من أين الخطأ ؟1 ولماذا الإضطراب ؟1
بقلم أ . حجازي القصاص
على الرغم من رؤية الإسلاميين بأن مشروعهم الإسلامي يمثل بديلا قويا نابضا ، ينطوي على وعود كبيرة بجلب الديمقراطية وإحياء المجتمع المدني ، والمساهمة في ترسيخ رؤية إنسانية شاملة تمزج بين المشروع الخاص وروح الجماعة والضمانات الاجتماعية ، إلا أن حصيلة مشروعهم الكبير كانت ، في نهاية المطاف ، الفشل . وقد أدى الفشل على نطاق المشروع الكبير إلى محو مكاسب النجاح التي تحققت على مستويات أخرى و منها المشاريع الصغيرة السابقة كالجمعيات الخيرية وغيرها ، حيث أنها تخطت حدود المعالجات الجزئية للمشاكل الصغيرة إلى مستوى ابتداع برنامج سياسي شامل لكل البلاد ،ثم حولت الجهاد إلى أمر مطلق، منفصل عن ملابسات الزمان والمكان، حتى أصبح دعوة إلى تحويل وجهة النظر السياسية إلى حقيقة مطلقة، وجعل القتل والتدمير أدوات مشروعة للانتصار للبرنامج السياسي، وإلى التحلل من المسؤولية الفردية باعتبار أن أعمال الفرد ليست إلا تنفيذا لأمر إلهي .
ولكن الواقع على الأرض لا يعبر إلا عن غياب المشروع السياسي المتكامل، لبناء مجتمع بديل، بمواصفات معلومة للجميع ومطروحة للأخذ والرد . إن أقصى ما تبلغه الحركات الإسلامية على مستوى البرنامج السياسي العام هو شعار: الإسلام هو الحل . وهي تعلم تمام العلم ، أنه إذا اصطف مائة سياسي وطلب من كل واحد منهم ترجمة هذا الشعار إلى برنامج سياسي لأتوا بمائة برنامج ، كل يخالف الآخر إن لم يتناقض معه . وتكفي الخلافات القائمة بين هذه الحركات ذاتها دليلا على صحة هذا .
هل يمكن القول بأن هذه الجماعات الإسلامية قادرة على أن تساهم في بناء مجتمع مدني معافى ومزدهر يستطيع قابل للتعايش مع الآخرين؟
الحقيقة أن المجتمع المدني يقوم على احترام تعددية الأنماط السلوكية والأشكال المختلفة للحياة المعاصرة . ومصطلح المجتمع المدني بحد ذاته هو مؤشر التعددية الطليقة ،ولا أرى أن هذا ممكن لديهم أو مقبولا حتى اللحظة ،وهذا مجرد وجهة نظر ولربما تتغير الأمور بتغير المصالح ، أو تغير الوسائل إن وجدت لها المصوغات البعيدة عن الحرج .
من هنا أرى أن الأمة الإسلامية اليوم في مأزق واضطراب ، وهي بحاجة لايجاد حل لهذا المأزق الإسلامي ولهذا الاضطراب ، على مستوى النظرية والتطبيق ، فهل من علماء و مفكرين متجردين مخلصين لإحداث ثورة في الفكر الإسلامي لحل هذا المأزق ؟ ولإيجاد نظرية للتغيير السياسي في التفكير الإسلامي ، ثورة دائمة لإعادة صياغة الإنسان والمؤسسات القائمة في المجتمع على هدي القرآن الكريم .
وأرى أن الأمة بحاجة أيضا لسعي حثيث لتأمين جوٍ من الحرية السياسية، يمكن من خلالها إقامة حوار ثقافي مفتوح مع شتى التيارات الفكرية الداخلية والخارجية ، ودون شعور بالرعب من سيف التكفير و العزل أو النفي الثقافي .
هذا يتطلب ثقافة معينة ومثقفين من نوع خاص ، لذلك فإنني استطيع تصنيف المثقف العربي إلى ثلاثة أنواع :-
الأول : مثقف قرأ الواقع وأدرك معطياته وأصيب باليأس، فنزح وهرب إلي خارج البلاد.
والثاني : مثقف اشترته السلطة أو الحزب أو الجماعة فأغروه بالمال والجاه والمنصب والوظيفة ، فأصبح يدور في فلكهم ، وينفذ تعليماتهم .
والثالث: مثقف لا زال قابضا علي الجمر نتيجة المعاناة ونتيجة الحصار فأصبح مشلولا من الداخل ،يترقب كل لحظة لفك القيود وكسرها ، فهذا هو المثقف الأمين مع نفسه ومع الناس ،وهو الذي تحتاجه الأمة اليوم .
وهذا يدفعنا لأن نسأل أنفسنا... لماذا يختلف المثقف والسياسي ؟ و لماذا يفترقان في كثير من الأحيان في المجتمعات العربية ؟
سنجد أن الخلاف بين المثقف والسياسي ينبع من اختلاف طبيعة الدور الذي يقوم به كل منهما والمجال الذي يتحرك ضمنه ، فالمثقف ينطلق من العقل الذي يجعله نقطة البدء، ويجهد نفسه لإيجاد الطريقة المثلى لإيصال فكرته وتوضيح بيانه ، أما السياسي فينطلق من رغبته في زيادة عدد أنصاره ، ولا يتوقف كثيراً عند جلاء الفكرة وتوضيحها لأنها في نظره ليست أكثر من وسيلة للتواصل بينه وبين مؤيديه،كما أنها وسيلة للاستقطاب وليس أثر من ذلك .
أما المثقف فإن الفكرة بالنسبة إليه غاية بحد ذاتها وهي مقدسة لا تقبل النقد إلا على أسس عقلانية محضة .
لهذا فالخطأ واقع والاضطراب حاصل بين النظرية والتطبيق ، وبين المثقف والسياسي ،مما سبب اضطراب الموازين فتارة نعمل باسم الدين وتارة باسم السياسة وتارة أخرى بلا دين ولا سياسة ، فما المعيق للثقافة التي نريد إذن ؟ وما هي المعوقات التي تعيق المثقف العربي ؟ ألا ترون معي أنها :
أولا : عدم تحرير المثقف من سيطرة التعصب والحزبية والمذهبية الضيقة.
ثانيا : غياب العقلانية وعدم توظيف المنهج العلمي وتطبيقاته العملية في تفسير الواقع الحي وتحليله كظواهر ومشكلات محددة بعيداً عن تأثير العوامل الذاتية والتحيز .
ثالثا : التحجر و عدم التسلح بطرق الفكر العلمي النقدي المفتوح على مختلف التجارب التاريخية.
رابعا : الاكتفاء بما تسمح به السلطات الرسمية ،أو الحزبية من الحريات الثقافية ، وتأويل ما هو قائم من هوامش ضيقة بأنه الحرية الثقافية المطلوبة .
إذا استطاعت الأمة العربية والإسلامية التغلب علي المعيقات فستنجح في مشروعها الإسلامي الكبير ، وسيتحقق لها التكامل والاستقرار السياسي والأمن الثقافي والاجتماعي ،وبذاك تكون قد وضعت يدها على موطن الخطأ وسبب الاضطراب .
من أين الخطأ ؟1 ولماذا الإضطراب ؟ بقلم:أ.حجازي القصاص
تاريخ النشر : 2007-04-02