نتنياهو مصاب بمرض "الوهم السياسي"
تاريخ النشر : 2023-05-29
نتنياهو مصاب بمرض "الوهم السياسي"
د. هاني العقاد


نتنياهو مصاب بمرض "الوهم السياسي"   

بقلم: د. هاني العقاد

نتنياهو المأزوم يريد أن يظهر أمام الإسرائيليين وكأنه رمز من رموز الحركة الصهيونية الحديثة من خلال سعيه لتحقيق مشروع الدولة الصهيونية خالصة القومية على كامل الأرض الفلسطينية وهذا أمر مستحيل ويستنزف مئات السنين من المواجهة مع الفلسطينيين الذين يثبتوا في مواجهة كافة المخططات التي ترمي لتصفيه الصراع على الطريقة الدينية اليمينية المتطرفة, لم يتطرق الكثير من الكتاب أو المحللين لتحليل شخصية هذا المأزوم والذي يعتبر نفسه اريث (بن غوريون) ويسعي لأن يكتب عنه التاريخ أكثر من الإرهابيين الصهاينة الذين ارتكبوا مئات المجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني والشعوب العربية على السواء. 

المثير والجديد في شخصية هذا المأزوم مؤخراً أنه ظهر للعلن دون أي خشية أن يتهم بأنه في حالة غير واقعية من الخيال القاتل والذي نسميه "بالوهم السياسي" والذي أدى به إلى التفكير خارج حدود الممكن واعتقاده بأنه يستطع بالقوة العسكرية واليد الطويلة المزعومة أن يحقق كل تصوراته بل وتشكيل الواقع حسب أهوائه المريضة وعنصريته التي هي جزء من السياسة التي تنتهجها حكومته منذ أدت اليمين الدستوري أمام الكنيست نهاية ديسمبر العام الماضي.

نتنياهو يمتلك وعي زائف للتاريخ وهو ينكر الحقائق التاريخية التي تؤكد امتلاك الشعب الفلسطيني منذ عشرات الالاف من السنين أرض فلسطين ولا يكترث بهذه الحقائق ويعتبرها مجرد فبركات تاريخية صنعها العرب والحقيقة أن فكرة عبارة عن صندوق يستقبل ما يرمي له على من صحف توراتية ومبادئ عنصرية وكراهية من المفكرين الصهاينة وحاخامات الحركات الدينية دون الاعتداد بالواقع أو الموضوعية في الفكر. 

وهم قاتل, ايدلوجيا مزيفة, عقيدة كراهية وعقدة السامية تسيطر أيضاً على كثيرين من الذين يحيطون بنتنياهو, لكن على ما يبدوا أنه الأكثر إصابة بهذا المرض القاتل والذي يصور له أنه يمتلك السلطة ولا بد من امتلاكها للأبد حتى لو على حساب تفكك المجتمع الإسرائيلي وبالتالي الدولة وهذا ما تم كشفه من قبل المعارضة الإسرائيلية التي تحرك الشارع الإسرائيلي بعشرات الآلاف في شكل احتجاجات لاستعادة الدولة من بين يدي مجموعة متطرفين وإنقاذ الديموقراطية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة بفعل عشرات القوانين الإسرائيلية التي يحاول الائتلاف اليميني الحاكم تشريعها لتمكين هذا اليمين الفاشي من كافة مؤسسات الدولة وتجيرها لخدمته وخدمة جمهوره.

مؤخرا خرج نتنياهو بتصريح غاية في الخطورة حول مدينة القدس وفي حدث هو الأول من نوعه منذ سنوات خلال عقد اجتماع لحكومته اليمينية الفاشية المتطرفة في أحد الانفاق الملاصقة للمسجد الأقصى بالقدس الشرقية وهو اجتماع احتفالي بالدرجة الأولى أراد نتنياهو من خلاله أن يوحي للفلسطينيين بأن إسرائيل هي من تسيطر على القدس وتفرض السيادة عليها وهي موحدة الآن كعاصمة لهذا المحتل، وقال نتنياهو "بأن مدينة  القدس موحدة منذ اكثر من 65 عام لكن الكفاح من اجل وحدتها لم ينتهي بعد "!!, في إشارة إلى سعي حكومته لمزيد من الإجراءات التهويدة والمتطرفة لاستكمال اسرلة القدس وحسم قضيتها بالكامل ,لكنه وظف هذه المناسبة للقول للإسرائيليين "إن حكومته هذه هي الوحيدة القادرة على تحقيق وحدة القدس وأمن الإسرائيليين بالتوازي". 

ما يؤكد أن هذا الرجل يعاني من حالة "وهم سياسي" هو توجيهه رسالة إلى (الرئيس محمود عباس )أبو مازن على إثر خطابه الأخير في الأمم المتحدة بمناسبة إحياء الجمعية العامة للأمم المتحدة الذكري 75 للنكبة الفلسطينية والتي قال فيها " إنه لا علاقة لليهود بالقدس " وادعي نتنياهو "أن اليهود تواجدوا في هذه الأرض قبل 3 الاف عام   وأن اجتماع حكومته في هذا المكان يؤكد ارتباط إسرائيل بالمدينة المقدسة"  ,بل انه ذهب لابعد من هذا الخيال بقوله "ان القدس عاصمة لإسرائيل قبل ان تكون واشنطن عاصمة لأمريكا ولندن عاصمة لبريطانيا".

حالة "الوهم السياسي" التي يعاني منها نتنياهو هي المحرك الأساسي لكل حالات العداء والكراهية للفلسطينيين والتي تُمنهج لعلميات القتل والهدم والاستيطان والمسارعة في حسم موضوع الوجود السياسي الفلسطيني في الضفة الغربية بالتفكيك ومنح الفلسطينيين حكما ذاتيا هو عبارة عن عدد من الكانتونات بحكام يتبعوا السلطة الإسرائيلية مباشرة وبالتالي يقضي على مبدأ حل الدولتين وينسف كل المرجعيات الأساسية لعملية إنهاء الصراع سلمياً , ولعل حالة "الوهم السياسي "القاتل التي يعاني منها نتنياهو هي التي تعقد الصراع وتطيل أمده وتديم حالة عدم الأمن وعدم الاستقرار في الإقليم بأسره ,ولكون نتنياهو يعاني من حالة مرضية فإن ذهابه لتحقيق سلام مزعوم مع بعض الدول العربية وترك الدائرة الحقيقية للصراع مع الفلسطينيين مفتوحة يعتبر أحد الأعراض الخطيرة لهذه الحالة التي تأخذه بعيداً عن الواقع بل وعدم الاعتراف به وتجعله يعيش في حالة من الوهم المبني على الخيال الغير متصل بأي من الأسس الحقيقية للواقع. 

إن تعقد الحالة التي يعاني منها نتنياهو تجعله أيضاً يستخدم القوة لإيذاء الآخرين وهنا لابد من التركيز على حالة التصعيد في المواجهة مع الفلسطينيين واستخدام النار والبارود بحقهم وما خير دليل على ذلك سوى الحرب الأخيرة على غزة والهجمة البشعة على مدن الضفة الغربية التي بدأها جيشه في محاولة مستحيلة لاستعادة الامن والهدوء بالقوة.

إن إعادة نتنياهو لحالة الوعي والتوازن السياسي تستدعي تدخل دولي متزن وحقيقي بالدرجة الأولى للضغط عليه لوقف استخدامه القوة لتحقيق الدولة اليهودية الخالصة القومية وبالتالي القضاء على امكانية التعايش السلمي في فلسطين بل ويعرض كافة مسارات السلام للخطر الحقيقي بما فيها مسارات العلاقات مع بعض الدول العربية لأنها مسارات غير حقيقية ومبنية على وهم "السلام الابراهيمي" فقط الذي بدا ينكشف امام الجميع ويتجه نحو التراجع والتلاشي لبعده عن الواقع والحقيقة.

إن الشعب الإسرائيلي الطامح للسلام الحقيقي وقوى المعارضة واليسار بالدرجة الأولى مطالبون جميعاً بتفكيك هذا الائتلاف المجنون الذي يعطي كافة الصلاحيات لرجل مصاب بمرض قاتل يدفعه للمغامرة بمستقبل شعبة ومستقبل قبوله بين شعوب المنطقة بالدرجة الأولى وكذلك مستقبل الأمن والاستقرار المبنيتان على السلام العادل والشامل الذي يمنح حقوق متساوية لكل من الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في دولتين مستقلتين متواصلتين مع العالم الخارجي جغرافياً وسياسياً وينهي كافة السياسات العنصرية التي يعتبرها العالم الحر جرائم بحق الإنسانية.