولا ينقصهم إلا دلال عقاري جاد يقنع زياد مولوي بالتخلي لهم نهائيا عن مسرح الخيام .

فالمسرحية الجادة من وجهة نظرهم هي التي ما إن تبدأ حتى يبحث المشاهد عن أقرب مخرج للنجاة ولو من المدخنة .

و الفيلم الجاد هو أن تحجز في السينما مقعدا و في دير الصليب سريرا

و الرسم الجاد هو الذي تحتاج كل لوحة منه إلى شرطي سيشرح للمتفرجين بعصاه و صفارته أين تبدأ الخطوط و أين تنتهي .

و الراقصة الجادة هي التي لا تهز خصرها أمام الجمهور إلا و هي متأبطة ملفات روجيه غارودي من جهة و رواية " الياطر " من جهة أخرى .

و الغرام الجاد هو أن ينتحي العاشقان ركنا بعيدا عن ضوضاء الناس و متاعب الحياة ... و يتهامسان تحت ضوء القمر عن الرقابة التموينية و الثغرات في قانون الإصلاح الزراعي .

و السباحة الجادة هي أن يلبس المثقف مايوها رصينا و يستلقي على ظهره في حوض السباحة و يطالع مجلة الموقف الأدبي أو جريدة اللوموند .

و المطرب الجاد و الملتزم بقوت شعبه و ثقافة مواطنيه هو الذي لا يغني كعبد الوهاب " سهرت منه الليالي " أو " ياما بنيت قصر الأماني " بل يغني " تثقفت منه الليالي " و " ياما بنيت فرن الأماني "

هؤلاء الجادون المتجهمون الذين يعتقدون بأن أفضل طريقة لدعم العمل الفدائي و تحرير الأرض المحتلة و بناء الصناعات الثقيلة و تطوير مناهج التربية المدرسية هي أن يظلوا مقطبين من المهد إلى اللحد و ألا يدعوا أحدا يرى أسنانهم الجادة إلا في المناسبات الكبرى !

هؤلاء .. أنا لا أكتب لهم .. ولا أقرأ ..

أكتب للآخرين .. للأنقاء أكثر من المطر قبل أن يلامس الأرصفة .. لمن لا يعرفون إذا كانت " اللوموند " تصدر في باريس أو في أبو ظبي .

للذين يولدون و يموتون من دون أن يغادر أحدهم قريته أو يتخلى عن أصدقاءه أو يغير نوع تبغه أو يبدل طريقة استلقاءه على عشب البيادر أو بلاط السجون .

للعامل الذي ينهي فطوره على ظهر دراجته .

و الخادمة الغبية التي تغطي وسادتها بدموعها كلما أسرت أميرة في مسلسل إذاعي ولا تهنأ بنوم حتى يفرج عنها في الحلقة المقبلة لتعود إلى قصرها و وصيفاتها و هي إلى سطلها و ممسحتها !

أكتب للفلاح الذي يتبارك بالمطر و ينتشي بالبرق و يطرب للرعد ، ولا شيء يضيء وجهه في ظلمات الشيخوخة سوى عقب لفافته .

للذين يموتون و يولدون و هم يقتعدون أرصفة قصر العدل و ردهات الدوائر العقارية و الكراجات العمومية من دون أن يقابلوا أحدا غير ظلالهم على الأرصفة .

أكتب للمطر .. للحب .. للحرية .. للربيع .. للخريف ..

أكتب لأعيش ............واليكم بعض اشعار الكاتب الكبير ارتجال وطن

حلمي القديم:

وطن محتل أحرره

أو ضائع أعثر عليه

حدوده تقصر وتطول حسب مساحته وعدد سكانه وأنهاره ونشاط عصافيره

والمغتربين من أبنائه

والعابرين في طرقاته

والمزوّدين بالوقود في أجوائه

وطني حيث يشرب المارة

ويشفى المرضى

وتزهر الأشجار العارية

حتى قبل وصول الربيع إليها

* * *

يا أمهات الكتب

أخبروني:

ماذا حلّ بمؤلفاتي المتواضعة؟

لقد عانيت طويلاً في كتابتها

وأريد أن أعرف ما آلت إليه

على أي رفّ ترقد؟

الربيع

كلما كتبت كلمة جديدة...

تنفتح أمامي نافذة جديدة

حتى أنتهي في العراء

والمشكلة أن يدي دائماً على قلبي

متى توقفت ماتت

ومات كل شيء

ولذلك قبل أن أشرب أكتب

وقبل أن آكل أكتب

وقبل أن أسافر أكتب

وقبل أن أصل أكتب

وقبل أن أبكي أكتب

وقبل أن أصلّي أكتب

وليس عندي كلمة غير صالحة للاستعمال

الكل مطلوب الى الخدمة

كما في حالات النفير العام

فأنا مهدد دائماً

بانتمائي وعروبتي وطفولتي وشبابي

وقلمي ولساني ولغتي

ودائماً عندي كلمات جديدة

في الحب والوطن والحرية وكل شيء

ولكنني لا أستطيع استعمالها

لأن شبح بلادي الصحراوي

لا يسمح لي بكتابة أي شيء

سوى الرقى والتعاويذ والتمائم

على بيضة مسلوقة

لعلاج نكاف الأطفال أو سعالهم

مثل أي شيخ أميّ في أقاصي الريف البعيد.

" محمد الماغوط "...........الماغوط خص جريدة "الخليج" بهذا الحوار وفتح قلبه التعب لها بعد أن لزم الصمت لسنوات عديدة أمام وسائل الإعلام المختلفة، استقبلني في منزله وهو في حالة صحية صعبة، كان خلال حديثه المتقطع بعبارات كنت ألمّها بصعوبة يجلس تارة ثم يعود إلى الاستلقاء ثم ينحني حائباً وكأنه يبحث عن جلسة تهدأ فيها أوجاعه، وهكذا كانت حركته تتبعثر وترتجف يداه، كما كانت ترتجف "سيجارته" التي لم تفارقه طيلة حياته، وصوته المتهدج الذي كان يبحث أيضاً عن وتر أو نغم تسكن فيه حروفه الضائعة، هنا نص الحوار معه:

* نادراً ما ذكرت الشرطي في قصائدك لكنه يبقى بطلها بامتياز، هل ما زال الشرطي يقف سداً بين روحك والانطلاق بعيداً؟ وهل ما زال يقف خلف الباب، أم أصبح ساكناً لروح الإنسان الشرقي المستلب؟

- نعم ما زال يقف ولن يزول أبداً، والشرطي كما أراه ليس شرطاً أن يكون ذلك الرجل الذي يرتدي ثياب الشرطة، ربما يكون أي شيء، جمعية أو شيخاً، ما عدا المتعارف عليه بلباسه المعهود.

الشرطي لم يكن سداً بل كان حافزاً على الإبداع، فالشرطي الآن هو أمام الباب وخلفه وعلى يمينه ويساره حر في كل مكان، فأنا أستخدم الشرطي في إبداعاتي، وإنني على استعداد لاستخدام أي شيء آخر في الإبداع من أجل الإنسان والحرية، فأنا لا أحب الخمول بل أحب الصراع، ولكن النجوم عندنا ليست حرة طالما هي مراقبة من الأجهزة الأمريكية.

* جرى مؤخراً سجال ملفت حول نتاجكم الأخير، فالبعض رأى فيها تكراراً للذات وغير ذلك، هل الشاعر نتاج للمعاناة أم المعاناة حالة ملازمة للشاعر الحقيقي بحكم حساسيته المفرطة بغض النظر عن المعاناة المباشرة واستمرارها؟

- أنا لا أفسر، ولا أشرح. أنا من أكثر الكتّاب العرب صدقاً وبساطة، وأصل إلى الناس بسهولة عن طريق الشعر، وإن لم يكن عن هذا الطريق فليكن عن طريق المسرح أو التلفزيون أو الإذاعة وهكذا.

إن دروبي عديدة للوصول إلى القارئ لأنني أعلم أن محمد الماغوط من أكثر الكتّاب الذي يقرأ له الناس، فالعالم العربي كله قرأ كتابي "سأخون وطني" وكان من أكثر الكتب قراءة في فلسطين والسجون "الإسرائيلية"، والعديد من المناضلين والمجاهدين، وكان أبرزهم المناضل الراحل الشيخ أحمد ياسين الأب الروحي لحركة حماس الذي كان حريصاً على متابعة كل أعمالي ونتاجاتي. مع كل ذلك لو أنكرني الجميع، سأظل كما أنا ولن أغير أو أبدل كلمة واحدة أو أعدل في أسلوبي.

* هل حقاً أن ما كتبته في البدايات كان تعبيراً عن حالة نفسية نتيجة ظروف اجتماعية وسياسية تأثرت بها وأثرت بها في آن في وقت كانت فيه كل الجماهير العربية تتطلع إلى صوت جريء يجعل من الديمقراطية والحرية عنواناً لإبداعه؟

- لقد كنت ضد منطق الغوغاء منذ صغري، والهزائم التي لحقت بالأمة العربية على جميع الصعد تثبت هذا، كان حلمي الوحيد أن أتزوج ابنة عمي أو ابنة خالتي أو جارتي لنعيش بأمان، لكن الظروف كلها كانت ضدي وضد رغبتي إلى أن وصلت بي الحال إلى السجون والقهر والجوع والتشرد، لقد أصبح الحزن قدري وتحول كأي مهنة تلازمني كل دقيقة.

* لماذا أنت حزين إلى هذه الدرجة؟

- في أوائل الخمسينات وعندما كنت داخل مقهى "الهافانا" بدمشق وهو ملتقى الكتاب والشعراء آنذاك دخل سعيد الجزائري رئيس تحرير مجلة "النقاد"، وكان برفقته الشاعر نزار قباني الذي كان يرغب بالتعرف إلي، فاقترب مني الجزائري وقال موجهاً كلامه إلى الشاعر قباني هذا هو محمد الماغوط - فوجه لي التحية وقال لي بالحرف الواحد: "أنت شاعر كبير وستبقى كبيراً ولن تنتهي"، وقد بكى على كتفي ذات يوم، وقال: "أنت أصدقنا وأبرأنا".

* الشعر ليس مجرد رسالة حب أو "مانشيت" سياسي بل هو رؤية للحياة، وفي شعركم ألاحظ بأنكم عكستم في كثير من الأحيان رؤية تجمع بين عبثية الموت والحياة وتجعلهما متساويتين في حالة الاستلاب التي تعيشها مجتمعاتنا حتى لتكاد بعض قصائدكم تصور الأمر مجرد لعبة؟

- ليس عندي أي شيء في الحياة لعبة وأنا لم ألعب بالحياة ولم أعبث بها وما من صدفة في الحياة حتى اسم صدفة في فيلم الحدود كان مدروساً، ولكن فليكن في علمك أن هناك فرقاً بين الارتزاق والافتعال والصدق.

هل يمكن اعتبار العبثية موقفاً قائماً بحد ذاته؟

ممكن للبعض ولكن بالنسبة لي، لا. أن الحياة بقدر ما هي ساخرة هي جادة. وعلى كل حال لكل إنسان قدره.

*في لحظات الانكسار التي تمر بها الأمة العربية وحالة الخراب الذي بدأ يعصف ببلادنا أرضاً وإنساناً. من أين يستمد الشاعر قوة الإرادة للاستمرار في الكتابة؟

- من الصدق والمثابرة شرط أن يكون الشاعر نظيف اليد والعقل والعاطفة. وما من شيء رخيص في هذه الحياة حتى حبة البذار ثمنها باهظ في بعض الأحيان.

* بعودة المنطقة العربية إلى المربع الأول من احتلالات مباشرة وسيطرة وهيمنة وتسلط من الدوائر الغربية. هل سنرى عودة الشعر إلى المربع الأول في حقبة الاستقلال حيث المباشرة والحماس؟

- الشعر دائماً في المرتبة الأولى ولن يتراجع أبداً وهو الأول والأخير إن كان مربعاً أو مستطيلاً.

* يأخذ البعض على الشعر العربي الحديث بأنه يعطي الأولوية للمضمون على حساب التقنية. ما قولكم في هذا؟

- في الشعر الجيد المضمون والتقنية أخوة، ثم ليس هناك "شعر ولا شعر" فأنا ضد التصنيفات.

* كرست كل كتاباتك للحرية، بعد هذا العمر هل بت تمتلكها؟

- نعم أمتلكها إلى حد ما طالما أكتب ما أريد وأحلم كما أريد، طبعاً هناك ثمن باهظ وقد دفعته بكل نبل وإخلاص. ثم باختصار، أنا مع القضايا الخاسرة حتى الموت كما أشار إنعام الجندي في إحدى مقالاته النقدية.

* دمشق لم تغب يوماً عن إبداعك، ولكن بعد استقرارك فيها بعد طول ترحال، فهل ما زلت تحمل ذات الألق لقصيدتك؟

- دمشق ملهمتي في الكتابة فعلاً حتى ابنتي اسمها شام، لكن دمشق التي أعطيتها صدري أربعين عاماً لا أجرؤ أن أعطيها ظهري ثانية واحدة.

* كيف للمبدع أن يشتغل بالسياسة دون أن يؤثر ذلك في مساحة الحرية التي يحتاجها من أجل مواصلة إبداعه؟

- أنا لا أعمل بالسياسة المباشرة ولا أتعاطى معها، نحن كلنا ضحايا الضجر الأمريكي.

* ما آخر أعمالك؟

- لي أعمال جديدة ستصدر قريباً وهي بعنوان "البدوي الأحمر" وهي عبارة عن نصوص جديدة تتناول كل شيء.

وصدر لي مؤخراً مجموعة بعنوان "شرق عدن غرب الله" تتناول كثيراً من القضايا العربية. وآخر عمل مسرحي لي هو "قيام، جلوس، سكوت". وأول عمل لي هو مسرحية "المهرج" وكان عمري نحو 34 سنة.

* لقد فزت بجائزة العويس للشعر. كيف وجدت ذلك؟

- إن فوزي بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية للشعر كان مثابة تكريم لي. وهي أدخلت السعادة في قلبي، وإن هذا الفوز هو فخر لي وللثقافة العربية، وهي دليل قاطع بأن هناك أناساً ما زالوا يهتمون بالكلمة الحلوة.

كما حصلت على جوائز أخرى مثل جائزة "سعيد عقل" وجائزة "النهار" لقصيدة النثر وجائزة "احتضار" 1958.

الخليج- الشارقة.........ويدلي برأيه في شخصيات أدبية كثيرة:

- مشكلة أدونيس أنه معلم في الشرق، وتلميذ في الغرب. ثم لماذا كل هذا التنظير للقصيدة، وماذا يعني القارئ إن وضعت كلمة أو حرفاً على يسار حرف، أو نقطة على خصر نقطة، إذا كانت السجون والمستشفيات والأرصفة تغص بروادها. أنا لا أحب القصيدة الفكرية، ولا أفهم شعر أدونيس.

- كانت طموحات يوسف الخال أكبر من طاقته، وهو كإنسان أهم من شعره بكثير.

- شعر نزار قباني المنفعل بالأحداث لا يختلف عن أي تصريح رسمي لأي مسؤول حكومي في العالم العربي. وهو في شعره الثوري كأنه ياسر عرفات أو المطران كبوجي. وهو في جلساته الخاصة كأنه بائع على بركات الله في جونية أو الأشرفية.

شاعر كبير بقضايا صغيرة.. واعتقد أن مأساته تتمثل في أنه لا يحب ولا يكره لذلك تبث الأزمات معظم أشعاره. مرة قال لي: أنت أصدقنا!

- محمود درويش شاعر موهوب جداً، لكنه غير صادق!

- كان السياب بسيطاً وصادقاً مثلي. كان يبيع الصدق ولا يشتري إلا الأكاذيب.

- البياتي بنى كل أمجاده الأدبية والسياسية على أساس أن جميع أجهزة الأمن في العالم تطارده، في حين أنه لم يدخل مخفراً في حياته، ولم يعترض طريقه ولو شرطي مرور.

ويصف الماغوط نفسه بأنه رجل ظلمات، رجل ظل. "في حياتي لم أجلس في منتصف الصف، في السينما أو في المسرح، أو على طاولة وسط المقهى. دائماً أنتقي ركناً منعزلاً عن كل شيء وأحدّق في الرصيف لأتأمل الأقدام الحافية، وسيارات الشبح في شارع واحد، كأن أشباح الليل والكوابيس لا تكفينا".

وفي كل حلم حلمه، وجد نفسه حافياً، ويصف نفسه بأنه بدوي يغني في أوركسترا الصحراء. في حين يصفه خليل صويلح، محرر حواراته، بأنه إمبراطور العزلة وأمير التسكع....... رحم الله الكاتب الكبير ... الشيخ احمد ياسين كان من اشد القراء والمتابعين للماغوط رحمةالله عليهما ....بقلم احمد سعيد ابو دقة ..رئيس الملتقى الشبابى العربى الدولى