إغتيال الرئيس الأسير وزيف "ديمقراطية" المحتل
محمد العبد الله
مع الساعات الأولى لفجر يوم أمس الثلاثين من شهر كانون الأول / ديسمبر، أسدل الستار على المسرحية العبثية المسماة "محاكمة صدام" التي وصفتها صحيفة "واشنطن بوست" قبل يوم واحد من تنفيذ الجريمة بالقول "إنها بعيدة كل البعد عن أن تكون نموذجاً للعدالة المتحضرة". إنهارت جدران "المحكمة" منذ اللحظة الأولى التي تقدم إليها الأسير وصحبه، وسقطت منصة "القضاة" قبل أن تبدأ المداولات والجلسات. أربعون جلسة انعقدت على مدى ثلاثة عشر شهراً، إختتمها الغزاة وعملاؤهم بإصدار قرارهم المشؤوم، الذي لم يكن مفاجئاً لأحد، لأن الخاتمة المحددة لنهاية فصول المسرحية كانت قد وضعت قبل بدء الجلسة الأولى.
جاء توقيت الجريمة ليجدد تعرية وجوه القتلة الحقيقيين، على الرغم من أقنعة أدوات التنفيذ الجبانة التي كانت تتصرف داخل غرفة القتل بحركات هستيرية، مترافقة مع صرخات الثأر البدائية المتوحشة، التي أفصحت عن هدف الصورة والصوت. لم يكن "تسريب" الشريط سوى فصل جديد قدمه لنا المحتل الأمريكي، الذي رسم كل خطوات التنفيذ والتصوير وتعميم الصور.
هدوء الرئيس وتماسكه ومجابهته لشهوانية غريزة القتل المتفجرة عند عناصر فرقة الإغتيال، أكدت للجميع إنتصار "الضحية" على الجلاد التي تجسدت في إنتصاب قامته وشموخ رأسه، وثبات خطواته، وكلماته المفعمة بالكبرياء والرجولة والمبادىء. لم يكن "العنق" وحده الذي التف حوله الحبل، كان "العراق" هو المقصود بالإغتيال، عراق الإنتماء القومي، والإنجازات الكبرى. إن إسراع القتلة في تنفيذ عملية الإغتيال يرمي لتحقيق عدة أهداف، يسعى خلالها كل طرف، تقديم هذا "الإنجاز" على أنه خطوة كبيرة وحاسمة نحو "النصر"! إن قيادة المحافظين الجدد في واشنطن تأمل في أن يكون الإغتيال فرصة استثنائية تستطيع من خلالها إسترداد البعض المفقود من "ماء الوجه" الذي أهدرته نتائج الإنتخابات النصفية للكونغرس، وهو ما سيحرص على التحدث عنه "بوش" وهو يلقي خطابه للشعب الأمريكي بعد أيام قليلة. لكن عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمعاقين، ومئات الملايين من المليارات التي تسجلها تكلفة الغزو المرتفعة في كل ساعة، والتحركات الجماهيرية الواسعة المعادية للحرب على العراق التي تشهدها عشرات المدن الأمريكية، ستكون حاضرة في المشهد السياسي الراهن. لقد حرصت إدارة الهيمنة الأمريكية على تنفيذ الإغتيال فجر يوم عيد الأضحى المبارك لدى مليار وأربعمائة مليون من المسلمين، لتعلن لهم عن استخفافها بعقيدتهم ومشاعرهم.
أما حكومة الدمى في المنطقة الخضراء فقد اعتقدت أنها بجريمتها تلك تستطيع تمديد عمرها الزمني، خاصة أن أسيادها "بوش وكونداليزا وزلماي" كانوا قد هددوا رئيسها في أكثر من مناسبة، بإمكانية استبدال حكومته إذا لم تحقق "الإستقرار" – الذي عجزت قواتهم عن فرضه- لقد توهم "المالكي" أن توقيعه على قرار الإغتيال، سيعيد له مكانته عند إدارة المحتل، ناسياً أن هذا القرار قد عَمَّقَ من مأزق الغزاة وعبيدهم، وسيساهم بالتصعيد النوعي والكمي لعمليات المقاومة الوطنية (اليوم تعرضت القاعدة الأمريكية في "بيجي" لقصف صاروخي عنيف). إن النتائج المنظورة لإقدام فرق الموت التي تتوالد من بنية الأحزاب والتكتلات السياسية الطائفية، الموغلة في تعصبها وانغلاقها، على تنفيذ عملية القتل / الإغتيال ستؤدي إلى المزيد من الإنقسام المجتمعي، الذي سعى المحتلون لتحقيقه، لكونه المدخل الرئيسي لتفتيت وحدة العراق. إن الرد على الغزاة وجرائمهم المرتبطة بوجودهم، خاصة جريمتهم النوعية الجديدة، تتطلب من قوى المقاومة المسلحة، نشر ثقافة الإنتماء الوطني للعراق الواحد، المتوحد بأمته العربية، لكونه الرد الموضوعي على خطط التفتيت والتقسيم، والعمل على عزل الأحزاب والميليشيات المرتبطة بقوى إقليمية تستهدف تفتيت العراق، من خلال إشراك التجمعات والمرجعيات والشخصيات المنتمية إلى عراق عربي متحرر من الإحتلال والهيمنة الخارجية، في إطار جبهة وطنية واسعة، تعمل من أجل وحدة الشعب في مواجهة أعدائه.
إغتيال الرئيس الأسير وزيف "ديمقراطية" المحتل بقلم:محمد العبد الله
تاريخ النشر : 2007-01-01