(تقدير موقف | قراءة في المشهد الأفريقي)
بقلم: الباحث والمحلل السياسي د. صلاح أبو غالي
ما يحدث الآن في القرن الأفريقي من انقلابات عسكرية وصراعات مسلَّحة وما سيحدث تباعاً وبالتَّدريج حتى يشمل باقي وكامل دول المنطقة، ما هو إلا جزء من مخطَّط روسي كبير للسَّيطرة على المنطقة، بهدف استعادة التَّركة الرُّوسية التي فقدتها في غفلة من الزَّمن، وأن قُوى الإنقلاب هي بمثابة بيادق استُخدمت وتُستخدم لتنفيذ هذا المخطَّط..
وعند قراءة الحراك الذي يخص الحليف الصِّيني لروسيا ، فهو يتواجد في المنطقة منذ سنوات طويلة، وتتحرَّك الصِّين في المنطقة اقتصادياً فقط من خلال سيناريو ونظرية عقد اللؤلؤ (الحزام والطريق) ولا تهدف للسَّيطرة العسكرية لبعدها الجَّغرافي، وجل اهتمامها اتِّفاقات اقتصادية وتجارية للحصول على حصَّة من البترول ومادة الكوبالت لصناعة البطاريات كونها دولة غير منتجة للنِّفط، أما نشاطاتها العسكرية فجلُّها في شرق آسيا والهند لتأمين مناطق نفوذها استراتيجياً..
لقد بات من المعلوم بالضَّرورة أن هدف المخطَّط الرُّوسي ليس التَّحرُّر من السَّيطرة الصهيوأمريكية أو الفرنسوبريطانية، وإنما هو:
أولاً : إعادة نقل تبعيَّات سياسية من سيِّد إلى آخر، مع فارق في منح السِّيادة لهذه القُوَى في حكم دولها وبما لا يتعارض مع مصالح روسيا بالمنطقة..
ثانياً : تقزيم مكانة إسرائيل وقطع طريق التَّطبيع أمامها، ومنع نقل مياه النيل إليها، وإعادة تقسيم المياه، ومنعها من التَّغوُّل العسكري على دول الجوار بما يخدم التَّوازن الأمني بالمنطقة..
ثالثاً: إعادة توزيع الثَّروات الطبيعية بنسبة خمسين إلى خمسين "مناصفة" بما يخدم دول الإنقلاب ويعزِّز مكانتها الإقليمية والدولية، الأمر الذي يُعَد ذا أفضلية كبرى أمام نهبها بالكلية أمريكياً وأوروبياً وحرمان دول المنشأ من ثرواتها..
رابعاً: من أهم مرتكزات المخطَّط الرُّوسي هو إعادة الدَّور السِّياسي المركزي لمصر كدولة عربية وإقليمية عظمى كما كانت، وسحبها من التبعية لأمريكا، وإستعادة ما تم اجتزاؤه منها من غاز وبترول وجُزر وثروات أخرى، وإنهاء وتسديد مديونيَّاتها للبنك الدَّولي..
خامساً: السَّيطرة على أهم المضائق والموانيء الهامَّة في المنطقة، بما يضمن السَّيطرة على كافة المسطَّحات المائية ووسائل النَّقل البحري والتَّحكُّم بها وإدارتها، وبذلك تتحكَّم في طرق التِّجارة العالمية..
سادساً: ستعمل روسيا على إدارة ملف الطاقة والكهرباء بإقامة محطَّات توليد عظمى في سيناء والصَّحراء الشرقية والغربية تعمل باليورانيوم، والذي سيتم نقله لمصر من دول جنوب أفريقيا ومن ثم تحويله إلى طاقة تخدم كافة دول المنطقة.
سابعاً : إزاحة أمريكا وأوروبا من المشهد السِّياسي بالمنطقة، وحرمانها من منافذ الطَّاقة ومواردها، الأمر الذي ستكون له تداعيات دراماتيكية خطيرة، ودوراً هامَّاً في الحرب الرُّوسية والتي تُدار أوكرانيَّاً بالوكالة لصالح أمريكا وأوروبا، وهو ما سيترتَّب عليه نشوء عالم متعدِّد الأقطاب.
⬅️ الخاتمـــة:
عند قراءة المشهد بعمق، نجد أن أهم ما فيه من سيناريوهات هو منع إعادة ترسيم وتقسيم دول المنطقة وفق المخطَّط الصهيوأمريكي، الأمر الذي يضمن استقرارها وانتهاء الصِّراعات والحروب فيها وازدهارها..
فهل ينجح المخطَّط الرُّوسي وفق المرسوم له، وتنجح قُوَى الإنقلاب في لعب أدوارها، وتُحسن استغلال الأوضاع والمتغيِّرات الجيوسياسية القائمة في المنطقة بما يخدم رسم استراتيجيات جديدة تُحقِّق طموحات شعوبهم إلى جانب مصالحهم كما كان في زمن الخمسينات والسِّتينات على سبيل الإستدلال وتقدير الزَّمن..
فمن أحلام الدُّول ما يتحقَّق، ننتظر ونرى!