فوز أردوغان وتداعياته على علاقات بلاده بالدول العربية
تاريخ النشر : 2023-05-31
فوز أردوغان وتداعياته على علاقات بلاده بالدول العربية
د. كاظم ناصر


فوز أردوغان وتداعياته على علاقات بلاده بالدول العربية

بقلم: د. كاظم ناصر

تمكن رجب طيب أردوغان من هزيمة معارضيه والفوز بولاية رئاسية ثالثة، وقوبل فوزه بطرح المزيد من التساؤلات المتعلقة بالعلاقات التركية - العربية خلال السنوات الخمس القادمة، فبينما يتخوف البعض من استمراره في التقرب من الاخوان المسلمين ودعم حركتهم في العالم العربي، يرى آخرون أن فوزه لا يقلق معظم الدول العربية بعد تحسين العلاقات بينها وبين تركيا.

القلقون من العرب ما زالوا يتذكرون ما فعله الرئيس التركي خلال فترة حكمه السابقة التي امتدت لعقدين من الزمن اتبع خلالها سياسة قوية محليا وعربيا وشرق أوسطيا ودوليا؛ فقد تمكن من تغيير النظام البرلماني إلى نظام رئيسي يمنحه المزيد من القوة، وسجن عشرات آلاف الأتراك بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 مايو/ تموز 2016، ودعم الرئيس المصري الراحل محمد مرسي والإخوان المسلمين في عدد من الدول العربية في محاولة لاستخدام النموذج الإسلامي التركي الديموقراطي في الحكم لتوسيع نفوذ تركيا في العالم العربي، ودعم المعارضة السورية، وهاجم الأكراد عسكريا في شمال العراق، وتدخل في الشأن الليبي، وساءت علاقاته مع السعودية بسبب موقفه من مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول، وفتح أبواب تركيا لقادة الاخوان المسلمين الذي اضطروا للجوء إلى بلاده بعد فشل الربيع العربي، واختلف مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على عدد من القضايا الهامة من ضمنها إقامة علاقات سياسية واقتصادية وطيدة مع الصين وروسيا وإيران، ووقوفه على الحياد من الحرب الأوكرانية ومحاولته لعب دور الوسيط، ورفضه الانصياع لشروط الاتحاد الأوروبي لقبول بلاده كعضو فيه.

لكن أوردوغان المعروف باتباع سياسة براغماتية تتماشى مع رؤيته وقناعاته السياسية اضطر لتعديل نهجه بناء على ما تمليه عليه مصالح بلاده وحرصه على الاستمرار في الحكم فتوصل إلى تسويات مع السعودية والإمارات وأعاد علاقاته الدبلوماسية والتجارية معهما. ونتيجة لذلك أودعت السعودية خمسة مليارات دولار في البنك المركزي التركي لدعم الاقتصاد، واتفق مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أجرى معه مكالمة هاتفية يوم الإثنين 28/5/ 2023 لتهنئته بالفوز على تبادل السفراء وإعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين البلدين، والجدير بالذكر ان أردوغان ذكر قبل إعادة انتخابه بأيام قليلة ان دولا خليجية أرسلت تمويلا لتركيا مما أدى إلى تخفيض الضغوطات على الاقتصاد التركي.

من المتوقع أن يواجه الرئيس التركي خلال السنوات الخمس القادمة العديد من التحديات من أهمها حل الأزمة الاقتصادية وتفاقم البطالة والفقر وغلاء المعيشة، وإعادة إعمار المناطق المنكوبة التي دمرها الزلزال، والفوز في الانتخابات المحلية التي ستجرى هذا العام، وحل مشكلة اللاجئين السوريين، وتبنى سياسة تصالحية مع الأحزاب والفئات المكونة للنسيج الاجتماعي التركي لتوحيد البلاد وإثبات أنه رئيس لجميع الأتراك علمانيين ومحافظين.

هذه التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الصعبة المتشعبة تفرض على أردوغان التخلي عن سياسة المواجهة، وانتهاج سياسة خارجية تصالحية مستقرة مع دول المنطقة والعالم؛ ولهذا من المتوقع أن تمضي العلاقات التركية - العربية  قدما نحو مزيد من التحسن في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية. فعلى الصعيد الاقتصادي ستعمل تركيا على زيادة التبادل التجاري مع الدول العربية، خاصة مع السعودية ودول النفط الأخرى، وعلى إقامة علاقات سياسية وثقافية ودينية متوازنة تراعي وتخدم مصالح الجميع. أما بالنسبة لتورط تركيا في الأزمة السورية فمن المتوقع أن يعمل اردوغان للتوصل إلى حل سلمي لها، خاصة بعد صمود سوريا، وعودتها لجامعة الدول العربية، ونجاحها في دحر المنظمات الإرهابية، وإعادة السيطرة على معظم الأراضي التي كانت تسيطر عليها تلك المنظمات.

وأخيرا فإنه سيحافظ على تعاطفه مع الفلسطينيين ودعمه السياسي لهم، لكنه لن يتراجع عن تعزيز علاقاته مع إسرائيل إكراما لعيون العرب والفلسطينيين. الرجل كما ذكرنا آنفا براغماتي يعرف من أين تؤكل الكتف، ولا تهمه إلا مصالح تركيا، ونجاحه السياسي، ودخوله التاريخ التركي كأحد قادة البلاد العظماء!