بقلم: د. إبراهيم خليل إبراهيم
عبد الرحمن عبد الملك الخميسي مراد الشهير بـ عبد الرحمن الخميسي من مواليد 13 نوفمبر عام 1920 لأب ريفي من منية النصر إحدى قرى محافظة الدقهلية وأم من بورسعيد وعاش طفولته الأولى مع والدته متنقلاً بين مدينتي بورسعيد والسويس ثم أعاده والده إلى حضانته في سن السادسة حيث كان يقيم في قريته منية النصر وألحقه بالمدرسة الابتدائية بالزرقا وكان يحب السير على شاطئ النيل ويعود في نهاية الأسبوع إلى قريته ليقضي بعض الوقت مع والده وزوجته الأخرى.
انتقل عبد الرحمن الخميسي للدراسة في المنصورة الثانوية وفيها شجعه الشاعر محمد بيومي على مراسلة الصحف لنشر إنتاجه الأدبي وبدأ وعيه السياسي والأدبي ينمو وهو في المنصورة ثم انتقل إلى القاهرة والتحق بمدرسة القبة الثانوية وشارك في جماعة التمثيل بها.
عمل هو والشاعر أحمد مخيمر في كتابة المونولوجات والأغاني للملحنين والمطربين والمونولوجستات وفي عام 1938 تعرف على الشاعر أحمد رامي في دار الكتب وعلى محمد فتحي في الإذاعة حيث درّبه على كتابة التمثيليات الإذاعية وإخراجها وبدأ يمارس العزف على البيانو ويصاحب الفرق الموسيقية ثم تعرف على أحمد المسيري وكان صاحب فرقة مسرحية شعبية جوالة ذائعة الصيت وتعاقد معه وتشرّب منه الإجادة والتجويد في كل أركان العمل الفني فقد كان المسيري فنانًا شاملاً يجيد التأليف المسرحي والغنائي والتمثيلي والإخراج والتلحين والتطريب والماكياج والديكوروالإدارة فضلاً عن النجارة والكهرباء والحرف المساعدة للعمل الفني وكان مسرح فرقة المسيري ارتجالي الطابع مع تطعيم الأحداث بالواقع والعادات وقد مارس عبد الرحمن الخميسي من خلال هذه الفرقة ومثيلاتها التعبير الفني المطلق كما مارس فنون المسرح.
ارتقى عبد الرحمن الخميسي من ممثل صغير في هذه الفرقة إلى نجمها الأول وتفجّرت موهبته في إتقان تأليف المسرحيات والمسلسلات الإذاعية كما صُقلت مواهبه في الإخراج والموسيقى والتلحين وكتابة الشعر وفي هذه الفرقة توثقت علاقته بنجار الفرقة ودفع به إلى ساحة التمثيل وغناء المونولوجات الخفيفة وكان هذا النجار هو محمود شكوكو واختار له زيه التقليدي وتمثاله..
سنة 1940 أتيح لعبد الرحمن الخميسي أن يتعرف بشاعر القطرين خليل مطران كما تعرف على الأدباء والمفكرين ومنهم سلامة موسى وإبراهيم ناجي وكامل الشناوي الذي اختار له لقب ( القديس ) ثم عرف محمد عودة ومصطفى وعلي أمين وموسى صبري وحفني باشا محمود واختاره كامل الشناوي محررًا أدبيًا لأخبار اليوم.
كانت بداية عمل عبد الرحمن الخميسي في الإذاعة المصرية عام 1938 ثم ترك وظيفته في الإذاعة المصرية عام 1947 وعمل في إذاعة الشرق الأدنى وكانت تبث من يافا وعمل مؤلفًا للبرامج والتمثيليات ومخرجًا ومذيعًا وممثلاً وقد زامل هناك سامي داود وعميد الإمام والسيد بدير وناصر الدين النشاشيبي.
أشرف عبد الرحمن الخميسي على صفحة فنية يومية في جريدة المصري وفيها كتب عمودًا يوميًا بعنوان من الأعماق ونشر في هذه الصفحة إبداعات كثيرة ومتنوعة للجيل الصاعد وقتها وكان إنتاج يوسف إدريس القصصي ضمن ما نُشر في هذه الصفحة تباعًا وقد تنبأ له بمستقبله الذي تحقق .
لمع عبد الرحمن الخميسي شاعرا من شعراء الرومانسية ومدرسة أبوللو بروادها الكبار علي محمود طه ومحمود حسن إسماعيل وإبراهيم ناجي وغيرهم.
التحق عبد الرحمن الخميسي بجريدة الجمهورية لكن الحكومة قامت فيما بعد بنقله مع مجموعة من أبرز الكتاب إلى وزارات مختلفة وكان نصيبه منها وزارة التموين فألّف في تلك الفترة فرقة مسرحية باسمه كتب وأخرج أعمالها ومثل فيها وجاب بها المحافظات كما كتب للإذاعة عدة مسلسلات لاقت نجاحا خاصا أشهرها حسن ونعيمة التي تحولت لفيلم.
انتقل عبد الرحمن الخميسي إلى تعريب الأوبريتات في تجربة كانت الأولى من نوعها في تاريخ المسرح الغنائي خاصة أوبريت الأرملة الطروب وألف العديد من الأوبريتات المصرية ثم انتقل إلى تأليف وإخراج الأفلام السينمائية إلى جانب ذلك كله كان عبد الرحمن الخميسي يواصل دوره الصحفي والأدبي في مجال القصة والشعر ومهّد الطريق لمواهب كبرى مثل يوسف إدريس واكتشف طاقات أخرى مثل الفنانة سعاد حسني وغيرها وترك أثراً خاصا بدوره في فيلم الأرض ليوسف شاهين.
قدم الشاعر عبد الرحمن الخميسي للمكتبة العربية سبعة دواوين شعرية و 9 مجموعات قصصية كما كتب المسرحيات والتمثيليات والأوبريتات وقدم أربعة أفلام شارك في وضع قصصها وسيناريوهاتها وألّف الموسيقى التصويرية لبعضها ومثل في بعضها الآخر كما كتب النقد وقام بالترجمة أيضا إلى اللغة العربية.
ترجمت أعمال عبد الرحمن الخميسي إلى لغات عديدة منها الإنجليزية والروسية والفرنسية وغيرها وكانت موضوعا لرسائل الدكتوراه في جامعات أوروبية عدة.
سافر عبد الرحمن الخميسي في رحلة طويلة من بيروت إلى بغداد ومن بغداد إلى ليبيا ومنها إلى روما ثم باريس ثم موسكو حيث قضى ما تبقّى من سنوات حياته في الغربة .
حصل عبد الرحمن الخميسي وسام لينين للسلام عام 1981 وأقيم حفل كبير في موسكو بهذه المناسبة ثم تكرر الاحتفال به عربيًا في بيروت وألقى ياسر عرفات في الحفل العربي كلمة أشاد فيها بدور عبد الرحمن الخميسي .
يوم 1 أبريل عام 1987 توفى عبد الرحمن الخميسي في موسكو ونُقل جثمانه ليُدفن في المنصورة حسب وصيته الأخيرة .
الدكتور لويس عوض أعتبر عبد الرحمن الخميسي آخر الرومانسيين الكبار.
والدكتور محمد مندور قال: عبد الرحمن الخميسي بلغ بشعره حد السحر
وقال الكاتب الصحفي أحمد بهجت : قام الخميسي بدور في تنوير الحياة الأدبية يشبه دور برتراند راسل في المجتمع الإنجليزي.
وقال عنه يوسف إدريس إنه أول من حطم طبقية القصة وأنه عاش قويا عملاقا مقاتلا إلى ألف عام.
وكتب أحمد بهاء الدين: دهشت عندما قرأت في نعيه أنه توفي عن سبعة وستين عاما فقط وكنت أظنه أكبر من ذلك لكثرة ما أنتج وكثرة ما عاش وكثرة ما سُجن وكثرة ما سافر في أنحاء الدنيا وكثرة ما ترك من الأبناء والبنات في شتى عواصم العالم.