فلنعلم العواقب أولاً بقلم: فادي فيصل الحسيني
تاريخ النشر : 2006-12-06
فلنعلم العواقب أولاً

بقلم: فادي فيصل الحسيني

حكومة الوحدة الوطنية و تشكيلها و الخروج من الحصار و الأوضاع المتردية و قضايا أخرى عديدة قتلت حديثاً، و باتت الكلمات تعجز عن وصف الحال الفلسطيني و حال القضية الفلسطينية قبل الحديث عن حال رجل الشارع من إحباط و فقدان الثقة و اهتزاز المصداقية لكل من كان وراء الفشل في تشكيل هذه الحكومة. بالأمس القريب تجاوز عدد الوزراء و المسئولين الدوليين الذين زاروا الأراضي الفلسطينية أضعاف ما يزور دول عديدة في المنطقة على مر أسابيع و أشهر، في حركة دبلوماسية غير معهودة تهدف لتحريك الجمود السياسي في المنطقة، و كمحاولة لمساعدة الفلسطينيين في الوصول لحل لمعضلتهم الداخلية. إذاً وصل بنا الحال من التخبط أن يعبر البعض المحيطات و البحور لينصحونا بأن نتفق فيما بيننا و ألا ننحر بعضنا البعض في صراعات و تخبطات نتائجها محسومة سلفاً و هو أن الفلسطيني هو الخاسر الوحيد بلا ريب. ثم بدأنا ندعو العالم في الضغط على إسرائيل للالتزام بالهدنة أو التهدئة و توسيعها لتشمل الضفة الغربية، أليس من الأجدر أن تكون أمورنا الداخلية الأمنية و السياسية مستقرة قبل التوجه بمثل هذا الطلب.

يعلم الجميع أن الخيارات باتت محدودة و محسومة، فإما أن يبقى الحال علي ما هو عليه و تبقى الحكومة الشرعية الفلسطينية تمسك بزمام الأمور مقابل حصار ظالم مستمر على جميع الفلسطينيين كعقاب جماعي لخيارهم في انتخابات، أرادها العالم و من قبلهم الفلسطينيون ديمقراطية، و هو الأمر الذي أكده جميع المسئولين الأجانب الذين حضروا لزيارات الأراضي الفلسطينية مؤخراً بأن الحصار سيظل مضروباً و مشدداً حتى يخر الفلسطينيون أمام رغبة تلك الدول. من ناحية واقعية، هذا الخيار يضمن للشعب الفلسطيني أمراً أكيداًً و هو استمرار الأوضاع الاقتصادية المتدهورة و انهيار بطيء للبنية الاقتصادية الفلسطينية و وأد أمل الخلاص من التبعية الاقتصادية لتلك الدول لأن عوامل البناء لاقتصاد فلسطيني ذاتي لا يمكن أن تظهر في مثل هذه الظروف. إن الفلسطيني لم و لن يقبل أن يتحكم بقراراته السيادية من هو خارج أسوارنا، فقرارنا السيادي حكر علينا، و لا طاقة بأحد أن يخرج هذا القرار من صلبه و من منبعه، و لكن للواقعية علينا حق، و لإمكانيات و قدرات صمود هذا الشعب حد، فنذكر ألمانيا حين مزقت معاهدة السلام المجحفة بحقها التي وقعتها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، عندما أصبحت تملك القرار و القدرة بعد أن استعدت و عملت بجد لتأخذ قرارها السيادي بنفسها.

الخيار الثاني و هو ما تردد عن صلاحيات دستورية واستفتاء و من ثم انتخابات رئاسية و تشريعية. هذا الخيار يستدعي بعض التدقيق لما له من آثار مباشرة و غير مباشرة. الأثر المباشر و الذي يعلمه الجميع هو أن هذا الخيار سيزيد من حالة الاحتقان في الشارع الفلسطيني بلا شك، و قد ينتج عنه نتائج وخيمة لا قدر الله و لا نرغب أن نخوض في تفاصيل هذا الأمر لما له من سلبية و محاذير. أما و إن أردنا أن نبحث عن الجوانب غير المباشرة في مثل هذا الخيار، فلنا أولاً أن نتحدث عن الفاصل الزمني الذي يفصلنا عن تاريخ الاستفتاء و من ثم إن نجح هذا الاستفتاء، يبقى الفاصل الزمني حتى موعد إجراء الانتخابات و حتى ذلك الحين سيبقى حال المواطن الفلسطيني على ما هو عليه من إحباط و ضبابية الرؤية المستقبلية و بالطبع استمرار تدهور أحواله الاقتصادية. ثانياً و بشيء من البساطة في التحليل، نحاول أن نقدر تكاليف الاستفتاء، و تكاليف إجراء الانتخابات، بالإضافة لتكاليف الحملات الانتخابية لكل طرف من الأطراف في حال إجرائها، نجد أننا سنصل لتكاليف هي في الأساس من أموال المواطن الفلسطيني و كفيلة بحل جزء ليس بالقليل من الأزمة المالية التي يعانيها الشعب الفلسطيني في يومنا هذا. لقد علمتنا التجربة السابقة بألا نعول كثيراً على استطلاعات الرأي المحلية و خاصة ما ارتبط منها بمؤسسات تابعة لحزب أو لفصيل لما لهذه الاستطلاعات من تحيز و بعد عن الموضوعية و المهنية، و لكن فلنقل أن الانتخابات جرت، حينها تظل كل الخيارات قائمة، إما فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس مرة جديدة و لو بعدد أقل من المقاعد، أو فوز حركة فتح بعدد أكبر مما حصلت عليه الآن من المقاعد في المجلس التشريعي، و في هذا الحال أو ذاك، سيضطر الطرفان مرة جديدة لأن يجلسان سوياً كأكبر كتلتين برلمانيتين في المجلس لتشكيل حكومةً جديدة. إذا عدنا بعد ستة أشهر في أحسن تقدير إن لم يكن أكثر و بعد إهدار كبيرللأموال الشعب الفلسطيني لنقطة البدء و كأن شيئاً لم يكن. سيعود الطرفان و إن اختلفت المطالب في توزيع عدد الحقائب الوزارية لهذا الطرف أو ذاك بالزيادة أو بالنقصان للتفاوض مرة جديدة. ألا تستدعي هذه النتيجة التدقيق و المراجعة قبل الشروع و الترويج لمثل هذه الخطوة ؟!

يبقى الخيار الثالث و هو الاتفاق الآن و بأسرع وقت ممكن، على تشكيل حكومة وطنية فلسطينية تخرج الجميع من وضع كرهه الجميع، و فاض الكيل به، لتجنبنا مخاسر بشرية و مادية نحن في غنىً عنها، فكل يوم يمر بنا بدون اتفاق بين الأطراف يكلفنا الكثير و الكثير و يزيد من الاحتقان و التوتر في الشارع الفلسطيني. أذا لنتفق لما هو الأفضل لنا و لنحاول أن نصلح صورة الفلسطيني بعد أن اهتزت بشدة في الآونة الأخيرة ما بين اقتتال و خلاف على صلاحيات و مناصب و حقائب.

فالوحدة ثم الوحدة هي السبيل الأوحد، و لنثبت لأنفسنا قبل العالم أننا شعب أحب التضحية ليحيى كريماً، و ضاق بالحياة ليبقى عزيزاً، علماً لكل الأوطان، و رمزاً خالداً في سجل كل الأزمان.

[email protected]