إبراهيم عوفاديا: رحيل نسمة عراقية شجية
بقلم: ناجي ظاهر
أطلعني صديقي الشاعر سيمون عيلوطي، ابن مدينتنا المشتركة الناصرة، أثناء اتصال هاتفي جرى قبل أيام، على نشاطاته في نشر مواد أدبية في موقعه موقد( www.mauked.com) الذي أراد له أن يكون مركز إشعاع فكري وثقافي، يتردد عليه أهل المعرفة مفيدين ومستفيدين، وذكر انه اتفق مع عدد من الكتاب على أن يرسلوا إليه ما يريدون نشره من مواد، حتى لو نشر في مواقع أخرى الكترونية وورقية أيضا، على اعتبار انه لا يريد أن يكون ناقلا عن مواقع أخرى من ناحية، ولا يريد أن يحتكر كتابة من اتفق معهم، على اعتبار انه لا يدفع لهم مقابل ما ينشرونه، وتواصل الحديث بيننا للحظات، ليتوقف سيمون، مشيرا إلى مقالة نشرها لكاتب يعزه ويقدره، هو الكاتب خالد القشطيني (من كتاب صحيفة الشرق الأوسط(، عن رحيل الشاعر والكاتب العراقي اليهودي إبراهيم عوفاديا، الذي قضى الردح الأخير من عمره في إسرائيل، مقيما في مدينة حيفا هو وأبناء أسرته.
توقف سيمون هذا، دفعني لتوقف أخر مقابل، فهل رحل عوفاديا ولم يعد بيننا؟ متى رحل؟ وكيف لم اسمع عن رحيله، أنا المهتم شديد الاهتمام، بالحركة الثقافية وبأهلها، في بلادنا وفي العالم العربي المحيط بنا، وفي العالم أيضا، ولا تكاد تفوتني صغيرة أو كبيرة من أخبار هذه الحركة؟
سيمون لم يقدم إجابة شافية، وفهمت أن الوفاة حصلت قبل فترة قصيرة جدا. إزاء هكذا معلومة غير واضحة، و يهمني أن تكون كذلك، لم يكن أمامي من مناص، للعثور عن إجابة شافية، بحثت عن اسم عوفاديا في شبكة البحث الالكترونية العالمية "جوجل" وإذا بي اكتشف أن عوفاديا، رحل في اليوم الأول للعام الجاري، عن عمر ناهز الثانية والثمانين.
هكذا تبين لي أن قرابة الثلاثة أشهر مرت على وفاة هذا الإنسان الشاعر، الذي ابتدأت تتشكل بيني وبينه صداقة لم تكتمل للأسف، وهو ما سأتطرق إليه فيما يلي، وكان السؤال الأكثر إلحاحا هو: هل رحل الشاعر عوفاديا بصمت بالضبط مثلما عاش إلى حد بعيد؟ ولماذا توقفت الإشارة إلى رحيله على واحد أو اثنين من أصدقائه، بينهما البروفيسور شموئيل موريه، الذي أسس بالتعاون معه وآخرين"رابطة الجامعيين اليهود العراقيين"؟ أو لم يكن من الواجب أن تقوم المؤسسة الثقافية لليهود في البلاد على الأقل بالإشارة إلى رحيل عوفاديا، وهو من أعلامها البارزين المجلين؟
ما أطلعني عليه الصديق عيلوطي، أثار نسمات من الشجى، اعتادت على أن تستثار في الفترة الأخيرة، منذ رحيل ثلاثة من الأعزاء هم: والدتي ظريفة عبد الكريم سيدي وأخي الأكبر جوهر وزجة خالي خضرة فودي رحمهم الله، وأعادتني إلى سنوات قريبة، يوم تعرفت إلى الصديق إبراهيم عوفاديا، واسمح لنفسي أن أطلق عليه هذه الصفة، لما نشا بيننا خلال عدد قليل من الاتصالات من تناغم وتفاهم، كان من المفروض أن تتوج بلقاء، وربما بتعاون في مجال الأدب الذي جمعنا وتبين لي على الأقل أننا أحببناه في مستوى متقارب في مداه، غير أن هذا اللقاء لم يتم.
أما سبب تعرفي الشخصي لشخص الراحل الكريم، فقد ابتدأ يوم اقترح علي زميلي وصديقي الدكتور محمود عباسي، صاحب مجلة" الشرق" الفصلية التي صدرت وما زالت تصدر في مدينة شفاعمرو، أيام تولي لمنصب رئاسة تحريها، أن نخصص عددا تكريميا، للشاعر اليهودي العراقي إبراهيم عوفاديا.
لم أتردد يومها للحظة، في التفاعل مع الاقتراح، فهذه مناسبة لان احلق في فضاء آخر جديد، هو فضاء أولئك الكتاب العراقيين الذين يعيشون معنا وبالقرب منا هنا في البلاد، وبالكاد نعرفهم أو نتواصل معهم، علما أنهم يحملون هموما لا تقل حدتها عما نحمله من هموم، ويعيش معظمهم إذا لم يكن كلهم، هموم البعد عن الوطن الأم العراق، ويملاهم الحنين إلى مواقع وأماكن تفتحت عيونهم فيها، فرأوا هناك الحياة بكل ما تضمنته من نبض وحب.
أخذت رقم هاتف عوفاديا من الصديق الدكتور محمود عباسي، وبادرت من فوري للاتصال به. ردت فيما أتذكر امرأة قد تكون زوجته. سألتها عنه، فنادت عليه وسرعان ما رد سائلا عمن يتحدث، فأجبته إنني أنا ناجي ظاهر، من مجلة الشرق، فتدفق حيوية وحبا، وراح يرحب بي، أنا أعرفك أستاذ وأتابع كتاباتك أولا بأول، يسرني انك اتصلت وأسمعتني صوتك بعد عن أسمعته لروحي عبر الأوراق الصامتة في صحف ومجلات وكتب.
تواصل الحديث بيننا. اقترحت عليه أن نعد عددا تكريميا له من مجلة الشرق، فرحب بالفكرة، وقال انه رهن إشارة مني لموافاتي بما أريد، ويثق بأنني سأحرر عددا تاريخيا من المجلة.
بعد أيام كانت مؤلفاته بين يدي، ممهورة بإهداء اعتززت به وما زلت، قرأت كتبه، وابتدأت في إعداد العدد ألتكريمي الخاص به من الشرق.
قراءتي لكتابات عوفاديا، أوضحت لي ما كان واضحا، من حب للوطن الأم العراق، ومن حنين إلى ربوع تفتحت فيها زهرات العمر، وكان صاحبها يرجو أن تتكامل هذه الزهرات في تفتحها الطبيعي، لتضحي شجرة فيناء، إلا انه اضطر لأسباب قد لا يكون هنا مجال مناقشتها، لمغادرة ارض الوطن تاركا وراءه أجمل الساعات، ومواقع لا تهون من الأرض.
يومها أخذت على عوفاديا، توقفه المتعمد، عند من مر في حياته من أناس ربطته بهم علاقات، فكتب عنهم وبالغ أحيانا في كتابته، إلا أنني حين أقول مثل هذا الكلام الآن، أحاول أن أجد له العذر، فأجده دون بذل الكثير من الجهد، فقد عاش عوفاديا في مكان غير مكاننا، وفي زمان غير زماننا، لهذا لا يحق لنا أن نحاسبه بمفاهيم مكان وزمان مختلفين، وقد يكون من حقنا أن نسأله عما إذا كان قد تجاوز الحادث العارض في كتابته، ليصل إلى الجوهر، واعتقد انه لامس جوهر ما أراد أن يمحور كتاباته أو بعضها حوله وعنه.
تجلى اهتمام عوفاديا بوطنه الأم العراق في كتابات، واضحا جليا، فقد كتب الأغنية العراقية هناك في العراق وهنا في البلاد، ووجدت هذه الأغنية من يصدح بها بصوته الشجي الحزين في كلا البلدين، وبإمكان من يريد التوسع في هذه النقطة أن يدخل إلى إحدى المواد عبر شبكة جوجل الالكترونية للبحث، ليطلع على قائمة الأسماء الوفيرة التي غنت من كلمات عوفاديا هناك في العراق وهنا في البلاد أيضا.
أما الكتابات النثرية، فقد فاضت بحب للمكان، للأهل والأحباء في العراق، وبرزت من بينها كتابات عن الموسيقى العراقية وعن المقامات الوفيرة الغنية التي ميزتها.
هذا الحنين وهذا الحب للمكان العراق وللزمان الذي عاشه عوفاديا فيه، وقدرته الرائعة على مواصلة رحلته مع الإبداع، كانت واحدا من الأسباب التي دفعت إلى منحه جائزة الإبداع للتفرغ الأدبي مدة عام، واقر أنني كنت من المتحمسين لمنحه الجائز، فقد استحقها بجدارة، وفتح بذلك بابا آخر واسعا لإخوان مبدعين له لان يحصلوا عليها.
أخي إبراهيم، لم يكن نبا رحيلك سهلا ولا هينا، ويعزيني أن وجودك في عالمنا كان كذلك.
كتب إبراهيم عوفاديا ودواوينه: 1. خفقات قلب – الطبعة الأولى- مطبعة الرشيد ببغداد، سنة 1945. 2. وابل وطل – الطبعة الأولى- مطبعة الرشيد ببغداد، سنة 1946. 3. في سكون الليل –الطبعة الأولى- مطبعة الاعتماد بمصر القاهرة، سنة 1947. 4. وابل وطل وخفقات قلب – الطبعة الثانية - مطبعة العالم العربي – دار التوزيع والطباعة والنشر- القاهرة، سنة 1949.5. زهرة في خريف –الطبعة الأولى- مطبعة الرشيد في بغداد في 15/2/1950 6. أخي! ستشرق الشمس، ديوان شعر – مطبعة الحكيم، الناصرة، 1977.
7. امرأة في شعري، ديوان شعر – مطبعة الحكيم، الناصرة، 1980. 8. صيحة من عراق العهد البائد، مع دار المشرق، (أورشليم- القدس، رابطة الجامعيين اليهود، 1990).9. الظمأ الحائر، ديوان شعر، مع دار المشرق، (أورشليم- القدس، رابطة الجامعيين اليهود، 1990). 10. أغنيات عراقية – من الغناء الشعبي العراقي الحديث، مع دار المشرق، (أورشليم- القدس، رابطة الجامعيين اليهود، 1994). 11. ورود شائكة، مع دار المشرق، (أورشليم- القدس، رابطة الجامعيين اليهود، 1998). 12. في ميدان الأدب العربي، أدباء وشعراء، مع دار المشرق، (أورشليم- القدس، رابطة الجامعيين اليهود، 1999).
13. في دنيا المقامات والغناء العراقي، مع دار المشرق (أورشليم- القدس، رابطة الجامعيين اليهود، 1999).14. أنا والشعر 60 عاما، مع دار المشرق، (أورشليم- القدس، رابطة الجامعيين اليهود، 2003). 15. مع الغناء العراقي – مطربون ومطربات- وأغان من التراث، (أورشليم- القدس، رابطة الجامعيين اليهود، 2005).
إبراهيم عوفاديا: رحيل نسمة عراقية شجية بقلم: ناجي ظاهر
تاريخ النشر : 2007-03-26