تحولات كبيرة و تحديات عظيمة بقلم:فادي الحسيني
تاريخ النشر : 2007-04-12
تحولات كبيرة و تحديات عظيمة

فادي الحسيني

تتطور الأمور في منطقة الشرق الأوسط "الجديد" حسب الرؤية الأمريكية بوتيرة سريعة لدرجةٍ بدأ يصعب تفسير الكثير من الظواهر المتلاحقة في هذه البقعة الساخنة، فما أن أصيبت الولايات المتحدة الأمريكية بسهام سبتمبر الموجعة في عقر دارها، بدأ العالم يأخذ منحى جديد في شكل العلاقات الدولية و السياسات الخارجية و حتى الألفاظ بدأت تتغير و تتبدل نحو ألفاظ تتماشى مع غضب ذلك المارد الجريح و الذي لم يجد من يوقفه أو يهدأ من جام غضبه، فاندفع و كوى أفغانستان بنار الانتقام ثم عرج على العراق ليشفي غليلاً لم يذقه أبداً، و لكن بعد مرور هذه السنين على تلك الضربة التي تلقتها الولايات المتحدة، و بعد كل هذه المغامرات التي زجت نفسها إليها، بدأت تفلت زمام الأمور ليس في الداخل الأمريكي فحسب، و لكن أيضاً في بقاع أخرى ، و كأن المعجزة تحققت و بدأ استئثار الولايات المتحدة على مجريات الأمور يتقلص شيئاً فشيئاً، ثم بدت المعادلات الإستراتيجية المعهودة تتغير عن سابق عهدها مع صعود قوى جديدة و أفول قوى تقليدية.

تجلت حالة فقدان زمام الأمور في الداخل الأمريكي حين ظهر جلياً مدى اهتزاز شعبية الرئيس بوش و عدم ثقة شعبه و مثقفيه و سياسييه بأداء الإدارة الحالية داخلياً و خارجياً معتبرين أن ما يحدث على جميع الأصعدة فشلاً وراء فشل، فهوى الكونجرس من قبضة الجمهوريين ثم سرعان ما بدأت القرارات و التصريحات تعكس تناقضاً واضحاً في المواقف و الإستراتيجية بين الرئاسة ممثلة بالبيت الأبيض و الأغلبية في الكونجرس، و جاءت قمة هذا التباين في موقف الكونجرس من العراق و رفض أي تمويل إضافي أو إرسال جنود أمريكيين جدد للعراق ثم وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق و هو الأمر الذي رفضه البيت الأبيض بشدة و عبر صراحة عن مضيه قدماً في خططه رغم اعتراض المؤسسة التشريعية في البلاد، ثم جاءت زيارة بيلوتسي لدمشق و بالطبع بعد أن بررت هذه الزيارة لأعضاء اللوبي الصهيوني الذي اعتبر أن الوقت الآن مناسباً للسلام مع سوريا، ظهر الرئيس الأمريكي ينتقد هذه الزيارة في سابقة غير معهودة لتظهر تمايزاً واضحاً بين مؤسستين لطالما كانتا شريكاً في صنع و تنفيذ أي قرار داخلي و خارجي. و في تطور يشير إلى عمق الخلافات في المؤسسة الأمريكية، نشر الحزب الديمقراطي في الرابع من إبريل 2007 تقريراً حول تجاوزات و ممارسات إدارة بوش تناول فيها تقديم المصلحة الحزبية عن مصلحة الدولة، و فرض رؤيا الحزب الجمهوري على المؤسسات العامة، و الإقصاء الوظيفي لمن يتبع الحزب الديمقراطي و مكافأة الموالين لرؤية بوش طبقاً للتقرير.

أما إسرائيلياً، فلم يكن الوضع أحسن حالاً، فمع اختفاء آرئيل شارون عن الخارطة السياسية الإسرائيلية، وجد أولمرت نفسه بالصدفة يقود حزب صنعه شارون نفسه، و بالفعل فاز في الانتخابات بعد أن وصفه المحللون الإسرائيليون أضعف رئيس وزراء إسرائيلي، و بالتالي لنا أن نتخيل وضع القيادات السياسية الإسرائيلية الأخرى و شعبيتها في الشارع الإسرائيلي بعد أن هزمت في الانتخابات أمام أولمرت و كاديما الحديث!!! و ما هي إلا شهور معدودة حتى تم أسر جندياً إسرائيلياً في غزه و بعدها بعدة أسابيع تم أسر جنديين إسرائيليين في جنوب لبنان، و أثبت أولمرت فشله في إيجاد حل لتحرير أولئك الجنود، فخاض حرباً ضد حزب الله لاقى هزيمة غير متوقعة صدمت الشارع الإسرائيلي أكثر من صدمتها عندما رأت الصواريخ تتهاوى على مدنهم و قراهم، ثم بدأت قضايا الفساد تنهال من كل صوب و حدب حتى طالت رأس الدولة نفسه. لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد عبر الإسرائيليون صراحة عن برود في علاقتهم مع الحليف الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية منذ تولي أولمرت رغم محاولات وزيرة خارجيته ليفني ترطيب الأمور و لو قليلاً، و لكن ما عسى ليفني أن تغير و الحليف مشغول بأجندة مليئة بجراح في العراق و تهديد إيراني لسيادتها على منطقة تابعة سياسياً و اقتصادياً لها، و إعادة بناء أحلاف و تفكيك محاور إضافة لأوضاع داخلية و غيرها. لم تكن صدفة أو دبلوماسية بحتة عندما أجاب أولمرت بردود مبهمة و إشارات غامضة على المبادرة العربية لأن القرار الإسرائيلي لإنهاء هذا الصراع يحتاج لقيادة إسرائيلية قوية، و أوضاع داخلية مستوية و من خلفه تأييد شعبي و سياسي و هي الأمور التي تغيب تماماً عن إسرائيل في هذه الآونة.

أما عربياً، فقد شهدت الساحة العربية تطوراً كبيراً عن تراجع مصر عن الريادة في السياسة الخارجية في المنطقة بسياستها و دورها الإقليمي بعد أن انتزعته المملكة العربية السعودية بكل قوة و حنكة رغم الخبرة الكبيرة التي يتمتع فيها وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، و لكن يبدو أن القضايا الداخلية في مصر كان لها أكبر الأثر في هذا التراجع، فظهرت السعودية كالأم يحتضن العرب و قضاياهم من العراق إلى لبنان وصولاً إلى فلسطين، و ظهرت التحركات الدبلوماسية السعودية في زيارات عربية و محاولات لرأب الصدع هنا و هناك، فلأول مرة يصف الملك السعودي الوجود الأمريكي في العراق بالاحتلال غير مشروع و بالطبع هو الأمر الذي أثار غضب الجانب الأمريكي و عبر بولتون سفير الولايات المتحدة الأمريكية السابق لدى الأمم المتحدة عن أمله أن يغير الملك السعودي من وصفه لهذا الوجود بالغير مشروع. لقد عبر الملك السعودي عما يجول في خاطر كل عربي خجل أو خاف أن يقوله أكان رئيساً أم مرؤوساً، و رأيناً سابقاً المبعوثين السعوديين يزورن لبنان، و يدعون السياسيين اللبنانيين للحضور لدى السعودية ليتوسطوا فيما بينهم لإيجاد صيغة للتفاهم لإنهاء الأزمة في لبنان، أما فلسطينيناً فكان للسعودية الفضل في إفراز اتفاق مكة الذي وضع حداً لنزيف الدم الفلسطيني و الاتفاق على تشكيل أول حكومة وحدة وطنية بعد أن تبنت موقف الراعي للقضايا العربية.

فمع تطور الأمور في منطقة الشرق الأوسط قد تكون الفرصة أكثر من مناسبة ليكون دور السعودية السنية أكبر عن سابق عهده في مجابهة الاختراق الشيعي للمنطقة، و خاصة لمكانتها الدينية و البعد التاريخي لها، و خاصة بعد أن غرزت الولايات المتحدة الأمريكية جذور الطائفية و غذتها و كرستها لتنشر هذه النعرة الجديدة و التي تنتقل بسرعة فائقة كالآفة بين البلدان العربية و الإسلامية لتفتك بأواصر الارتباط و الانسجام في هذه المجتمعات، فبدأنا نسمع عن مواجهات و اشتباكات هنا و هناك بين السنة و الشيعة حتى وصلت مؤخراً إلى الباكستان، و هو الأمر المرشح للاتساع بوتيرة كبيرة مع استمرار تكريس هذه الفرقة و الكراهية. أما في سوريا فوجدنا أن الأجواء أصبحت مؤهلة أكثر من أي وقت مضى لتنهي فترة قطيعة مع المجتمع الدولي بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية، فاللهجة الدولية الحادة تجاه سوريا بدأت تلين، و التصريحات المتبادلة بدت و كأنها غزل خجول، و الحديث عن تسوية أصبح متداول في واشنطن و تل أبيب و حتى دمشق، فالجميع يبحث عن مكسب سياسي يوطد أركان نظامه، و قد تكون الجولان المحتل هي الكاسب الوحيد من هذه الحسابات الإستراتيجية، أما مصير قيادات المقاومة الفلسطينية في سوريا يبقى في حكم المجهول. أما في طهران، فالأمر لا يستدعي الكثير من التحليل لنرى أن قيادة إيران ماضية في تنفيذ أجندتها النووية و خططها الإستراتيجية في المنطقة بعد أن أيقنت أن خيارات المارد الأمريكي المنهك باتت محدودة و معدودة، و خاصة في ظل غياب إجماع دولي تجاهها، و ما كان لأسر البحارة البريطانيين إلا رسالة واضحة و حازمة لم يختلف على تفسيرها اثنين و هو "لا تحاولوا العبث معنا فالرد سيكون قاسياً". لقد قام الإيرانيون بخطوات استباقية لتحصر خيارات "أعدائها" أكثر و أكثر، فتولى الحرس الثوري الإيراني مسؤولية إدارة العديد من المرافق و التي كانت تدار في السابق من قبل شركات أجنبية أكثرها فرنسية، و حتى إدارة المطارات أصبحت تابعة للحرس الثوري الإيراني و هو الأمر الذي جعل في أكثر المواقع الإيرانية الحساسة تتمتع بخصوصية إيرانية خالصة يصعب اختراقها في حال أديرت من قبل جهات أجنبية. أما نجاح فرض عقوبات أو حصار على إيران، فجغرافياً تقع إيران بين تركمستان و أفغانستان و باكستان و تركيا و العراق، و لهذه الدول من خصوصيات و تناقضات لتجعل إحكام الحصار عليها أمراً مستبعداً، أما مالياً فتتمتع إيران بنموذج فريد في إدارتها المالية إذ يوجد قناتين متوازيتين للمال تتولى الحكومة و الرئاسة الإشراف على إحداهما و يكون مصدر دخلها العوائد المادية الخاصة بالدولة من ضرائب و صناعة و عائدات النفط أما القناة الثانية فيتولى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية (خامائني) الإشراف عليها و تكون عوائدها من الزكاة و الأضحيات و التبرعات إضافة لعوائد ما تم تأميمه من ممتلكات الشاه، و من هنا يظهر جلياً مدى جدوى فرض عقوبات مالية على إيران تؤدي لإجهاض مشروعها النووي أو حتى إنهاك إيران كما حدث مع العراق بعد غزو الكويت.

في فلسطين أسعدنا نبأ اتفاق مكة، و أسعدنا أكثر تشكيل أول حكومة وحدة وطنية بأسماء لا يشوبها شيء، تعبر عن فصائل كفاح وطني عظيم و شخصيات تعكس نضجاً سياسياً كبير، ثم قمة العرب في الرياض التي أفرزت إجماعاً غاب لعقود من الزمان، و إن كان هذا الإجماع على فتات رفضناه إبان كفاح الشجعان، وآثرنا وقتها مجابهة الظلم و مقارعة الطغيان، و لكن الواقعية في منطقتنا حكمت و موازين القوى في زماننا أجبرت، أن يقبل الكسير بأقل ما يعرض الكاسر، و أن نرضى بما لا يرتضى ، و لكن حذار أن نقع ثانية في المحظور، أو أن تنزف دماءنا بأيدي الفتنة و الصلف أو الغرور، و لتكن هذه الدورات و التدريبات و التجهيزات الحالية مصوبة نحو الأعداء، لا صوب مقاتلينا و رجالنا الأشداء لنبقى دوماً رمز الكفاح و النضال و الوحدة الأقوياء.