قنبلة مكة بقلم: فادي فيصل الحسيني
تاريخ النشر : 2007-03-27
قنبلة مكة  بقلم: فادي فيصل الحسيني


قنبلة مكة

بقلم: فادي الحسيني



بعد أسابيع من اتفاق مكة ما زالت حالة التخبط والارتباك تنتاب جوانب وردهات قصور صناع القرار ليس في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل فحسب، وإنما في كل بلد شارك في ضرب الحصار الظالم على الشعب الفلسطيني خلال العام الماضي، فما أن أتم الفلسطينيون اتفاق مكة حتى دوت قنبلة من العيار الثقيل وسمع دويها في أرجاء العالم بعد أن هزت جموداً سياسياً طال بكل ما حمل من ألم و فقر و إحباط و خلط الأوراق الدولية و الحسابات الإستراتيجية في العالم بأسره، فبدأنا نرى تخبطاً إسرائيليا واضحاً حيال موقف فلسطيني مفاجئ، فبعد أن راهنوا على الفشل فاجأهم الفلسطينيون بالنجاح، وبعد أن دعموا الفرقة والاقتتال، باغتهم الفلسطينيون بالوحدة والاتفاق، أما الولايات المتحدة الأمريكية، المارد الأوحد في السياسة الدولية فلم يكن موقفها أحسن حالاً من إسرائيل، فخلال ثلاثة أيام على اتفاق مكة، بدر منها ثلاثة مواقف وتصريحات عكست تردداً وحيرة من موقف غير متوقع من شعب لم تكد تجف دماء أبناءه في اقتتال داخلي مقيت.



قد يكون هو النجاح الأول للفلسطينيين على الصعيد السياسي منذ سنوات طوال، ولنا هنا أن نذكر بكل اعتزاز الدور السعودي والذي ساهم في صياغة هذا التفاهم بشكل أفضى إلى نقله نوعية في السياسة الفلسطينية، وخلخلة ذلك الإجماع الظالم على الشعب الفلسطيني، فلم يعد صوت الاتحاد الأوروبي واحد، وخاصة بعد أن أطلقت فرنسا منذ البداية إشارة بتحول موقفها ودعوة وزير الخارجية الفلسطيني في حكومة الوحدة الوطنية، ومن بعد فرنسا بدأت دول عديدة في الاتحاد الأوروبي تظهر تقبلاً للتعامل مع الحكومة الجديدة وان كان على استحياء وخاصة بعد سقوط أسباب المقاطعة، أما الرباعية فلم يعد لها وحدة ذلك الصوت الذي أزعجنا طوال السنة المنصرمة، ولم يعد بمقدورها تبني موقفاً واحداً بالإجماع في ظل تباين مواقف أعضائها حيال الحكومة الجديدة، أما الأمم المتحدة فعلى لسان أمينها العام بان كي مون عبر عن دعمه للحكومة الفلسطينية وأعرب عن أمله أن تقوم هذه الحكومة بالوفاء بالتزاماتها تجاه المجتمع الدولي بالنسبة للسلام والأمن في المنطقة بعيداً عن الإشارة لشروط الرباعية التي أرهقتنا. إذا هو نصر خالص للسياسة الفلسطينية على أكثر من صعيد، ففي حين هزت أركان الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، قامت بإدخال العرب من جديد في خندق القضية الفلسطينية بإدراج المبادرة العربية " والتي مازالت إسرائيل تصر على تسميتها بالمبادرة السعودية" في إطار الحل السياسي، وأصبح سقف المفاوضات أعلى مما كان عليه حين كان الجانب الفلسطيني وحدة مع الجانب الإسرائيلي.



حين خرجت المبادرة العربية من رحم قمة بيروت في العام 2002 رفضتها إسرائيل رفضاً قاطعاً ووصفها آرئيل شارون بأنها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به، كما لم تلق ذلك الدعم الدولي المطلوب وأخذت طريقها نحو أرفف المكتبات والمراجع إلى جانب العديد من المبادرات السياسية التي غطاها التراب، أما اليوم وبعد مرور خمس سنوات على ذلك الحين نجد أن العديد من الدول الكبرى والأمم المتحدة أخذت تعبر بكل حماس عن اعتقادها بأن المبادرة العربية تصلح كأساس للحل السياسي في المنطقة، أما إسرائيل التي أخذت تفند بنود المبادرة العربية وتنتقي ما يصلح لها وترفض ما لايروق لها فقد راح رفضها القاطع إلى حال سبيله، وبدأت السياسة الإسرائيلية تدخل مرحلة جديدة حين نفضت التراب عن هذه المبادرة لتبدأ بالتفاوض حول بنود المبادرة العربية وان كان إعلاميا حتى هذه اللحظة. ينحصر اعتراض إسرائيل بشكل رئيسي على بند عودة اللاجئين الفلسطينيين والذي أشار إلى قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 194، فقد ذكر أولمرت أن إسرائيل لن تقبل أبدا القرار (194) فهذا خط أحمر من وجهة نظرهم، ولكن كل ما هو دون هذا الخط الأحمر قابل للبحث. في ذات الوقت دعت وزير الخارجية الإسرائيلية العرب للتطبيع قبل البدء في خوض تفاصيل المبادرة العربية وهي تعلم تمام العلم أنها دعوة تبعد تمام البعد عن النضج السياسي.



أصبح المناخ الآن جاهزاً لتحقيق تقدم سياسي في القضية الفلسطينية وذلك بعد النجاح الذي حققه الفلسطينيون باتفاق مكة و تشكيل أول حكومة وطنية فلسطينية وأخذ زمام المبادرة من إسرائيل لأول مرة بعد أن قذفوا الكرة في الملعب الإسرائيلي الذي أضحى حائراً لا يعرف كيف يقنع العالم بضرورة استمرار الحصار بعد أن سقطت أسباب ضربه، بل وتعدى الأمر ذلك ليقدموا مبادرة سياسية شاملة في فترة شهدت تخبط سياسي إسرائيلي وقضايا فساد هزت أركان الحكم هناك، وهزيمة عسكرية في لبنان، والأهم انشغال الحليف الكبر بمداواة جراحه في العراق وترميم أحلافه في مواجهة العملاق الفارسي. لن تكون الأمور سهلة على وزرائنا الجدد، وخاصة في ظل قطيعة مع معظم دول العالم دامت أكثر من عام فقدنا الكثير من ثقتهم ودعمهم، بل وفي لحظات اقتتالنا احترامهم، لكن ما يحتاجه وزراؤنا وحكومتهم إجماعاً شعبياً ودعماً وطنياً لخطواتهم لإعادة بناء جسور الثقة والاحترام مع دول العالم التي شكلت دعماً قوياً للفلسطينيين كشعب وكقضية، لنسمو فوق خلافاتنا نمحو ذكريات الألم والاقتتال بعد أن أدركنا أن الخاسر الوحيد من أي اختلاف أو اقتتال هم الفلسطينيون أنفسهم.