دراسه بعنوان الخلافة لغة واصطلاحا. اعداد الباحث :تيسير فتوح
تاريخ النشر : 2007-04-17
دراسه بعنوان

الخلافه لغة واصطلاحاا

اعداد: الباحت تيسير فتوح

82006



يسرني ويسعدني أن أقدم هذا البحث المتواضع عن الخلافة وقد تناولت هذا الموضوع نظراً لأهميته ولما يرتبط به من رياسة عامة لأمور الدين والدنيا من ناحية، - - ، أما عن البحث فكان لنا وقفة مع معنى الخلافة في اللغة وفي الاصطلاح بالتطرق الى تعريفات ابن خلدون والماوردي- صاحب الأحكام السلطانية- وصاحب المقاصد وغيرهم، وتطرقت الى الاسماء التي يمكننا اطلاقها على الخلافة أو الخليفة مثل أمير المؤمنين والإمام وغيرها من الأسماء، ثم كانت المحطة الثانية التي ابهجتنا بالتعرف على شكل الانتخاب، وكيفية انتخاب أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلى بن أبي طالب، أما المحطة الثالثة فكانت وظيفة الخليفة وبعدها شروط الخلافة، وواجبات الخليفة، ثم نشأة الخلافة وتطورها في عهد العصر الراشدي والأموي والعباسي، ومن ثم الخلافة ونظم الحكم الأخرى، وبعدها تعدد الخلافة وكيفية ضعفها وزوالها، ويجرى قطار البحث ليتوقف عند المحطة الأخيرة وهي ملحق من الانترنت عن الخلافة.

ايها القاري اللبيب الفطن ان التعرف على الخلافة من قرب يحقق لك الحكم على أنظمة الحكم الأخرى، وستلاحظ الارتباط الوثيق بين الخلافة في عهد الخلفاء الراشدين والشورى وهذا أمر لا يختلف عليه اثنين في ذلك، أما في العصور الأخرى فإن الخلافة فقدت - غالباً- الشوري.

ايها القارىء الفطن ان هذا العمل قد يعتريه النقص والخلل فهو صادر من انسان لا يدعى الكمال بل ينشده، فإن وفقت فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وإن أخطأت فهو من نفسي والشيطان،


مـعـنـى الـخـلافــــة:

أ- لغة:

الخلافة لغة مصدر خلف، يقال: خلفه خلافة، وكان خليفة وبقي بعده، والخليفة السلطان الأعظم؛ والجمع خلائف وخلفاء.

وقد سمي من يخلف رسول الله r في إجراء الأحكام الشرعية خليفة.

والخلافة: النيابة، استخلف فلانا من فلان جعله مكانه.

ب- اصطلاحاً

أما الخلافة في الاصطلاح : فهي رياسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبيr يقول ابن خلدون في ذلك :(( والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها،إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشرع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به)).

وعرفها صاحب الأحكام السلطانية بقوله: (( الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين، وسياسة الدنيا))، وعرفها صاحب المقاصد بأنها:((رياسة عامة في الدين والدنيا، خلافة عن النبي r)) وعرفها غيرهم بما لا يخرج عن ذلك، والخليفة إذن هو القائم بحراسة الدين، وسياسة الدنيا نيابة عن النبي r.

وللخلافة عدة أسماء فيسمى خليفة لكونه يخلف النبي r في أمته، ويسمى إماماً تشبيهاً بإمام الصلاة في إتباعه والاقتداء به، ولهذا يقال لها: الإمامة الكبرى، ويسمى أمير المؤمنين لأنه لما مات أبو بكر t، وكان يدعى خليفة رسول الله قيل لعمر خليفة خليفة رسول الله ، فقال المسلمون: من جاء بعد عمر قيل له خليفة خليفة خليفة رسول الله، فيطول هذا ، ولكن اجمعوا على اسم تدعون به الخليفة يدعى به بعده من الخلفاء، قال بعض رسول الله r: نحن المؤمنون وعمر أميرنا، فدعي أمير المؤمنين؛ فهو أول من سمى بذلك، وقيل في تسمية أمير المؤمنين غير ذلك.

واختلف في تسمية خليفة الله فمن العلماء من أجاز ذلك قياساً على الخلافة العامة التي اختص الله تعالى بها الآدميين في قوله تعالى((إني جاعل في الأرض خليفة)) وقوله:((هو الذي يجعلكم خلائف في الأرض له)). وقد نهى أبو بكر t من أن يطلق عليه((خليفة الله)) وأشار للمسلمين بأنه خليفة رسول الله على اعتبار أن الاستخلاف إنما يكون في حق الغائب وليس للحاضر الذي لا يغيب.

والخلافة ترادف الإمامة، والخلافة الإسلامية تنفرد وتتميز بأن أصولها مستمدة من القرآن الكريم، وأن تطبيقها اختصصت به الأمة الإسلامية، وعرف الفقهاء الخلافة بأنها خلافة النبوة،وفي ذلك يقول الإمام أبو الحسن الماوردي فقيه الشافعية في بغداد:((إن الله جلت قدرته ندب للأمة زعيماً خلف به النبوة وحاط به الملة وفوض إليه السياسة ليصدر التدبير عن دين مشروع وتجتمع الكلمة على رأي متبوع، فكانت الإمامة أصلا استقرت عليه الملة وانتظمت به مصالح العمة حتى استتبت به الأمور العامة وصدرت عنه الولايات الخاصة))

شكــل الانـتــخـــاب:

الطريقة الأولى(طريقة الانتخاب الاستشارية):

طريقة الانتخاب الاستشارية، وقد كانت في انتخاب أبي بكر حيث اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، ورشحوا للخلافة سعد بن عبادة سيد الخزرج وسمع بذلك المهاجرين، فأسرع إليهم أبو بكر ، وعمر، وأبو عبيدة ابن الجراح، وحصل بين الفريقين حوار وجدل.

يقول ابن اسحق:)(لما قبض رسول الله r انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة واعتزل على بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة وانحاز بقية المهاجرين إلى أبي بكر وانحاز معهم أسيد بن حضير في بني الأشهل فأتي آت إلى أبي بكر وعمر فقال: إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا إليه فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا قبل ان يتفاقم أمرهم ورسول الله r لم يفرغ من أمره قد أغلق دونه الباب أهله فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار حتى ننظر ما هم عليه)).

والنص يوضح أن المسلمين انقسموا إلى ثلاثة أقسام: فريق انحاز إلى على بن أبي طالب، وفريق التف حول سعد بن عبادة، أما الفريق الثالث فكان مع الصديق، وهذا القسم شمل المهاجرين وعددا من الأنصار.

والآراء كثيرة حول مؤتمر السقيفة قال السيوطي: قبض رسول الله r فقالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير فأتاهم عمر بن الخطاب t فقال يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله r قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر فقالت الأنصار نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر وقال السيوطي: أخرج ابن سعيد والبيهقي عن سعيد الخدري قال: قبض رسول الله علية الصلاة والسلام واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة وفيهم أبو بكر وعمر فقام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول: يا معشر المهاجرين إن رسول الله كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا فنرى ان يلي هذا الأمر رجلان منا ومنكم فتتابعت خطباء الأنصار فبينما نحن على ذلك قام زيد بن ثابت فقال: أتعلمون أن رسول الله كان من المهاجرين فنحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره، ثم أخذ بيد أبي بكر فقال: هذا صاحبكم، فبايعه عمر، ثم بايعه المهاجرون والأنصار.

والنصوص توضح أن المسلمين كانوا يناقشون أمرهم ويتشاورون فيه، وأن الخلاف وإن وجد سرعان ما حسمته الأمة وارتفعت عليه بمبايعة الأنصار والمهاجرين للصديق t بيعة صغرى -البيعة الخاصة- في السقيفة، ومن ثم كانت البيعة العامة- في الجامع-.

وتشير بعض المراجع إلى ان تتطور النقاش في السقيفة لصالح المهاجرين فأشار أبو بكر على المجتمعين ان يختاروا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة عامر بن الجراح إلا ان الاثنين رفض الأمر وناديا بمبايعة أبي بكر لأنه أكبر المهاجرين سناً وأفضلهم وثاني اثنين إذ هما في الغار وخليفة الرسو لعلى الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين وأراد عمر بن الخطاب ان يحسم الأمر بسرعة فاتجه إلى أبي بكر وقال: ألم يأمر النبي بأن تصلى بالناس أفيامنك على ديننا ولا نأمنك على دنيانا ثم قال لأبي بكر ابسط يدك أبايعك فبسطها فبايعه وتبعه من حضر من المهاجرين والأنصار وسميت البيعة الخاصة وفي اليوم التالي اجتمع المسلمين في المسجد الجامع فبايع المسلمون أبا بكر البيعة العامة وبعد بيعة أبي بكر في المسجد الجامع خطب الناس خطبة بيَّن فيها منهجه في الحكم وأشار فيها إلى أحقية المسلمين في مراقبته وواجبهم في مساعدته ان أصاب ومقاومته ان أخطأ.

الطريقة الثانية(طريقة العهد):

وهي ان يعهد الخليفة الموجود إلى شخص آخر بعده، فقد رأى أبو بكر أن يعهد إلى رجل من المسلمين يكون رضى فيهم، تتوفر فيه التقوى والكفاية، والقدرة على الاضطلاع بمهام الدولة، حتى يوفر على الأمة ما عساه أن يحدث من اختلاف يهددهم بالفرقة والانقسام، كما كاد أن يحدث عقب وفاة النبيr؛ فوقع اختياره على عمر بن الخطاب t ولكنه رأى أنه ليس من حقه أن يستبد برأيه في اختيار من يقوم بأمر المسلمين من بعده؛ فاستشار كبار الصحابة فوافقوا على اختياره وكتب عهداً بذلك وقد وافق المسلمون على هذا الاختيار. وبذاك نرى أن خلافة عمر كانت:

بترشيح من الخليفة القائم.

باستشارة أهل الحل والعقد.

3- بموافقة العمة ورضاهم على ما اتفق عليه أهل الحل والعقد.

الطريقة الثالثة(طريقة الشورى من أفراد يعينهم الخليفة الموجود):

وهي الطريقة التي انتخب بها عثمان بن عفان فإن عمر لما طعن وأحس بدنو أجله خاف أن يترك المسلمين بدوتن خليفة لئلا يتنازعوا ويختلفوا ولم يكن أمامه من لو استخلفه يكون مطمئن النفس من قلبه فلم يشأ ان يتحمل أمر المسلمين حيا وميتا فاختار ستة من الصحابة وممن يرى أنه لا يتطلع لأمر الخلافة غيرهم وهم على وعثمان وسعد بن أبي وقاص عبدالرحمن بن عوف وطلحة والزبير وجعل ابنه عبدالله معهم على أن يؤخذ رأيه فقط وليس له من الأمر شئ؛ حتى لا يقال أن عمر ورثها بنيه، ووضع لهم نظاما ينتخبون به الخليفة من بينهم فقد أمر أن يجتمع هؤلاء الستة ويختاروا الخليفة في مدة لا تزيد على ثلاثة أيام. كما أوصى بأن يقتل المخالف حتى لا تحث فتنة بين المسلمين وانقضت الأيام الثالثة دون أن يتفق الصحابة الستة على اختيار واحد منهم فقام عبد الرحمن بن عوف وخاطب زملاءه قائلا:(( أيكم يخرج منها نفسه ويتقلدها على أن يوليها أفضلكم؟ فسكت الجميع فقال أنا أنخلع منها، فقال القوم رضينا، وعلي بن أبي طالب ساكت لا يتكلم فقال : ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال علي: أعطني موثقا لتؤثرن الحق ولا تتبع الهوى ولا تخص ذا رحم ولا تألو الأمة نصحا فقبل عبد الرحمن بن عوف واشترط على بقية زملائه أن يقبلوا بما يتوصل إليه من رأي وخرج عبد الرحمن يستشير الناس في المدينة ويسألهم عن آرائهم وعن الشخص المقبول لديهم لتولى منصب الخلافة ووجد ان الناس يفضلون أحد اثنين علي بن أبي طالب أو عثمان بن عفان وفي صبيحة اليوم الرابع وقت صلاة الصبح اجتمع الناس في المسجد وتقدم عبد الرحمن بن عوف من على بن أبي طالب وأشار عليه بالبيعة شريطة أن يعمل بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الخليفتين الراشدين من بعده ولكن عليا رفض ذلك وأعلن أنه يقبل البيعة بكتاب الله وسنة نبيه وبمبلغ علمه وجهده وطاقته ولم يشأ ان يقيد نفسه بسياسة اتبعها أسلافه في ظروف مختلفة وحبذ العمل بكتاب الله وسنة رسوله الكريم ثم الاجتهاد فيما يشكل عليه من أمور تكون وليدة الظروف والتطورات التي تمر بها الدولة الإسلامية ثم تقدم عبد الرحمن بن عوف من عثمان فوافق الأخير على الشروط التي وضعها عبد الرحمن بن عوف وتمت مبايعة عثمان بن عفان في ذي الحجة من عام 23هـ .

الطريقة الرابعة:

بعد مقتل عثمان بن عفان اختير علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين وقد تم اختياره بموافقة كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار وبتأييد من الهاشميين ومن رجال الأمصار الذين وفدوا إلى المدينة محتجين على سياسة الخليفة السابق عثمان بن عفان .

وظـيـفــة الخـليـفــة:

كان للنبي e وظيفتان:

الأولى: أن يبلغ عن الله ما أمر بتبليغه بحكم الرسالة التي اختير لأدائها وقد انتهت هذه الوظيفة بموت الرسول e فليس لأحد من بعده الحق في التشريع إلا البناء على القواعد وفق المباديء الإسلامية على أساس من الاجتهاد في ضوء تلك المباديء الخيرة

الثانية: كونه إماماً للمسلمين، ورئيساً أعلى لهم يوجههم نحو الخير ويبعدهم عن الشر واليه المرجع في كل ما يحدث بينهم من أحداث وهو الذي يحكم بينهم بما أنزل الله وهو القائد للجند إلى غير ذلك من أمور الدولة، وقد ظلت هذه الوظيفة باقية - بعد وفاتهe- بل ضرورية حيث أنه لم يكن للمسلمين من سبيل غيرها وإلا انتهت دولتهم وذهبت حضارتهم ولذلك فقد رأت الأمة الإسلامية أنه لأبد من يخلف الرسول e حتى تتمكن من مواصلة السعي في إدارة أمور الدولة في كل المرافق.

شـــروط الخــلافــــة(الإمـامــة):

لقد أورد بعض المؤرخين كالماوردي والبيروني وابن خلدون ضرورة توفر صفات في الخليفة وإلا فالمسلمون في حل من الخضوع له.

وهذه الصفات هي:

العلم: أي يكون عالماً بشؤون الدين والأحكام الشرعية، ويقول ابن خلدون ((ولا يكفي من العلم إلا أن يكون مجتهداً، لأن التقليد نقص، والإمامة تستدعي الكمال في الأوصاف والأحوال))

العدالة: أي أن يكون مستقيماً متجنباً للمعاصي معروفاً بحسن السيرة والأخلاق الحميدة بين الناس.

الكفاية: أي قادراً على حماية الحدود بصيراً بالحرب، كفيلاً بحمل الناس عليها قوياً على معاناة السياسة، كفيئاً على حماية الدين وجهاد العدو وإقامة الدين وتدبير المصالح.

سلامة الحواس والأعضاء: أي أن يكون سليماً من الجنون والعمى والصم والخرس وما يؤثر فقده من الأعضاء على العمل كفقد اليدين والرجلين

النسب القرشي: وقد أجمع عليه الصحابة يوم السقيفة معتمدين الحديث (( الأئمة من قريش))، ولكن بعد تسلط الأعاجم على الخلفاء شك كثير من المحققين والفقهاء في هذا الشرط حتى ذهبوا إلى نفيه، وعولوا في ذلك أحاديث أخرى كالتي تقول: (( اسمعوا وأطيعوا وان ولي عليكم عبد حبشي))، ولأبن خلدون رأي خاص هو أن يكون الخليفة من أصحاب العصبية أياً كانت جنسيته، وبما أن الغلبة والنفوذ كانتا لقريش بعد وفاة النبي r فمن الضروري أن تكون الخلافة فيهم وقتئذ.

واجـبــــات الإمـــام(الخـلـيـفــة):

حدد الفقهاء المسلمون ومن بينهم الماوردي واجبات الإمام فجاءت كما يلي:

حفظ الدين على أصوله المستقرة، وما أجمع عليه سلف الأمة.

تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين والمتخاصمين حتى تعم النصفة.

حماية البيضة.

إقامة حدود الله.

تحصين الثغور.

جهاد من عاند من أعداء الإسلام بعد الردة حتى يسلم أو يدخل في الذمة ليقام بحق الله في اضهاره على الدين كله.

جباية الفىء والصدقات وفق شريعة الإسلام دون ما خوف أو جور على دافعيها.

تقدير العطايا وما يلزم بيت المال دون إسراف أو تقتير.

انتقاء واختيار الولاة الذين يقومون على أعمال الدولة الإسلامية.

10- مباشرة أمور الأمة بنفسه والقيام على مصالحها.

نشأة الخلافة وتطورها في زمن الراشدين والأمويين والعباسيين:

ا- الخلافة في زمن الراشدين:

تطرقت أنفاً إلى كيفية الخلافة في زمن الراشدين عندما تحدثت عن شكل الانتخاب.

فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: ((وأمرهم شورى بينهم))، ويمكننا ان نقول أن في انتخاب الخلفاء الراشدين الأربعة فكرة الشورى إذ بيعتهم تبعد عن النظام الوراثي، إذ حصل في انتخابهم جميعاً ترشيح ومشاورة وقبول أكثر الزعماء المسلمين ثم موافقة سائر الأمة، فلم يكن هناك إكراه أو ضغط أو استعمال للسلاح في تعينهم، إنما جرى الانتخاب باتفاق وتأييد الأكثرية، وإذا وجد معارضون ومخالفون ومستنكفون فهو أمر طبيعي إذ نلاحظ في عصرنا هذا مثل ذلك أو اشد منه لما يجرى انتخاب رؤساء الجمهوريات.

من خلال العرض لتطور نظام الخلافة في العصر الراشدي نلاحظ أنها قامت على هذه الأسس:

إن الخلافة الإسلامية قامت على مبدأ الانتخاب غير أن طريقة الانتخاب لم تكن علة وتيرة واحدة فقد كانت تارة انتخاباً مباشراً وتارة أخرى بالتسمية بعد معرفة آراء الناخبين فرادى وجماعات وتارة ثالثة انتخاباً يقوم به أهل الحل والعقد من المسلمين وفي جميع هذه الأحوال كان الانتخاب مقتصراً على أهل المدينة(أي العاصمة) وقد وجدت بيعتان خاصة وعامة.

لقد وضعت الخلافة الراشدة منهجاً شورياً اتسم باحترام آراء كافة أعضاء المجتمع الإسلامي دون تخصيص على اعتبار أن الله تعالى هو مصدر السلطات وأن رأي الأمة يؤكد أنها لا تجتمع على باطل.

قامت الخلافة الراشدة في اختيار الخليفة على أسس قويمة حيث أن المرشح لهذا المنصب الخطير لابد من أن يتمتع بالكثير من الميزات مثل التجربة والسن والخلق القويم والفهم العميق للإسلام ثم أضيفت ميزتان هما السباقة في الإسلام والخدمة له.

لقد حددت سلطة الخليفة بالدستور الإسلامي الذي هو القرآن والسنة أما الصلاحيات فقد كانت كثيرة، مثلا هو رئيس كل السلطات الدنيوية والتنفيذية.

2- الخلافة في زمن الأمويين:

لما انتقلت السلطة إلى الأمويين أصبحت الخلافة ملكاً استبدادياً آل إلى أصحابه بقوة السيف والسياسة والمكايد، وبذلك تبدل نظام الخلافة فبعد ان كان يعتمد على الشورى ويستند إلى الدين أصبح يقوم على أساس التوريث، وستند إلى السياسة أولاً والدين ثانيا،ً وأدخلت كل مظاهر الأبهة التي تمتع بها الملوك والقياصرة.

فقد أدخل معاوية نظام الوراثة في الحكم فقد بايع معاوية لابنه يزيد بولاية عهده مستعملاً في ذلك شتى الوسائل... واصبح عمل معوية تقليدا سار عليه الخلفاء الأمويين من بعده، حيث يقوم الخليفة بأخذ البيعة لابنه أو أحد أفراد عائلته، ثم يبايعه الناس البيعة العامة بعد وفاته، ولكن نظام الوراثة لم يستقر بشكل دقيق، إذ رفض بعض الخلفاء البيعة التي أخذت له في عهد سلفه مثل معاوية الثاني الذي تنازل عن الخلافة وترك الأمر شورى للناس، وبقى العصر الأموي عصر نزاع بين مبادئ ثلاثة:

المبدأ الإسلامي الذي يؤكد على الشورى وتطبيق المبادئ الإسلامية ومثله معاوية الثاني وعمر بن عبد العزيز من الأمويين، كما مثله ابن الزبير وفرقة المحكمة.

المبدأ القبلي الذي يرى وجوب بقاء الخلافة في أسرة واحدة على أن يتولاها أفضل أفرادها خبرة وحنكة وتجربة، وأبرز مثل على وجود هذا التيار اختيار مروان بن الحكم خليفة من قبل الأمويين بعد موت يزيد بن معاوية وتنازل ابنه معوية عن الخلافة، كما أن عهد يزيد الثاني إلى أخيه هشام ثم إلى ابنه الوليد كان نصرا للمبدأ القبلي وإخفاقاً للمبدأ الوراثي الدقيق.

المبدأ الوراثي وهو الذي يؤكد على وجوب الوراثة المباشرة من الأب إلى الابن وقد طبقه بعض الخلفاء الأمويين، كما نادى به الشيعة وحصروه في آل البيت.

وعلى الرغم من تصادم هذه المبادئ الثالثة فقد نجح الأمويون في إبقاء الحكم في الأسرة الأموية بفرعيها السفياني ثم المرواني قرابة ثلاث وتسعين سنة، وبانهيار الخلافة الأموية أمام جحافل العباسيين

عام 132هـ، تطور نظام الخلافة إلى ما يمكن أن نسميه الوراثة المطلقة التي اتبعها الخلفاء العباسيون .

3- الخلافة في زمن العباسيين:

حذا العباسيون حذو الأمويين في التوريث، وبما أن دولتهم قامت على أكتاف الفرس تأثرت الخلافة بنظم الحكم لدى ملوك الفرس الذين كانوا موضع قداسة الشعب والذين كانوا يعتقدون أن حقهم في الملك مستمد من الله، لذلك ازدردت الصفة الروحية في الخليفة لاعتقاد الفرس بنظرية الحق الملكي المقدس وغدا البلاط العباسي أشبه شيء ببلاط الأكاسرة، فصار الخليفة شخصاً مقدساً واصبح ظل الله في الأرض كما يبدو ذلك في قول المنصور. ((إنما أنا سلطان الله في أرضه))، وهذا يخالف تماماً حال الخلافة في العهود الماضية، ويتجلى ذلك في قول أبي بكر: ((ان أحسنت فشجعوني وان أسأت فقوموني بحد سيوفكم)) وقول عمر بن عبد العزيز: ((لست بخير من أحدكم ولكني أثقلكم حملاً)).

الفترة الأولى (132هـ -232هـ):

احتفظ العباسيون بالنظام الوراثي وتوسعوا فيه إلى أبعد الحدود ووجهوا لطمة قاسية إلى التقاليد العربية حين تجاهلوا مسائل السن والتجربة والحكمة في تولية العهد حتى انهم عهدوا بالخلافة إلى أشخاص لم يبلغوا سن الرشد كما فعل الرشيد عندما عهد إلى الأمين قبل أن يتجاوز عمره خمس سنوات، كما أنهم عهدوا بالخلافة إلى أكثر من واحد، وعلى الرغم من أن هذا التقليد كان موجوداً منذ زمن الأمويين إلا العباسيين توسعوا إلى حد كبير مما أدى إلى حدوث الفتن الداخلية والحروب الأهلية، ومن أبرز الأمثلة إلى ما حصل من نزاع وحروب بين الأخوين الأمين والمأمون.

بني العباسيون حقهم في الخلافة على أنهم أهل بيت رسول الله r واعتبروا طاعة الناس لهم واجبة بل فريضة، وبذلك حرموا الأمة حقها في تقرير مصيرها واختيار رئيسها وكانوا يقولون: ((ان من لطف الله ورحمته ان رفع التخاصم وكفى المؤمنين عناء الاختيار بأن رفع آل البيت، ووصل نسبهم برسول الله r وافترض مودتهم على خلقه))، وتبعاً لذلك اعتبر الخليفة العباسي نفسه سلطان الله في أرضه وخليفته على عباده- كما أشرت- وحتى يستميلوا الناس فقد زعموا أنهم جاءوا لنصرة الحق وإحياء السنن والقضاء على البدع، وقربوا الفقهاء ورجال الدين وأكدوا في مراسيمهم على المظاهر الدينية، وصار الخليفة يرتدي بردة الرسول عليه السلام، وأصبح هذا التقليد من شارات الخلافة.

وفي هذه الفترة ازداد نفوذ الفرس في الدارة الحكومية وتأثر العباسيون بالأنظمة الساسانية، وخاصة بنزعة الأكاسرة الاستبدادية، وازدادت تبعاً لذلك الأبهة في مراسيم البلاط العباسي، وكثر عدد الحجَّاب وابتعد الخليفة عن الناس، وأدى ذلك إلى ازدياد سلطة الخليفة والرهبة منه.

وقد اتخذ العباسيون نظام الوزارة ووكلوا بعض مهامهم إلى الوزراء والأعوان ولكن الخليفة بقي في هذه الفترة الحاكم الحقيقي الذي لا يرد له أمر ولا يرفض له طلب، إرادته نافذ وسلطانه مطلق.

الفترة الثانية (232هـ -656هـ):

وفيها تبدل حال الخلافة العباسية من القوة إلى الضعف وكان ذلك نتيجة لسيطرة عناصر أجنبية على شئون الدولة وخاصة الأتراك، فأصبح الخلفاء في معظم الأحيان ألعوبة في أيدي قادة الجند ولم يبق لهم من السلطة إلا الاسم، ولم يتمكن العباسيون من استعادة سلطانهم وهيبتهم حتى سقوط بغداد في أيدي المغول عام(656هـ/1258م).

الخــلافـــة ونظــم الحكــم الأخــرى:

قامت الخلافة على احترام رأي الأمة، وإلغاء الفوارق بين أفرادها، على هدى الإسلام وتعاليمه.

وإذ لاحظنا أن الخليفة كان يقوم على الشورى،كان نظام الخلافة نظاماً جمهورياً، ولولا أنه كان مقصوراً على البيت القرشي، وأن بقاء الخليفة في منصبه غير مقيد بمدة محددة، كما هو الشأن في انتخاب رئيس الجمهورية.

وإذا لاحظنا أن الخليفة غير مقيد برأي من يستشيرهم، كان نظام الخلافة يشبه نظام الملكية المطلقة، ولكن الواقع أن الخليفة كان ينزل عند رأي المسلمين في كل أمر ليس فيه نص من كتاب الله أو سنة.

3- وإذا لاحظنا أن سلطة الخليفة كانت مقيدة بالعمل بما في كتاب الله وسنة رسوله، كانت تشبه الملكية المقيدة.

وعلى كل، كانت الخلافة في عهد الخلفاء الراشدين حكومة ((ديمقراطية)) حقاً، فالخليفة لم يكن يعتبر نفسه إلا واحداً من المسلمين، يجلس معهم ويختلط بهم، ويستطيع أي فرد منهم أم يتحدث إليه في كل ما يريد، وكانت حياته كحياة غيره من المسلمين، في غاية البساطة، بعيدة عن أبهة الملك ومراسمه، وكان لا يقطع رأياً دون استشارة كبار الصحابة كما بينا.

تعــدد الخلافــة وضعفهــا وزوالهــا:

بقيت الخلافة محتفظة بسلطتها وقوتها في عهد الراشدين والأمويين وأول عهد العباسيين، ثم بدأ ضعف الخلفاء لتسلط الأعاجم عليهم من ترك وسلاجقة وبويهيين وغيرهم يسومونهم سوء العذاب من خلع وقتل وتمثيل، واقتصرت الخليفة في عهود الضعف على الأمور الدينية فقط.

كما أن العالم الإسلامي قد تجزأ وزالت وحدته، فالأندلس استقلت وتأسست خلافة أموية فيها، وكذلك نشأت الخلافة الفاطمية في المغرب ومصر، هذا بجانب الخلافة العباسية في بغداد وبذا أصبح هنالك ثلاثة خلفاء في وقت واحد.

وجملة القول أنه بزوال الخلافة العباسية في بغداد اختل نظام الخلافة واصبح في مقدور كل أمير قوي ان يتخذ لنفسه لقب خليفة، كما حصل في فارس وما وراء النهر ومصر وتونس ومراكش. ثم لما فتح سليم الشام ومصر (1517م) استولى على الخلافة كما يذكر بعض الكتاب من المتوكل على الله آخر خلفاء بني العباس الذي تنازل له عنها، إلا ان معظم المؤرخين يميلون إلى الشك بصحة هذا الخبر لأسباب عديدة لا مجال لذكرها الآن، وبعد ان أعلنت الجمهورية برئاسة مصطفى كمال فصلت السلطة السياسية عن الدينية ثم ألغيت الخلافة رسمياً سنة 1924م.




ملحــق مــن الإنتــرنت عـن الخلافــة:

قيل الكثير ولكني أخذت قطوفاً منه، كما أخذت الموضوعات التي تتطرقت لها بشكل سريع أو التي لم أذكرها سابقاً.

الخلافة هي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، وهي عينها الإمامة، فالإمامة والخلافة بمعنى واحد. وقد وردت الأحاديث الصحيحة بهاتين الكلمتين بمعنى واحد، ولم يرد لأي منهما معنى يخالف معنى الأخرى في أي نص شرعي، أي لا في الكتاب ولا في السنّة لأنهما وحدهما النصوص الشرعية. ولا يجب أن يلتزم هذا اللفظ أي الإمامة أو الخلافة، وإنما يلتزم مدلوله.

وإقامة خليفة فرض على المسلمين كافة في جميع أقطار العالم. والقيام به ـ كالقيام بأي فرض من الفروض التي فرضها الله على المسلمين ـ هو أمر محتم لا تخيير فيه ولا هوادة في شأنه، والدليل على وجوب إقامة الخليفة على المسلمين كافة: الكتاب والسنة وإجماع الصحابة.

أما الكتاب، فإن الله تعالى أمر الرسول r أن يحكم بين المسلمين بما أنزل الله، وكان أمره له بشكل جازم، قال تعالى مخاطباً الرسول عليه السلام:]فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق[ وقال: ]وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك[. وخطاب الرسول خطاب لأمته ما لم يرد دليل يخصصه به، وهنا لم يرد دليل فيكون خطاباً للمسلمين بإقامة الحكم. ولا يعني إقامة الخليفة إلاّ إقامة الحكم والسلطان. على أن الله تعالى فرض على المسلمين طاعة أولي الأمر، أي الحاكم، مما يدل على وجوب وجود ولي الأمر على المسلمين. قال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم[ ولا يأمر الله بطاعة من لا وجود له. فدل على أن إيجاد ولي الأمر واجب. فالله تعالى حين أمر بطاعة ولي الأمر فإنّه يكون قد أمر بإيجاده. فإن وجود ولي الأمر يترتب عليه إقامة الحكم الشرعي، وترك إيجاده يترتب عليه تضييع الحكم الشرعي، فيكون إيجاده واجباً لما يترتب على عدم إيجاده من حُرمة، وهي تضييع الحكم الشرعي.

وأما السنّة فقد روى مسلم عن طريق نافع قال: قال لي ابن عمر سمعت رسول الله يقول: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» . فالنبيr فرض على كل مسلم أن تكون في عنقه بيعة، ووصف من يموت وليس في عنقه بيعة بأنه مات ميتة جاهلية. والبيعة لا تكون إلا للخليفة ليس غير. وقد أوجب الرسول على كل مسلم أن تكون في عنقه بيعة لخليفة، ولم يوجب أن يبايع كل مسلم الخليفة. فالواجب هو وجود بيعة في عنق كل مسلم، أي وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة بوجوده. فوجود الخليفة هو الذي يوجد في عنق كل مسلم بيعة سواء بايع بالفعل أم لم يبايع، ولهذا كان الحديث دليلاً على وجوب نصب الخليفة وليس دليلاً على وجوب أن يبايع كل فرد الخليفة. لأن الذي ذمّه الرسول هو خلو عنق المسلم من بيعة حتى يموت، ولم يذم عدم البيعة

وأما إجماع الصحابة فإنهم رضوان الله عليهم أجمعوا على لزوم إقامة خليفة لرسول الله r بعد موته، وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان بعد وفاة كل منهم. وقد ظهر تأكيد إجماع الصحابة على إقامة خليفة من تأخيرهم دفن رسول الله r عقب وفاته واشتغالهم بنصب خليفة له، مع أن دفن الميت عقب وفاته فرض، ويحرم على من يجب عليهم الاشتغال في تجهيزه ودفنه الاشتغال في شيء غيره حتى يتم دفنه. والصحابة الذين يجب عليهم الاشتغال في تجهيز الرسول ودفنه اشتغل قسم منهم بنصب الخليفة عن الاشتغال بدفن الرسول، وسكت قسم منهم عن هذا الاشتغال، وشاركوا في تأخير الدفن ليلتين مع قدرتهم على الإنكار، وقدرتهم على الدفن، فكان ذلك إجماعاً على الاشتغال بنصب الخليفة عن دفن الميت، ولا يكون ذلك إلاّ إذا كان نصب الخليفة أوجب من دفن الميت. وأيضاً فإن الصحابة كلهم أجمعوا طوال أيام حياتهم على وجوب نصب الخليفة، ومع اختلافهم على الشخص الذي ينتخب خليفة فإنهم لم يختلفوا مطلقاً على إقامة خليفة، لا عند وفاة رسول الله، ولا عند وفاة أي خليفة من الخلفاء الراشدين، فكان إجماع الصحابة دليلاً صريحاً وقوياً على وجوب نصب الخليفة.

على أن إقامة الدين وتنفيذ أحكام الشرع في جميع شؤون الحياة الدنيا والأخرى فرض على المسلمين بالدليل القطعي الثبوت القطعي الدلالة، ولا يمكن أن يتم ذلك إلاّ بحاكم ذي سلطان. والقاعدة الشرعية (إن ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب) فكان نصب الخليفة فرضاً من هذه الجهة أيضاً.

فهذه الأدلة صريحة بأن إقامة الحكم والسلطان على المسلمين منهم فرض، وصريحة بأن إقامة خليفة يتولى هو الحكم والسلطان فرض على المسلمين وذلك من أجل تنفيذ أحكام الشرع، لا مجرد حكم وسلطان.

 

انعقاد الخلافة 

الخلافة عقد مراضاة واختيار، لأنها بيعة بالطاعة لمن له حق الطاعة من ولاية الأمر. فلا بد فيها من رضا من يبايع ليتولاها ورضا المبايعين له. ولذلك إذا رفض أحد أن يكون خليفة وامتنع من الخلافة لا يجوز إكراهه عليها، فلا يجبر على قبولها بل يعدل عنه إلى غيره. وكذلك لا يجوز أخذ البيعة من الناس بالإجبار والإكراه لأنه حينئذ لا يصح اعتبار العقد فيها صحيحاً لمنافاة الإجبار لها، لأنها عقد مراضاة واختيار، لا يدخله إكراه ولا إجبار كأي عقد من العقود. إلا أنه إذا تم عقد البيعة ممن يعتد ببيعتهم فقد انعقدت البيعة، وأصبح المبايَع هو ولي الأمر، فوجبت طاعته. وتصبح البيعة له بيعة على الطاعة وليست بيعة لعقد الخلافة. وحينئذ يجوز له أن يجبر الناس الباقين على بيعته لأنها إجبار على طاعته وهذا واجب شرعاً، وليست هي في هذه الحال عقد بيعة بالخلافة حتى يقال لا يصح فيه الإجبار. وعلى ذلك فالبيعة ابتداء عقد لا تصح إلاّ بالرضا والاختيار. أما بعد انعقاد البيعة للخليفة فتصبح طاعة أي انقياداً لأمر الخليفة ويجوز فيها الإجبار تنفيذاً لأمر الله تعالى. ولما كانت الخلافة عقداً فإنها لا تتم إلاّ بعاقد، كالقضاء لا يكون المرء قاضياً إلاّ إذا ولاه أحد القضاء. والإمارة لا يكون أحد أميراً إلاّ إذا ولاه أحد الإمارة. والخلافة لا يكون أحد خليفة إلاّ إذا ولاه أحد الخلافة. ومن هنا يتبين أنه لا يكون أحد خليفة إلاّ إذا ولاه المسلمون، ولا يملك صلاحيات الخلافة إلاّ إذا تم عقدها له، ولا يتم هذا العقد إلاّ من عاقدين أحدهما طالب الخلافة والمطلوب لها، والثاني المسلمون الذين رضوا به أن يكون خليفة لهم. ولهذا كان لابد لانعقاد الخلافة من بيعة المسلمين. وعلى هذا فإنه إذا قام متسلط واستولى على الحكم بالقوة فإنه لا يصبح بذلك خليفة ولو أعلن نفسه خليفة للمسلمين، لأنه لم تنعقد له خلافة من قبل المسلمين. ولو أخذ البيعة على الناس بالإكراه والإجبار لا يصبح خليفة ولو بويع، لأن البيعة بالإكراه والإجبار لا تعتبر ولا تنعقد بها الخلافة، لأنها عقد مراضاة واختيار لا تتم بالإكراه والإجبار، فلا تنعقد إلاّ بالبيعة عن رضا واختيار. إلاّ أن هذا المتسلط إذا استطاع أن يقنع الناس بأن مصلحة المسلمين في بيعته وأن إقامة أحكام الشرع تحتم بيعته وقنعوا بذلك ورضوا، ثم بايعوه عن رضا واختيار، فإنه يصبح خليفة منذ اللحظة التي بويع فيها عن رضا واختيار، ولو كان أخذ السلطان ابتداء بالتسلط والقوة. فالشرط هو حصول البيعة وأن يكون حصولها عن رضا واختيار، سواء كان من حصلت له البيعة هو الحاكم والسلطان أو لم يكن.

أما من هم الذين تنعقد الخلافة ببيعتهم فإن ذلك يفهم من استعراض ما حصل في بيعة الخلفاء الراشدين وما أجمع عليه الصحابة. ففي بيعة أبي بكر اكتفي بأهل الحَل والعقد من المسلمين الذين كانوا في المدينة وحدها، ولم يؤخذ رأي المسلمين في مكة وفي سائر جزيرة العرب، بل لم يسألوا. وكذلك الحال في بيعة عمر. أما في بيعة عثمان فإن عبد الرحمن بن عوف أخذ رأي المسلمين في المدينة، ولم يقتصر على سؤال أهل الحل والعقد كما فعل أبو بكر عند ترشيح عمر. وفي عهد علي اكتفي ببيعة أكثر أهل المدينة وأهل الكوفة وأفرد هو بالبيعة واعتبرت بيعته حتى عند الذين خالفوه وحاربوه، فإنهم لم يبايعوا غيره ولم يعترضوا على بيعته، وإنما طالبوا بدم عثمان، فكان حكمهم حكم البغاة الذين نقموا على الخليفة أمراً، فعليه أن يوضحه لهم ويقاتلهم، ولم يكونوا خلافة أخرى.

وقد حصل كل ذلك ـ أي بيعة الخليفة من أكثر أهل العاصمة فقط دون باقي الأقاليم إلا في مبايعة الإمام علي حين شارك أهل الكوفة في مبايعته ـ على مرأى ومسمع من الصحابة، ولم يكن هنالك مخالف في ذلك ولا منكر لهذا العمل من حيث اقتصار البيعة على أكثر أهل المدينة مع مخالفتهم في شخص الخليفة وإنكارهم أعماله، ولكن لم ينكروا اقتصار مبايعته على أكثر أهل المدينة، فكان ذلك إجماعاً من الصحابة على أن الخلافة تنعقد ممن يمثلون رأي المسلمين في الحكم، لأن أهل الحل والعقد وأكثر سكان المدينة كانوا هم أكثرية الممثلين لرأي الأمة في الحكم في جميع رقعة الدولة الإسلامية حينئذ.

وعلى هذا فإن الخلافة تنعقد إذا جرت البيعة من أكثر الممثلين لأكثر الأمة الإسلامية ممن يدخلون تحت طاعة الخليفة الذي يراد انتخاب خليفة مكانه كما جرى الحال في عهد الخلفاء الراشدين. وتكون بيعتهم حينئذ بيعة عقد للخلافة. أما من عداهم فإنه بعد انعقاد الخلافة للخليفة تصبح بيعته بيعة طاعة، أي بيعة انقياد للخليفة لا بيعة عقد للخلافة.

 هذا إذا كان هنالك خليفة مات أو عزل، ويراد إيجاد خليفة مكانه. أما إذا لم يكن هنالك خليفة مطلقاً، وأصبح فرضاً على المسلمين أن يقيموا خليفة لهم لتنفيذ أحكام الشرع وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، كما هي الحال منذ زوال الخلافة الإسلامية في اسطنبول سنة 1343 هجرية الموافق سنة 1924 ميلادية حتى يومنا هذا سنة 1415 هجرية الموافق سنة 1994 ميلادية، فإن كل قطر من الأقطار الإسلامية الموجودة في العالم الإسلامي أهل لأن يبايع خليفة، وتنعقد به الخلافة، فإذا بايع قطر ما من هذه الأقطار الإسلامية خليفة، وانعقدت الخلافة له، فإنه يصبح فرضاً على المسلمين أن يبايعوه بيعة طاعة أي بيعة انقياد، بعد أن انعقدت الخلافة له ببيعة أهل قطره، سواء أكان هذا القطر كبيراً كمصر أو تركيا أو إندونيسيا، أم كان صغيراً كالأردن أو ألبانيا أو لبنان. على شرط أن تتوفر فيه أربعة أمور:

أحدها: أن يكون سلطان ذلك القطر سلطاناً ذاتياً يستند إلى المسلمين وحدهم لا إلى دولة كافرة أو نفوذ كافر.

ثانيها: أن يكون أمان المسلمين في ذلك القطر بأمان الإسلام لا بأمان الكفر، أي أن تكون حمايته من الداخل والخارج حماية إسلام من قوة المسلمين باعتبارها قوة إسلامية بحتة.

ثالثها: أن يبدأ حالاً بمباشرة تطبيق الإسلام كاملاً تطبيقاً انقلابياً شاملاً، وأن يكون متلبساً بحمل الدعوة الإسلامية.

رابعها: أن يكون الخليفة المبايع مستكملاً شروط انعقاد الخلافة وإن لم يكن مستوفياً شروط الأفضلية، لأن العبرة بشروط الانعقاد.

فإذا استوفى ذلك القطر هذه الأمور الأربعة فقد وجدت الخلافة بمبايعة ذلك القطر وحده وانعقدت به وحده، ولو كان لا يمثل أكثر أهل الحل والعقد لأكثر الأمة الإسلامية، لأن إقامة الخلافة فرض كفاية، والذي يقوم بذلك الفرض على وجهه الصحيح يكون قام بالشيء المفروض، ولأن اشتراط أكثر أهل الحل والعقد إذا كانت هنالك خلافة موجودة يراد إيجاد خليفة فيها مكان الخليفة المتوفى أو المعزول. أما إذا لم تكن هنالك خلافة مطلقاً، ويراد إيجاد خلافة، فإن مجرد وجودها على الوجه الشرعي تنعقد الخلافة بأي خليفة يستكمل شروط الانعقاد مهما كان عدد المبايعين الذين بايعوه. لأن المسألة تكون حينئذ مسألة قيام بفرض قصر المسلمون عن القيام به مدة تزيد على الثلاثة أيام. فتقصيرهم هذا ترك لحقهم في اختيار من يريدون. فمن يقوم بالفرض يكفي لانعقاد الخلافة به، ومتى قامت الخلافة في ذلك القطر وانعقدت لخليفة، يصبح فرضاً على المسلمين جميعاً الانضواء تحت لواء الخلافة ومبايعة الخليفة، وإلا كانوا آثمين عند الله. ويجب على هذا الخليفة أن يدعوهم لبيعته، فإن امتنعوا كان حكمهم حكم البغاة ووجب على الخليفة محاربتهم حتى يدخلوا تحت طاعته. وإذا بويع لخليفة آخر في نفس القطر أو في قطر آخر بعد بيعة الخليفة الأول وانعقاد الخلافة له انعقاداً شرعياً مستوفياً الأمور الأربعة السابقة، وجب على المسلمين محاربة الخليفة الثاني حتى يبايع الخليفة الأول، لما روى مسلم عن طريق عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: إنه سمع رسول الله r يقول: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» ولأن الذي يجمع المسلمين هو خليفة المسلمين براية الإسلام. فإذا وجد الخليفة وجدت جماعة المسلمين ويصبح فرضاً الانضمام إليهم ويحرم الخروج عنهم. عن ابن عباس t عن النبي r قال : «من رأى من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلاّ مات ميتة جاهلية» . وروى مسلم عن ابن عباس عن النبي r قال : «من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلاّ مات ميتة جاهلية» . ومفهوم هذين الحديثين لزوم الجماعة ولزوم السلطان.

ولا حق في البيعة لغير المسلمين ولا تجب عليهم، لأنها بيعة على الإسلام وعلى كتاب الله وسنة رسول الله، وهي تقتضي الإيمان بالإسلام وبالكتاب والسنة. وغير المسلمين لا يجوز أن يكونوا في الحكم، ولا أن ينتخبوا الحاكم، لأنه لا سبيل لهم على المسلمين، ولأنه لا محل لهم في البيعة.

شروط الخليفة

يجب أن تتوفر في الخليفة سبعة شروط حتى يكون أهلاً للخلافة، وحتى تنعقد البيعة له بالخلافة. وهذه الشروط السبعة، شروط انعقاد، إذا نقص شرط منها لم تنعقد الخلافة، وهي:

أولا: أن يكون مسلماً. فلا تصح الخلافة لكافر مطلقاً، ولا تجب طاعته، لأن الله تعالى يقول ]وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً[. والحكم هو أقوى سبيل للحاكم على المحكوم، والتعبير بلن المفيدة للتأبيد قرينة للنهي الجازم عن أن يتولى الكافر أي حكم مطلقاً سواء أكان الخلافة أم دونها.

ثانيا: أن يكون ذكراً. فلا يجوز أن يكون الخليفة أنثى، أي لا بد أن يكون رجلاً. فلا يصح أن يكون امرأة. لما روي عن أبي بَكْرَة قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله r أيام الجمل بعدما كدت ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال: لما بلغ رسول الله r أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال : «لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة» . رواه البخاري فإخبار الرسول بنفي الفلاح عمن يولون أمرهم امرأة هو نهي عن توليتها، إذ هو من صيغ الطلب، وكون هذا الإخبار جاء إخباراً بالذم لمن يولون أمرهم امرأة بنفي الفلاح عنهم فإنه يكون قرينة على النهي الجازم. فيكون النهي هنا عن تولية المرأة قد جاء مقروناً بقرينة تدل على طلب الترك طلباً جازماً، فكانت تولية المرأة حراماً. والمراد توليتها الحكم: الخلافة وما دونها من المناصب التي تعتبر من الحكم، لأن موضوع الحديث ولاية بنت كسرى ملكاً فهو خاص بموضوع الحكم الذي جرى عليه الحديث. وليس خاصاً بحادثة ولاية بنت كسرى وحدها، كما أنه ليس عاماً في كل شيء فلا يشمل غير موضوع الحكم ولا بوجه من الوجوه.

ثالثا: أن يكون بالغاً، فلا يجوز أن يكون صبياً. لما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله r قال : «رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يكبر وعن المبتلى حتى يعقل» . ومن رفع القلم عنه لا يصح أن يتصرف في أمره وهو غير مكلف شرعاً فلا يصح أن يكون خليفة أو ما دون ذلك من الحكم لأنه لا يملك التصرفات. والدليل أيضاً على عدم جواز كون الخليفة صبياً، أن رسول الله r رفض أن يبايعه صبي، فقد رفض بيعة عبد الله بن هشام وعلل ذلك بصغره فقال: «هو صغير» . فإذا كانت البيعة لا تصح من الصبي ولا يجوز له أن يبايع غيره خليفة فمن باب أولى أنه لا يجوز أن يكون خليفة.

رابعا: أن يكون عاقلاً، فلا يصح أن يكون مجنوناً لقول رسول الله r : «رفع القلم عن ثلاث» وقال منها «... وعن المبتلى حتى يعقل» . ومن رفع القلم عنه فهو غير مكلف. ولأن العقل مناط التكليف وشرط لصحة التصرفات. والخليفة إنما يقوم بتصرفات الحكم وبتنفيذ التكاليف الشرعية، فلا يصح أن يكون مجنوناً.

خامسا: أن يكون عدلاً، فلا يصح أن يكون فاسقاً والعدالة شرط لازم لانعقاد الخلافة ولاستمرارها. لأن الله تعالى اشترط في الشاهد أن يكون عدلاً. قال تعالى: : ]وَأَشْهِدُواْ ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ[ فمن هو أعظم من الشاهد وهو الخليفة من باب أولى أنه يلزم أن يكون عدلاً لأنه إذا شرطت العدالة للشاهد فشرطها للخليفة أولى.

سادساً: أن يكون حراً، لأن العبد مملوك لسيده فلا يملك التصرف بنفسه. ومن باب أولى أن لا يملك التصرف بغيره فلا يملك الولاية على الناس.

سابعاً: أن يكون قادراً على القيام بأعباء الخلافة، لأن ذلك من مقتضى البيعة، فلا تصح خلافة العاجز عن القيام بأعباء الخلافة.

هذه هي شروط انعقاد الخلافة للخليفة وما عدا هذه الشروط السبعة لا يصلح أي شرط لأن يكون شرط انعقاد، وإن كان يمكن أن يكون شرط أفضلية إذا صحت النصوص فيه، أو كان مندرجاً تحت حكم ثبت بنص صحيح. وذلك لأنه يلزم في الشرط حتى يكون شرط انعقاد أن يأتي الدليل على اشتراطه متضمناً طلباً جازماً حتى يكون قرينة على اللزوم. فإذا لم يكن الدليل متضمناً طلباً جازماً كان الشرط شرط أفضلية لا شرط انعقاد، ولم يرد دليل فيه طلب جازم إلاّ هذه الشروط السبعة، ولذلك كانت وحدها شروط انعقاد. أما ما عداها مما صح فيه الدليل فهو شرط أفضلية فقط. وعلى ذلك فلا يشترط لانعقاد الخلافة أن يكون الخليفة مجتهداً لأنه لم يصح نص في ذلك، ولأن عمل الخليفة الحكم، وهو لا يحتاج إلى اجتهاد لإمكانه أن يسأل عن الحكم وأن يقلد مجتهداً وأن يتبنى أحكاماً بناء على تقليده، فلا ضرورة لأن يكون مجتهداً، ولكن الأفضل أن يكون مجتهداً فإن لم يكن كذلك انعقدت خلافته. وكذلك لا يشترط لانعقاد الخلافة أن يكون الخليفة شجاعاً، أو من أصحاب الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح، لأنه لم يصح حديث في ذلك، ولا يندرج تحت حكم شرعي يجعل ذلك شرط انعقاد، وإن كان الأفضل أن يكون شجاعاً ذا رأي وبصيرة. وكذلك لا يشترط لانعقاد الخلافة أن يكون الخليفة قرشياً. أما ما روي عن معاوية أنه قال سمعت رسول الله r يقول : «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلاّ كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين» رواه البخاري وروي أيضاً عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله r : «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» . فهذه الأحاديث وغيرها مما صح إسناده للرسول من جعل ولاية الأمر لقريش، فإنها وردت بصيغة الإخبار ولم يرد ولا حديث واحد بصيغة الأمر، وصيغة الإخبار وإن كانت تفيد الطلب ولكنه لا يعتبر طلباً جازماً ما لم يقترن بقرينة تدل على التأكيد ولم يقترن بأية قرينة تدل على التأكيد ولا في رواية صحيحة، فدل على أنه للندب لا للوجوب، فيكون شرط أفضلية لا شرط انعقاد. وأما قوله في الحديث: «لا يعاديهم أحد إلاّ كبه الله» . فإنه معنى آخر في النهي عن عدم معاداتهم، وليس تأكيداً لقوله: «إن هذا الأمر في قريش» فالحديث ينص على أن الأمر فيهم، وعلى النهي عن معاداتهم. وأيضاً فإن كلمة قريش اسم وليس صفة. ويقال له في اصطلاح علم الأصول لقب. ومفهوم الاسم أي مفهوم اللقب لا يعمل به مطلقاً لأن الاسم أي اللقب لا مفهوم له، ولذلك فإن النص على قريش لا يعني أن لا يجعل في غير قريش. فقوله عليه السلام: «أن هذا الأمر في قريش» ، «لا يزال هذا الأمر في قريش» لا يعني أن هذا الأمر لا يصح أن يكون في غير قريش، ولا أن كونه لا يزال فيهم أنه لا يصح أن يكون في غيرهم، بل هو فيهم ويصح أن يكون في غيرهم، فيكون النص عليهم غير مانع من وجود غيرهم في الخلافة. فيكون على هذا شرط أفضلية لا شرط انعقاد.

وأيضاً فقد أمَّرَ رسول الله r عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة وأسامة بن زيد وجميعهم من غير قريش، فيكون الرسول قد أمَّر غير قريش. وكلمة هذا الأمر تعني ولاية الأمر أي الحكم. وليست هي نصاً في الخلافة وحدها. فكون الرسول يولي الحكم غير قريش دليل على أنه غير محصور فيهم وغير ممنوع عن غيرهم. وأيضاً فقد روى البخاري أن رسول الله r قال: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» وروى مسلم عن أبي ذر قال: «أوصاني خليلي r أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً مُجدَّع الأطراف» وفي رواية: «إن أُمّر عليكم عبد مُجدَّع أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا» فهذه الأحاديث نصوص صريحة في جواز أن يتولى أمر المسلمين عبد أسود. وفي ذلك ما يدل صراحة على أن الخلافة أو ولاية الأمر يجوز أن يتولاها ناس من غير قريش بل من غير العرب. فتكون الأحاديث قد نصت على بعض من هم أهل للخلافة للدلالة على أفضليتهم، لا على حصر الخلافة بهم، وعدم انعقادها لغيرهم.

وكذلك لا يشترط أن يكون الخليفة هاشمياً أو علوياً لما ثبت أن النبي r ولى الحكم غير بني هاشم وغير بني علي، وأنه حين خرج إلى تبوك ولّى على المدينة محمد بن مسلمة وهو ليس هاشمياً ولا علوياً. وكذلك ولّى اليمن معاذ بن جبل وعمرو بن العاص وهما ليسا هاشميين ولا علويين. وثبت بالدليل القاطع مبايعة المسلمين بالخلافة لأبي بكر وعمر وعثمان، ومبايعة علي t لكل واحد منهم مع أنهم لم يكونوا من بني هاشم وسكوت جميع الصحابة على بيعتهم، ولم يرو عن أحد أنه أنكر بيعتهم لأنهم ليسوا هاشميين ولا علويين، فكان ذلك إجماعاً من الصحابة بمن فيهم علي وابن عباس وسائر بني هاشم على جواز أن يكون الخليفة غير هاشمي ولا علوي. أما الأحاديث الواردة في فضل سيدنا علي t وفي فضل آل البيت فإنها تدل على فضلهم لا على أن شرط انعقاد الخلافة أن يكون الخليفة منهم.

ومن ذلك يتبين أنه لا يوجد أي دليل على وجود أي شرط لانعقاد الخلافة سوى الشروط السبعة السابقة، وما عداها على فرض صحة جميع النصوص التي وردت فيه أو اندراجه تحت حكم صحت فيه النصوص، فإنه يمكن أن يكون شرط أفضلية لا شرط انعقاد، والمطلوب شرعاً هو شرط انعقاد الخلافة للخليفة حتى يكون خليفة. أما ما عدا ذلك فهو يقال للمسلمين حين يعرض عليهم . ولكن أي شخص اختاروه انعقدت خلافته إذا كانت توفرت فيه شروط الانعقاد وحدها ولو لم يتوفر فيه غيرها.

 

المصادر والمراجع


أ.د. سعيد عبد الفتاح عاشور، أ.د. عوض محمد خليفات، عُمان والحضارة الإسلامية، جامعة السلطان قابوس، سلطنة عُمان، 1422هـ/2001م.

د. فتحية النبراوي، النضم الحضارة الإسلامية، دار الفكر العربي، القاهرة، الطبعة السابعة، 1414هـ/1994م.

أبو زيد شلبي، تاريخ الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الثامنة، 1417هـ/1997م.

د. حسن علي حسن، د. التوم الطالب محمد، تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع،الكويت، الطبعة الثانية، 1418هـ/1998م.

أنور الرفاعي، الإسلام في حضارته ونظمه الإدارية والسياسية والأدبية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية والفنية، دار الفكر، دمشق، 1417هـ/1997م.




الإنترنت:

(1) http://www.hizb-ut-tahrir.org/arabic/kotobmtb/htm/14klf00.htm

(2) http://www.bouti.com/ulamaa/bouti/bouti_friday_2002_01_18.htm