بقلم: د. سمير الددا
شهدت المنطقة العربية نشاطاً سياسياً ودبلوماسياً ملحوظاً هذا الأسبوع والذي سبقه, الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استضاف في مدينة العلمين على ساحل البحر المتوسط كلاً من العاهل الاردني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في لقاء قمة جمع القادة الثلاثة بعد يوم واحد فقط من اعلان المملكة العربية السعودية قرارها التاريخي بتعيين سفيراً فوق العادة مفوضاً لها لدى دولة فلسطين وقنصلاً عاماً في القدس لاول مرة منذ اعلان استقلال دولة فلسطين في الجزائر منتصف نوفمبر عام 1988, وكان من اهم مقررات هذه القمة تنسيق المواقف لحشد الدعم الدولي لانهاء معاناة الشعب الفلسطيني ونيل حقوقه الوطنية المشروعة واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً للبيان الصادر عن القمة, وهذا قد لا يبدو جديداً, ولكن ما لفت النظر كان قوة لغة البيان وحدة نبرته, مما يوحي انه جاء رداً على موقف ما, او ربما لترسيخ موقف سياسي للدول الثلاث ازاء ما يتردد في الاوساط الاعلامية ان هناك شيئاً ما يحاك في الكواليس وبدت بعض ملامحه تطفو على السطح.
القرار السعودي المشار اليه يكتسي اهمية استثنائية كونه جاء مفاجئاً, اذ لم يسمع الكثيرون بأي اتصالات سعودية فلسطينية علنية في الاونة الاخيرة تمهد لمثل هذا القرار الهام الذي اثار زوبعة من التكهنات والتساؤلات والكثير من الفضول حول توقيته ودلالاته.
اولاً من حيث التوقيت, كل المعطيات المتوفرة تشير الى ان توقيت القرار السعودي لم يكن محض صدفة, فقد جاء في اعقاب حملة اعلامية قامت بها أهم الصحف الغربية مثل وول ستريت جورنال, نيويورك تايمز, فايننشال تايمز وغيرها, وكلها تعزف على نفس الوتر تقريباً, فكانت جميعها تروج لما تسميه التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني والشروط السعودية لاتمام هذه الصفقة وابرزها تسوية القضية الفلسطينية, برنامج نووي سعودي يشمل تخصيب محلي لليورانيوم, تمكين السعودية من امتلاك اي سلاح تحتاجه بدون قيود, وكذلك التزام الولايات المتحدة بامن المملكة تماماً كالتزامها بأمن كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية ودول حلف الناتو وفقاً للمادة الخامسة من ميثاق الحلف.
هناك بعض المراقبين من يرى ان القرار السعودي يمهد لصفقة تطبيع مع الصهاينة, وليكن ذلك اذا تحققت المطالب السعودية المشروعة المشار اليها.
في حين يرى اكثر المحللين ان القرار السعودي جاء رداً على تصريحات تناقلتها الصحافة الصهيونية في الاونة الاخيرة لعدة مسؤولين صهاينة على رأسهم رئيس الوزراء نتنياهو بانهم لن يقدموا للفلسطينيين اي شيئ مقابل التطبيع مع الدول العربية ويزعموا ايضاً انهم نجحوا في تهميش القضية الفلسطينية والقفز عليها وانها لم تعد تهم القادة العرب ولن تكون عنواناً رئيسياً على طاولة التفاوض للتطبيع مع الدول العربية وانها على احسن الاحوال ستكون مجرد بند ثانوي يمكن تجاوزه بوضع علامة اكس او اشارة صح تفيد المرور عليه.
كان ملفتاً ان القرار السعودي جاء متزامناً مع قرار للحكومة الاسترالية قبل عدة ايام يقتضي العودة الى استخدام مصطلح "الاراضي المحتلة" لوصف الاراضي الفلسطينية التي احتلها الكيان الصهيوني الغاصب عام 1967, بما فيها القدس الشرقية وذلك بعد توقف عن استخدام هذا المصطلح من العام 2014, هذا وقد سبق بأيام قرار للبرلمان البرتغالي بالاغلبية لصالح قرار بالاعتراف بالنكبة الفلسطينية عام 1948.
وكان ملفتاً ايضاً تصريحات غير مسبوقة لضابط كبير في الجيش الصهيوني شغل نائب رئيس الموساد "جهاز الاستخبارات الخارجية" الجنرال عميرام ليفين قال فيها: "ان الحكومة الصهيونية تدفع بالجنود والضباط لتنفيذ جرائم حرب في الاراضي الفسلطينية مثلما جرى في المانيا النازية" واضاف في مقابلة بثتها الاذاعة الرسمية الاحد 13 اغسطس الجاري واثارت ردود فعل صهيونية غاضبة "الكيان يمارس نظام ابارتهايد ضد الفلسطينيين" وختم الجنرال الصهيوني حديثه قائلاً "لدينا على الارض تحولات عميقة تذكر بالتحولات التي حدثت في المانيا بقيادة النازية".
وفي نفس السياق, كان وزير الخارجية الامريكي انطوني بلينكن قد شدد في تصريح له في شهر يونيو الماضي يحذر فيه رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو "من مغبة تقويض آفاق قيام دولة فلسطينينة," وجاء تصريح الوزير الامريكي في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السعودي الامير سعود بن فرحان عقب محادثاتهما في السعودية في شهر يونيو الماضي حيث شدد الوزير السعودي على ربط التطبيع بحل القضية الفلسطينية وفقا للمرجعيات الدولية, موجهاً كلامه مع بلينكن قائلاً: "بدون سلام مع الفلسطينيين فان التطبيع مع اسرائيل سيكون محدود الفائدة".
من جهته وزير الخارجية الصهيوني ايلي كوهين صرح الاحد 13 من الشهر الجاري اي في نفس يوم صدور القرار السعودي قائلاً لصحيفة معاريف: "اننا لن نسمح بوجود أي بعثات دبلوماسية لدى السلطة الفلسطينية في القدس", وكأن السعودية تنتظر الاذن منه او من غيره من المغتصبين الصهاينة, ونسي انه مجرد لص سارق مغتصب لارض الشعب الفلسطيني وسيرحل عنها رغم انفه مهما طال الزمن.
زيارات متعاقبة ومتكررة لمسؤولين امريكيين كبار للمملكة بما فيهم وزير الخارجية ومستشار الامن القومي واعضاء بارزين في الكونجرس وغيرهم وغيرهم, ووفقاً لابرز الصحف الامريكية والعالمية بما فيها وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز وفايننشال تايمز كانت معظم محادثات هؤلاء تتركز حول موضوع التطبيع بين المملكة والكيان الصهيوني وتشير الى الشروط السعودية لهذا الامر وتتلخص وفقاً للصحف التي اشرنها اليها في تسوية القضية الفلسطينية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية, التزام الولايات المتحدة بحماية امن المملكة كالتزامها بحماية امن اليابان وكوريا الجنوبية ودول حلف الناتو حين تعرضها لاي اعتداء خارجي بمقتضى المادة الخامسة من ميثاق الحلف, ودعم المملكة من امتلاكها لبرنامج نووي مدني بنا في ذلك تخضيبها لليورانيوم داخل المملكة, بالاضافة الى تمكين المملكة من التسلح غير المشروط بكل انواع الاسلحة البرية والجوية والبحرية بدون اي قيود او عوائق بما في ذلك احدث انواع الاسلحة واكثرها تطوراً.
ثانياً: اما دلالات القرار السعودي, فهو يعني ببساطة وبكل وضوح ان السياسة الخارجية السعودية التي تنظر الى فلسطين دولة مستقلة عاصمتها القدس تماشياً مع كافة القوانين والشرائع الدولية وقرارات مجلس الامن والامم المتحدة ذات العلاقة, ارادت التأكيد عملياً ان هذا هو الموقف السعودي المبدأي والنهائي وان اي حديث معها حول قضية فلسطين يبداً من هذا الموقف, وهذا موقف ليس بجديد على السعودية وخصوصاً في عهد الملك سلمان الذي لفلسطين واهلها في نفسه مكانة خاصة وكيف لا وهو اول رئيس للجنة مساعدة ابناء شهداء فلسطين.
نعم, ان هذا الموقف السعودي غير جديد, بل هو جوهر المبادرة السعودية للسلام التي اقترحها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله رحمه الله وتبنتها القمة العربية التي انعقدت في بيروت عام 2002, لكن الجديد ان السعودية اقدمت على الخطوة المهمة لتقطع الشك باليقين وتؤكد عملياً على تبنيها بكل جدية لمقررات قمة بيروت التي من ضمنها ان التطبيع مع الكيان الصهيوني يكون فقط بعد قيام دولة فلسطينية على الاراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف, كما تبرهن للقاصي والداني ان القضية الفلسطينية على رأس اهتمامات القادة السعوديين منذ الملك المؤسس رحمه الله وصولاً الى الملك سلمان حفظه الله.
المستغرب, ان الامريكيين متحمسين لاتمام تطبيع العلاقات السعودية الصهيونية اكثر من الطرف الصهيوني, وقد يبدو ذلك مفهوماً في سياق ان الولايات المتحدة مقدمة على انتخابات رئاسية وتشريعية العام القادم وان الرئيس بايدن الذي يطمح لولاية رئاسية ثانية يبحث عن انجازٍ ما ليسوقه للناخبين وخصوصاً ان محصلة انجازاته الداخلية والخارجية تكاد تكون صفراً او حتى دون الصفر, وعنوان فشله الاكبر ما يجري في اوكرانيا وتخبط ادارته في التعاطي مع هذا الملف مما ادى الى ارتفاع غير مسبوق في تكاليف الحياة وخصوصاً اسعار الوقود وهذا بالنسبة للناخب الامريكي هو المؤشر الاهم للحكم على آداء اي رئيس امريكي وهو الذي يحدد بكل تأكيد توجهات هذا الناخب نحو هذا المرشح او ذاك.
والاهم, ان الامريكيين قلقون جداً من توجه السعودية شرقاً نحو الصين وروسيا ونيتها الانضمام الى مجموعة دول البريكس المنافسة لمجموعة السبع, كما يعتبر التواجد الصيني في المنطقة كابوساً مزعجاً لهم, وهم يعنقدون بشدة ان التطبيع مع الصهاينة قد يخلصهم من كل ذلك.
هذا ويدرك الصهاينة ذلك جيداً وكعادتهم الدنيئة يستغلون هذا الامر لابتزاز الامريكيين واجبارهم على دفع ثمن التطبيع فيما يحصلون هم عليه بدون مقابل, وغي هذا السياق يقول الصهاينة "ان الأميركيين لا يقدمون معروفا لإسرائيل بالتطبيع مع السعودية، بل إسرائيل هي التي تقدم لهم معروفاً, لأن الصفقة مع السعودية هي مصلحة أميركية حقيقية، وهي مهمة جداً بالنسبة للولايات المتحدة بخصوص المنافسة مع الصين والسيطرة على الشرق الأوسط ولان الأميركيين لا يستطيعون التخلي عن المنطقة" وفقاً لزعمهم.
ويتابع الصهاينة، "ليس لدينا ما نعطيه للفلسطينيين في سياق الصفقة، وخصوصاً في ظل التشكيلة الحالية للحكومة, وحتى لن يكون هناك تجميد للبناء ولا حتى لثانية واحدة, الفلسطينيون سيقبلون أي شيء يقدمه لهم السعوديون والأميركيون لا سيما على المستوى الاقتصادي ، نحن مستعدون للدخول في مفاوضات معهم ولكن لن نقدم لهم شيئاً, واذا طلبوا شيئاً فليقدمه لهم الامريكان او السعوديون", حسب قولهم.
هذا وفي السياق نفسه، عزف نفس النغمة مسؤولون أمنيون صهاينة سابقون وحاليون، فطالبوا بشكل علني وفي محادثات مغلقة عن تحفظات شديدة بشأن صفقة واشنطن مع السعودية، وحذروا من أنها قد تضر بالمصالح الأمنية الإسرائيلية؛ حسبما ورد في موقع "واللا". يوم الاحد 13 اغسطس الجاري.
من جهته وعلى نفس الوتر, يائير لابيد رئيس المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد ادلى بتصريح امام أعضاء من الحزب الديمقراطي في الكونغرس الأميركي خلال زيارتهم لتل ابيب الاحد الماضي ونقلته القناة 13 الصهيونية قال فيه "إنه يعارض اتفاقا مع السعودية يشمل تخصيب يورانيوم في الأراضي السعودية، واعتبر أن اتفاقا كهذا يشكل خطرا على أمن إسرائيل" على حد زعمه.
آخر الكلام:
ولكن يبدو ان القرار السعودي جاء استشرافاً لهذا الابتزاز الصهيوني ويتصدى له وليفوت على الصهاينة هذه الفرصة وليرسل لهم رسالة قوية جداً بأن ثمن التطبيع لن يكون اقل من تطيبق قرارات الشرعية الدولية وتسوية القضية الفلسطينية على اساس حل الدولتين والقدس عاصمة للدولة الفلسطينية.
تدرك الولايات المتحدة ان السعودية هي اليوم قلب ومحور العالم العربي, وتوجهها نحو الصين وروسيا وانضمامها لمجموعة البريكس قد يشجع غالبية دول المنطقة لاتباعها والسير خلفها, وتدرك ايضاً ان التطبيع قد يوقف ذلك كله, وتدرك كذلك ان عليها ان تدفع وتجبر ربيبتها الصهيونية ان تدفع الثمن الذي تطلبه السعودية, وإلا فان هناك من هو مستعد للدفع فوراً, وهي تدرك ذلك جيداً, عليه فانه وفقاً لمنطق الاشياء فان الايام القادمة حبلى بالتطورات الايجابية.
السعودية في الظروف الدولية الحالية هي الوحيدة التي تستطيع انتزاع حل عادل للقضية الفلسطينية من براثن الامريكان قبل الصهاينة لعوامل جيواستراتيجية اشرنا اليها سابقاً, واذا حصل هذا وهو المرجح وفقاً لكل المعطيات, فان السعودية ستحفر لنفسها اسماً يخلده التاريخ كما خلد من فتحوا القدس من قبل مثل عمر بن الخطاب وصلاح الدين الايوبي.
وفي هذا السياق اذكر ما قاله مستشار الامن القومي الامريكي الاسبق زبيغو بريجنسكي في مقابلة صحفية في مطلع التسعينات رداً على سؤال حول ما اذا ان ادارة الرئيس جورج بوش الاب ارادت ان تكافئ العرب على مساعدتها في تحرير الكويت من الاحتلال العراقي حينئذ بتسوية القضية الفلسطينية من خلال تنظيم مؤتمر مدريد للسلام, فاجاب بريجينسكي بعد ان تردد قليلاً موجها كلامه لمحاوره "حل القضية الفلسطينية ابسط مما تتصور", ثم تردد مرة اخرى لثوان ثم تابع "اعتقد انه لو اتصلت بعض الدول العربية على البيت الابيض وطلبت منه حل القضية الفلسطينية خلال 48 ساعة والا سنحول السفارات الامريكية عندنا لسفارات سوفيتية, اعتقد ان البيت الابيض سينظر بجدية في هذا الطلب".
يبدو ان الظروف قد حانت لتتحقق نبؤة بريجنسكي.
القرار السعودي المشار اليه يكتسي اهمية استثنائية كونه جاء مفاجئاً, اذ لم يسمع الكثيرون بأي اتصالات سعودية فلسطينية علنية في الاونة الاخيرة تمهد لمثل هذا القرار الهام الذي اثار زوبعة من التكهنات والتساؤلات والكثير من الفضول حول توقيته ودلالاته.
اولاً من حيث التوقيت, كل المعطيات المتوفرة تشير الى ان توقيت القرار السعودي لم يكن محض صدفة, فقد جاء في اعقاب حملة اعلامية قامت بها أهم الصحف الغربية مثل وول ستريت جورنال, نيويورك تايمز, فايننشال تايمز وغيرها, وكلها تعزف على نفس الوتر تقريباً, فكانت جميعها تروج لما تسميه التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني والشروط السعودية لاتمام هذه الصفقة وابرزها تسوية القضية الفلسطينية, برنامج نووي سعودي يشمل تخصيب محلي لليورانيوم, تمكين السعودية من امتلاك اي سلاح تحتاجه بدون قيود, وكذلك التزام الولايات المتحدة بامن المملكة تماماً كالتزامها بأمن كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية ودول حلف الناتو وفقاً للمادة الخامسة من ميثاق الحلف.
هناك بعض المراقبين من يرى ان القرار السعودي يمهد لصفقة تطبيع مع الصهاينة, وليكن ذلك اذا تحققت المطالب السعودية المشروعة المشار اليها.
في حين يرى اكثر المحللين ان القرار السعودي جاء رداً على تصريحات تناقلتها الصحافة الصهيونية في الاونة الاخيرة لعدة مسؤولين صهاينة على رأسهم رئيس الوزراء نتنياهو بانهم لن يقدموا للفلسطينيين اي شيئ مقابل التطبيع مع الدول العربية ويزعموا ايضاً انهم نجحوا في تهميش القضية الفلسطينية والقفز عليها وانها لم تعد تهم القادة العرب ولن تكون عنواناً رئيسياً على طاولة التفاوض للتطبيع مع الدول العربية وانها على احسن الاحوال ستكون مجرد بند ثانوي يمكن تجاوزه بوضع علامة اكس او اشارة صح تفيد المرور عليه.
كان ملفتاً ان القرار السعودي جاء متزامناً مع قرار للحكومة الاسترالية قبل عدة ايام يقتضي العودة الى استخدام مصطلح "الاراضي المحتلة" لوصف الاراضي الفلسطينية التي احتلها الكيان الصهيوني الغاصب عام 1967, بما فيها القدس الشرقية وذلك بعد توقف عن استخدام هذا المصطلح من العام 2014, هذا وقد سبق بأيام قرار للبرلمان البرتغالي بالاغلبية لصالح قرار بالاعتراف بالنكبة الفلسطينية عام 1948.
وكان ملفتاً ايضاً تصريحات غير مسبوقة لضابط كبير في الجيش الصهيوني شغل نائب رئيس الموساد "جهاز الاستخبارات الخارجية" الجنرال عميرام ليفين قال فيها: "ان الحكومة الصهيونية تدفع بالجنود والضباط لتنفيذ جرائم حرب في الاراضي الفسلطينية مثلما جرى في المانيا النازية" واضاف في مقابلة بثتها الاذاعة الرسمية الاحد 13 اغسطس الجاري واثارت ردود فعل صهيونية غاضبة "الكيان يمارس نظام ابارتهايد ضد الفلسطينيين" وختم الجنرال الصهيوني حديثه قائلاً "لدينا على الارض تحولات عميقة تذكر بالتحولات التي حدثت في المانيا بقيادة النازية".
وفي نفس السياق, كان وزير الخارجية الامريكي انطوني بلينكن قد شدد في تصريح له في شهر يونيو الماضي يحذر فيه رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو "من مغبة تقويض آفاق قيام دولة فلسطينينة," وجاء تصريح الوزير الامريكي في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السعودي الامير سعود بن فرحان عقب محادثاتهما في السعودية في شهر يونيو الماضي حيث شدد الوزير السعودي على ربط التطبيع بحل القضية الفلسطينية وفقا للمرجعيات الدولية, موجهاً كلامه مع بلينكن قائلاً: "بدون سلام مع الفلسطينيين فان التطبيع مع اسرائيل سيكون محدود الفائدة".
من جهته وزير الخارجية الصهيوني ايلي كوهين صرح الاحد 13 من الشهر الجاري اي في نفس يوم صدور القرار السعودي قائلاً لصحيفة معاريف: "اننا لن نسمح بوجود أي بعثات دبلوماسية لدى السلطة الفلسطينية في القدس", وكأن السعودية تنتظر الاذن منه او من غيره من المغتصبين الصهاينة, ونسي انه مجرد لص سارق مغتصب لارض الشعب الفلسطيني وسيرحل عنها رغم انفه مهما طال الزمن.
زيارات متعاقبة ومتكررة لمسؤولين امريكيين كبار للمملكة بما فيهم وزير الخارجية ومستشار الامن القومي واعضاء بارزين في الكونجرس وغيرهم وغيرهم, ووفقاً لابرز الصحف الامريكية والعالمية بما فيها وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز وفايننشال تايمز كانت معظم محادثات هؤلاء تتركز حول موضوع التطبيع بين المملكة والكيان الصهيوني وتشير الى الشروط السعودية لهذا الامر وتتلخص وفقاً للصحف التي اشرنها اليها في تسوية القضية الفلسطينية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية, التزام الولايات المتحدة بحماية امن المملكة كالتزامها بحماية امن اليابان وكوريا الجنوبية ودول حلف الناتو حين تعرضها لاي اعتداء خارجي بمقتضى المادة الخامسة من ميثاق الحلف, ودعم المملكة من امتلاكها لبرنامج نووي مدني بنا في ذلك تخضيبها لليورانيوم داخل المملكة, بالاضافة الى تمكين المملكة من التسلح غير المشروط بكل انواع الاسلحة البرية والجوية والبحرية بدون اي قيود او عوائق بما في ذلك احدث انواع الاسلحة واكثرها تطوراً.
ثانياً: اما دلالات القرار السعودي, فهو يعني ببساطة وبكل وضوح ان السياسة الخارجية السعودية التي تنظر الى فلسطين دولة مستقلة عاصمتها القدس تماشياً مع كافة القوانين والشرائع الدولية وقرارات مجلس الامن والامم المتحدة ذات العلاقة, ارادت التأكيد عملياً ان هذا هو الموقف السعودي المبدأي والنهائي وان اي حديث معها حول قضية فلسطين يبداً من هذا الموقف, وهذا موقف ليس بجديد على السعودية وخصوصاً في عهد الملك سلمان الذي لفلسطين واهلها في نفسه مكانة خاصة وكيف لا وهو اول رئيس للجنة مساعدة ابناء شهداء فلسطين.
نعم, ان هذا الموقف السعودي غير جديد, بل هو جوهر المبادرة السعودية للسلام التي اقترحها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله رحمه الله وتبنتها القمة العربية التي انعقدت في بيروت عام 2002, لكن الجديد ان السعودية اقدمت على الخطوة المهمة لتقطع الشك باليقين وتؤكد عملياً على تبنيها بكل جدية لمقررات قمة بيروت التي من ضمنها ان التطبيع مع الكيان الصهيوني يكون فقط بعد قيام دولة فلسطينية على الاراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف, كما تبرهن للقاصي والداني ان القضية الفلسطينية على رأس اهتمامات القادة السعوديين منذ الملك المؤسس رحمه الله وصولاً الى الملك سلمان حفظه الله.
المستغرب, ان الامريكيين متحمسين لاتمام تطبيع العلاقات السعودية الصهيونية اكثر من الطرف الصهيوني, وقد يبدو ذلك مفهوماً في سياق ان الولايات المتحدة مقدمة على انتخابات رئاسية وتشريعية العام القادم وان الرئيس بايدن الذي يطمح لولاية رئاسية ثانية يبحث عن انجازٍ ما ليسوقه للناخبين وخصوصاً ان محصلة انجازاته الداخلية والخارجية تكاد تكون صفراً او حتى دون الصفر, وعنوان فشله الاكبر ما يجري في اوكرانيا وتخبط ادارته في التعاطي مع هذا الملف مما ادى الى ارتفاع غير مسبوق في تكاليف الحياة وخصوصاً اسعار الوقود وهذا بالنسبة للناخب الامريكي هو المؤشر الاهم للحكم على آداء اي رئيس امريكي وهو الذي يحدد بكل تأكيد توجهات هذا الناخب نحو هذا المرشح او ذاك.
والاهم, ان الامريكيين قلقون جداً من توجه السعودية شرقاً نحو الصين وروسيا ونيتها الانضمام الى مجموعة دول البريكس المنافسة لمجموعة السبع, كما يعتبر التواجد الصيني في المنطقة كابوساً مزعجاً لهم, وهم يعنقدون بشدة ان التطبيع مع الصهاينة قد يخلصهم من كل ذلك.
هذا ويدرك الصهاينة ذلك جيداً وكعادتهم الدنيئة يستغلون هذا الامر لابتزاز الامريكيين واجبارهم على دفع ثمن التطبيع فيما يحصلون هم عليه بدون مقابل, وغي هذا السياق يقول الصهاينة "ان الأميركيين لا يقدمون معروفا لإسرائيل بالتطبيع مع السعودية، بل إسرائيل هي التي تقدم لهم معروفاً, لأن الصفقة مع السعودية هي مصلحة أميركية حقيقية، وهي مهمة جداً بالنسبة للولايات المتحدة بخصوص المنافسة مع الصين والسيطرة على الشرق الأوسط ولان الأميركيين لا يستطيعون التخلي عن المنطقة" وفقاً لزعمهم.
ويتابع الصهاينة، "ليس لدينا ما نعطيه للفلسطينيين في سياق الصفقة، وخصوصاً في ظل التشكيلة الحالية للحكومة, وحتى لن يكون هناك تجميد للبناء ولا حتى لثانية واحدة, الفلسطينيون سيقبلون أي شيء يقدمه لهم السعوديون والأميركيون لا سيما على المستوى الاقتصادي ، نحن مستعدون للدخول في مفاوضات معهم ولكن لن نقدم لهم شيئاً, واذا طلبوا شيئاً فليقدمه لهم الامريكان او السعوديون", حسب قولهم.
هذا وفي السياق نفسه، عزف نفس النغمة مسؤولون أمنيون صهاينة سابقون وحاليون، فطالبوا بشكل علني وفي محادثات مغلقة عن تحفظات شديدة بشأن صفقة واشنطن مع السعودية، وحذروا من أنها قد تضر بالمصالح الأمنية الإسرائيلية؛ حسبما ورد في موقع "واللا". يوم الاحد 13 اغسطس الجاري.
من جهته وعلى نفس الوتر, يائير لابيد رئيس المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد ادلى بتصريح امام أعضاء من الحزب الديمقراطي في الكونغرس الأميركي خلال زيارتهم لتل ابيب الاحد الماضي ونقلته القناة 13 الصهيونية قال فيه "إنه يعارض اتفاقا مع السعودية يشمل تخصيب يورانيوم في الأراضي السعودية، واعتبر أن اتفاقا كهذا يشكل خطرا على أمن إسرائيل" على حد زعمه.
آخر الكلام:
ولكن يبدو ان القرار السعودي جاء استشرافاً لهذا الابتزاز الصهيوني ويتصدى له وليفوت على الصهاينة هذه الفرصة وليرسل لهم رسالة قوية جداً بأن ثمن التطبيع لن يكون اقل من تطيبق قرارات الشرعية الدولية وتسوية القضية الفلسطينية على اساس حل الدولتين والقدس عاصمة للدولة الفلسطينية.
تدرك الولايات المتحدة ان السعودية هي اليوم قلب ومحور العالم العربي, وتوجهها نحو الصين وروسيا وانضمامها لمجموعة البريكس قد يشجع غالبية دول المنطقة لاتباعها والسير خلفها, وتدرك ايضاً ان التطبيع قد يوقف ذلك كله, وتدرك كذلك ان عليها ان تدفع وتجبر ربيبتها الصهيونية ان تدفع الثمن الذي تطلبه السعودية, وإلا فان هناك من هو مستعد للدفع فوراً, وهي تدرك ذلك جيداً, عليه فانه وفقاً لمنطق الاشياء فان الايام القادمة حبلى بالتطورات الايجابية.
السعودية في الظروف الدولية الحالية هي الوحيدة التي تستطيع انتزاع حل عادل للقضية الفلسطينية من براثن الامريكان قبل الصهاينة لعوامل جيواستراتيجية اشرنا اليها سابقاً, واذا حصل هذا وهو المرجح وفقاً لكل المعطيات, فان السعودية ستحفر لنفسها اسماً يخلده التاريخ كما خلد من فتحوا القدس من قبل مثل عمر بن الخطاب وصلاح الدين الايوبي.
وفي هذا السياق اذكر ما قاله مستشار الامن القومي الامريكي الاسبق زبيغو بريجنسكي في مقابلة صحفية في مطلع التسعينات رداً على سؤال حول ما اذا ان ادارة الرئيس جورج بوش الاب ارادت ان تكافئ العرب على مساعدتها في تحرير الكويت من الاحتلال العراقي حينئذ بتسوية القضية الفلسطينية من خلال تنظيم مؤتمر مدريد للسلام, فاجاب بريجينسكي بعد ان تردد قليلاً موجها كلامه لمحاوره "حل القضية الفلسطينية ابسط مما تتصور", ثم تردد مرة اخرى لثوان ثم تابع "اعتقد انه لو اتصلت بعض الدول العربية على البيت الابيض وطلبت منه حل القضية الفلسطينية خلال 48 ساعة والا سنحول السفارات الامريكية عندنا لسفارات سوفيتية, اعتقد ان البيت الابيض سينظر بجدية في هذا الطلب".
يبدو ان الظروف قد حانت لتتحقق نبؤة بريجنسكي.