حب أهل البيت بين التشيع والتصوف والتسلف (12)
تاريخ النشر : 2023-06-27
حب أهل البيت بين التشيع والتصوف والتسلف (12)
سيد سليم سلمي محمد


حب أهل البيت بين التشيع والتصوف والتسلف (12)

نماذج شيعية ترفض الغلو أيضا

بقلم: الكاتب والداعية الأزهري سيد سليم سلمي محمد ـ عضو اتحاد كتاب مصر

بعيداً عن خلط جميع الأوراق، واتهام كل الشيعة باتخاذ التقية ستاراً أقول إنه لا تخلو طائفة ما من المعتدلين وإن كانوا قلةً، كما لا تخلو كذلك من المتطرفين.

 وإخواننا الشيعة من الطوائف التي لا يستطيع أحد إنكار وجودها في معظم الدول، أقليةً كانوا أم أكثرية.

والغالب على التيار الشيعي ـ كواقع نعيشه ـ هو التيار الغالي المتطرف الذي جعل محادة أصحاب النبي وأمهات المؤمنين جل همه واعتقاده، وعاش الحاضر عن طريق أخطاء ومصادمات الماضي، وجعل قضية الخلافة أهم طريق للطعن في الصحابة، والمصيبة الكبرى أنهم يظنون بذلك أنهم يحسنون صنعاً؛ ولكن هذا لا ينفي أن هناك من المعتدلين من وقفوا أمام تلك الأخطاء على أنها واردة بين البشر، وأن الاختلاف بل والاقتتال وارد حتى بين الأخوة وقد قرأنا كتاباتٍ لبعض هؤلاء المعتدلين من التيار الشيعي، وأثنينا عليهم، وأحببناهم في الله دون أن نراهم؛ فهم نماذج مشرفة للاعتدال؛ إذا صح القصد وحسنت النوايا، والله عليم بذات الصدور، فمنهم على سبيل المثال: 

العلامة الدكتور موسى الموسوي

من النماذج الشيعية المعتدلة الدكتور موسى الموسوي، وقد قرأنا له كلاماً طيباً مليئاً بالود والرحمة في كتابه (الشيعة والتصحيح الصراع بين الشيعة والتشيع) فوجدناه يضع يده بمهارة على مواطن الخلاف وأسباب الفرقة فيقول: "...فإن الخلاف الفكري تجاوز حدود البحث العلمي والاختلاف في الرأي، بل اتخذ طابعاً حادا وعنيفا عندما بدأت الشيعة تجرح الخلفاء الراشدين وبعض أمهات المؤمنين، وذلك بعبارات قاسية وعنيفة لا تليق بأن تصدر من مسلم نحو مسلم، ناهيك عن أن تصدر من فرقة إسلامية نحو صحابة الرسول ـ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ـ وأزواجه، صحابة لهم مكانة كبيرة في قلوب المسلمين، وأزواج للنبي عبر الله عنهن بأمهات المؤمنين.

وهنا ظهر على ساحة الخلاف عدم التكافؤ بين الفريقين في طريقة التفكير والعقيدة، فالفرق الإسلامية كلها تحب علياً وتكرمه شأنه شأن الخلفاء الذين سبقوه وتحترم أهل بيت رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ـ وتصلي عليهم في الصلاة في كل صباح ومساء، ولكن الشيعة لها موقف آخر من خلفاء المسلمين موقف فيه العنف والقسوة والكلام الجارح. 

فكانت النتيجة ظهور رد فعل عنيف من قبل علماء الفرق الإسلامية الأخرى للدفاع عن أعز وأكرم خلفائهم، فألَّف ودوّن كتاب السنّة وعلماؤها في الشيعة الكتب المطولة والمختصرة معيرة إياها بالكفر مرة وبالخروج عن الإسلام مرة أخرى وهكذا شغلت فكرة الخلافة حيزاً كبيراً من الكتب الإسلامية عند الفريقين ولا زالت الأقلام تكتب والمؤلفات تنتشر وكأن المسلمين بكل طبقاتهم لا يواجهون مشكلة في هذه الدنيا المليئة بالأحداث والمكاره إلا مشكلة الخلافة فحسب.

لكن الحيرة كل الحيرة هي الطريقة التي اتبعتها الشيعة في معالجتها لمشكلة الخلافة فهي تتناقض كل التناقض مع سيرة الإمام علي وسيرة أولاده من أئمة الشيعة، ولذلك تتملكني الحيرة والدهشة عندما أرى أن شعار الشيعة هو حب الإمام علي وأولاده ولكنهم يضربون عرض الحائط سيرة علي والأئمة من ولده".

الشيخ القمي، مؤسس دار التقريب في مصر

الشيخ القمي معروف عنه أنه من أهم دعاة التقريب، وهو الذي سعى في تأسيس دار تحمل اسم (دار التقريب) في مصر، ونشر بعض الكتب التي تدعو إلى التقريب، وعن الدار صدرت كذلك مجلة رسالة الإسلام التي استكتبت كوكبة من العلماء الكبار من السنة والشيعة، وقد بذل جهودا كبيرة أثنى عليها أكابر علماء الأزهر الذين كانت له بهم صداقات ودودة، وكان يرى أنه لابد من التقريب والوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية عن طريق نشر الوعي الثقافي المشجع على ذلك بعيداً عن ثقافة العنف والتطرف فالثقافة الإسلامية في رأيه هي سبيل وحدة المسلمين حيث يقول في العدد الأول من (رسالة الإسلام، ص38،39): "...وهكذا تحولت الثقافة الإسلامية من عامة جامعة إلى مذهبية ضيقة. ومن قومية شائعة إلى طائفية محدودة. وعكف كل عالم على مراجع مذهبه وأغضى عما في المذاهب الأخرى، وتعصب لما درس، واستراب في كل ما جهل؛ وتأثرت كل طائفة بعلمائها وتمسكت بنهجهم ونفرت من كل من يخالفهم في الرأي بل ذهبت إلى الشك في عقائد الطوائف الأخرى وانتهز كثير من غير المسلمين هذه الظلمة، وتسللوا إلى الصفوف، وتسموا باسم المسلمين، واستغلوا جهل الطوائف بعضها ببعض، يزعمون لكل طائفة أنهم من الأخرى، يقولون للشيعة نحن من أهل السنة، ويقولون لهؤلاء نحن من أولئك، واستطاعوا في غفلة المسلمين وجهلهم أن يسيئوا إلى الإسلام قروناً عديدة.

كل هذا حصل بسبب التعصب المذهبي الذي تريد جماعة التقريب القضاء عليه، وبتأثير النزعات الشعوبية التي ترمي إلى تقسيم هذا التراث باعتبار العنصرية.

فلو أننا فتحنا صدورنا من جديد، واعتبرنا الثقافة الإسلامية، مجموعة يكمل بعضها بعضاً، وتفاهمنا فيما بيننا على هذا الأساس، وأدركنا أن هذه الثقافة الإسلامية، بنيت على أن تكون للإسلام قبل كل شيء، وليست ملكاً لفرد ولا لمذهب أو طائفة كما أنها ما أوجدت لتكون عنصرية، لجددنا بناء هذا القصر المنيف ولمحونا عن كل طائفة باطل الاتهامات الموجهة إليها، ولأخرجنا من بيننا من ليسوا بمسلمين كأولئك الأدعياء الذين انتسبوا كذباً إلى الإسلام وهم معاول هدم في الكيان الإسلامي.

وفي رأيي أن ثقافة إسلامية موحدة ـ إذا التف حولها المسلمون ـ كفيلة بتوحيد صفوفهم، ولا يخفى ما تؤدي إليه الوحدة من عز ومجد وسؤدد.

وما دامت هذه الثقافة موجودة، فإن من الميسور بلوغ هذا الهدف، وهو ما نعمل له ونسعى إلى تحقيقه، والله ولى التوفيق".

الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء

ويقول الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء في مجلة رسالة الإسلام، العدد السابع، ص273 معرفاً بأهداف جماعة التقريب، تحت عنوان (بيان للمسلمين): "جماعة التقريب تريد أن تقرب بين الطوائف الإسلامية وتبعثهم وتحثهم على الأخوة والوحدة التي أمرهم بها الله في كتابه العزيز ولكن يلزمهم ويلزمنا تمهيداً لهذه الغاية الشريفة أن ينصحوا لإخوانهم من الكتاب وحملة الأقلام ألا يتحرشوا ويطعنوا بإخوانهم الإمامية، فما يكاد يأتي عام إلا ونسمع أو نرى كتاباً أو رسالةً ترمي الشيعة بالفظائع وتهجم عليهم بالمطاعن، وبحكم الضرورة يلتجئ هؤلاء إلى الدفاع عن أنفسهم فتثور الأحقاد وتستمر الحفائظ وتكون أكبر خدمة للأعداء والمستعمرين.

كما أن اللازم على كل فرقة من المسلمين من الشيعة وغيرهم أن يوصدوا باب المجادلات المذهبية وما يثير الحفائظ والعصبية فإنها إن لم تكن محرمة بنفسها ومضرة بذاتها فهي من أعظم المحرمات في هذه الظروف التي أحاط بنا فيها الأعداء. أعداء الإسلام من كل جانب ومكان حتى من المسلمين ومدعي الإسلام العدو الداخلي الذي ضرره أعظم من العدو الخارجي فهل في هذا كفاية وبلاغ أيها المسلمون: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}.

كما أن للعلامة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء تصريحات في الدعوة إلى التقارب وتضييق مجال الخلاف تعد من أهم التصريحات التي تمس واقع الحال عند الطرفين مما يثير أموراً خلافية، وكيفية الوصول إلى حلول جذرية لها؛ فهو يقول في صراحة ووضوح كما نقل ذلك عنه الأستاذ الشيخ عفيف عبد الفتاح طبّارة في كتابه (روح الصلاة في الإسلام): "إن أعظم فرق جوهري بل لعله الفارق الوحيد بين الطائفتين: السنة والشيعة هو قضية الإمامة، حيث وقفت الفرقتان منها على طرفي الخط، فالشيعة ترى أن الإمامة أصل من أصول الدين وهي رديفة التوحيد والنبوة وأنها منوطة بالنص من اللّه ورسوله، وليس للأمة فيها من الرأي والاختيار شيء، كما لا اختيار لهم في النبوة، بخلاف إخواننا من أهل السنة فهم متفقون على عدم كونها من أصول الدين ومختلفون بين قائل بوجوب نصب الإمام على الرعية بالإجماع ونحوه، وبين قائل بأنها قضية سياسية ليست من الدين في شيء لا من أصوله ولا من فروعه، ولكن مع هذا التباعد الشاسع بين الفريقين في هذه القضية، هل تجد الشيعة تقول إن من لا يقول بالإمامة غير مسلم؟ (كلا ومعاذ اللّه) أو تجد علماء السنة تقول إن القائل بالإمامة خارج عن الإسلام ـ لا وكلا ـ إذن فالقول بالإمامة وعدمه لا علاقة له بالجامعة الإسلامية وأحكامها من حرمة دم المسلم وعرضه وماله ووجوب أخوته وحفظ حرمته، وعدم جواز غيبته إلى كثير من أمثال ذلك من حقوق المسلم على أخيه. نعم ونريد أن نكون أشد صراحة من ذلك ولا نبقي ما لعله يعتلج أو يختلج في نفس القراء الكرام فنقول: لعل قائلا يقول: إن سبب العداء بين الطائفتين أن الشيعة ترى جواز المس من كرامة الخلفاء أو الطعن فيهم، وقد يتجاوز البعض إلى السب والقدح مما يسيء الفريق الآخر طبعا، ويهيج عواطفهم فيشتد العداء والخصومة بينهم. والجواب أن هذا لو تبصرنا قليلا ورجعنا إلى حكم العقل بل والشرع أيضاً لم نجده مقتضياً للعداء أيضا.

أما (أولاً) فليس هذا من رأي جميع الشيعة وإنما هو رأي فردي من بعضهم، وربما لا يوافق عليه الأكثر، كيف وفي أخبار أئمة الشيعة النهي عن ذلك، فلا يصح معاداة الشيعة أجمع لإساءة بعض المتطرفين منهم.


و(ثانياً) إن هذا على فرضه لا يكون موجباً للكفر والخروج عن الإسلام... بل أقصى ما هنالك أن يكون معصية، وما أكثر العصاة في الطائفتين، ومعصية المسلم لا تستوجب قطع رابطة أخوة إسلامية معه قطعاً.

و(ثالثاً) قد لا يدخل هذا في المعصية أيضاً، ولا يوجب فسقاً إذا كان ناشئاً عن اجتهاد واعتقاد وإن كان خطأ، فإن من المتفق عليه عند الجميع في باب الاجتهاد: أن للمخطئ أجراً وللمصيب أجرين، وقد صحح علماء السنة الحروب التي وقعت بين الصحابة في الصدر الأول كحرب الجمل وصفين وغيرهما، بأن الزبير وطلحة ومعاوية اجتهدوا وهم وإن أخطئوا في اجتهادهم ولكن لا يقدح ذلك في عدالتهم وعظيم مكانتهم، وإذا كان الاجتهاد يبرر ولا يستنكر قتل آلاف النفوس من المسلمين وإراقة دمائهم فبالأولى أن يبرّر ولا يستنكر معه - أي مع الاجتهاد - تجاوز بعض المتطرفين على تلك المقامات المحترمة.

والغرض من كل هذا أننا مهما تعمقنا في البحث ومشينا على ضوء الأدلة: عقلية أو شرعية، وتجردنا من الهوى والهوس والعصبيات فلا نجد أي سبب مبرر للعداء والتضارب بين طوائف المسلمين، مهما اتسعت شقة الخلاف بينهم في كثير من المسائل...".