الصحافي السوري يعقوب قريو في ضيافة المقهى ؟ بقلم:فاطمة الزهراء المرابط
تاريخ النشر : 2007-05-22
الصحافي السوري يعقوب قريو في ضيافة المقهى ؟ بقلم:فاطمة الزهراء المرابط


( الحلقة ـ 6 ـ )

من بين أحضان القصة و الشعر... إلى أعماق الصحافة و الكتابة الإعلامية... أستضيف خلال الحلقة السادسة من حوارات المقهى مبدع من نوع آخر... اعتصر رحيق عمره في البحث عن الخبر... في تغطية الحدث... متنقلا بروح إبداعية مميزة بين الصحافة و السياسة و النشر... التقيه عبر الكلمة و الإبداع الحر... عبر أحضان عشتروت الثقافية التي تضم بشكل كبير العديد من الأقلام العربية الجادة... و من بين هذه الأحضان دار بيننا الحوار التالي...

من هو يعقوب قريو؟

يعقوب قريو مواطن نشأ وترعرع في بيئة وطنية... وكانت مراحل دراستي الأولى بين مدينة رأس العين ومركز المحافظة الحسكة، وأكملت دراستي في معهد الخدمة الاجتماعية في دمشق وبعدها اتجهت للعمل الصحفي وأعمل الآن رئيسا لتحرير مجلة عشتروت و صاحب دار للنشر في بيروت.

ماذا يمكن أن تقول لنا عن تجربتك الابداعية؟

بداية وبكل تواضع أسست نفسي بنفسي ولكني لست متخصصا في مجال إبداعي محدد... لأني أعمل صحفيا وناشرا وكتبت في العديد من الصحف العربية، كما كتبت في صحافة الحزب الشيوعي السوري، وسبق وعملت مراسلا لإذاعة في كندا بمدينة " كالكاري" كانت تبث خلال أوقات محددة باللغة العربية.

و لي أكثر من كتاب لكن المنشور منهم هو بعنوان " الانقياد... بكداش والتناقض"، وفي هذا الكتاب أنتقد سياسة الحزب الشيوعي اللبناني السوري يومها كان حزبا واحدا قبل الانقسام، وأبيّن بهذا الكتاب كيف فشل الحزب في التقاط وتيرة الحس الجماهيري، ولم ينجح في إنشاء قاعدة جماهيرية لأنه ابتعد عن الهم العربي آنذاك، وأشرح ذلك من خلال مواقفه من قضية النكبة 1948 حيث يقول خالد بكداش (الأمين العام للحزب): " نحن لم نؤيد التقسيم بل دافعنا عن الموقف السوفييتي"!! مستخفا بعقول الجماهير و همومها الوطنية و القومية... وكان يومها الموقف السوفييتي مع قرار التقسيم...

كما تطرقت لموضوع سلب لواء اسكندرون أيضا والموقف المتناقض لخالد بكداش، إذ ساهم يومها في 6 حزيران 1938 مع كل الأحزاب الوطنية في الاحتجاج على سلب لواء اسكندرون، وفي اليوم التالي أي في 7 حزيران 1938 يكتب في جريدة صوت الشعب قائلاً: " أن فرنسا لم تفعل ذلك بل الذي فعل ذلك هو بعض الدبلوماسيين في وزارة الخارجية الفرنسية.."!!

هذه فكرة عن مضمون الكتاب الذي هو صورة عني وعن همومي المرتبطة بنهضة أمتي وعالمي العربي، لذلك تعمدت إلقاء الضوء عن فحواه ليتم التعرف على شخص يعقوب قريو... نعم أنا إنسانا عربيا قدم التضحيات ومازال يقدم لأني أفهم أن الحياة هي موقف و" وقفة عز"...

هناك ارتباط وثيق بين المبدع و المقهى... ما رأيك في هذا القول؟

المقهى عالم جميل بالنسبة لي، يختصر المسافات والتنقلات والعلاقات بين المثقفين، ففي موعد واحد وفي ساعة واحدة تلتقي مع أكثر من صديق... وهي حالة اجتماعية تختصر لك الزمن وتؤمن لك تواصل اجتماعي مع الناس من خلال سماعك أخبار البلد العامة والخاصة وما فاتك بالتلفاز يعلمك به شريكك بالجلسة واللقاء، ومن خلال المقهى تدخل الى أعماق الإنسان بكل شرائحه ومستوياته الانسانية والاجتماعية والثقافية.

ففي المقاهي الشعبية أو الثقافية تستنشق أوكسجين الحياة من خلال تواصلك الاجتماعي، لاسيما وأن هذه المقاهي محملة بهموم مجتمعنا واماله وطموحاته الوطنية منها والفردية، فتسمع حكايا اجتماعية وقضايا من التراث الشعبي. وكل هذا يجعلك في كل يوم تضيف شيئا جديدا لمخزونك الثقافي والفكري والإبداعي، فتتحرك عندك الكثير من الأفكار وتجعلك أكثر ارتباطا بمجتمعك ومدافعا عنه وعن هؤلاء المتأملون بحياة أفضل، وبوطن يعيش فيه الإنسان بكرامته متخلصا من كل تسلط أجنبي أو تسلط داخلي صادر من حكومات استبدادية أو تعمل بالمال السياسي مستغلة بذلك شعوبها... وكل رواد المقهى يعبر عن ذلك بطريقته وذلك حسب ثقافته وقدرته في التعبير عما يجول بداخله.

كسوري مقيم في لبنان، ماذا يمكن أن تقول لنا عن طبيعة المقهى في لبنان وسوريا وهل هناك فرق بينهما؟

في سوريا ولبنان المقاهي متشابهة إلى حد كبير باستثناء بعض المقاهي الحديثة التي وجدت في الوسط التجاري في بيروت، والتي يرتادها مختلف الجنسيات لاسيما سكان الجزيرة العربية والخليجيون عموماً، لأنها أخذت طابعا سياحيا، لذلك يتغير معنى المقهى هنا في الوسط التجاري في بيروت إلى مقهى سياحي، وهذا يعطي طابع غير الطابع الذي يتوخاه المثقف اللبناني أو السوري.

أما باقي المقاهي فهي تتشابه مع مقاهي دمشق في حميميتها وتواصلها الاجتماعي والثقافي، لا سيما أن دمشق نشطت فيها المقاهي في الأحياء القديمة، وهناك رقابة عليها من وزارة الثقافة حتى لا يتم العبث بالمعمار أو تغيير معالمه التاريخية التي تمنحك إحساس جميل في التواصل مع التاريخ والتراث القديم.

ما هي الطقوس التي تمارسها في المقهى كصحافي؟

مراجعة الصحف اليومية وتناول القهوة وأعطي لنفسي فترة تأمل قبل وصول الأصدقاء وربما أكتب رؤوس أقلام لبعض المواضيع، وفي حالة وجود الأصدقاء يتم تبادل الأحاديث بما يخص عالمنا العربي، و أحيانا مناقشة كتاب معين مع أصدقاء. وكوني رئيس تحرير مجلة " عشتروت الثقافية" غالبا ما تكون مواضيع المجلة والأفكار التي تطرحها مادة للحوار والنقاش، والمقهى عالم متكامل للتواصل الاجتماعي والسياسي والفكري.. هذه هي نظرتي للمقهى.

ما هو المقهى الذي ترك انطباعا مميزا في حياتك؟

إن المقاهي التي تركت أثرا في حياتي هي تلك المقاهي التي تحدثت لكم عنها، أي المقاهي ذات الطابع التراثي الشعبي وهي متناثرة في أحياء دمشق القديمة... وطبعا هناك مقاهي بوسط دمشق وإن كان بنائها ليس تراثياً، لكنها جميلة بروحها الشرقية التي تفوح منها رائحة أزهار الياسمين التي هي جزء أصيل من تراثنا الشعبي السوري الممتد عبر السنيين.

ماذا تمثل لك المرأة، عشتروت، السياسة؟

المرأة بدونها لا وجود للحياة.... وعشتروت كونها آلهة الحب والخصب والوجود في بلاد الشام، هذه الآلهة ساهمت في تطور الفكر البشري لأنها دفعت الإنسان إلى البحث عن أسباب وجوده ووقوفه على قدميه تحت الشمس. وساهمت في زيادة نشاط الانسان حتى يستطيع تقبل كل فكرة لنمو عقله، مما أعطى دفعا للإنسانية... من هنا أنا أربط موقفي من المرأة بموقفي من عشتروت. وليس غريبا أن ُتعطى المرأة صفة الآلهة في الأساطير القديمة، إذ يومها لعبت المرأة دوراً هاما في حماية الأسرة في البداية. وفيما بعد برزت المرأة كقائدة ومقاتلة تخوض المعارك وتنتصر لحرية شعبها ومجتمعها ومثال على ذلك القائدة الاشورية شاميرام "سميراميس" واليسا التي بنت قرطاجة في تونس وزنوبيا التي قاومت الرومان وعملت على توحيد ممالك سوريا.. وتاريخنا مليء برموز نسائية لاحصر لها...أما السياسة بالنسبة لي هي فن تحقيق الأغراض القومية...

كيف تتصور مقهى ثقافي نموذجي؟

الحقيقة إذا كنتم تريدون وجهة نظري في مقهى ثقافي نموذجي، فأنا لا أرى أجمل من مقاهي الأحياء الدمشقية القديمة. هذه الأحياء المتقاربة الجدار تجعلني أعيش دفء حميمي بين التاريخ والتراث، ومقاهي تعطيني حناناً متيناً، وذلك من خلال ارتباطي بالإنسان الطيب الذي مازال يحافظ على تراثه وتاريخه.

بنظري هذه هي المقاهي النموذجية بالنسبة لنا نحن في بلاد الشام، طبعا علينا أن نضيف إليها إذا أمكن مكتبة تحتوي على أمهات الكتب العربية والعالمية، بالإضافة إلى ذلك تامين الصحافة اليومية وغير ذلك من الدوريات الأسبوعية والشهرية والفصلية...

فاطمة الزهراء المرابط