بعلبك مدينة الشمس بقلم:حسين أحمد سليم
تاريخ النشر : 2006-09-28
بعلبك

مدينة الشمس


حسين أحمد سليم آل الحاج يونس

مدينة الشمس - بعلبك

بعلبك , جنة الله على الأرض , مدينة تمتد في عمق التاريخ , وفيها أكثر الآثار الرومانية فتنة , تتراءى من خلالها هيبة الماضي العظيم وصداه الذي يأبى أن يموت ...

بعلبك المدموغة بصبغة العزة عبر آثارها العظيمة , حيث يتحد الوحي الديني والهندسة في تناغم مؤثر وكامل ... هي بقايا مستقلة , يفخر لبنان بأنه يمتلكها وأعمدتها الستة المنتصبة , تقاوم عتو الزمان ...

بعلبك اعتصمت بالارث العظيم , وتمسكت بالعراقة والأصالة ... تستوي فوق هضبة تعلو عن سهل البقاع الشمالي , وتنام على أمجاد غابرة خفية , مجهولة الى حد بعيد لم يستطع المؤرخون والباحثون والمنقبون اكتشافها جميعا , فاكتفوا بما ندر عنها ...

تشكل بعلبك أهمية حضارية , وقيمة تاريخية , ومكانة دينية ... دفعت بها للتتبوأ مرتبة عليا بين باقي المدن اللبنانية , فصار لها اهتمامات عديدة , ومنها المهرجانات الدولية , التي دفعت بها الى الصدارة العالمية ...

بعلبك كتب عنها الكثير وقيل فيها الكثير , وبقي الكثير لم تبح به الأقلام ...

الاسم :

بعلبك اسم سامي قديم مركب , مشتق من السريانية " بعل بقاع " , والبقاع هو السهل الواقع بين سلسلتي جبال لبنان الغربية والشرقية والواقعة فيه مدينة بعلبك . وقد سماها الرومان " هيليوبوليس " أي مدينة الشمس . وفي هذه التسمية اشارة الى أن هذه المدينة كانت سابقا مكرسة لعبادة الشمس . وكانت , قد نالت هذا الاسم بعد فتح الاسكندر . وقد أبقى العرب الذين فتحوا البلاد على الاسم السامي القديم مع بعض التحريف : بعلبك .

الموقع :

تقع بعلبك من الناحية الاستراتيجية , على بعد 85 كلم الى الشرق من بيروت , فوق أعلى مرتفعات سهل البقاع الشمالي , وكانت تشكل محطة رئيسية على مفترق عدد من طرق القوافل القديمة التي كانت تصل الساحل المتوسطي بالبر الشامي وشمال سورية بشمال فلسطين . وقد استفادت عبر تاريخها الطويل من هذا الموقع المميز لتصبح محطة تجارية هامة ومحجا دينيا مرموقا . فكان أن حول الرومان مزاراتها المتواضعة الى قبلة تستقطب الحجاج من جميع مناطق الامبراطورية الرومانية .

تاريخ القلعة :

هناك اختلاف حول الزمن الذي بنيت فيه قلعة بعلبك العظيمة , ويقال أنها تعود الى عصر سليمان الحكيم . وأول ما عرف من تاريخها الصحيح زمن استيلاء يوليوس قيصر عليها في أواسط القرن الأول قبل الميلاد . وفي أيام أغسطس كان فيها حامية رومانية كما تشير النقوش على حجر باب أحد الهياكل . وتبلغ استدارة القلعة حوالي 5 كلم وهي أحدى عجائب الدنيا السبع .

مجمع القلعة :

ملك الرومان المنطقة في أواسط القرن الأول قبل الميلاد . فأنشأ أوغسطس مستعمرة بعلبك عام 15 قبل الميلاد . ونظرا لأهميتها على أكثر من صعيد اقتصادي وديني , فقد أسس لمشروع عظيم يجعل من بعلبك واجهة دعائية تبرز صورة روما وعظمتها وقدرتها ... كان ذلك جزءا من سياسة الدولة في ترسيخ السيطرة الرومانية على المنطقة . وكان من أبرز نتائج تلك السياسة ان ارتفعت معابد بعلبك العملاقة التي تعتبر من عجائب العالم القديم , وقد استمر العمل في بناء معابدها زهاء نيف وثلاثة قرون من الزمن وتعاقب على تحقيقه وتمويله عدد لا يستهان به من كبار أباطرة الرومان .

أطلال القلعة :

يتألف مجمع بعلبك الديني من ثلاثة صروح رئيسية هي : معبد " جوبيتير " الكبير , الذي كان يتألف من أربعة أقسام رئيسية هي : الرواق المقدم , وكان يشكل المدخل العمائري , ويليه البهو المسدس , فالبهو الكبير فالهيكل . وأعمدة بعلبك الستة من بين أكثر الصور رسوخا في الأذهان . والتي يبلغ ارتفاعها 22 مترا . تعطي فكرة عن الهيكل الذي كانت تشكل جزءا من رواقه الخارجي .

والمعبد الصغير المنسوب الى " باخوس " . وهو بمحاذاة الهيكل الكبير , يتميز بالنقوش والزخارف . ويرتفع على دكة يبلغ ارتفاعها خمسة أمتار ويصعد اليه بدرج يتألف من ثلاث وثلاثين درجة . وكان مكرسا لاقامة الطقوس الدينية الخاصة .

والمعبد المستدير المنسوب الى " الزهرة " . وهو الى الجنوب الشرقي من القلعة , ولا مثيل لتصميمه في جميع أنحاء العالم الروماني . وهو مكرس لتكريم الآلهة . تم تحويله في العصر البيزنطي الى كنيسة على اسم القديسة " بربارة " . وعلى مقربة منه بقايا هيكل آخر يرجع تاريخه الى بدايات القرن الأول بعد الميلاد .

وهناك بقايا معبد رئيسي رابع كان يقوم فوق تلة الشيخ عبالله الى الجنوب من بعلبك .

المقلع :

مقلع قديم للحجارة , يقع الى اليمين عند مدخل مدينة بعلبك الجنوبي , حيث كانت تجري أعمال قطع الحجارة ونحتها . ويعتبر " حجر الحبلى " من أضخم الحجارة المقطوعة في العالم , وهو ما يزال في موقعه منذ حوالي ألفي سنة . وتبلغ مقاييسه 21.5 م × 4.6 م × 4.5 م . فيما يقدر وزنه بنحو 2000 طن . وفي محلة " الشراونة " الى الجنوب الغربي من المدينة " الكيال " . على بعد نحو كيلومتر واحد , بمحاذاة الطريق التي تعبر سهل البقاع باتجاه رأس بعلبك وحمص , مقلع روماني آخر .

نبع رأس العين :

يقع نبع رأس العين الى الجنوب الشرقي من المدينة , تروي مياهه الى جانب " نبع اللجوج " الشهير بعلبك وبساتينها منذ العصور القديمة . وتشهد على أهميته الحيوية بالنسبة للمدينة . الأثار التي خلفتها الحقب الرومانية والاسلامية على جوانبه . ومنها بقايا مزار روماني صغير وبعض المداميك التي كانت تشكل جزءا من التجهيزات التي أقيمت لضبط مخارج المياه . وعلى مقربة من النبع أطلال جامع من عهد المماليك بني عام 1277 للميلاد , ويطلق عليه مسجد رأس الامام الحسين بن علي .

قبة دورس :

دورس قرية صغيرة شوهتها عملية التوسع العمراني التي شهدتها مدينة بعلبك . وعند مفترق الطريق التي تؤدي اليها , الى يسار الداخل الى بعلبك من الجنوب , ضريح يرجع تاريخه الى العصر الأيوبي , وكانت له قبة فوق ثمانية أعمدة من الغرانيت الأحمر . كانت تعلوها فيما مضى تعرف اليوم باسم " قبة دورس " . وقد شيدت في القرن الثالث عشر بعد الميلاد بعناصر معمارية رومانية , فوق قبر أحد أعلام تلك الأيام . وقد كانت فيما مضى جبانة عظيمة تعود أصولها الى العصر الروماني .

الجامع الكبير :

يقع الجامع الكبير عند مدخل القلعة لجهة الشرق , وقد شيد من أعمدة الغرانيت ومن حجارة المعابد الرومانية . ويعود تاريخ انشائه الى العهد الأموي في أواخر القرن السابع أو في بدايات القرن الثامن بعد الميلاد . ويتألف من بهو مربع يحيط به رواق ويتوسطه حوض ماء , كان فيما مضى مقببا . وتتألف قاعة الصلاة فيه من ثلاثة صفوف من الأعمدة .



قبة الأمجد :

تقع على تلة " الشيخ عبدالله " المشرفة على مدينة بعلبك من جهة الجنوب , وهي تتألف من مسجد صغير وزاوية , وفيها قبر الشيخ " عبدالله اليونيني " الذي تعرف التلة باسمه . وقد أقيمت هذه القبة في أيام " الملك الأمجد بهرام شاه " حفيد " صلاح الدين الأيوبي " , الذي ولي بعلبك بيم عامي 1182 و 1230 للميلاد , وبنيت من حجارة هيكل " عطارد " القريب من المحلة .

البوابة الرومانية :

الى الشمال الغربي من قلعة بعلبك , تقوم بوابة كبيرة محصنة , وهي بقايا التحصينات التي كانت تحيط بالمدينة في عصرها الروماني .

قبة السعادين :

وهي على مسافة من البوابة الرومانية . وفيها ضريح مقبب يتألف من حجرتين , وقد بني عام 1409 للميلاد . في زمن السلطان الملك الناصر فرج ليكون مدفنا لنواب السلطنة في مدينة بعلبك .

منشآت رومانية عامة :

الى الجنوب من قلعة بعلبك , في المحلة المعروفة ببستان الخان , أجريت بعض أعمال التنقيب التي كشفت عن بقايا أثرية تعود الى بعض المنشآت المدنية الرومانية . ومن بين هذه البقايا التي جرى ترميم بعضها , الحمامات وبناء آخر يعتقد بأنه كان مخصصا للاجتماعات العامة في ذلك الزمان .



الفتح العربي :

على أثر الفتح العربي لمدينة بعلبك عام 636 للميلاد . تحولت هياكل المدينة الى قلعة وهو الاسم الذي ما زالت تحمله حتى اليوم . وتوالى الزمن على بعلبك , فانتقلت من يد الأمويين الى العباسيين فالطولونيين والفاطميين والأيوبيين الى أن نهبها المغول واستردها منهم المماليك عام 1260 للميلاد . فعرفت في أيامهم فترة عز ورخاء .

مهرجانات بعلبك الدولية :

يعود تاريخ بدء المهرجانات الفنية في بعلبك الى عشرات السنين . ففي سنة 1922 تألفت مجموعة صغيرة من اللبنانيين والفرنسيين كان الجنرال غورو أحد أعضائها , أحيت في القلعة حفلة شعرية . ثم مسرحية " الماضي البعيد " ضمن امكانات تقنية بدائية . ومع مرور السنين , توافرت الامكانات والشخصيات والمؤسسات التي ساهمت في انجاح المشروع . بحيث أصبحت " مهرجانات بعلبك " تحتل اسما بين أعظم المهرجانات العالمية . وفي سنة 1956 عينت لجنة تنفيذية في قصر رئيس الجمهورية وبدعم منه . ومنذ ذلك التاريخ ورؤساء الجمهورية هم , على التوالي , رؤساء فخريون للجنة المهرجانات , وأعطوا المهرجانات المساعدة معنوية وفي جميع الحقول . لتكمل مهرجانات بعلبك الدولية دربها الحضاري والانساني .

بعلبك المعاصرة :

أقام البعلبكيون على مدار السنين أبنيتهم السكنية والتجارية والرسمية حول قلعتهم الأثرية , كما حولوا محيطها الى غوطة من البساتين التي ترويها مياه نبع رأس العين . وشيدوا حولها الفنادق والمطاعم والمقاهي ودور التسلية والمنتديات الفنية والثقافية ... وامتد العمران في بعلبك بكل اتجاه , بحيث وصل الى تخوم القرى المجاورة .