وجهة نظر ما بين العلمانيين العرب المتطرفين والمتدينين المسلمين المتطرفين!
بقلم: د. عبد الرحيم جاموس
ما يضحكني أن معركة العلمانيين العرب المتطرفين هي مع الله.. ومعركة المتدينين المسلمين المتطرفين مع العلمانيين لإدخالهم جهنم..
تلك معركة بين طرفي صراع مشوه ومفتعل ومختلق في عالمنا العربي والإسلامي هو في غنى عنه..
وقد أبعدوا المجتمع وحرفوه عن قضاياه الحقيقية وكانوا بمثابة أدوات هدم لا أدوات نهضة أو بناء في المجتمع .. ولحسن حظي أو سوء حظي عشت التجربة مع الطرفين وعرفتهما عمليا واكتشفت مدى بعدهما عن الواقعية والعلمية وعن الدين الصحيح..
لأنهم قد اختلقوا واستوردوا لنا مشكلة عانت منها مجتمعات أوروبا المتخلفة في عصر الهيمنة الكنسية وهرطقاتها أثناء فترة تسلطها على كل شؤون الحياة والذي ليس من المسيحية الحقيقية في شيء كما جاء بها المسيح عليه السلام، ولم تعانيها مجتمعاتنا لا من قريب ولا من بعيد لا من المسجد ودوره ولا من الكنيسة العربية ودورها..
لذا بقي طرفي هذا الصراع الوهمي والمشوه يعيش على هامش المجتمع العربي والإسلامي، ولا مستقبل لهم أي الطرفين في أحداث التغيير الذي يهم المجتمع وقد باتوا هامشيين .. لأنهم لم يستطيعوا تلمس اشكالياتنا وأزماتنا الحقيقية المادية منها والفكرية ومشاكل الإنسان العربي بصفة عامة سواء منه المسلم أو المسيحي..
مشكلتنا كعرب مسلمين ومسيحيين مع الفقر والجهل والمرض والتخلف العلمي ومع الإستعمار وضرورة التحرر منه ومن القيود التي تحد من النمو والتطور والتحرر والإبداع وليس مع الله، أو مع من يتخيل نفسه رسول صغير أو رب صغير أو مبعوث العناية الإلاهية للإصلاح وحامي حمى الرب والدين..
الرب والله والدين ليسوا بحاجة لأحد ليدافع عنهم وكل من دخل في صراع مع الله فقد هزم قبل أن يبدأ معركته .. وعندما يحضره الموت يستسلم له استسلاما كامل ويطلب الذهاب به إلى المسجد أو إلى الكنيسة، أليس كذلك..
لذا يعيش طرفي هذا الصراع الوهمي حالة من السفسطائية العبثية الغير مفيدة والا مجدية..
سيبقى الدين أي دين لأي مجتمع مصدر إلهام من مصادر المعرفة بجانب المصادر الأخرى من العلوم والفلسفة والفن والإبداع ولا يمكن انكاره وانكار تأثيره في حياة العامة والخاصة من الناس..
ومن هنا يجب الإقرار بذلك والبحث في كيفية إقامة التوازن الفكري والثقافي لدى الفرد ولدى المجتمع حتى تخلق الفرد والمجتمع المتوازن وتهيئة المناخ الملائم لمواجهة المشاكل الحقيقية والقضايا التي تعاني منها مجتمعاتنا..
لقد أثرت في تجربتي الفكرية على المستوى الشخصي صداقتي ومعرفتي ومتابعتي للمرحومين والمفكرين العربيين الكبيرين الدكتور محمد عابد الجابري والدكتور عبدالوهاب المسيري حيث انتهيا إلى إقامة التوازن الفكري بضرورة اعتماد مصادر المعرفة الأربعة كمكونات رئيسية للفكر الإنساني وعدم التوقف عند صغائر الأمور فيها ولا عند الغيبيات التي هي مسائل فردية قبل أن تكون جماعية فمن شاء فاليؤمن ومن شاء فاليكفر .. قد تبين الغي من الرشد..
مشكلتي في هذا الرأي المتوازن والمعتدل أنني مرفوض وغير مقبول من طرفي المعادلة المتناقضين العلمانيين المتطرفين وكذلك المتطرفون المتدينون..
والله غالب على أمره ..
لكني وصلت إلى قناعة ورضا تام، وسلام داخلي وسلام خارجي مع الآخرين حتى الذين اختلف معهم، لأن مشكلتي ليست مع العلماني الواقعي ولا مع الله ولا مع المتدين العادي غير المتزمت والمتطرف..
إنما مشكلتي مع المتطرفين من كلا الطرفين النقيضين العبثيين..
عاطر تحياتي لكم أخوتي وليستمر هذا الحوار الراقي على قاعدة الإحترام المتبادل.
هذا كان مداخلة لي في حوار مع بعض الإخوة على صفحة الأخ رياض الهودلي. وله الإحترام.
وجهة نظر ما بين العلمانيين العرب المتطرفين والمتدينين المسلمين المتطرفين
تاريخ النشر : 2023-07-23

د. عبد الرحيم جاموس