الأردوغانية وقمة فيلينوس.. إنجاز أقرب للفشل
بقلم: د. سمير الددا
الأسبوع الماضي تصدرت وسائل الاعلام العالمية عدة احداث عالمية كان ابرزها قمة زعماء حلف شمال الاطلسي "ناتو" في العاصمة الليتوانية فيلينوس, وسر الاهتمام الدولي الاستثنائي بقمة حلف الناتو على وجه التحديد هو موقف تركيا حيال انضمام السويد للحلف بذريعة دعم الاخيرة للارهاب كونها تحتضن عدد من الاشخاص ينتمون لاحزاب معارضة للنظام التركي وتصفهم انقرة بالارهابيين, ناهيك عن قيام متطرف معادي للاسلام بحرق نسخة من المصحف الشريف امام اكبر مساجد استوكهولم اواخر شهر يونيو الماضي بموافقة وحماية الشرطة السويدية مما اثار ردود فعل عالمية غاضبة في العالم الاسلامي بما فيه تركيا الذي توعد رئيسها رجب طيب اردوغان السويد بأشد العبارات وهدد بمعاقبتها باعتراض بلاده على انضمامها لحلف الناتو الذي ينص نظامه على ان قبول اي عضو جديد في الحلف يخضع لقبول جميع الاعضاء بلا استثناء, وتركيا عضو منذ اكثر من 70 عاماً.
أردوغان فاجأ العالم اجمع الاسبوع الماضي بموافقة تركيا مبدئياً على انضمام السويد للحلف, مشيراً الى انه حول الملف للبرلمان التركي للبت فيه نهائياً بحلول اكتوبر القادم, مما فتح باباً واسعاً لتكهنات وسيناريوهات ليس لها أول ولا آخر منها:
هناك من قال إن هذه الموافقة جاءت نزولاً لرغبة الرئيس الامريكي "في ان يرحب بالسويد عضواً بالناتو في قمة فيلينوس" وهذه الرغبة حملتها املاءات صارمة اثناء مكالمة هاتفية اجراها الرئيس جو بايدن الاحد 9 يوليو الجاري مع اردوغان لم يكن بإمكان الاخير إلا الانصياع لها, خصوصاً في ضوء الوضع المتداعي للاقتصاد والعملة التركية التي تدهورت الى منحدر غير مسبوق امام الدولار الذي وصل الى ما يقارب 27 ليرة بعدما كان اقل من 3 ليرات قبل حولي 7 سنوات, وكان من أهم اسباب تدهور سعر صرف الليرة التركية حسب رأي من يقولون بهذا السيناريو غضب ادارة الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب على تركيا بسبب قيامها بعقد صفقة منظومة الدفاع الروسية اس 400 مع موسكو, وتعنت الرئيس اردوغان في رفضه لطلب الرئيس ترامب المتكرر حينها بإلغاء الصفقة, مما دعا الاخير الى اتخاذ اجراءات عقابية ضد تركيا عسكرية وسياسية وعقوبات اقتصادية ادت الى ضغوط شديدة على الاقتصاد التركي نتج عنها هزات عنيفة في الاسواق (تضخم وتدهور سعر صرف الليرة وارتفاع حاد في الاسعار), وليس سراً ان الاستراتيجية الامريكية الحالية تهدف الى تحييد روسيا التي تقف الى جانب الصين في التنافس الخطير بين واشنطن وبكين على زعامة العالم اقتصادياً وسياسياً, اضف الى ذلك ان انضمام السويد الى حلف الناتو يعتبر مكسبا جيواستراتيجياً مهماً للولايات المتحدة ويعزز موقفها عالمياً وخصوصاً امام خصميها اللدودين الصين وروسيا اللذان يسعيان الى تأسيس نظام دولي جديد متعدد الاقطاب ليكون بديلاً لنظام الاحادي القطب التي تسيطر عليه الولايات المتحدة, بالاضافة الى ذلك فان واشنطن ترى ان هذا التطور سيكون له انعكاسات مهمة على تعزيز حضورها الدولي وسحب البساط من تحت اقدام بكين في المناطق التي تمددت اليها في السنوات القليلة الماضية مما يقوض الطموحات الصينية الرامية الى الاستحواذ على مزيد من النفوذ عالمياً واخيرا ترى واشنطن ان تعزيز حلف الناتو بضم فنلندا والسويد قد يساعدها في كبح سعي بكين الى السيطرة على جزيرة تايوان الامر الذي تعارضه واشنطن بكل قوة وتعتبره واحداً من أخطر خطوطها الحمراء.
وعليه فإن مسألة ضم السويد للناتو في منتهى الأهمية وتأتي في صدارة الاولويات الامريكية بل قد تكون الاولى من حيث الاهمية في استراتيجية ادارة بايدن الحالية, وباتالي فهي غير قابلة للنقاش او المساومة امريكياً تحت اي ظرف, وقطعاً فإن الرئيس اردوغان يدرك ذلك جيداً ويبدو انه استحضر مرارة الدرس الامريكي السابق وخشى تكراره لذا لم يجرؤ على المناورة هذه المرة حسب اصحاب هذا السيناريو.
وهناك من يقول ان مكالمة الرئيس بايدن التي سبقت الاشارة اليها قد حملت وعوداً بحزمة مساعدات دولية تصل الى 12 مليار دولار لدعم الاقتصاد التركي مقابل الموافقة على ضم السويد للناتو وهذا ما ذكره مؤخراً الصحفي الأمريكي سيمور هيرش, الامر الذي علق عليه جودت يلماز نائب الرئيس التركي قائلاً " لا يمكن رشوة تركيا".
عموماً قرار اردوغان المفاجئ يذكر بسلوك تركي مشابه وفي موقف مشابه, عندما وافقت تركيا عام 1980 على عودة عدوتها اللدودة اليونان الى حلف الناتو بعد ان كانت الأخيرة قد انسحبت منه عام 1974 احتجاجاً على تقاعس الحلف عن الدفاع عن شمال قبرص عندما استولت عليه تركيا حينئذ, وهذا الحدث تسبب بمواجهات عسكرية وسياسية ودبلوماسية اعقبها قطيعة شبه كاملة بين البلدين وهذا ما اثار الكثير من علامات الدهشة والاستغراب من موافقة تركيا على عودة اليونان لحلف الاطلسي رغم انها كان بامكانها منعها, وهو ما لم يجد له المراقبون تفسيراً حينها الا ان يكون نتيجة اغراءات أوضغوطات غربية وامريكية.
وهناك من يفسر الموقف التركي الصادم بالاردوغانية "الميكافيلية أقرب الى الانتهازية" التي يتقنها الرئيس اردوغان جيداً ولا يتردد في تقديم "المصالح" على القيم والشعارات والمبادئ, وان الرجل سال لعابه لبعض الوعود وبعض الاغراءات الغربية بما في ذلك وعد احياء ودعم طلب انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي, وهذا ما هو مستبعد, فمعظم دول التحاد الاوروبي الان تحكمها حكومات يمينية متطرفة تكن عداءاً كبيراً للاسلام بحجة ان اعداد المسلمين في هذه الدول الذي يقدر بحوالي 16 مليون يشكل خطراً كبيراً على هويتها الثقافية والاجتماعية, فكيف ستسمح هذه الدول بانضمام حوالي 80 مليون مسلم جديد لفضائها الاوروبي, هذا امر غير قابل للتصور, ولا أظنه سيتحقق.
المعادلة وفقاً لهذا السيناريو واضحة تماماً, موافقة تركيا النهائية على دخول السويد لحلف الناتو مرتبطة بحصول الاولى على عضوية الاتحاد الاوروبي, ووفقاً لهذه المعادلة يبدو ان فرص تحقيق تقدم ايجابي لكلا طرفيها ضئيلة جداً, بل تكاد تقترب من الصفر, واردوغان يدرك ذلك, لذا ربما يهدف من وراء هذه المناورة الى تحقيق بعض المكاسب على الساحة الاوروبية, مثل اعفاءات او امتيازات جمركية للصادرات التركية لدول الاتحاد, وربما تسهيلات في منح التاشيرات الاوروبية للمواطنين الاتراك وغيرها, وهذا ما اشار اليه فعلاً رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون في تصريح نقلته وكالة رويترز الثلاثاء 11 يوليو اي في اليوم التالي مباشرة ليوم موافقة الرئيس اردوغان قال فيه "إن بلاده ستسعى إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين تركيا وأوروبا، وتابع كريسترسون في تصريحه للصحافيين خلال قمة حلف الناتو في فيلنيوس: "نحن الآن نشجع تعزيز الروابط الاقتصادية وتحديث الاتحاد الجمركي وتوفير أنظمة أفضل للتأشيرات, هناك أرضية خصبة لتعاون أوثق", وكان واضحاً ان الرجل لم يتطرق لمساعدة او دعم طلب تركيا لعضوية الاتحاد الاوروبي.
لم يكن مفهوماً ان يقبل سياسي مخضرم كأردوغان بتقديم هذا الثمن الباهظ من مصداقيته ومصداقية بلاده وسمعته ومن رصيده الشعبي في تركيا والعالم الاسلامي وخصوصاً بعدما تعهد بكل قوة بانه سيقوم بمحاسبة من حرق نسخة من المصحف الشريف وكذلك تعهده القاطع ايضاً بمعاقبة من اعطاه ترخيصاً بذلك, وذلك مقابل مجرد وعود يعرف اكثر من غيره ان الغرب يمكن ان يتنكر لها ويغير رأيه في اي لحظة.
في سياق ذا صلة, الرئيس الامريكي جو بادين كان بامكانه تجنب الحرب في اوكرانيا قبيل اندلاعها بتعهد من سطرين لروسيا بعدم تمدد حلف الناتو شرقاً نحو الحدود الروسية, الا انه رفض, مما يرجح الاعتقاد ان نيته كانت تمدد الحلف والزحف تجاه اراضي روسيا وحصارها من الغرب من المناطق الشرقية لاوكرانيا, وفي سبيل ذلك الهدف لم يبالي باندلاع الحرب ودفع مليارات الدولارات لتمويلها, لذا مسألة انضمام السويد وفنلندا تعتبر مسألة فاصلة في الاستراتيجية الامريكية للتعامل مع روسيا, فكما ذكرنا كل هذه التكاليف في الاموال والاسلحة والعتاد للتقرب من حدود الغربية الروسية, ولكن ها هو يحقق اكثر مما سعى اليه بضم فنلندا والسويد الى حلف الناتو مما يتيح الفرصة لجيوشه بحصار روسيا من جهة الشمال والشمال الغربي من فوق الاراضي الفنلدنية والسويدية التي من المتوقع ان تتمركز فيها في اقرب فرصة تحت علم الحلف, وخصوصاً ان فنلندا لديها اطول حدود مع روسيا بطول حوالي 1340 كيلومتر, وهذه فرصة انتظرها بايدن على احر من الجمر ولن يسمح لاي كان سواءاً اردوغان او غيره بتفويتها لدرجة ان مسألة طرد تركيا من حلف الناتو كانت مطروحة على اجندة الرئيس الامريكي في حالة كانت حجر عثرة امام انضمام فنلدا والسويد وهذا ما قرأه اردوغان جيداً واجبره ان يبتلع كل كلامه ويتراجع عن تهديداته بل اجبره ايضاً ان يتجرع اهانات اوروبية مسيئة وجهها مسؤولون اوربيون رفيعو المستوى للشعب التركي منهم وزيرة المالية الفنلندية ريكا بورا رئيسة حزب اليمين المتطرف التي وصفت الاتراك بانهم "قرود" في تعليق لها على طلب تركيا للانضمام للاتحاد الاوروبي وربط ذلك بموقف تركيا من طلب عضوية بلادها والسويد لحلف الناتو, مما يعكس معارضة اوروبية شبه جماعية للطلب التركي رغم مما يحاول ان يوحي به اردوغان بأنه قادر على ابتزاز اوروبا التي تحكم معظم دولها الان احزاب يمينية تجاهر بعادائها للاسلام والمسلمين وتعارض اي تواجد غير اوروبي في اوروبا وبالتالي تعارض بشدة الطلب التركي للانضمام للاتحاد الاوروبي.
الرئيس الروسي فلاديمير شعر أن اردوغان غدر به, فهو كان حليفاً له في سوريا وكان يمنح تركيا النفط والغاز باسعار تفضيلية وكان يشجع السياح الروس بالسفر الى تركيا الى ان اصبحوا يشكلون غالبية السياح في تركيا واكثرهم انفاقاً مما يدعم الاقتصاد التركي, وكذلك منح بوتين تركيا فرصة ذهبية لتكون مركزاً عالمياً لتجارة الحبوب الروسية وكذلك الحبوب التي تنتجها المناطق الاوكرانية الخاضعة للسيطرة الروسية والتي تقدر بأكثر من نصف الانتاج العالمي من الحبوب وهذا يعود بفوائد كبيرة على الاقتصاد التركي, ورغم ذلك ها هو اردوغان يطعنه في الظهر على حد وصف مصادر روسية.
الجميع يعرف أن بوتين شن حرباً على اوكرانيا يواجه فيها حلف الناتو بشكل غير مباشر بسبب تخوفه من اقتراب الحلف الى حدود بلاده الغربية من شرقي اوكرانيا واذا باردوغان بموافقته على انضمام فنلندا والسويد للحلف يمكن الناتو من حصار روسيا ليس من الغرب في اوكرانيا فقط بل اصبح يحاصرها ايضاً من الشمال والشمال الغربي من فنلندا والسويد, وهذا احد اسباب غضب بوتين ودفعه الاثنين 17 يوليو الى تعليق عضوية بلاده في اتفاق الحبوب الموقع بين روسيا واوكرانيا وتركيا في يوليو العام الماضي برعاية الامم المتحدة والذي ينص على تسهيل تصدير القمح الاوكراني من موانئ اوكرانية على البحر الاسود وان تسمح روسيا للسفن التي تحمل القمح بالعبور الى البحر الاسود ومنه عبر المنافذ التركية الى العالم.
تعليق اتفاق الحبوب سيكون له تداعيات كبيرة على اقتصادات الدول الموقعة ومنها تركيا التي ستفقد جراء ذلك مصدراً مهما للنفوذ ناهيك عن العوائد الاقتصادية, ولكن التاثير الاكبر لهذا القرار سيكون على اسعار الغذاء المرشحة للارتفاع في الكثير من الدول وبالتالي الضغط على الاقتصاد الدولي وعلاوة على انه قد يشكل تهديداً للامن الغذائي العالمي.
وهذه ليست اول مرة يتصرف اردوغان على هذا النحو والانتقال من الشئ الى ضده, فالرجل يكاد كل تاريخه على هذا النحو, فهو مثلاً كان شريكاً لعبد الله غول في تاسيس حزب العدالة والتنمية وابدى له الدعم والمساندة الى ان نصبه رئيساً لتركيا عندما كان منصب الرئيس أقرب الى المنصب الشرفي وبدون صلاحيات تذكر ومن ثم فاجأ العالم بعزله من الرئاسة ومن الحزب وتهميشه حتى يومنا هذا, وكرر الامر نفسه بكثير مما كانوا حوله وعاصروا مسيرته وآزروه خلالها مثل رئيسي الوزراء السابقين احمد داوود اغلو وبنعلي يلدرم والوزير السابق علي بابا جان وغيرهم.
وقبل ذلك كان قدم حزبه الجديد حزب العدالة والتنمية للشعب التركي انه حزب سياسي محافظ اجتماعي تطور من الارث التاريخي العثماني وهويته الإسلامية, ثم ما لبث ان صور الحزب على أنه حزب مؤيد للغرب ومؤيد لأمريكا ويتبنى اقتصاد السوق ويعمل جاهداً لتحقيق حلم الاتراك بضم تركيا للاتحاد الأوروپي.
ربما لا يعرف الكثيرون ان رجل الدين التركي المنفي في الولايات المتحدة فتح الله كولن والذي يطالب اردوغان بتسليمه كان من اهم انصار اردوغان وحزبه لفترة طويلة وساعده كثيراً في إضعاف معارضيه ومعارضي حزبه العدالة والتنمية من خلال سلك القضاء التركي الذي كان يتمتع كولن داخله بنفوذ كبير, مثله مثل قطاعات حيوية اخرى, كالقطاع الاقتصادي والمصرفي, التعليم, الصحة وغيرها, ومن ثم تفاجأ الاتراك بقيام اردوغان الى الالتفاف والانقلاب على كولن تحسباً لنفوذه المتغلغل في كافة قطاعات المجتمع التركي مما دفعه للخروج من تركيا بعدما شعر انه مهدد من اردوغان.
الرجل اقنع الجميع في بدايات حكمه انه يتبنى القضية الفلسطينية ومتحمساً لها اكثر من اهلها بما في ذلك تحديه للحصار الصهيوني المفروض على قطاع غزة وارساله للسفينة مرمرة الى شواطئ القطاع عام 2010 وقيام الصهاينة باقتحامها واستشهاد 10 من الاتراك وما تبع ذلك من سحب للسفراء وتعليق العلاقات التركية الصهيونية في مشهد أهل اردوغان بجدارة للتربع في قلوب كل العرب والمسلمين واصبح بطلاً اسطورياً عند الفلسطينيين, وتحولت تركيا الى قبلة لهؤلاء وتدفقت الاموال والاستثمارات العربية على تركيا بمئات المليارات من الدولارات من حدب وصوب مما ادى الى انتعاش الاقتصاد التركي بصورة كبيرة حينها, الى ان فاجأ اردوغان الجميع في مارس العام الماضي بترتيب استقبال اسطوري للرئيس الصهيوني اسحق هرتزوغ يذكر باستقبالات السلاطين والاباطرة والملوك في حكايات الف ليلة وليلة ولم يحظ بمثله اي زعيم عربي زار تركيا بعده او قبله مثل الرئيس الملك عبد الثاني ملك الاردن, والرئيس الفلسطيني محمود عباس, والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالاضافة الى الرئيس الاماراتي الشيح محمد بن زايد, وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان وامير قطر الامير تميم بن حمد وغيرهم (رغم أنهم ضخوا في الاقتصاد التركي المليارات من الدولارات), مما اسقط في يد الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأحبطوا وخاب ظنهم, مما نفر البعض منهم من تركيا وغادروها باموالهم مما تسبب بمزيد من الضغوط على الاقتصاد التركي المتداعي اصلاً.
آخر الكلام:
للرئيس اردوغان فضل كبير في نقل تركيا من دولة هامشية كانت تقبع في قاع قائمة دول العالم الثالث الى دولة رئيسية قوية ومؤثرة في المنطقة والعالم....ولكن هذا لا يمنع ابداء بعض الملاحظات توخياً والموضوعية.
• الرئيس اردوغان لم يخف شخصيته عن العالم, فالرجل كان واضحاً وضوح الشمس, فقد لعب مع شركاء له في الحزب والدولة وعندما ارسى دعائم حكمه وهيمن على كل مفاصل السلطة لعب بهم وأدار لهم ظهر المجن.
• لعب الرجل بوجدان الامة ونادى بالتمسك بالمبادئ والقيم فدغدغ مشاعر الاتراك بإحياء الدين واعادة القيم الاسلامية والفضيلة, ولكن بعد اكثر من 20 عاماً من حكمه ما زالت اسطنبول مرتعاً للرذيلة وكافة انواع الموبقات وتنتهك فيها كل انواع المحرمات في الحانات والمواخير ومازالت المدينة التي كانت على مدى قرون عاصمة الخلافة الاسلامية ملاذاً امناً لبنات الليل وبائعات الهوى من كل حدب وصوب....!!!, الا يعتبر هذا تناقضاً فجاً مع ما ينادي به الرجل من الفضيلة والمبادئ والقيم؟ وهل يستقيم ذلك مع تدينه وخطه الاسلامي شديد الوضوح؟ ألا يملك السلطة والصلاحية بالقضاء على هذه الظاهرة التي تشوه وجه تركيا وتلطخ مسيرته ومسيرة حزبه الذي يلتحف بعباءة الدين؟.
• لعب اردوغان ايضاً مع التيار الاسلامي وخصوصاً الاخوان المسلمين, فضخوا المليارات من الدولارات في الاقتصاد التركي, ومن ثم لعب بهم واستخدمهم كورقة مساومة للتفاوض على عودة علاقات تركيا بمصر والعرب وحين حان الوقت انقلب عليهم فطرد منهم من طرد وكمم افواه من بقوا تحت طائلة القمع والاضطهاد.
• لعب اردوغان في بداية الحرب على اوكرانيا مع بوتين ووقف على الحياد رغم ان تركيا عضو في حلف الناتو فحصل على النفط والغاز واصبح وسيطاً للقمح الروسي والاوكراني حول العالم, ومن ثم ما لبث الى ان لعب ببوتين فوافق على ضم فنلندا والسويد الى الحلف ليحاصر روسيا في الغرب والشمال والشمال الغربي بعد ان اشعل بوتين الخرب لدحر خطر الناتو من الغرب فقط.
• لعب مع العرب في بداية عهده (ليس حباً بهم ولكن نكاية في الغرب الذي رفض طلبه دخول تركيا الى الاتحاد الاوروبي) فحصل على ملياراتهم, ثم ما لبث ان لعب بهم فهاجمهم واحتضن خصومهم وها هو يعود اليهم من جديد.
• اردوغان لعب مع الجميع ولعب بالجميع.....وربما هذا ما يطلق عليه "الاردوغانية" والتي لا أظن انها تصلح للظروف العالمية المستجدة.
الأردوغانية وقمة فيلينوس.. إنجاز أقرب للفشل
تاريخ النشر : 2023-07-18

د. سمير الددا