طراز فريد هو النظام السياسي الفلسطيني بقلم: فادي فيصل الحسيني
تاريخ النشر : 2006-12-24
طراز فريد هو النظام السياسي الفلسطيني

بقلم: فادي فيصل الحسيني

عهدنا العديد من النظم السياسية في العالم، فمنها الرئاسي حين تكون الصلاحيات كاملة لرئيس الدولة و يكون دور رئيس الوزراء وظيفياً و ليس سياسياً، و منها النظام البرلماني حين تكون الصلاحيات السياسية و الوظيفية لمجلس الوزراء و رئيسها و يكون دور رئيس الدولة بروتوكولياً ليس أكثر، فلا تتقاطع صلاحيات الرئاسة و رئاسة الوزراء أو تتشابك، و تكون صلاحيات و حقوق و واجبات كل طرف واضحة و منصوص عليها في القانون الأساسي أو دستور الدولة. في السلطة الوطنية الفلسطينية و هي وفقاً للتعريف كيان أكثر من سلطة ذاتية و أقل من دولة، فبرغم أننا لم نصل بعد لوضعية الدولة، و لم نحصل بعد على سيادة و صلاحيات أي دولة، مازال التشابك و التخبط في الصلاحيات المحدودة و المرتبطة بشكل مباشر برغبة إسرائيل و القوى الغربية، يتفاقم بين دور الرئاسة و رئاسة الوزراء، و أصبح الرؤية السياسية ضبابية و تخلق حالة من الإرباك على المستويين الشعبي و الرسمي الفلسطيني.

تعود جذور المشكلة حين طالبت أطراف دولية بابتداع منصب رئيس الوزراء أبان حكم الرئيس الراحل ياسر عرفات رحمه الله حرصاً من هذه الأطراف على ألا يستأثر عرفات بالقرار السياسي الفلسطيني الداخلي و الخارجي بعد فشل مباحثات كامب ديفيد الثانية، و خاصة أن أغلبية أعضاء المجلس التشريعي إبان ذلك الوقت كانت من حركة فتح، فتم تعديل القانون الأساسي الفلسطيني بسرعة فائقة و تم استحداث منصب رئيس الوزراء و أقر المجلس التشريعي هذا التعديل و أضحى القانون الأساسي قانون أساسي معدل. و لكن الجديد في منصب رئيس الوزراء الجديد هو الصلاحيات العديدة و المتداخلة مع صلاحيات رئيس السلطة الفلسطينية و منها الصلاحيات المالية و الإشراف على الأجهزة الأمنية و هو الأمر الذي أدى لحدوث خلافات بين الرئيس عرفات و رئيس وزرائه آنذاك. لم يدرك القائمين على تعديل القانون الأساسي في ذلك الوقت أن طوفاناً سياسياً سيضرب أواصر الحياة السياسية الفلسطينية جين تضحي المعارضة أغلبية و يصبح الرئيس من حزب و رئيس وزرائه من حزب يحمل مبادئ و برنامج لا يتطابق مع برنامج الرئيس و حزبه. لسنا بصدد تقييم برنامج هذا الحزب أو ذاك، و لسنا أيضاً بصدد تحميل ذنب الجمود السياسي الذي تمر به قضيتنا الفلسطينية لأي طرف من الأطراف، و لكننا بصدد البحث عن مخرج لمعضلتنا الداخلية التي لطالما أعاقت المسيرة الوطنية نحو التحرر و الاستقلال. فبعد مرور عام على الانتخابات الرئاسية في فلسطين و فوز الرئيس محمود عباس رئيساً، تم إجراء الانتخابات التشريعية و فازت في المقابل حركة حماس بأغلبية حفظ لها القانون الحق في تشكيل حكومة يكون رئيسها من الحركة. في أعظم دولا العالم في تطبيقها للديمقراطية، وجدنا التعددية الحزبية، و وجدنا الخلاف الواضح بين برامج تلك الأحزاب، و لكننا وجدنا أيضاً وضوح في مجريات الحياة السياسية، حتى و إن تبدل المحكوم ليصبح حاكماً، و حتى إن تحولت زمرة الحكم من أقصى اليسار لتضحي قلب اليمين، فيتم تسليم السلطات و الصلاحيات كاملة للفائز بثقة الشعب، حتى و إن كان الأمر مؤلماً. و بالفعل قمنا في فلسطين بتقديم درساً رائعاً لدول المنطقة في الانتخابات الديمقراطية النزيهة، و درساً أروع في تداول السلطة. و بعد مرور ما يقارب العام على أكثر الانتخابات ديمقراطية في الشرق الأوسط، بدأت الاتهامات و التصريحات النارية و القتل العمد و التخريب تنهال من كل صوب و حدب و كأن الأطراف الفلسطينية أبت إلا أن تهتز صورة الديمقراطية و الحضارية لدى الفلسطينيين بعد أن رسموها في أبهى صورها. أما دعوة الرئيس عباس لانتخابات رئاسية و تشريعية فلا تعدو أن تكون محاولة للخروج من مشكلة أساسها ليس في أشخاص أو أطراف أو أحزاب، بل في هيكليات و صلاحيات. و مهما تكن النتيجة من استفتاء أو انتخابات أو حكومة وحدة وطنية أو حتى حكومة تكنوقراط، فلن تعدو أي أطروحة من تلك الأطروحات أن تكون مخدراً مؤقتاً و سيزول مفعوله بمرور الزمن و لن يكون حلاً جذرياً على الإطلاق.

[email protected]