بقلم: المهندس سامر محمد نسيبة
ازداد النقاش في الأسابيع الماضية حول امكانية المشاركة العربية في انتخابات بلدية القدس، وهو أمر يحدث مع اقتراب كل دورة جديدة للانتخابات الاسرائيلية، الا ان وجود مرشح عربي لمنصب رئيس البلدية اعطى بعدا اضافيا للجدل القائم مع ارتفاع بعض الاصوات الفلسطينية القليلة التي تطالب بكسر" التابو " الذي عبر عنه المقدسيون بمقاطعة هذه الانتخابات منذ احتلال القدس . ولكن برأيي فان المعطيات والأسباب التى ادت الى المقاطعة العربية للانتخابات منذ عام ١٩٦٧ لم تتغير بل ازدادت سوءً، ولذلك من حيث المبدأ يجب ان يبقى موقفنا الوطني تجاه هذه المسالة المبدئية كما كان في السنوات السابقة . و اي تغير في هذا الموقف الوطني سيلحق ضررا كبيرا بالقضية الفلسطينية عامة وقضية القدس خاصة . فمن الواضح ان ضرر وسلبيات المشاركة في الانتخابات هو اكبر بكثير من اية فائدة يمكن ان تجلبها تلك المشاركة ، و في ظل هذه الظروف التي تعيشها القضية الفلسطينية و القدس، تشكل طعنة قي الظهر، وتمس بشكل مباشر معركتنا الهادفة لانهاء الاحتلال.
هناك بعض المحاور التي يحاول عرابي المشاركة التطرق لها للترويج لفكرة المشاركة في الانتخابات والتواجد في المجلس البلدي . احدى تلك المحاور هي تحصيل خدمات بلدية افضل من الان . و هنا يجب علينا التوضيح ان هناك طرق أخرى يمكن اتباعها لتحصيل هذه الحقوق دون دفع هذا الثمن السياسي الباهظ اي المشاركة في الانتخابات ، ولنا في تجربة اعتصام أهالي المكبر أمام البلدية خلال هذا العام افضل مثال على ذلك ، حيث استطاع المعتصمون تاجيل و الغاء العديد من القرارت من خلال هذا الضغط الشعبي . إضافة إلى وسائل أخرى يمكن استخدامها مثل الضغط القانوني عبر اغراق المحاكم بالقضايا و رفع اكبر عدد ممكن منها ضد البلدية بشكل فردي و جماعي للحصول على خدمات افضل و لتعطيل القرارت المعادية و لاستنزاف جهازي البلدية الاداري و القانوني . و كذلك ممكن العمل بشكل مدروس و مكثف اعلاما و مناصرة لفضح سياسة البلدية أمام المجتمع الدولي والسلك الدبلوماسي والرأي العام الدولي . فمن خلال هذه الخطوات الثلاث وخطوات اخرى نستطيع ان نحصل و لو على جزء من حقوقنا الخدماتية دون اي تنازل يمس حقوقنا التاريخية والسياسية كما سيكون الحال اذا شاركنا في هذه الانتخابات.
لأن الخوض في هذه الانتخابات والمشاركة فيها هو بمثابة اعطاء شرعية للبلدية دون أن يكون هناك أي عائد يذكر. فاليوم أصبح الجانب الاسرائيلي يروج وبكثافة لمبادرة المحامي وليد ابو تايه للترشح في الانتخابات عبر وسائل الإعلام الدولية وأمام السلك الدبلوماسي الدولي ، محاولا الادعاء ان مبادرة ابو تايه هي خير دليل على ديموقراطية مؤسساته و زيف ادعاءاتنا، بأن هذه الدولة تمارس التمييز العنصري ضد ابناء القدس.
أما المحور الاخر الذي يروج له عرابو المشاركة، فهو الادعاء ان تلك المشاركة في المجلس البلدي ستحمي الحق الفلسطيني من قرارات البلدية المعادية! وعلينا هنا أن نوضح أن العديد من الدراسات الفلسطينية قد أثبتت ان آلية اتخاذ القرارات الإسرائيلية الهامة التي تخص القدس تقرر من خلال حكومة الاحتلال ووزاراته المختلفة مثل وزارة القدس ووزارة الإسكان ، فيما البلدية هي مجرد أداة تنفيذية لهذه القرارات والسياسات ، وبالتالي فالتواجد في المجلس البلدي لا يؤثر باي قرارات مصيرية تخص القدس لان ذلك خارج الصلاحيات البلدية و لو بدا الأمر غير ذلك . بل ان حتى القرارات التي تقع في صلب صلاحيات البلدية تكون معتمدة اساسا على قرار أغلبية المجلس ولجانه ، و لن يكون للوجود العربي في حال تواجده اي تأثير لانه سيشكل اقلية رمزية غير مؤثرة وسيتم التصويت في هذه الحالة على قرارات احتلالية عدوانية كالهدم وغيرها من السياسات بأغلبية صهيونية وشرعية عربية !
وتجربة اعضاء الكنيست العرب في الداخل خير دليل ، فهي لم تستطع ان توقف اي قانون عنصري ذا بعد سياسي وفي نفس الوقت أظهرت الكنيست امام العالم كمنبر للكلمة الحرة وواحة للديمقراطية الإسرائيلية و هو أبعد ما يكون عن ذلك.
وحتى لو افترضنا جدلا أن هناك ستكون أغلبية عربية في المجلس البلدي وهذا امر مستحيل، فعندها سيتم سحب أية صلاحية للبلدية ذات بعد سيادي مؤثر ونقل تلك الصلاحيات إلى الحكومة الإسرائيلية ووزاراتها المختلفة.
أضف الى ذلك انه فيما يخص قضايا هدم المنازل فإن قوانين البناء لا تقررها البلدية او مجلسها المحلي او رئيس البلدية و كذلك انظمة و قوانين المخالفات و الهدم.حيث ما يحكم هذا الامر هو ما يسمى " قانون التخطيط و البناء لعام 1965” الصادر عن الكنيست و تشمل صيغة هذا القانون المخالفات و حالات الهدم . و لا يمكن تغير بنود القانون الا من خلال الكنيست. و لذلك لن يؤثر الحضور العربي و الصوت العربي في البلدية في منع هدم بيوتنا و ابنيتنا. و حتى تعديل و تغير التنظم الهيكلي للاحياء العربية من اجل تحسين نسبة و زيادة البناء فلا يمكن ان يتم الا عبر ما يسمى اللجنة اللوائية التابعة لحكومة الاحتلال و لا صلاحية للبلدية في هذا الأمر.
وهناك خطورة اضافية فيما يخص المشاركة في الانتخابات و هي ذات أبعاد تمس القانون الدولي و التفسير القانوني لحق تقرير المصير خصوصا اذا كانت هناك مشاركة فلسطينية واسعة . حيث انه في هذه الحالة تعتبر المشاركة الجماهيرية العربية تعبيرا عن حقنا في تقرير المصير والذي سوف يفسر بأن قرارنا فيه هو القبول بالاحتلال ومؤسساته.
كما من الضروري ان يدرك كل من يريد ان يدخل المعترك السياسي و العام في القدس أن العمل في عاصمتنا يجب أن يكون جزء من الاستراتيجية الوطنية الشاملة ولا يجوز أن تنسلخ القدس باي شكل عن باقي اجزاء القضية الفلسطينية واي خطوة او مبادرة يجب أن تكون لتعزيز الاستراتيجية و الموقف الفلسطيني تجاه القدس، لا ان تكون انسلاخا او انفلاشا عن المنظومة الفلسطينية، وبالتالي تشكل طعنة من الخلف حتى وان صدقت النوايا. فكيف يمكن ان نطالب بأن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية عبر المفاوضات او في المحافل الدولية اذا كان سكانها مشاركين ومشرعنين لمؤسسات الاحتلال و معبرين بذلك عن تقرير مصيرهم !
واخيرا وليس اخرا، علينا ان ندرك ان بلدية القدس هي ليست مؤسسة خدماتية محايدة بل هي اداة تستخدمها الحكومة الاسرائيلية و اجهزة و اذرع الدولة لتفيذ سياسات الاسرلة و بالاخص القضايا التي تخص القدس الشرقية ، و لكن في حال المشاركة، سيكون هذا التنفيذ بشرعية عربية هذه المرة !
من اجل ذلك فاني ادعو من ينوي المشاركة في انتخابات البلدية بالترشح او الاقتراع التراجع الفوري عن ذلك ، لخطورة هذه الخطوة في بعديها السياسي و القانوني الدولي، فهي خطوة لن تخدم الا جهة واحدة و هي الاحتلال . و لكن وفي نفس الوقت علينا نحن الخروج بتصور و استراتيجية جديدتين خارج الاطار التقليدي و يشمل ذلك تحديد اهدافنا الوطنية في القدس سوءًا القريبة او المتوسطة او بعيدة المدى و الخطوات و الادوات الجديدة التي عيلنا الاستعانة بها من اجل نيل حقوقنا الوطنية والوصول الى اهدافنا.