هل سيغيِّر الممر الاقتصادي الجديد بين الهند وأوروبا قواعد اللعبة في المنطقة؟!
تاريخ النشر : 2023-09-17
هل سيغيِّر الممر الاقتصادي الجديد بين الهند وأوروبا قواعد اللعبة في المنطقة؟!


هل سيغيِّر الممر الاقتصادي الجديد بين الهند وأوروبا قواعد اللعبة في المنطقة؟!

(تقدير موقف | قراءة في المشهد االسيواستراتيجي للمنطقة)

بقلم الباحث والمحلل السياسي: د. صلاح أبو غالي

تتغيَّر السياسات الدولية بين عشيَّة وضحاها، وتبرز مشاريع اقتصادية وتموت وتضمحل أخرى، وتبقى السيادة الدولية للقطب الأمريكي الأوحد في مواجهة الأقطاب الناشئة وبالتوازي تارة والتَّصادم تارة أخرى عبر مسارات سياسية مختلفة ومرهونة بتقاطعات المصالح، مما يربك مجمل السياسات والاستراتيجيات الطموحة في العالم والمنطقة، وهو ما سيترتب عليه مآلات خطيرة نقرأها في سيناريو هذا المشهد كما يلي:

الطموحات الكامنة في المشروع:
وفقاً لمجريات ومسارات العمل بهذا المشروع، فإنه وباستخدام الاقتصادات المتقدمة في الشرق الأوسط سيتم نقل المنتجات والسلع من جنوب شرق آسيا من فيتنام عبر الهند، وكل الهند عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا الأمر الذي سيجعل عملية الشحن أسرع وأكثر أماناً من الماضي، بل هو أسهل وأكثر كفاءة من حيث التكلفة، وأقل تلويثاً للبيئة.

هكذا باتت تسير الأمور، حيث وبعد دراسات مستفيضة أثبتت أن النقل يستغرق وقتًا أقل مقارنة بالنقل على متن سفينة تعبر المحيط الهندي ومنه إلى البحر الأحمر ثم تمر عبر قناة السويس بمصر ثم منها تعبر إلى البحر المتوسط باتجاه أوروبا.
 
لذلك، أصبح الآن إمكانية أن تسافر على متن سفينة من الهند إلى الإمارات العربية المتحدة، ثم تسافر عبر السكك الحديدية الممتدة عبر الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل ، ثم تشحن بحراً إلى أوروبا" وهو ما سيوفِّر الكثير من الوقت والجهد والمال.

المخاطر الكامنة والمترتِّبة على المشروع:

أولاً: يضم هذا الاتفاق عدَّة دول، ويشتمل على مشروعات للسكك الحديدية الممتدة عبر جغرافيا دول هذه الاتفاقية، وكذلك ربط الموانئ البحرية لتلك الدول، بما يخدم آلية عمل هذا المشروع الطموح، هذا إلى جانب إنشاء وتطوير خطوط لنقل الكهرباء والهيدروجين، وكابلات نقل البيانات عبر مسارات خاصة بين تلك الدول المتضمَّنة في الاتفاقية..

ثانياً: تم الشروع بالفعل بالتوقيع على الاتفاق المبدئي الخاص بالمشروع في نيودلهي ، بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والأردن و"إسرائيل" التي تضع كيانها كلاعب جديد في الاقتصاد الدولي بين الكبار.

ثالثاً: النتائج المتوقعة لمشروع الممر الاقتصادي، وفق ما صرَّح به مسؤولون أمريكيُّون بأن هذا المشروع سيغيِّر قواعد اللعبة في المنطقة، ولهذا السبب فهو يجمع قادة الهند والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة واليابان وأوروبا ولأول مرة إسرائيل ، في بوتقة اقتصادية واحدة، وتخدم السياسات والمصالح الأمريكية الاستراتيجية في المنطقة والعالم.

رابعاً: مخطَّط ربط آسيا وأوروبا، لم يكن وليد اللحظة، بل كان موضوعاً على طاولة الخبراء الاستراتيجيين في أمريكا منذ عقود، وتم تمريره بصمت من خلال اتفاقيات سرية بين دول المشروع.
 
خامسا: تعديل جذري في المسارات والممرَّات الاقتصادية القديمة، الأمر الذي سيؤثِّر بشكل سلبي وكبير على اقتصادات هذه الدول وعلى رأسها مصر ، وسيؤثر على مكانتها الدولية والإقليمية، بل سيعمل على غيابها من المشهد بلا عودة.

الخاتمـــة:
بالطبع ووفق الرؤية الأمريكية ونتائج الدراسات المتعلقة بهذا المشروع، "سيتم التقليل من حرق وقود الديزل وبالتالي التقليل من الملوِّثات البحرية ، وتُعطى الأولوية للسكك الحديدية، وهذا هو تغيير قواعد اللعبة في حد ذاته من وجهة نظر الخبراء، وهو ما سيوفر قدرًا هائلاً من الوقت والجهد والمال، وسيكون قادرًا على جعل التجارة العالمية أكثر كفاءة، خاصة أن ذلك سيمكِّن من الاستفادة من توفير كابلات البيانات والألياف الضوئية والاستفادة مما كان الشرق الأوسط جيدًا فيه خلال المائة عام الماضية وهو تزويد الاقتصاد العالمي بالطاقة".

ولكن!! في الحقيقة هناك ما يشوب المشهد السياسي والاستراتيجي وفق هذا المخطَّط المسموم، حيث أن قناة السويس وممرها الدولي القديم تصبح في مهب الريح، وعليه ستدخل مصر في أزمة اقتصادية كبرى، نتاج ضياع العائدات الكبيرة من قناة السويس كممر دولي وحيد يربط العالم، الأمر الذي سيلحق الأذى السياسي والاستراتيجي بمكانة مصر كدولة عربية كبرى ذات تأثير في سياسات المنطقة، وسيعمل على غياب دورها الدولي والإقليمي لصالح فريق آخر يتمثَّل في السعودية والإمارات التي لعبت على سحب هذا الدور عنوةً من مصر، وما ذلك إلا نتاج عملية التطبيع التي بدأت بها الإمارات مع دولة الكيان الصهيوني وستلحق بها السعودية قريباً.

ويبقى السؤال مشرعاً:
كيف ستتحرَّك مصر سياسياً لمواجهة هذا المخطَّط ، وما هي البدائل الاقتصادية التي ستستعيض بها عن عائدات قناة السويس، وما هي السيناريوهات التي ستغير بها مصر وجه الواقع الإقليمي والدولي حفاظاً على مكانتها السيواستراتيجية؟!