هار مجدون أو جبل مجدو بقلم:احمد محمود القاسم
تاريخ النشر : 2007-03-04
هار مجدون أو جبل مجدو بقلم:احمد محمود القاسم


هار مجدون أو جبل مجدو

بقلم الكاتب والباحث/ احمد محمود القاسم

(هار-مجدون) أو (آر-مجدون).. لفظة عبرية، معناها جبل مجدو، حيث تعتبر مدينة مجدو من إحدى اشهر المدن الكنعانية العربية في فلسطين، عبر عصور التاريخ القديم، و تقع هذه المدينة التاريخية في شمال فلسطين/ في الجهة الغربية من مدينة جنين، فمنذ الألف الثالثة قبل الميلاد، وفي ظل الحضارة الكنعانية العريقة، تميزت مدينة مجدو بالبناء الحجري، والأسوار الكبيرة المحيطة بها من كل جانب، وبالقصور الفخمة الرائعة الجمال، والتقدم الزراعي، وبصناعة النسيج والملابس، وقد حاول اليهود، سرقة تاريخ هذه المدينة الكنعانية العريقة، ونسبته إليهم دون وجه حق، كما تعودوا عبر تاريخهم في تعايشهم مع الشعوب التي عاشوا في كنفهم، وهم الآن يروجون حولها أسطورة مخادعة، مفادها أن حربا علمية ثالثة ستقوم على أرضها، بين قوى الخير بزعامة الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها من الصهاينة، وقوى الشر من المسلمين وأتباعهم من الدول الصديقة والمتحالفة معهم، وسينتصر الخير في الأخير على الشر، وسيعود المسيح المنتظر-على حد زعمهم- ليحكم العالم لمدة ألف عام، حيث سيعم الأمن والسلام والهدوء، و سوف يعيدوا هم، بناء هيكلهم المزعوم، على أنقاض المسجد الأقصى المبارك. ويروجون أيضا إشاعات بين اليهود أنفسهم، مفادها ان لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل، ولن يكون اليهودي يهوديا كاملا، الا بعودته الى القدس والى ارض الميعاد، أو على الأقل زيارة المدينة المقدسة ولو لمرة واحدة، وعلى القوى المسيحية المساعدة في الإسراع في بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى المبارك، إذا هم حقا يرغبون بعودة المسيح المنتظر، الذي سوف يحكم العالم، حتى يعم الأمن والسلام والاستقرار، ولن يعود الرب الا بإعادة بناء الهيكل. وهذا هو ملخص للسياسة الصهيونية في العصر الراهن.

لكن! ما هو موقع اليهود من التاريخ؟ أو أين هي آثارهم؟ وكيف كان عبورهم في تاريخ البشرية! يقول عالم الآثار الاسرائيلي زئيف هرتسوج:

(بعد سبعين عاماً من الحفريات المكثفة، في أرض إسرائيل، توصل علماء الآثار الى نتيجة، انه لم يكن لنا هنا أي شيء لليهود، سوى ألأساطير، حيث لا وجود هنا لمملكة داود وسليمان، والباحثون يعرفون هذه الحقائق …).

منذ منتصف القرن التاسع عشر للميلاد، أسس في أوروبا والولايات المتحدة الاميركية، كثير من الجمعيات، التي كان همها البحث عن دولة إسرائيل القديمة، لإخفاء التاريخ الفلسطيني، وهذا يوضحه الدستور الخاص بصندوق استكشاف فلسطين، الذي أنشئ عام 1865 م من قبل الصهاينة، كما يوضحه صك الانتداب البريطاني (وعد بلفور)، في إشارته الى الربط التاريخي بين اليهود المشتتين في العالم، وأرض الميعاد، ولخدمة هذا الهدف، زيف اليهود الصهاينة التاريخ الأثري، لخلق أدلة، تدعم ما بين أيديهم من أخبار حاخاماتهم الزائفة.

حاول الصهاينة تزوير علم الآثار، من خلال سيطرتهم على مراكز الأبحاث والدراسات في العالم، ونجحوا في تجنيد مجموعة من الباحثين في الآثار لخدمة أهدافهم، تحت عباءة العمل المحايد، وبحكم الصلة بين اليهود ومسيحيي الغرب، كان المنهج البحثي، يصب في خدمة اليهود الصهاينة. لقد أسس الصهاينة، دائرة الآثار الاسرائيلية، بعد مرور أقل من شهرين على إعلان دولتهم، بهدف وضع اليد على المناطق الأثرية في فلسطين.

ما هي حقيقة مدينة مجدو عبر عصور التاريخ

تقع مدينة مجدو في سهل مرج ابن عامر، وهذا السهل، هو الذي يقطع جبال فلسطين باتجاهين، غربا وشرقا، ويقع في هذا المرج، عدد من المواقع الأثرية والتاريخية، ومن أشهرها مدينة مجدو، والتي تعرف حالياً ب (تل المتسلم). و تحتاج مدينة (مجدو) الفلسطينية، إلى تغيير جذري في معالجة تاريخها، الذي جير لمصلحة تاريخ إسرائيل القديمة.

أطلال مدينة مجدو، تقع على تل يرتفع (60) متراً عن السهول المحيطة بها، وتبلغ مساحته حوالي (50) دونماً، ويقع على بعد (30 كم) شرقي ساحل البحر الأبيض المتوسط، و (40 كم) إلى الغرب من نهر الأردن، وعلى بعد (7كم) من مدينة جنين.

هذا التل، يقع على الطريق الذي يخترق جبل الكرمل، ويتحكم بمدخل سهل مرج ابن عامر في شمال فلسطين، ويسيطر على الفتحة الاستراتيجية للممر، الذي يؤدي من السهل الساحلي لفلسطين، إلى مرج ابن عامر، ويشرف على الطريق المؤدية من مصر إلى سوريا، وهذا الموقع المميز، أكسب المدينة مكانة مهمة عبر عصور التاريخ، حيث كان مسرحاً للعديد من المعارك الحربية في فلسطين.

وللأسباب التي سبق ذكرها، أولى علماء الآثار، مدينة مجدو، أهمية خاصة، حيث كانت الفترة التاريخية من 2700-2300 ق.م من أزهى عصور هذه المدينة، وقد غدت من أهم المدن الكنعانية، أهم ما كان يميز هذه المدينة هو تطور حياتها المدنية، و زيادة الحركة العمرانية فيها، التي تدل على نموها السكاني، وارتفاع مستوى المعيشة لدى سكانها، وتقدمهم في نظام الزراعة.

وقد عثر في حفريات هذه المدينة، على جرار فخارية، باسم فرعون مصر (سنوسرت الأول)، وفي عهد الملك (سنوسرت الثالث) 1878-1842 ق.م ارتحل الملك نفسه، للقضاء على تمرد في فلسطين، وقد عثر في مدينة مجدو أيضا، على تمثال لأمير الأشمونيين في مصر، وهو (تحوتحتب الثاني).

إن التغلغل الفرعوني المصري في الاراضي الفلسطينية، أدى إلى السيطرة الفرعونية شبه التامة، على جنوب فلسطين، وفي العصر البرونزي الوسيط، و الأخير، أصبحت فلسطين تشكل جسر العبور الفرعوني-المصري لبلاد الشام والمناطق الآسيوية الأخرى، ويستدل على ذلك، من خلال المكتشفات المتنوعة التي صنعت في فلسطين، وكانت تقليداً للصناعة الفرعونية المصرية، ومثال على ذلك أيضا العثور على منحوتات مصرية.

كانت مدينة مجدو مدينة منيعة، ذات أسوار تحيطها من كل جانب، وقد عثر فيها على عدة قصور وبيوت للنبلاء، و يتضح من خلال تنظيم المدينة، أن الزعماء الكنعانيين، كانوا يسكنون داخل المدن، وحولهم مجموعة من أقاربهم النبلاء، وكان هناك أكثر من معبد في مدينة مجدو.. و دلت المكتشفات الأثرية عن تقدمهم، في صناعة الملابس.

ان معركة مجدو بين فرعون مصر والملوك الكنعانيين، قد أعطتها شهرة مميزة، بصفتها تمثل أول نصر عسكري، لمعركة خاضتها جيوش الإمبراطورية الفرعونية ضد ملوك وجيوش الكنعانيين، وقد ورد ذكر مدينة مجدو، في حوليات الفرعون (تحتمس الثالث) التي تعود إلى القرن الخامس عشر ق.م.، حيث ذكر فيها، أنه استطاع عام 1468 ق.م، أن يهزم جيشها الكنعاني، والذي كان عبارة عن ائتلاف لجيوش عدة من الملوك والأمراء لعدد من المدن، ضد النفوذ الفرعوني المصري في كنعان وسوريا، حيث جمع ملك مجدو حوله، 33 أميراً بجيوشهم، وكان سلطان هؤلاء ممتداً من شمال قطنة إلى بحر الجليل والى مجدو جنوباً، ولما علم الفرعون المصري (تحتمس) بذلك التجمع العسكري، دعا قادة جيشه، وعرض عليهم الموقف ووضعوا خطة قيل عنها:

(إنها خطة متقنة، وذات مناورة ناجحة، ليس لها أية سوابق في تاريخ الدول الأخرى، وتدل على عبقرية تحتمس الثالث كقائد حربي عظيم).

عندما دارت المعركة، خارت قوي جيوش التحالف الكنعاني، وفرت خلف أسوار المدينة، ومن بينهم ملك قادش وملك مجدو، وحوصرت مجدو لمدة سبعة شهور، تمكن الجيش الفرعوني المصري بقيادة الفرعون (تحتمس الثالث) بعدها من تحقيق نصر حاسم، أدى إلى إخضاع الملوك الكنعانيين للسيطرة الفرعونية المصرية لسنوات طويلة.

يستدل من تفاصيل الغنائم التي حصل عليها (تحتمس الثالث) من مملكة مجدو، أن مدينة مجدو كانت مدينة عظيمة، تتمتع بالثراء والقوة والتنظيم، ومحاطة بالأسوار المنيعة، وذات نظام سياسي واجتماعي متميز، يعرف بنظام حكومة المدينة، فقد ذكر تحتمس أنه استولى على مغانم كثيرة، تتألف من (2041 حصاناً) و ( 924 مركباً) منها (32) لها تراكيب مصنوعة من الذهب والفضة، و ( 1929 ثوراً) و (2000) من الماشية الصغيرة، و (200500) من الحيوانات الأخرى، و (200 درع) وعدد كبير من الأسلحة الثمينة، وصادروا من القصر الملكي (87 ولداً) و (1796) من العبيد، الذكور والإناث، وأباريق ذهبية، وكمية من الأثاث والتماثيل وغيرها.

باحتلال مدينة مجدو من قبل الفراعنة، أصبحت فلسطين جميعها خاضعة للسلطة الفرعونية المصرية، لكن الأمور لم تستقر فيها تماما، حيث ان خليفة (تحتمس الثالث) وهو ابنه (امنحوتب الثاني) بدأ بشن حملات انتقامية، موجهة إلى مدن مرج ابن عامر والجليل الغربي، التي كانت قد ثارت على الحكام الفراعنة، ويوجد وثيقة من وثائق هذه الحملة، رسالة موجهة إلى حاكم مدينة (تعنك) في مرج ابن عامر من قبل الفرعون (امنحوتب الثاني)، يضمنها أمراً، بإرسال رجال ومواد مختلفة إلى غزة و مجدو، اللتين كانتا قاعدتين مصريتين.

في رسائل تل العمارنة (التي اكتشفت في معبد الكرنك في صعيد مصر، من النصف الأول من القرن الرابع عشر ق.م، أيام الفرعون (امنحوتب الثالث)14021-1364 ق.م، وخليفة (امنحوتب الرابع) إخناتون 1364-1347 ق.م،) تردد اسم (برديا) كأحد ملوك مدينة مجدو العظام، حيث لم يكن ينافسه أيامها، سوى ملك شكيم (نابلس) وملك عكا.

ان مدينة مجدو لم تفقد مكانتها، كواحدة من أهم المدن الكنعانية عبر عصور التاريخ القديم، لورود ذكرها ضمن قائمة المدن الهامة، في حملة الفرعون (سيتي الأول) 1306-1290 ق.م، التي تضمنت سبعة عشر موقعاً هاما، وتكرر ذلك في حملة ( قادش) في عهد الفرعون (رمسيس الثاني) 1290-1224 ق.م، وظل ذكرها يتردد في وثائق ملوك مصر.

المهم هنا في هذا الموضوع، هو محاولة اليهود الصهاينة، عملية اختلاق تاريخ يهودي لمدينة مجدو واستبدال تاريخها الحقيقي، لإسكات تاريخها الفلسطيني القديم، وهي أخطر عملية تزييف، ارتكبت في حق مدينة مجدو، ارتكبها الآثاريون الصهاينة، الذين نسبوا مجمل حضارتها إلى اليهود، دون توفر أي دليل على ذلك، إلا نص أسطوري، في سفر الملوك في الإصحاح التاسع، قيل فيه، أن الملك سليمان، قد اتجه نحو إعمار عدة مدن كنعانية، من ضمنها مدينة مجدو، وعلى ضوء ذلك، عمل الآثاريون الصهاينة، عمليات التنقيب المسعورة، للبرهنة على صحة هذا الادعاء، وإثبات انه حقيقة تاريخية لا جدال فيها، وشغلوا أنفسهم بالعصر الذهبي للملك سليمان في مدينة مجدو، بالمخططات التفصيلية لأسواره وقصوره، وبإسطبلاته، وأولوا هذه عنايتهم الفائقة، فأسهبوا في حسن بنائها وبهاء أرضياتها و وأعمدتها، إلى غير ذلك، وعلى الرغم من هذا كله، فأن مدينة مجدو ظلت مدينة عربية كنعانية، تحتفظ بقوتها وأهميتها عبر العصور، كذلك كانت تحتفظ بكامل سماتها العربية الكنعانية الفلسطينية، إلا أنها منذ القرن التاسع ق.م، وأيضا القرن الثامن، بدأ النفوذ المصري عليها، و على غيرها من مدن الشمال بالانحسار والتراجع، وحل محله النفوذ الآشوري، والذين دحروا فيها الوجود الفرعوني.

وقعت مدينة مجدو في يد الملك الآشوري (تجلات بلاسر) 742-738ق.م، الذي قيل إنه اجتاح فلسطين، ووصل إلى مدينة العريش، وأنه استمال بعض حكام وملوك المدن الفلسطينية، بعدما كان ولاؤهم لفرعون مصر، وقيل ان مدينة مجدو، أصبحت في عهده عاصمة المقاطعة الآشورية في فلسطين، حيث كانت هذه المقاطعة، تضم سهل مرج ابن عامر والجليل.

تذكر الوثائق المصرية، أن الفرعون المصري (طهراقا) 690-664 ق.م، بدأ ينظم المقاومة ضد الآشوريين في فلسطين، بتعاون مع أمرائها، ومنهم ملك مدينة مجدو، ويقال أنه حقق انتصاراً على الآشوريين عام 674 ق.م، وجعل أمراء فلسطين ينضمون إليه تباعاً.

تشير الحوادث في ذلك الوقت، إلى وقوع معركة مجدو عام 609 ق.م، وانه قد تم تدمير المدينة على يد الفرعون المصري (نخاو)، وقد هجرها أهلها في ذلك الحين، وسكنوا أسفل الجبل.

أهم الآثار التي عثر عليها في مجدو هو إسطبلاتها، والتي تتسع لأكثر من (450 حصاناً) في وقت واحد، و مجموعة من القطع الفنية العاجية الكنعانية، المنقولة عن أصول مصرية، و عدد من تيجان أعمدة مربعة، من الحجر الجيري، و أثاث العبادة الدينية من الطين والحجر. و من هذه الآثار التي عثر عليها أيضا، كالنقود، والتي تعود إلى القرنين الخامس والرابع ق.م- وقد ظل موقع مدينة مجدو عامراً بالسكان، طوال العهدين الفارسي واليوناني،

وآخر عهد لمدينة مجدو، هو العهد الروماني، وهو المزدهر بالعمران، و لم يعكره إلا ضجيج كتبة التوراة، حين بهرتهم شهرة المدينة، فعملوا على إدخالها في كتابهم ألتوراتي، وسلب سكان البلد الأصليين، منجزاتهم الحضارية، فوصلوا تاريخها كذباً، بيوشع بن نون، وبلغت دناءتهم ذروتها، حين راحوا يقولون، أن مدينة مجدو أو (هار-مجدون) ستكون مسرحا لمعركة حاسمة قادمة بينهم وبين أناس طامعين، سيكون فيها النصر حليفاً لهم.

خلال القرن العشرين، استطاع أصحاب ألتوراة والصهاينة، التغلغل داخل الحركات المسيحية الأصولية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبة، لدرجة أن هذه الأوساط، أصبحت تؤمن إيماناً راسخاً، بضرورة هدم المسجد الأقصى المبارك، لإقامة هيكل سليمان المزعوم مكانة، تمهيداً لمعركة تخوضها قوى الخير، بزعامة (الولايات المتحدة الاميركية) ضد قوى الشر (المسلمون ومناصريهم في العالم اجمع) في موقع مدينة مجدو، وبعدها سوف يأتي المسيح المنتظر الذي سيخلص العالم من الظلم.

الأخطر في هذا الموضوع، اقتراح أصحاب النظرية المعاصرة من اليهود الصهاينة، لدفع الأوضاع عالميا، في اتجاه حرب عالمية ثالثة من اجل تحقيق أحلامهم، وتحقيق نصرهم المزعوم، ويدعون بأنه في ظل هذا النصر، سيكون لليهود مكانة أعظم، ويعاد بعدها بناء الهيكل وسيكون لهم بعد ذلك السيادة على العالم كله.

إن الاستيلاء على الأرض، وإبادة سكانها، إنما هي شريعة يهودية- صهيونية، والويل لبني إسرائيل، إذا هم خالفوا هذه الشريعة. أن غاية الصهيونية الآن، هي تمثيل هذه المأساة، بكل فصولها، وخريطة إسرائيل الكبرى: (أرضك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات)، هو شعار الإمبراطورية الصهيونية الموعودة، فماذا نحن فاعلون كعرب ومسلمون أمام الأطماع اليهودية-الصهيونية المدعومة من قبل الولايات المتحد الاميركية وحلفائها في العالم؟؟؟

انتهى بحد الله