بقلم: طاهر العصار - مسؤول دائرة الأنروا باللجنة الشعبية للاجئين في مخيم النصيرات
إن تأثير الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة - الذي بدأ في عام 2005، أي قبل 17 عاما – إمتد ليؤثر على جيل كامل من الأطفال والشباب الفلسطينيين والذي قد نشأ في ظروف تفتقر حتى إلى أصغر بصيص من أمل.
بدون أمل في الحماية من العنف الإسرائيلي، سواء كانت هجمات برية أو بحرية أو جوية والذي يحدث دون سابق إنذار، في غمضة عين مفاجئة. حيث يجد الطفل الذي يمشي إلى المدرسة أويلعب مع الأصدقاء أويتناول العشاء مع العائلة بأنه قد يكون الضحية التالية. ناهيك عن الأثر النفسي الذي يترتب على رؤية هؤلاء الأطفال لمشاهد العنف والخوف والتوتر وفقد أشخاص أعزاء عليهم مثل الأب أو الأم أو قريب أو حتى صديق في المدرسة.
يكبر أطفال هذا الجيل ليصبحوا شبابأً حيث تكدح أسرتهم لتوفير تعليم عالى لهم إلا أنه وبعد سنوات من التضحيات و العمل الجاد، يكتشف الخريجون أن فخر الحصول على شهادة جامعية بدون فائدة في غزة؟
منذ يناير/ كانون ثانٍ 2006 يعيش السكان في قطاع غزة ظروفًا إنسانية صعبة نتيجة الحصار الإسرائيلي على القطاع، والذي أدّى إلى تدهور كبير في جميع القطاعات، ولا سيما الاقتصادية، إذ تعدّت نسبة الفقر 61%، وتجاوزت نسبة البطالة 47%، وشهدت معظم القطاعات الحيوية انهيارًا كبيرًا بسبب القيود والاعتداءات الإسرائيلية سواء على نحو مباشر أو غير مباشر.
ومع كل هذه الضغوطات وفقد الأمل، وجد آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة، ولا سيما من فئة الشباب، أنفسهم مضطرين لمغادرة قطاع غزة، والبحث عن أماكن أخرى أكثر أمنًا واستقرارًا لبناء مستقبلهم. ونتيجة خطورة المسارات البحرية التي يسلكها المهاجرون وطالبو اللجوء، فقد عشرات الفلسطينيين من قطاع غزة حياتهم غرقًا أثناء محاولات الهجرة التي تصاعدت على نحو ملحوظ بعد الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، وشكّلت نهاية حياتهم بداية لفصول ممتدة من المعاناة بالنسبة لعائلاتهم، التي أضحت أمام تحديات اقتصادية واجتماعية وقانونية معقّدة.
لا تمثّل الظروف الاقتصادية أو الأمنية الصعبة العامل الوحيد لهجرة الشباب من قطاع غزة، بل يلعب كذلك الوضع السياسي الداخلي دورًا في ذلك، إذ اصطدم السكان وخاصة فئة الشباب، بواقع سياسي معقّد منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وما تبع ذلك من تعمّق للانقسام الفلسطيني، وفشل محاولات المصالحة وجهود توحيد المؤسسات العامة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
إن تأثير الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة - الذي بدأ في عام 2005، أي قبل 17 عاما - يعني أن جيلا كاملا من الأطفال والشباب الفلسطينيين قد نشأ في ظروف تفتقر حتى إلى أصغر بصيص أمل.
وماذا عن ذلك الطفل وهو يكبر ويصبح شابًا بالغًا ؟ وتقدم الأسر في غزة تضحيات هائلة حتى يتمكن أطفالها من التفوق أكاديميا. ولكن بعد سنوات من العمل الجاد، يكتشف الخريجون اكثر ما يستطيعوا الحصول عليه ، جلسة في قهوة متواضعة او على رصيف متسخ، ثم يتساؤلون ما فائدة ان تحصل على شهادة في غزة؟
البطالة فلكية في جميع أنحاء القطاع. إن خنق إسرائيل الحرفي لقطاع غزة - بإغلاق محكم لجميع الحدود، وعدم السماح بأي شيء تقريبًا بالدخول أو الخروج - يعني أنه لا يوجد أمل في العمل. كما يحظر على شباب غزة (باستثناء حالات نادرة جدا) السفر إلى الخارج للحصول على تعليم متقدم. كيف يمكن أن يشعر شاب أو امرأة، بعد أن عمل وضحى، بعد أن شاهد تضحيات أسرته... عندما يدركون أنه لا مستقبل لهم في غزة؟
اليأس ليس ظاهرة جديدة في غزة. ومع ذلك، فقد وصل انتشاره وكثافته إلى مستويات جديدة خطيرة. في غزة، كان الانتحار دائمًا من المحرمات الكبيرة. بغض النظر عن استحالة الحياة، مهما كانت لا تطاق، ثابر سكان غزة وإستمروا في التعلق بالحياة إلا أن هذا لم يعد الحال بالنسبة للعديد من شباب غزة.
وبدلا من أن تكون محاولات الانتحار حدثا نادرا ومعزولا، أصبحت ظاهرة راسخة في قطاع غزة. تتخذ محاولات الانتحار أشكالًا مختلفة وغالبًا ما يقوم بها الشباب. على سبيل المثال، هناك أدلة قصصية على أن حوالي 100 شاب فلسطيني لقوا حتفهم بعد فشلهم في الفرار من غزة في قوارب صغيرة بحثًا عن شرارة أمل، لكن رحلتهم تصبح من حياة لا معنى لها إلى موت لا معنى له!
أتساءل دائمًا من يتحمل مسؤولية هذه الحقيقة القبيحة !! على الرغم من أنني أعتقد أنها مسؤولية جماعية تبدأ بالاحتلال الإسرائيلي إلى الانقسام الفلسطيني الداخلي و صمت المجتمع الدولي.