مدى إقرار المشرع الفلسطيني لحق التقاضي
تاريخ النشر : 2023-07-29
مدى إقرار المشرع الفلسطيني لحق التقاضي


مدى إقرار المشرع الفلسطيني لحق التقاضي

بقلم: د. إياد سليمان البرديني


من المعلوم والمسلم به أنه لم يعد بإمكان الفرد أن يقتضي حقه بنفسه، بل كفلت له الدولة ذلك عن طريق جهاز نظامي، وذلك بإنشاء جهاز قضائي يتولى فض النزاعات وضمان هذه الحقوق، وبالتالي الحماية القضائية تكفل احترام الحقوق.

ومن هذا المنطلق فإن استرجاع أي حق مسلوب يدّعيه أي شخص لا يمكن أن يستند لمنطق القوة كالأخذ بالثأر أو السعي لنيل ذلك الحق بالوسائل الخاصة، بل لا بد من رفع الأمر إلى القضاء بوصفه الجهاز الرسمي الوحيد الذي يوفر طرق استرجاع الحقوق، فالدولة التي تمنع على الأفراد الاقتصاص الفردي والعدالة الخاصة ملزمة بتوفير البديل لذلك بتقرير حق عام لجميع الأشخاص بالمطالبة أمام القضاء بالحماية القانونية.

وتحقيقاً لتلك الأهداف قد أفرد المشرع الفلسطيني بابه الثاني للقواعد التي صاغها في مجال حماية الحقوق والحريات العامة، وهي قواعد تتكامل فيما بينهما ويندرج تحتها نص المادة (30) والتي أكدت على أن حق التقاضي:

" 1- حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل فلسطيني حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وينظم القانون إجراءات التقاضي بما يضمن سرعة الفصل في القضايا.

2- يحظر النص في القوانين على تحصين أي قرار أو عمل إداري من رقابة القضاء".

وتأسيساً على النص الدستوري نلاحظ أن المشرع الفلسطيني كفل حق التقاضي للناس كافة، بل يمكننا القول أن كفالة حق التقاضي تجعل ظلاله تمتد للأجنبي كما الوطني، فالدولة ليس بمكنتها أن تجحد على غير مواطنيها الحق في اللجوء إلى قضائها للدفاع عن حقوقهم التي تكفلها القوانين الوطنية، وإلا اعتبر اعراضها عن توفير الحماية، أو إغفالها لها إنكاراً للعدالة تقوم به مسئوليتها الدولية.
 
خاصة وأن التزام الدولة بضمان هذا الحق هو فرع من واجبها في الخضوع للقانون، ومؤكداً بمضمونه جانبا من أبعاد سيادة القانون التي جعلها أساسا للحكم في الدولة على ما تنص عليه المادة السادسة من الباب الأول منه، فالواقع أن المشرع الفلسطيني قد أقام من استقلال القضاء وحصانته ضمانة أساسية لحماية الحقوق والحريات، فحق التقاضي هو المدخل إلى هذه الحماية وأن يكون هذا الحق مكفولا بنص صريح في القانون الأساسي كي لا تكون الحقوق والحريات التي نص عليها مجردة من وسيلة حمايتها، بل معززة بها لضمان فعاليتها.

ولهذا قد حظر المشرع إعمالاً لنص الفقرة الثانية من المادة (30) النص في القوانين أي عمل أو تصرف أو قرار من الطعن عليه وهذا لا يعني أن هناك تناقض بين هذا الحق وبين جواز تنظيمة تشريعياً بشرط ألا تتخذ السلطة التشريعية من هذا التنظيم وسيلة إلى حظر هذا الحق وإهداره من خلال حرمان طائفة معينة من هذا الحق ينطوي على إهدار لمبدأ المساواة بأن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي.

فلا يجوز قصر مباشرته على فئة دون أخرى، أو إجازته في حالة بذاتها دون سواها، أو إرهاقه بعوائق منافية لطبيعته، لضمان أن يكون النفاذ إليه حقا لكل من يلوذ به، غير مقيد في ذلك إلا بالقيود التي يقتضيها تنظيمه، والتي لا يجوز بحال أن تصل في مداها إلى حد مصادرتها، مما يدل على أن هذا الحق في أصل شرعته، هو حق للناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم في مجال اللجوء إليه، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعا عن مصالحهم الذاتية.
 
وبعد العرض الموجز لمدى إقرار حق التقاضي في فلسطين، نخلص إلى أن المشرع الدستوري حدد وسيلة معينة هي المطالبة القضائية للوصول إلى الحق مما يتعين التزام هذه الوسيلة ولا يجوز لأي سلطة أن تهدرها بل أن كل تقييد لوسيلة المطالبة القضائية هو في حقيقته تقييد لوظيفة السلطة القضائية في مزاولة اختصاصها بما ينطوي ذلك على تعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في المادة الثانية (2) من القانون الأساسي الفلسطيني.