بقلم: فاضل المناصفة
هل كان انقلاب النيجر حدثا تقليديا اعتداته افريقيا أم ان لروسيا يد فيه؟ وماهي تداعيات سقوط حليف الغرب محمد بازوم على الانظمة العسكرية الأخرى في القارة السمراء.
يأخذ الصراع الدائر في السودان والانقلاب الأخير في النيجر حيزا بالغا من الأهمية على عكس الانقلابات والحروب الأهلية السابقة التي مرت مرور الكرام ذلك لأن أفريقيا اليوم ليست بمنأى عن صراع الغرب وروسيا وهي ميدان يشبه الى حد كبير لعبة شطرنج يتلخص مبدأها على اماتة أكبر عدد من القطع الى أن يصل أحد الاطراف لحصار الملك وتركه في وضعية " كش مات " لتكون بذلك نهاية اللعبة.
روسيا التي سعت منذ بداية عمليتها العسكرية لنقل المعركة إلى خارج حدود أوكرانيا كانت قد مهدت باكرا لنقل الصراع إلى افريقيا عبر تغذية البروباغندا المعادية للغرب، وكانت المرحلة الأولى من نقل الصراع مقتصرة على التأثير الاعلامي وحملات السوشيال ميديا الذي حاولت من خلالها كسب تعاطف الشعوب الافريقية ضد الامبريالية الغربية، كان هذا تجهيزا لمرحلة ثانية تضع فيها موسكو خطة لتغيير وكلاء الاستعمار تحت تأييد شعبي يستعمل فيه الانقلابيون الشارع للرد على الضغط الغربي الرافض لها وهو ما حصل في حادثة اقتحام السفارة الفرنسية في نيامي، ثم يعاد توظيف الشارع مجددا في عملية شرعنة الانقلاب عبر صناديق الاقتراع لتكون سلطة الانقلابيين ذات شرعية شعبية.
يشكل الانقلاب الحاصل في النيجر ضربة موجعة لفرنسا صاحبة الإرث الاستعماري الكبير في القارة الأفريقية، خاصة وانه بدأ بإلغاء اتفاقيات التعاون العسكري التي تعني حظر الطيران العسكري عبر الأجواء النيجيرية، وهي خطوة لا شك في أنها ستجر وراءها إجراءات أخرى تهدد مصالح فرنسا الاقتصادية لاسيما فيما يتعلق باستغلالها لموارد البلاد المعدنية.
فرنسا التي خسرت في ظرف الخمس سنوات الأخيرة مساحة شاسعة من نفوذها في أفريقيا بعد سقوط نظام بوتفليقة في الجزائر وتوتر علاقاتها مع المغرب وسقوط حليفها في مالي واليوم في النيجر تتابع أيضا لما يجرى في السنغال بقلق بالغ نظرا لما يمكن أن يشكله السياسي المعارض عثمان سونكو من خطر بعد حل حزبه، وليس من المستبعد أن تكون فرنسا بالذات هي من أوعزت لهذا القرار في الأساس بعد أن استشعرت رائحة انقلاب يخطط له في الخفاء فراحت تحاول خلط الأوراق في الربع الساعة الأخير من ساعة الصفر، خسارة أخرى وإن حصلت فإنها ستكون ضربة أكثر إيلاما من الضربات السابقة ذلك لأنها ستفتح الباب لتسارع انتقال العدوى الى دول أخرى في منظمة الايكواس، التي قدم تحالفها الاقتصادي لفرنسا كل شيء من غير أن تعود المنفعة على شعوبها في المقابل، لقد أصبح الوجود الفرنسي في أفريقيا أمرا غير مرغوب فيه أكثر من أي وقت مضى، وأصبحت خطوة سحب البساط من تحت أقدامها لعبة واضحة يتحالف فيها الروس والصينيون ممهدين لملأ الفراغ عسكريا واقتصاديا.
خسارة أفريقيا الذي ستضاف إلى سجل ماكرون الحافل بالنكسات ستكون نتيجة حتمية لسياسة عرجاء انتهجتها فرنسا خلال العقود الماضية عندما حولت افريقيا الى مجرد منجم ثري تستخرج منه الثروات الباطنية وتوزع نسبة ضئيلة منها على وكلائها في السلطة، في حين تركت افريقيا تتخبط في مشاكلها التنموية وأبقت شعوبها رهينة أزمات الغداء، فتحت تلك السياسة الفراغ واسعا روسيا لتخطط لإنشاء مستعمرات جديدة تحت غطاء التحرر من قيود فرنسا التي نهبت بما فيه الكفاية، لكن هذا التوسع الروسي المقنع بفكرة التحرر لن يكون إلا نسخة مكررة من تجربة فرنسا، ذلك لأن القوة خارجية حتى وإن أظهرت مشاعر التعاطف ستبقى قوة حريصة على مصالحها بالدرجة الأولى وستعمل كل ما بوسعها لأن تبقى تلك الشعوب رهينة لقراراتها حفاظا على مصالحها.
وعلى فرض أن روسيا ستتمكن من توسيع موطأ قدمها في أفريقيا وستكون البديل لفرنسا، فالتساؤل المهم هو ما فائدة هذا الوجود وانعكاساته على المشهد السياسي والاقتصادي للدول الأفريقية؟ هل ستنجح روسيا في إخراج أفريقيا من براثن الفقر وتحررها من القادة العسكريين الناهبين؟ وهل ستنجح في تقديم نموذج اقتصادي يعمل بمبدأ الشراكة " رابح رابح " وأن تغير وجه أفريقيا من قارة فقيرة الى قارة تستفيد من ثرواتها ؟، لابد للأفارقة بأن يستوعبوا مبدئا في غاية البساطة وهو أن التدخلات الخارجية و محاولات التأثير على المشهد السياسي من الخارج وتحت أية حجة كانت لا يمكن أن تخلوا من النوايا الخبيثة والمصالح الضيقة والتي تسعى الجهة المسؤولة عن التدخل لتحقيقها.
ربما وقع الأفارقة تحت تأثير البروباغندا الروسية التي توهمهم بشعار " أفريقيا للأفريقيين " وأنه لا مكان لفرنسا بعد الآن، وربما هم غير مدركون بأن السلطة التي تصدر لهم من الخارج لن تكون سوى سلطة وكلاء أعمال لا يهمها أن يتغير حال افريقيا بقدر ما يهمها ضمان البقاء في السلطة وضمان مصالح من أوصلهم بطريقة خارجة عن الشرعية للسلطة.
وإلى أن يستفيق الأفارقة من سباتهم العميق ويوقنوا بأن الانقلابات العسكرية لا يمكن أن تكون سوى واحدة من مراحل تغيير الوكلاء ستبقى أفريقيا مستودعا للسلاح وزبونا سخيا له، وسوقا للمنتوجات المقلدة سيئة الجودة، ومنجما للثروات المنهوبة التي تساهم في ثراء الآخرين.