بقلم: د. سمير الددا
غداة فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2007 خلفاً للرئيس جاك شيراك قام نيكولاي ساركوزي الرئيس الفرنسي الأسبق بزيارة إلى روسيا, وفي لقاء مغلق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبيل خروجهما لمؤتمر صحفي مشترك تعرض ساركوزي لموقف لم ولن يتعرض لمثله في حياته، فقد سمع من الرئيس بوتين كلاماً أفقده توازنه وجعله يبدو في المؤتمر الصحفي كالثمل الذي أفرط في الشراب على حد وصف الصحفي الفرنسي "نيكولا حنين – Nicolas Henin" الذي كان من بين أعضاء الوفد الصحفي الذي رافق ساركوزي في هذه الزيارة والذي ذكر تفاصيل هذه الحادثة في كتابه "فرنسا الروسية...التحقيق في شبكات بوتين – Le France Russe ".
ويضيف الصحفي الفرنسي إن ما لا يعلمه الصحفيون هو أن بوتين لا يشرب الخمر ولا يقدمها لضيوفه إلا نادراً جداً، ولكن ظهور ساركوزي بخطوات ثقيلة غير متوازنة وبابتسامة صفراء مصطنعة ويتحدث بتلكؤ للصحفيين دفعتهم للاعتقاد بأنه أفرط في الشرب خلال اجتماعه مع بوتين, ولم يخطر ببالهم ان الرجل تعرض لصدمة بوتينية من العيار الثقيل كانت كفيلة لتفقده عقله وتوازنه بدون الحاجة لأي شراب.
وفي تفاصيل هذا الحدث المفصلي في تاريخ العلاقات الروسية الفرنسية, كان الرئيس ساركوزي قد بدأ موجهاً حديثه لبوتين بطريقة مباشرة وجريئة وتنقصها الدبلوماسية قائلاً بلهجة يغلفها اعتداد بالنفس "ما تقوم به روسيا في الشيشان – حرب الشيشان الثانية - بالنسبة لفرنسا غير مقبول أبداً", فابتلعها بوتين ولم يظهر عليه اي رد فعل, ومعروف عن بوتين كونه رجل استخبارات محترف (كي جي بي), تحكمه تماماً بإنفعالاته وقدرته الفائقة على رسم اي مظاهر او انفعالات على وجهه يرغب هو في اظهارها حسب ما يقتضيه الموقف, وهذا ما شجع ساركوزي على الاسترسال بنفس اللهجة في مجال حقوق الانسان مما اثار حفيظة الرئيس الروسي ولكنه اثر التحلي بالحكمة وامسك نفسه على مضض من باب اللياقة ومقتضيات الضيافة, وترك ساركوزي يحاضر على راحته الى الى ان وجه الاخير حديثه لبوتين معاتباً بلهجة تنقصها اللباقة "كما اود ان اسجل أن اغتيال الصحفية آنا بوليتكوفسكايا غير مقبول فرنسياً ايضاً",(بوليتكوفسكايا كاتبة صحفية روسية وناشطة في مجال حقوق الانسان وكانت معارضة للحرب الشيشانية الثانية وللرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي وجهت اليه اتهامات بإغتيالها),عندها قاطعه بوتين بلهجة حادة خالية من الدبلوماسية قائلاً: "هل انتهيت..؟", فأومأ ساركوزي (متفاجئاً من الانقلاب في هيئة بوتين ولهجته) برأسه بالايجاب رغم انه لم ينتهي من حديثه, فرد الاخير, حسنا, اسمع يا سيد ساركوزي بلدك بهذا الحجم (رافعاً يده اليسرى مشكلاً حلقه صغيرة من اصبعيه الابهام والسبابة) في حين بلادي روسيا بهذا الحجم (فاتحاً ذراعيه على وسعهما), فاسقط في يد ساركوزي وادرك انه ربما قد تجاوز حدوده, فتغير لون وجهه, فأدرك بوتين بحسه الاستخباري ان ضيفه يبحث عن مخرج, فتابع موجهاً كلامه الى ساركوزي, "الان امامك خياران, الاول ان تتابع تعاطيك معنا بالاسلوب الذي بدأت به للتو وعندها سنسحقك, والثاني ان تغيرهذا الاسلوب, وعندها رغم انك توليت منصبك للتو نستطيع ان نجعلك ملكاً على اوروبا".
بعد هذه الحادثة التي أحدثت حينها زلزالاً في أروقة السياسة والاعلام في العالم, واعتبرها الكثيرون نقطة تحول مفصلية في تاريخ فرنسا وفرصة تاريخية أمامها لتتزعم أوروبا إلى الأبد كما وعد بوتين, ولكن ساركوزي سارع الى الارتماء في احضان واشنطن مقدما فروض الولاء والطاعة للبيت الابيض عبر عودة فرنسا الى عباءة الناتو بعد ان كانت خارجه منذ عام 1966.
تذكرت هذه الحادثة الطريفة عند إعلان فرنسا أخيراً سحب سفيرها وقواتها من النيجر بعد حوالي شهرين من الانقلاب الذي اطاح بنظام رجلها الأهم في افريقيا محمد بازوم, رضوخ فرنسا للامر الواقع الذي فرضه الجنرال عبد الرحمن تياني زعيم الانقلاب جاء بعد فشل كل محاولاتها المستميتة للتشبث بالمناجم التي كانت طيلة اكثر من اربعة عقود تمد المفاعلات النووية الفرنسية الستة والخمسين بحوالي 3 ارباع احتياجاتها من اليورانيوم الرخيص, وذلك لاغراض عسكرية واغراض مدنية وعلمية بالاضافة الى انتاج كميات هائلة من الكهرباء توظفها باريس لتشغيل كافة منشآتها مرافقها الصناعية والسياحية والتجارية وغيرها, وكذلك في انارة كل زاوية في المدن والقرى الفرنسية, ومن ثم تصدر الكهرباء الفائضة للدول المجاورة مقابل مبالغ ضخمة سنوياً قدرتها بعض المصادر العام الماضي 2022 بحوالي 12 مليار دولار مما وضع باريس في صدارة مصدري الطاقة غرب أوروبا.
وفي تقدير الكثيرون أن ذلك كان بداية تراجع دور فرنسا أوروبياً وعالمياً, شأنها شأن من يتغطى بالعباءة الامريكية, ففي العام التالي للزيارة التاريخية المشار اليها بدأت الازمات تنهال على رأس فرنسا, فشنت روسيا حرب مدمرة على جورجيا, تلا ذلك انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي لتتوج المانيا على عرش اوروبا اقتصادياً فكانت فرنسا اكبر المتضررين من كل هذه التطورات, ثم قضمت روسيا جزيرة القرم من اوكرانيا 2014 ولم يحرك الغرب ساكناً, ثم في فبراير العام الماضي وقضموا هذه المرة حوالي ربع مساحة اوكرانيا وتزامن ذلك مع لعبها "كش ملك" مع فرنسا على رقعة افريقية سمراء تعج بالموارد الطبيعية كانت تعتبرها باريس حديقتها الخلفية طيلة قرن من الزمان تقريباً, فترنحت البيادق الفرنسية وبدأت تتساقط شيئاً فشيئاً وببطء شديد ومازالت....!!
المفاجاة أن باريس تفاجأت من رد فعل حليفتها واشنطن في حلف الناتو والتي اكتفت بالجلوس على مقاعد المتفرجين, وتركتها وحيدة تواجه قامات وهامات سوداء صارمة اقتلعتها من أهم أركان القارة التي كانت تعتبرها كنزاً حصرياً تغرف منه بغير حساب, مما تسبب وسيتسبب لفرنسا بازمات اقتصادية ليس لها آخر.
تجدر الاشارة إلى أن الرئيس الفرنسي ماكرون حاول عام 2019 البحث عن مخرج من تحت العباءة الامريكية التي تلف حلف الناتو اثر هجوم الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب على حلف الناتو ووصفه بانه عالة على الولايات المتحدة التي تدفع اكبر نسبة في ميزانيته رغم انها ليست بحاجة له, وان على من يحتاجون للناتو ان يتحملوا النسبة الاكبر في ميزانيته, فصرح حينها ماكرون ان حلف الناتو قد مات وهو حالياً في غرقة الانعاش.
بعد وصول جو بادين الذي يؤمن بقوة بأهمية الناتو للبيت الابيض عمد الى فرك اذن الرئيس ماكرون فقام بالغاء صفقة عسكرية بين فرنسا واستراليا بمليارات الدولارات وقام بالتزامن مع ذلك بالاعلان عن تأسيس حلف للدول الناطقة بالانجليزية في شرق الميحط الهادي مكون من الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا يسمى حلف اوكوس, فغضبت فرنسا وتوجت شرقاً وحج رئيسها ماكرون الى الصين ليبايعها قطباً عالمياً جديداً, وهذا ما اثار غضب واشنطن أكثر واكثر, فوجدت في ما جرى لباريس على يد فاغنر الروسية في افريقيا عقاباً تستحقه, وهذا ما يفسر الصمت الامريكي عن انقلابات افريقيا الاخيرة, بل تعاطي واشنطن مع انقلاب النيجر وغيره يوحي بأنها تباركه وتدعو العالم الى قبول الامر الواقع بخلاف موقف باريس الخاسر الاكبر في هذا المشهد السريالي الاسود.
آخر الكلام:
لعل باريس وغيرها يتعظون من هذا الدرس القاسي الذي يبرهن للمرة المليون ان من يتغطى بامريكا عريان كما اثبتت التجارب, فقد تركت من كانوا يتعبرونها حليفاً لشأنهم ليواجهوا مصيرهم لوحدهم في الوقت الذي كانوا فيه في امس الحاجة لوقوفها الى جانبهم, وخصوصاً في عالمنا العربي, فبدأ هؤلاء بعد ان ادارت واشنطن لهم ظهرها يتجهون شرقاً باحيثن عن حليف اكثر موثوقية فوجدوا ضالتهم في موسكو وبكين, وعلى غيرما تمليه الحكمة العربية بالتريث, اندفع العرب بكل ثقلهم وفي وسط النهار ووضعوا بيضهم في سلة تكتل بريكس ليصبحوا ضلعاً رئيسياً فيه وهم يدركون جيداً انه يدعو علناً الى رسم مشهد عالمي جديد متوازن ومتعدد الاضلاع والأطر والاتجاهات, والمنافسة فيه متاحة للجميع وغير مقتصرة على زعامات بعينها, ومن يجتهد يحصد ثمرة اجتهاده, بخلاف اليات مه معمول به في النظام القائم, اذا اجتهدت وبذلت قصارى جهدك فالمستفيد الاكبر من يتربع بالقوة على عرش النظام, وقد يمن عليك انك حظيت بشرف خدمته.. ولله في خلقه شؤون..!
لحسن الحظ أن كل المتغيرات الدولية تشير إلى أن هذا الكابوس في طريقه إلى الزوال وبلا رجعة إن شاء الله.
غداة فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2007 خلفاً للرئيس جاك شيراك قام نيكولاي ساركوزي الرئيس الفرنسي الأسبق بزيارة إلى روسيا, وفي لقاء مغلق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبيل خروجهما لمؤتمر صحفي مشترك تعرض ساركوزي لموقف لم ولن يتعرض لمثله في حياته، فقد سمع من الرئيس بوتين كلاماً أفقده توازنه وجعله يبدو في المؤتمر الصحفي كالثمل الذي أفرط في الشراب على حد وصف الصحفي الفرنسي "نيكولا حنين – Nicolas Henin" الذي كان من بين أعضاء الوفد الصحفي الذي رافق ساركوزي في هذه الزيارة والذي ذكر تفاصيل هذه الحادثة في كتابه "فرنسا الروسية...التحقيق في شبكات بوتين – Le France Russe ".
ويضيف الصحفي الفرنسي إن ما لا يعلمه الصحفيون هو أن بوتين لا يشرب الخمر ولا يقدمها لضيوفه إلا نادراً جداً، ولكن ظهور ساركوزي بخطوات ثقيلة غير متوازنة وبابتسامة صفراء مصطنعة ويتحدث بتلكؤ للصحفيين دفعتهم للاعتقاد بأنه أفرط في الشرب خلال اجتماعه مع بوتين, ولم يخطر ببالهم ان الرجل تعرض لصدمة بوتينية من العيار الثقيل كانت كفيلة لتفقده عقله وتوازنه بدون الحاجة لأي شراب.
وفي تفاصيل هذا الحدث المفصلي في تاريخ العلاقات الروسية الفرنسية, كان الرئيس ساركوزي قد بدأ موجهاً حديثه لبوتين بطريقة مباشرة وجريئة وتنقصها الدبلوماسية قائلاً بلهجة يغلفها اعتداد بالنفس "ما تقوم به روسيا في الشيشان – حرب الشيشان الثانية - بالنسبة لفرنسا غير مقبول أبداً", فابتلعها بوتين ولم يظهر عليه اي رد فعل, ومعروف عن بوتين كونه رجل استخبارات محترف (كي جي بي), تحكمه تماماً بإنفعالاته وقدرته الفائقة على رسم اي مظاهر او انفعالات على وجهه يرغب هو في اظهارها حسب ما يقتضيه الموقف, وهذا ما شجع ساركوزي على الاسترسال بنفس اللهجة في مجال حقوق الانسان مما اثار حفيظة الرئيس الروسي ولكنه اثر التحلي بالحكمة وامسك نفسه على مضض من باب اللياقة ومقتضيات الضيافة, وترك ساركوزي يحاضر على راحته الى الى ان وجه الاخير حديثه لبوتين معاتباً بلهجة تنقصها اللباقة "كما اود ان اسجل أن اغتيال الصحفية آنا بوليتكوفسكايا غير مقبول فرنسياً ايضاً",(بوليتكوفسكايا كاتبة صحفية روسية وناشطة في مجال حقوق الانسان وكانت معارضة للحرب الشيشانية الثانية وللرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي وجهت اليه اتهامات بإغتيالها),عندها قاطعه بوتين بلهجة حادة خالية من الدبلوماسية قائلاً: "هل انتهيت..؟", فأومأ ساركوزي (متفاجئاً من الانقلاب في هيئة بوتين ولهجته) برأسه بالايجاب رغم انه لم ينتهي من حديثه, فرد الاخير, حسنا, اسمع يا سيد ساركوزي بلدك بهذا الحجم (رافعاً يده اليسرى مشكلاً حلقه صغيرة من اصبعيه الابهام والسبابة) في حين بلادي روسيا بهذا الحجم (فاتحاً ذراعيه على وسعهما), فاسقط في يد ساركوزي وادرك انه ربما قد تجاوز حدوده, فتغير لون وجهه, فأدرك بوتين بحسه الاستخباري ان ضيفه يبحث عن مخرج, فتابع موجهاً كلامه الى ساركوزي, "الان امامك خياران, الاول ان تتابع تعاطيك معنا بالاسلوب الذي بدأت به للتو وعندها سنسحقك, والثاني ان تغيرهذا الاسلوب, وعندها رغم انك توليت منصبك للتو نستطيع ان نجعلك ملكاً على اوروبا".
بعد هذه الحادثة التي أحدثت حينها زلزالاً في أروقة السياسة والاعلام في العالم, واعتبرها الكثيرون نقطة تحول مفصلية في تاريخ فرنسا وفرصة تاريخية أمامها لتتزعم أوروبا إلى الأبد كما وعد بوتين, ولكن ساركوزي سارع الى الارتماء في احضان واشنطن مقدما فروض الولاء والطاعة للبيت الابيض عبر عودة فرنسا الى عباءة الناتو بعد ان كانت خارجه منذ عام 1966.
تذكرت هذه الحادثة الطريفة عند إعلان فرنسا أخيراً سحب سفيرها وقواتها من النيجر بعد حوالي شهرين من الانقلاب الذي اطاح بنظام رجلها الأهم في افريقيا محمد بازوم, رضوخ فرنسا للامر الواقع الذي فرضه الجنرال عبد الرحمن تياني زعيم الانقلاب جاء بعد فشل كل محاولاتها المستميتة للتشبث بالمناجم التي كانت طيلة اكثر من اربعة عقود تمد المفاعلات النووية الفرنسية الستة والخمسين بحوالي 3 ارباع احتياجاتها من اليورانيوم الرخيص, وذلك لاغراض عسكرية واغراض مدنية وعلمية بالاضافة الى انتاج كميات هائلة من الكهرباء توظفها باريس لتشغيل كافة منشآتها مرافقها الصناعية والسياحية والتجارية وغيرها, وكذلك في انارة كل زاوية في المدن والقرى الفرنسية, ومن ثم تصدر الكهرباء الفائضة للدول المجاورة مقابل مبالغ ضخمة سنوياً قدرتها بعض المصادر العام الماضي 2022 بحوالي 12 مليار دولار مما وضع باريس في صدارة مصدري الطاقة غرب أوروبا.
وفي تقدير الكثيرون أن ذلك كان بداية تراجع دور فرنسا أوروبياً وعالمياً, شأنها شأن من يتغطى بالعباءة الامريكية, ففي العام التالي للزيارة التاريخية المشار اليها بدأت الازمات تنهال على رأس فرنسا, فشنت روسيا حرب مدمرة على جورجيا, تلا ذلك انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي لتتوج المانيا على عرش اوروبا اقتصادياً فكانت فرنسا اكبر المتضررين من كل هذه التطورات, ثم قضمت روسيا جزيرة القرم من اوكرانيا 2014 ولم يحرك الغرب ساكناً, ثم في فبراير العام الماضي وقضموا هذه المرة حوالي ربع مساحة اوكرانيا وتزامن ذلك مع لعبها "كش ملك" مع فرنسا على رقعة افريقية سمراء تعج بالموارد الطبيعية كانت تعتبرها باريس حديقتها الخلفية طيلة قرن من الزمان تقريباً, فترنحت البيادق الفرنسية وبدأت تتساقط شيئاً فشيئاً وببطء شديد ومازالت....!!
المفاجاة أن باريس تفاجأت من رد فعل حليفتها واشنطن في حلف الناتو والتي اكتفت بالجلوس على مقاعد المتفرجين, وتركتها وحيدة تواجه قامات وهامات سوداء صارمة اقتلعتها من أهم أركان القارة التي كانت تعتبرها كنزاً حصرياً تغرف منه بغير حساب, مما تسبب وسيتسبب لفرنسا بازمات اقتصادية ليس لها آخر.
تجدر الاشارة إلى أن الرئيس الفرنسي ماكرون حاول عام 2019 البحث عن مخرج من تحت العباءة الامريكية التي تلف حلف الناتو اثر هجوم الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب على حلف الناتو ووصفه بانه عالة على الولايات المتحدة التي تدفع اكبر نسبة في ميزانيته رغم انها ليست بحاجة له, وان على من يحتاجون للناتو ان يتحملوا النسبة الاكبر في ميزانيته, فصرح حينها ماكرون ان حلف الناتو قد مات وهو حالياً في غرقة الانعاش.
بعد وصول جو بادين الذي يؤمن بقوة بأهمية الناتو للبيت الابيض عمد الى فرك اذن الرئيس ماكرون فقام بالغاء صفقة عسكرية بين فرنسا واستراليا بمليارات الدولارات وقام بالتزامن مع ذلك بالاعلان عن تأسيس حلف للدول الناطقة بالانجليزية في شرق الميحط الهادي مكون من الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا يسمى حلف اوكوس, فغضبت فرنسا وتوجت شرقاً وحج رئيسها ماكرون الى الصين ليبايعها قطباً عالمياً جديداً, وهذا ما اثار غضب واشنطن أكثر واكثر, فوجدت في ما جرى لباريس على يد فاغنر الروسية في افريقيا عقاباً تستحقه, وهذا ما يفسر الصمت الامريكي عن انقلابات افريقيا الاخيرة, بل تعاطي واشنطن مع انقلاب النيجر وغيره يوحي بأنها تباركه وتدعو العالم الى قبول الامر الواقع بخلاف موقف باريس الخاسر الاكبر في هذا المشهد السريالي الاسود.
آخر الكلام:
لعل باريس وغيرها يتعظون من هذا الدرس القاسي الذي يبرهن للمرة المليون ان من يتغطى بامريكا عريان كما اثبتت التجارب, فقد تركت من كانوا يتعبرونها حليفاً لشأنهم ليواجهوا مصيرهم لوحدهم في الوقت الذي كانوا فيه في امس الحاجة لوقوفها الى جانبهم, وخصوصاً في عالمنا العربي, فبدأ هؤلاء بعد ان ادارت واشنطن لهم ظهرها يتجهون شرقاً باحيثن عن حليف اكثر موثوقية فوجدوا ضالتهم في موسكو وبكين, وعلى غيرما تمليه الحكمة العربية بالتريث, اندفع العرب بكل ثقلهم وفي وسط النهار ووضعوا بيضهم في سلة تكتل بريكس ليصبحوا ضلعاً رئيسياً فيه وهم يدركون جيداً انه يدعو علناً الى رسم مشهد عالمي جديد متوازن ومتعدد الاضلاع والأطر والاتجاهات, والمنافسة فيه متاحة للجميع وغير مقتصرة على زعامات بعينها, ومن يجتهد يحصد ثمرة اجتهاده, بخلاف اليات مه معمول به في النظام القائم, اذا اجتهدت وبذلت قصارى جهدك فالمستفيد الاكبر من يتربع بالقوة على عرش النظام, وقد يمن عليك انك حظيت بشرف خدمته.. ولله في خلقه شؤون..!
لحسن الحظ أن كل المتغيرات الدولية تشير إلى أن هذا الكابوس في طريقه إلى الزوال وبلا رجعة إن شاء الله.