بريكس بلس.. العرب في عالم ما بعد الناتو ومجموعة السبع
بقلم: د. سمير الددا
أُسدل الستار الخميس 24 اغسطس الجاري في جوهانسبرغ بجنوب افريقيا على اجتماعات القمة الـ 15 لمجموعة دول "بريكس"، تحت عنوان "بريكس وأفريقيا, شراكة من أجل النمو المتسارع والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة بشكل متبادل", والتي قد تكون من أهم القمم الدولية (ان لم تكن الاهم) على مستقبل البشرية في العقود الثلاثة الماضية, اذ ان تكتل دول بريكس يعتبر منطعف هام جداً ومفصلي في تاريخ العالم الحديث, بل يرى معظم خبراء الاستراتيجية الدولية ان هذا التكتل هو المبادرة العالمية الاهم (غير الغربية) بعد الحرب الباردة.
على اثر قرارها التاريخي بمنح العضوية لست دول جديدة (السعودية, مصر, الامارات, ايران, الارجنتين واثيوبيا) من بين اكثر من اربعين دولة ابدت رغبتها في الانضمام, اعلنت قمة جوهانسبرغ ان مطلع العام المقبل 2024 سيشهد العالم ميلاد تكتل جديد (بريكس بلس – BRICS PLUS) العملاق جغرافيا, ديمغرافياً, اقتصادياً, سياسياً وعسكرياً, فالدول الاعضاء في هذا التكتل الجديد اصبحت تتمدد على ما يقارب 45% من مساحة اليابسة في القارات الاربعة الرئيسية (اسيا, افريقيا, اوروبا وامريكا الشمالية) ويسكنها اكثر من 50% من البشر, وتساهم بما يقارب 36 تريليون دولار اي اكثر من 35% من الناتج المحلي العالمي المقدر بحوالي 94 تريليون دولار, وتضم دولتين دائمتا العضوية وتتمتعان بحق الفيتو في مجلس الامن التابع للامم المتحدة, كما تضم 3 دول نووية والرابعة على الطريق, وايضاً تضم 5 من بين أغنى 10 في العالم تملك ثروات طبيعية مما يؤهلها لانتاج اكثر من 50% من طاقة العالم, (روسيا الأغنى عالمياً بثروات طبيعية تقدر بحوالي 75 تريليون دولار, السعودية 35 تريليون دولار, ايران 28 تريليون دولار, الصين 23 تريليون دولار والبرازيل 22 تريليون), كذلك أصبح اليوم في بريكس بلس 7 دول اعضاء في مجموعة العشرين G20 (الدول التي تملك أكبر 20 اقتصاد في العالم).
وفي ضوء ادائها الاقتصادي في السنوات الخمسة الماضية فانه من المتوقع ان تتجاوز نسبة مساهمات دول بريكس بلس الإجمالية 55% من إجمالي النمو الاقتصادي العالمي في عام 2023, كما يتوقع ان تستحوذ دول بريكس بلس على 35% من إجمالي التجارة العالمية واسواقها تشكل حوالي 60% من حجم السوق العالمي ويتجاوز دخلها القومي الاجمالي 40% من الدخل القومي العالمي, بالاضافة عن تحكمها في اكثر %50 من الاحتياطي العالمي من العملات الاجنبية والذهب,
هذا الى جانب ثقل دول البريكس بلس الجيوستراتيجي الضخم والذي ازداد قوة بانضمام الاعضاء الستة الجدد, الصين وروسيا من اقوى دول العالم اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً, وتقودان العالم بقوة وثقة نحو نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب ليكون اكثر انصافاً وعدلاً لباقي دول العالم بخلاف النظام القائم الاحادي القطب الذي تعتبره واشنطن مجرد أداة تمتلكها تلجأ اليها وقت الحاجة لبسط سيطرتها وتسلطها على شعوب العالم ونهب ثرواتهم ومقدراتهم ودفعهم الى شراء منتجاتها باعتبارهم سوق لتصريف الراكد من سلعها (وخصوصاً الاسلحة) وبالاسعار التي تفرضها.
· الصين تملك اقتصاداً ضخماً يرجح ان يكون الاكبر في العالم في السنوات القليلة المقبلة ويفوق حجمه اليوم مجموع اقتصادات دول مجموعة السبع الكبار مجتمعة باستثناء الولايات المتحدة, والصين لديها اليوم قاعدة صناعية في العالم بلا منازع ولديها اكبر سوق عالمي, وهي كذلك اكبر دول العالم انتاجاً للثروات الطبيعية وخصوصاً العناصر الصناعية النادرة بأكثر من 90% من انتاج العالم من هذه العناصر الضرورية لصناعة اشباه الموصلات عصب التطور التكنولوجي التي يشهده العالم حالياً.
· روسيا اكبر قوة نووية وعسكرية في العالم واكبر منتج للغاز الطبيعي والنفط واكبر مصدر للكثير من المواد واهمها القمح والذرة وزيت الصويا.
· الهند اكبر دول اسيا نمواً وهي دولة متقدمة جداً في مجال التكنولوجيا اكبر مصدر للارز في العالم ولديها اكبر مخزون بشري.
· البرازيل اكبر وأهم دولة في قارة امريكا اللاتينية جغرافياً وديمغرافياً واقتصادياً.
· جنوب افريقيا فهي ايضاً اهم دولة في قارة افريقيا اقتصادياً وتكنولوجياً وسياسياً وعسكريا.
· ايران, دولة اقليمية مهمة, من اهم دول المنطقة انتاجاً للنفط والغاز, ولها تاثير اقليمي واضح, ولها حضور دولي بارز وهي على اعتاب النادي النووي وفقاً لبعض التقارير.
· مصر لها تاريخ وماضي حضاري عريق, ولها ثقل عربي كبير, فهي الاكبر ديمغرافيا, والاقوى عسكرياً في المنطقة ولديها احد اهم الممرات المائية في العالم ولها موقع استراتيجي مهم, وتختضن الجامعة العربية التي تضم 20 دولة عربية.
· الامارات من اغنى دول المنطقة ومن اكثرها انتاجاً للنفط والغاز, ولها حضور دولي واقليمي ملحوظ.
· الارجنتين ثاني دولة في امريكا اللاتينية من حيث الاهمية ومن اكبر دول العالم تصديراً اللحوم والحبوب.
· اثيوبيا دولة افريقية كبيرة وقوية ولها تاثير افريقي مهم على الساحل الغربي للبحر الاحمر وتحتض مقر منظمة الاتحاد الافريقي الذي يضم 55 دولة افريقية.
· السعودية لها ثقل استراتيجي ضخم, فهي اكبر دول العالم تصديراً للنفط وتملك اكبر احتياط نفطي في العالم, ولديها كميات هائلة من الغاز الطبيعي واليورانيوم والذهب وغيرها من الثروات واقتصادها هو الاكبر في الشرق الاوسط, وهي اكبر واهم دولة في شبه الجزيرة العربية بل هي اليوم محور العالم العربي, وتتصدر المشهد العربي والخليجي بلا منازع, ولها حضور دولي واقليمي وازن ومؤثر, وهي اليوم مقصد كبار الساسة في العالم, وعنوان موثوق وذو مصداقية عالية للتوسط في حل النزاعات الاقليمية والدولية, وقبلة اكثر من 2 مليار مسلم, بالاضافة الى ما سبق وربما اهم, ان السعودية هي التي لعبت الدور الحاسم في ترسيخ مكانة الدولار الامريكي كعملة التبادل التجاري عالمياً عندما اعلن الرئيس الامريكي الاسبق ريتشارد نيكسون مطلع السبعينات وقف التحويل من الدولار الى الذهب اثر التضخم الاقتصادي الذي ضرب الولايات المتحدة حينها, مما خلق حالة من الهلع وعدم اليقين حول العالم وفقدان الثقة بالدولار والعزوف عنه وفقده للكثير من قيمته, وعندها طلبت واشنطن من حليفتها السعودية بيع نفطها بالدولار فقط, وبالفعل اعلنت المملكة ان على الراغبين في شراء نفطها سداد قيمته بالدولار الامريكي فقط, وهذه سياسة البترودلار (كما اطلق عليها حينها) هي التي ادت الى خلق طلب دولي هائل على الدولار, وكرسته كعملة دولية واكسبه كل هذه الاهمية.
انضمام السعودية الى تكتل البريكس الذي يهدف بالدرجة الاولى الى تحرير العالم من هيمنة الولايات المتحدة والتي يعتبر الدولار اخطر واهم ادواتها, هو اكثر ما يثير قلق واشنطن, لانه يضيف ثقلاً اقتصادياً واستراتيجياً ضخماً الى تكتل بريكس الذي يهدف بالدرجة الاولى الى اقصاء الدولار كعملة عالمية وحيدة تقريباً وهذا يقوض سطوة الولايات المتحدة عالمياً ويضعف قوة اهم اسلحتها الاقتصادية "الدولار" والعقوبات الاقتصادية التي تفرضها على اي دولة تحاول التغريد خارج سربها وهذا ربما هو السلاح الذي يعتبر رأس الحربة في ترسانة واشنطن التي تعتمد عليها لبسط هيمنتها على العالم.
إنضمام السعودية (الرافعة العالمية الاهم للدولار كما سبقت الاشارة) لبريكس يقتضي موافقتها ضمناً على أهداف التكتل الاستراتيجية والتي يتقدمها إقصاء الدولار كعملة عالمية رئيسية, وهذا يعني عملياً حرمان الدولار من احد اكبر داعميه في العالم, مما ينذر بمستقبل مجهول لهذا الدولار وخصوصاً في هذا التوقيت الذي يمر فيه الاقتصاد الامريكي الغير مستقر بظروف صعبة, فهو يعاني من تضخم وارتفاع حاد في اسعار السلع الاساسية, وحجم ديون غير مسبوق تاريخياً هو الاكبر عالمياً قارب على 32 تريليون دولار, ناهيك عن عجز هائل في الموازنة العامة وصل الى حوالي 1.4 تريليون دولار, بالاضافة الى عجز كبير في الميزان التجاري قارب التريليون دولار العام 2022.
يتفق اعضاء بريكس بلس على رؤيا موحدة للنظام العالمي وطموح مشترك لخلق نظام عالمي اكثر عدلاً وتتحرر فيه بقية الدول والشعوب من الهيمنة الغربية وخصوصاً الامريكية ومن سيطرة الدولار على عمليات التبادل التجاري الدولية كما سبقت الاشارة, والمفلت ان بعض الدول التي انضمت حديثاً للبريكس كانت حليفاً تقليدياً للولايات المتحدة, مما يكشف عن امتعاض هذه الدول من السياسات الامريكية والغربية عموماً ويؤكد على رغبة تلك الدول في البحث عن فرصة للتحرر من التبعية للولايات المتحدة وحلفائها حالما تجد البديل وتسنح الفرصة, ومن هذه الدول السعودية ومصر والامارات الذي كان لانضمامها (خصوصاً السعودية) وقعاً عالمياً مدوياً.
المفاجأة كانت غياب الجزائر عن قائمة الدول التي انضمت للبريكس رغم ما كان يتردد انهما من اوفر المرشحين حظاً والمفاجأة الاكبر هي ضم اثيوبيا رغم انه لم يكن هناك اي تسريبات قبل القمة حول رغبتها او طلبها الانضمام, ووفقاً للمعلومات الواردة من كواليس القمة ان هناك من بين دول بريكس من اعترض على انضمام الجزائر كون اقتصادها اقل من 200 مليار دولار, وتحسباً لاثارة حساسية جارتها المغرب التي تخيم على علاقاتهما توتر محكم, كون الاخيرة تربطها علاقات تجارية مهمة مع دولة عضو مؤسس في البريكس (الهند) كما تسربت اشارات غير مؤكدة ان البرازيل كذلك لم توافق على الطلب الجزائري, تجدر الاشارة الى ان انضمام اي دولة جديدة لعضوية بريكس يقتضي موافقة كافة الدول الاعضاء بالاجماع تماماً مثل شرط الانضمام لحلف الناتو.
اما تركيا, شخصياً لم اتفاجأ من رفض طلبها, ولم اكن اتوقع نجاح حصولها على موافقة احد اهم اقطاب بريكس لسبب بسيط, ان سياسات تركيا الاخيرة كانت مستفزة لموسكو وضد المصالح الروسية بكل وضوح, فبعد ان قدمت روسيا لتركيا فرص اقتصادية وسياسية (اشرافها على تنفيذ اتفاقات حالبوب والغاز وغيره) جنت انقرة من ورائها مليارات الدولارات وتعزز نفوذها اقليمياً وعالمياً, قامت تركيا بادارة ظهرها لكل هذا واستقبل رئيسها رجب طيب اردوغان بحفاوة الرئيس الاوكراني فلوديمير زيلينسكي وصرح اردوغان اثناء الاستقبال "ان اوكرانيا تستحق عضوية الناتو", مما اعتبره الكثير من المراقبين تجاوز لخط احمر روسي عريض, ومما زاد الطين بلة ووصل بالعلاقة بين الرئيسين الروسي والتركي الى منعطف حاد هو تسليم تركيا للرئيس زيلينسكي خمسة من كبار القادة العسكريين الأوكران كانت روسيا قد أسرتهم اثناء معارك ماريوبول وفيما بعد سلمتهم الى انقرة بشرط ان يعيشوا في تركيا الى ما بعد انتهاء النزاع وذلك بموجب اتفاقية لتبادل الاسرى, وحينها ابدى الكرملين استياءاً كبيراً من تصرف الرئيس التركي واعتبره انتهاكاً فاضحاً لبنود الاتفاقية التي وقعت عليها تركيا.
ولكن ما اعتبرته روسيا خيانة وطعنة في الظهر وانزلق بالعلاقات بين البلدين الجارين الى منحدر سحيق هو قيام تركيا العضو في حلف الناتو (التي تتزعمه الولايات المتحدة العدوة اللدودة لكل من الصين وروسيا) بتقوية ودعم وتوسع هذا الحلف الغربي المسؤول عن كل الشرور في العالم وتمكينه من التواجد عسكرياً على الحدود الروسية الشمالية وذلك بالموافقة على انضمام فلندا التي تربطها حدود مع روسيا بطول اكثر من 1400 كيلومتر وكذلك وعد بالموافقة على قبول السويد الجار الملاصق للاراضي الروسية الى الحلف, مقابل وعود غربية لتركيا بمساعدتها الحصول على عضوية الاتحاد الاوروبي, وهذا وفقاً للمعطيات الراهنة شبه مستحيل, فاوروبا التي تحكم معظم دولها حالياً أحزاب وشخصيات يمينية عنصرية تشهد اليوم موجة كراهية شديدة ضد الاسلام والمسلمين اللذين يعيشون على اراضيها, فكيف ستمسح باضافة حوالي 80 مليون تركي مسلم الى فضائها الاوروبي وكيف ستمكن دولة اسلامية بحجم ووزن تركيا الجلوس وسطهم لها ما لهم وعليها ما عليها....؟؟؟
نعم, كانت السياسات التركية الاخيرة تتناقض تماماً مع عقيدة تكتل بريكس بلس الرامية الى التصدي لسيطرة امريكا وحلفائها الغربيين على العالم بواسطة اهم واخطر ادواتها وهي حلف الناتو, علماً بأنه كان بإمكان تركيا منع فنلندا والسويد من الانضمام للناتو, لانه كما سبقت الاشارة الى ان انضمام اي عضو جديد في الحلف يتطلب موافقة جميع اعضاء الحلف بما فيهم تركيا.
بغض النظر عما ستؤول اليه الامور, شبه المؤكد ان اردوغان لن يحصل على بلح الشام ولا على بلح اليمن....!!!!!
اما نيجيريا اكبر دول افريقيا ديمغرافياً, واغناها اقتصادياً واهمها موقعاً استراتيجياً, كانت مرشحة بقوة للانضمام للبريكس فنياً, الا ان مواقفها السياسية الاخيرة وخصوصاً من انقلاب النيجر واصطفافها الى جانب المناوئين للانقلاب وعلى رأسهم فرنسا والولايات المتحدة زعماء حلف الناتو الذي يهدف بريكس الى تقويضه, أهلها بجدارة للفيتو الروسي وحرمانها من عضوية بريكس, على غرار ما حصل مع تركيا مع اختلاف الدوافع والسياقات.
من الملفت ان مجموعة "بريكس" تمثل توجهات عالمية مختلفة, وتختلف بشكل كبير عن بقية أشكال التجمعات والتحالفات والمنظمات التي شهدتها الساحة الدولية من قبل، حيث لا تشترك دولها المؤسسة بروابط مشتركة, سواء سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو غيره، كما أنها لا تقع ضمن نطاق جغرافي أو إقليمي مشترك، بل تأتي من أربع قارات مختلفة، كما أن هناك تبايناً واضحاً في أنظمتها السياسية ففيها أكبر نظام ديمقراطي في العالم وفي نفس الوقت فيها أكبر نظام سلطوي، وفيها دول بينها خلافات وصدامات على الحدود, فضلا عن انها تشمل اقتصاديات مصدرة للسلع الأساسية وفيها كذلك اقتصاديات متعطشة للموارد, فضلا عن تمايز جلي في درجات نموها الاقتصادي ومستوياتها الإنتاجية، وحتى تتباين في مواقفها السياسية وان كان بشكل نسبي، فهناك خلاف قديم بين الهند والصين, حتى انه كان هناك خلاف تاريخي مستحكم بين الصين والاتحاد السوفيتي التي ورثته روسيا منذ اكثر من 3 عقود قبل ان يتفاهم العملاقان مؤخراً بعد ان تجاوزا خلافاتهما أثر التحديات الاستراتيجية التي برزت امامهما نتيجة لسيطرة الولايات المتحدة على العالم كقطب وحيد وسعي الاخيرة على السيطرة على كليهما او لنقل احتواءهما وذلك باستعمال اقذر ادواتها "حلف شمال الاطلسي - NATO" الخاضع للسيطرة الامريكية عن طريق توسع الحلف نحو الشرق باتجاه الاراضي الروسية, وهذا هو السبب الحقيقي والوحيد لاندلاع الحرب الدائرة الان على الاراضي الاوكرانية, وتزامناً مع ذلك تحاول الولايات المتحدة احتواء الصين بفرض ما يشبه الحصار عليها الصين بنشر قوات بحرية عسكرية ضخمة في منطقة شرق المحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي باستعمال اداة اخرى من ادواتها القذرة "حلف اوكوس - AUKUS)" الذي اسسته الولايات المتحدة ومخلبها بريطانيا وتابعتهما استراليا قبل حوالي سنتين اثر اقدام الاخيرة بتواطؤ امريكي بريطاني على إلغاء صفقة غواصات كانت طلبتها من فرنسا وابدال الغواصات الفرنسية بإخرى امريكية تعمل بالطاقة النووية, لتكون استراليا اول دولة غير نووية تمتلك هذا النوع من الغواصات والتي لا يملكها الا الدول دائمة العضوية في مجلس الامن بالاضافة الى الهند فقط.
تهدف بريكس اعتماداً على قدراتها الاقتصادية والعسكرية الى خلق توازنات سياسية دولية بين مناطق العالم المختلفة توخياً لواقع دولي اكثر عدلاً وانصافاً لشعوب العالم, لذا في سبيل هذا الهدف نراها تتحد لتحقيقه متجاوزة في سبيله التباين السياسي والايدولوجي الحاد الموجود بينها..
دول التكتل تشكل مزيجاً متميزاً من حضارات مختلفة، حيث قمة الحضارة الشرقية والثقافة الاسلامية في السعودية وكذلك الامارات الى الحضارة الفارسية العريقة في ايران والى الحضارة الهندوسية في الهند والبوذية في الصين، والحضارة السلافية الأرثوذكسية المتميزة عن الشرق والغرب معاً في روسيا، والحضارة الغربية اللاتينية في البرازيل التي يتميز شعبها بثقافة وفنون متميزة كثيرا حتى عن الدول المحيطة بها، والحضارة الإفريقية في جنوب إفريقيا, ومن الحضارة الفرعونية في مصر الى الحضارة الامهرية في اثيوبيا, الا ان هناك عامل مشترك مهم جدا يربط دول بريكس هو أنها لا تنتمي إلى ما يسمى "دائرة الحضارة الغربية"، وترغب بشدة ان تتحر وتحرر العالم من قيد التبعية للسياسة الامريكية ورفض الهيمنة الغربية على الاقتصاد والسياسة العالمية، والتي تسببت في إغراق الاقتصاد العالمي في أزمات يعاني الكثير من أجل الخروج منها, كما ترفض تلك الدول سياسة الضغط العسكري والاقتصادي (العقوبات) والانتقاص من سيادة دول أخرى، وتتبنى مواقف متشابهة من القضايا الدولية الملحة.
آخر الكلام:
النظام العالمي القائم الذي تسطير على اخطر ادواته (حلف الناتو NATO ومجموعة السبع الكبار G7) الولايات المتحدة واتباعها دول الغرب ذات التاريخ الاستعماري المقيت ينظرون للعرب بدونية, ولا يعيرونهم اي اهمية تذكر ولا يحسبوا لهم اي حساب لانهم في نظرهم بلا وزن, لانهم مسخوهم جغرافياً وقزموهم سياسياً وحذفوهم من متن التاريخ منذ أكثر من قرن ويتجاهلوهم في الحاضر ولايروا لهم مستقبل, ويعتبرونهم رعاع ومجرد اتباع على احسن تقدير, بل ذهب هذا النظام البغيض أبعد من كل ذلك, فهو ينظر للاسلام كعدو, ولا تتردد دول الغرب في استفزاز المسلمين والاساءة لهم وانتهاك مقدساتهم وممارسة ابغض اشكال العنصرية والكراهية بحقهم والتضييق عليهم باستمرار والتقليل من شأنهم والحط من قدرهم.
بنظرة دقيقة على مقدرات وامكانيات الدول الجديدة في تكتل بريكس بلس يتكشف انها دول وازنة عسكرياً وقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً مما يبعث على الاعتقاد ان التكتل يعد نفسه ليكون بديلاً او لنقل نداً لكلاً من حلف الناتو (عسكرياً وسياسياً) ومجموعة السبع (اقتصادياً) معاً.
أما العدو اللدود العرب والمسلمين "الكيان الصهيوني الغاصب", فهو في النظام الحالي الظالم درة التاج والطفل المدلل, وهو السيد المطاع الذي يستحق كل انواع الدعم المادي والتقني والسياسي والعسكري والاعلامي والدبلوماسي من كل اركان هذا النظام المستبد وخصوصاً الولايات المتحدة القطب الوحيد المهيمن على العالم والتي هي بمثابة الحبل السري الذي يمد الكيان الغاصب بكل مقومات الحياة وبدونه لن يصمد على البقاء حياً اكثر من سنة او اثنتين على أبعد تقدير.
وفي المقابل, نواة النظام الدولي المرتقب دول ليس لها ماض استعماري, ولم تكن معادية للعرب والمسلمين, بل مؤيدة تاريخياً لقضاياهم وخصوصاً قضيتهم المركزية (فلسطين) وعلى الاقل تنظر اليهم بعين المساواة مع غيرهم من الشعوب, وتمكن العرب والمسلمين ان يصبحوا ركناً رئيسياً في بريكس بلس التي ينظر اليها العالم اليوم على انها نواة النظام العالمي المرتقب, فقد اصبح من بين اعضاء بريكس بلس الاحدى عشر 4 دول اسلامية من بينها 3 عربية (السعودية ومصر والامارت وايران, وحوالي نصف سكان اثيوبيا تقريباً مسلمون), وهذا الحضور الاسلامي العربي الوازن في النظام الدولي قيد الانشاء يبشر بغد أفضل, وباذن الله سيكون له تأثير كبير على مجريات القضايا العالمية, بالقطع اثر ايجابي كبير على مستقبل قضايانا الوطنية وخصوصاً القضية الفلسطينية ومصير الشعب الفلسطيني....وغداً لناظره قريب..!
بريكس بلس.. العرب في عالم ما بعد الناتو ومجموعة السبع
تاريخ النشر : 2023-08-28

د. سمير الددا