بيعرف الخوف(قصة واقعية من جنوب لبنان)بقلم:صالح الزين
تاريخ النشر : 2006-10-04
بيعرف الخوف(قصة واقعية من جنوب لبنان)بقلم:صالح الزين


بيعرف الخوف؟

«ابن السنة والنصف يعرف الخوف»

سمعت فضيلة صوت الإنفجارات التي رمتها الطائرات الصهيونية الغادرة، ومن قوة الصوت علمت أنها تستهدف قريتها الوادعة.

شدت على يد إبنها علي، ابن الأربع سنوات، الذي يسألها «وين القصف يا أمي»، حضنته بقوة وأجابته: «ما بدنا نعرف وين، الله يعين الناس يا أمي».

دارت المرأة الأربعينية بنظرها جنوب حظيرة الماشية التي كانت بداخلها، وعلى بعد خمسين متراً رأت الدخان يتصاعد من منزلها حيث تركت زوجها وبناتها الأربعة وطفلها الرضيع البالغ عام ونصف العام من عمره.

تعود الذاكرة بفضيلة، أنها ركضت حتى رأت ضفيرة إبنتها زينب التي كانت جدلتها لتوها، وهناك على مدخل الدار حيث كانت تلعب بقي جسد زينب دون رأس، لم تتحمل أكثر، أغمي على فضيلة.

تقول فضيلة:«شوفة ما كانت بتنشاف». حيث تقيم في منزل أقارب زوجها.

لم تعلم فضيلة بهول المصيبة بعد عودتها إلى وعيها من الغيبوبة، وجدتهم قد نقلوا جثتي أحمد الرضيع وزينب مقطوعة الرأس من أمام ناظريها. تذكرت أنها مرت أمام جثة زوجها لكن هول منظر جثة ابنتها زينب أفقدها الوعي.

هناك في المستشفى رقدت فضيلة بالقرب من إبنتها زهراء الجريحة، ذهبت بها المخيلة إلى إبنتها زينب وطفلها الرضيع وزوجها حيدر جميعهم شهداء، ثم إلى بتول أصغر بناتها التي فقدت عينها اليسرى بعد ما كانت تعاني من ضعف في عينها اليمنى.

أما الجدة أم صاد، عَبَرْتْ فوق الشهداء والمصابين من الأحفاد وراحت تبحث عن ولدها حيدر وخلال بحثها مرت بجثة أحمد الرضيع وضفيرة زينب وجثتها القطوعة الرأس، وعندما لم ترى جثة حيدر ظنت أن الله لطف بها وأبقى ولدها على قيد الحياة. اتكأت على سيارة ولدها ومنها إلى داخل المنزل في قلب الممر المؤدي إلى غرف نوم الأطفال جلست بالقرب من دماء أحمد ورددت: «ياريتك تقبرني يا ستي بعدك صغير».

أما زهراء المصابة، كانت أكثرهم إنهياراً وتأثراً كون أخيها أحمد الرضيع لفظ أنفاسه الأخيرة في حضنها حيث تروي: «عرفت إنو لفظ أنفاسُ بعد ما توقف صدره عن الطلوع والنزول» «وما انتبهت إني منصابة إلا بعد ما مات أحمد» هكذا تتذكر المصيبة ابنة الثلاثة عشر ربيعاً، تتذكر كيف أحمد كان خائفاً ويتعبط بها «كان خايف كتير» تقول ودموعها تنهمر من عينيها الزرقاوين «بتتخيلوا ابن سنة ونص بيعرف الخوف».

بعيداً عن الجميع وعن هول المصاب ترقد بتول أصغر بنات العائلة المنكوبة في إحدى المستشفيات خارج لبنان التي سافرت إليها مع عمتها لزرع عيناً لها بدل التي أصيبت بها بعد ما كانت أساساً لا ترى في عينها اليمنى. هذا ما تقوله فضيلة عن إبنتها بتول وتضيف فضيلة «بتول لم تعرف بإستشهاد أشقائها ووالدها لم ترهم بسبب إصابتها بعينها ولم يجرؤ أحد على إخبارها كانت متعلقة بأحمد وزينب وكان بيها مدللها كتير».

صالح الزين