الربيع الإفريقي
تاريخ النشر : 2023-09-20
الربيع الإفريقي


هدير الضمير

الربيع الإفريقي!

بقلم: ياسين عبد الله السعدي

تسابق الاستعمار الغربي إلى الدول التي لم تكن قد التحقت بالتطور الحضاري الذي وصلت إليه الدول الغربية التي نمت وازدهرت بعد الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر وحاجتها إلى المواد الخام اللازمة إلى الإنتاج والحاجة إلى الأسواق الاستهلاكية التي تتلهف للحصول على ما يتم إنتاجه من الأدوات التي تلزم لاستخدامها في الزراعة التي تعتمد عليها الشعوب التي لم تلحق بركب الحضارة، كما قلنا.

من هنا بدأ تسابق الدول الصناعية إلى الأسواق العالمية التي تضم المواد الخام الضرورية للتصنيع وتطوير الصناعة لتلبية احتياجات السوق المتلهفة إلى الأدوات التي تساعد الانسان في تسيير حياته وتسهيلها في الزراعة وفي مجال الرعي من توفير ما يلزم المواشي من أعلاف وأدوية ومراع للمواشي التي ازدادت أعدادها فتتم تربيتها في الزرائب كالأبقار والأغنام وكذلك مزارع الطيور كالدجاج بنوعيه: اللاحم والبياض وغيرها من الكائنات التي تتم تربيتها لسد حاجة المجتمع الغذائية.

وزادت حاجة المجتمعات الاستهلاكية من المصنوعات والابتكارات التي يحتاجها الانسان في حياته اليومية من لوازم الحياة التي منحت المجتمعات رفاهية مما تقدمه المصانع من سيارات وطائرات وسفن والأدوات المنزلية وما تقدمه من أدوات الحرب وما تحتاجه من مواد الوقود سواء البترول ومشتقاته او الفحم وأخيرا المواد الخام التي صارت تحتاجها الدول الصناعية في الصناعات الالكترونية ووقود المفاعلات النووية الحربية او السلمية لإنتاج الكهرباء.

ولذلك وقعت الدول التي تضم المواد الخام التي تحتاجها الصناعة تحت الحكم الغربي الاستعماري الذي تمثل بالدول الصناعية جميعها وفرضت سيطرتها على الدول التي تملك المواد الخام الضرورية بالاحتلال المباشر او ما سمي تلطفا بالمعاهدات واتفاقيات الشركات العملاقة بحجة التنقيب عن المواد الخام كالبترول واليورانيوم والمعادن النفيسة.

عاشت الدول الغنية بالمواد الخام حياة الفقر والبؤس بالرغم من امتلاكها للثروات الطبيعية لأن الشركات العملاقة والدول المستغلة أحكمت قبضتها على السلطة بتعيين رؤساء من تلك الدول يدينون بالولاء لمن جاء بهم على رأس السلطة وكيلا لمن وضعه في قيادة بلده باسم الديموقراطية نتيجة انتخابات مزورة وشكلية.

كنت قد أشرت إلى هذه الظاهرة في وقت مبكر قبل تسعة وعشرين سنة بالضبط في مقال نشرته في جريدة القدس يوم الخميس بتاريخ 1881994م؛ صفحة 20 بتوقيع الاسم المستعار في حينه: واصف الشيباني بعنوان: (البلاء من الوكلاء) منه هذه الفقرة: (ولا يخفى أن هؤلاء الوكلاء يتفننون في ابتكار الوسائل لنهب الثروات والسيطرة على المقدرات وخنق الحريات العامة. وهم كذلك ينفذون برنامجا رهيباً من أجل تدمير الحياة الاجتماعية، وقتل الروح المعنوية وزرع الشقاقات وافتعالها. والذين حكموا ويحكمون باسم الاستقلال هم في حقيقتهم وكلاء الاستعمار؛ سواء منه القديم، بقيادة فرنسا وبريطانيا وغيرهما، أو الجديد بزعامة أميركا، هؤلاء الوكلاء يسدون على الشعوب المبتلاة بالاستعمار أفق الفضاء).
 
ابراهيم تراوري رمز الربيع الإفريقي
قال الرئيس الانتقالي لبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال الجلسة العامة للمنتدى الروسي- الإفريقي، التي أقيمت في مدينة سان بطرسبورغ يوم السبت 2972023م بمشاركة العديد من القادة الأفارقة: (إننا نواجه ممارسات استعمارية جديدة، علمونا أن من لا يستطيع أن يناضل من أجل مستقبله لا يستحق مستقبله. تعودنا على النضال من أجل أوطاننا). 

ودعا قادة الدول الإفريقية إلى ألا يكونوا دمية في أيدي الإمبرياليين والمستعمرين. تراوري الذي يعتبر أصغر رئيس إفريقي هو القائد الذي قاد مسيرة التحدي والتحرر من الحقبة الاستعمارية الاستغلالية التي هيمنت على القارة الإفريقية لعقود بل قرون من الزمان وهي تنهب الخيرات وتستخدم الإنسان الإفريقي نفسه في استخراجها لجني ثمارها.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال في الجلسة عينها: (إن سبب الوضع غير المستقر في العديد من مناطق إفريقيا، يعود إلى إرث الحقبة الاستعمارية) لكن كل محاولة تحررية تواجه التحديات والدسائس والمؤمرات، فهل يكون مصير (الربيع الإفريقي) كمصير (الربيع العربي)؟

الظروف تغيرت كثيرا وظهرت قوى منافسة لن تسمح بذلك.