بقلم: عبد الحميد صيام - كاتب فلسطيني
حق العودة للاجئين الفلسطينيين كما ثبت في ذلك القرار الشهير 194 الذي اعتمد في الجمعية العامة بتاريخ 11 كانون الأول/ديسمبر 1948، ما فتئ يتعرض لمحاولات التغيير والتحوير والتغييب والتشويه والإهمال والتهميش والإسقاط منذ اعتمد حتى اليوم. وسنتعرض في هذا المقال لأهمية هذا القرار ومحاولات التآمر عليه دوليا وعربيا وفلسطينيا تحت حجج خطيرة وتبريرات واهية وغير قانونية.
حق العودة للاجئين الفلسطينيين كما ثبت في ذلك القرار الشهير 194 الذي اعتمد في الجمعية العامة بتاريخ 11 كانون الأول/ديسمبر 1948، ما فتئ يتعرض لمحاولات التغيير والتحوير والتغييب والتشويه والإهمال والتهميش والإسقاط منذ اعتمد حتى اليوم. وسنتعرض في هذا المقال لأهمية هذا القرار ومحاولات التآمر عليه دوليا وعربيا وفلسطينيا تحت حجج خطيرة وتبريرات واهية وغير قانونية.
اعتمد القرار بتوصية تقدم بها المبعوث الدولي السويدي الكونت برنادوت قبل اغتياله من قبل عصابة الأرغون الإرهابية بقيادة مجرم الحرب مناحيم بيغن بتاريخ 17 أيلول/سبتمبر 1948 بعد أن اعترض على قرار التقسيم الظالم الذي أعطى أكثر من نصف الأرض لثلث السكان وغالبيتهم مهاجرون جدد، وحرم سكان البلاد الأصليين من أراضيهم، وبيوتهم، وممتلكاتهم، واستقرارهم.
قدمت بريطانيا مشروع القرار للجمعية العامة وتم اعتماده بتأييد 35 صوتا واعتراض 15 دولة وامتناع 8 دول. وقد صوتت جميع الدول العربية الست آنذاك ضد القرار إضافة إلى كتلة الدول الاشتراكية وباكستان وأفغانستان. وعند قبول إسرائيل عضوا في الأمم المتحدة طلب منها التوقيع خطيا على قبول قرار «حق العودة» هذا وقرار التقسيم 181 (1947). وهناك عدد من الملاحظات المهمة تتعلق بالقرار والقانون الدولي:
أولا- حق العودة كما نص عليه القرار المذكور يشير بوضوح تام إلى: «العودة إلى ديارهم» وليس إلى مكان آخر غير ديارهم وأراضيهم وحقولهم ومزارعهم. فعودة لاجئ من حيفا إلى رام الله ليس تنفيذا لحق العودة، بل التفاف عليه.
ثانيا- القرار يتحدث عن العودة والتعويض وليس أو التعويض حيث ينص: «وجوب دفع التعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله وفق مبادئ القانون الدولي والعدالة بحيث يعوض عن الفقدان أو الخسارة أو الضرر». فالحق في العودة والتعويض أمران متلازمان لا ينفصمان. وبناء عليه أنشئت وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) لمساعدة اللاجئين مؤقتا لغاية عودتهم حسبما جاء في قرار 302 لعام 1949.
حق العودة هو جوهر القضية الفلسطينية وأي محاولة لتهميش أو إسقاط أو الالتفاف على هذا الحق مصيره الفشل لأن الشعب الفلسطيني بكامله سيتصدى لهذا التنازل الخطير
ثالثا- القرار يطالب «بالعودة في أول فرصة ممكنة»، ما يعني عند توقف القتال أو توقيع اتفاقيات الهدنة.
رابعا – ينطبق حق العودة على كل فلسطيني وفلسطينية وذريتهم دون توقف إلى أن يتم تطبيق حق العودة، سواء كان مالكا للأرض أو لا، سواء خرج طوعا أو كرها.
رابعا – حق العودة غير قابل للتصرف. لقد أكدت اللجنة الرابعة والجمعية العامة على حق العودة للاجئين الفلسطينيين 135 مرة. ولم يكن يصوت ضده إلا «إسرائيل» وبدأت الولايات المتحدة تصوت ضده بعد اتفاقية أوسلو. لقد جعلت الجمعية العامة حق العودة جزءا من رزمة الحقوق غير القابلة للتصرف في قرارها المهم 3236 بتاريخ 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1974 والذي اعتبر مرجعية مهمة لحقوق الشعب الفلسطيني والذي تضمن حق النضال ضد الاحتلال بما يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة.
أما القرار 2649 (1970) فقد اعتبر في نقطته الخامسة أن معالجة مشكلة اللاجئين هي جزء من معالجة قضية الشعب الفلسطيني الذي يتمتع بحق تقرير المصير. وقد ذكر القرار «إدانة إنكار حق تقرير المصير خصوصا لشعوب جنوب أفريقيا وفلسطين». وقد أكدت محكمة العدل الدولية في رأيها القانوني في 9 تموز/ يوليو 2004 على أن الشعب الفلسطيني شعب مميز من حقه أن يمارس الحق في تقرير المصير.
لم تتوقف محاولات الالتفاف على حق العودة منذ اعتماده. ولغزارة المادة واتساعها سأركز على مجموعة محاولات:
– مجلس الأمن الدولي: لأول مرة يتراجع جهاز رئيسي للأمم المتحدة هو مجلس الأمن الدولي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين في قراره الشهير 242 (1967) والذي نص على «تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين». وخطورة هذا النص، الذي صاغه البريطاني اللورد كارادون، بأنه لا يذكر من هم اللاجئون من جهة ولا يحدد كيف تكون التسوية العادلة فهل تشمل العودة إلى ديارهم؟ ولو قال هذا لاستثنى من يسمون أنفسهم «لاجئين يهودا» فروا من الدول العربية، فتركها ضبابية.
– اتفاقية كامب ديفيد 1979- كل ما نصت عليه اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان هو «حكم ذاتي للفلسطينيين» وتطبيق القرار 242 (1967) آنف الذكر، وكلا البندين يغفلان حق العودة للفلسطينيين. وبموجب هذه الاتفاقية تخلى أكبر وأهم بلد عربي عن حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف بما فيها حقه في تقرير مصيره وحقه في العودة.
– اتفاقيات أوسلو – أما اتفاقيات أوسلو عام 1993 فكانت كارثية بكل المقاييس ليس فقط على حق العودة بل على مجمل حقوق الشعب الفلسطيني بما فيها حقه في تقرير المصير. لقد تم تغييب قضية حق العودة واستبدل بقضية اللاجئين والتي ستعالج مع قضايا الوضع النهائي التي سيتم التفاوض حولها مع قضية القدس والمستوطنات والحدود. لقد خلا الخطاب الرسمي الشعبوي من ذكر حق العودة تماما، وهو ما أثار الريبة لدى الشعب الفلسطيني.
لقد تابع اللاجئون مأساة أوسلو وتقزيم منظمة التحرير الفلسطينية واستيعابها من قبل السلطة وتشكيل مكتب اسمه دائرة اللاجئين.
– بعد اتفاقيات أوسلو بدأت بعض الرموز القيادية تلتف حول موضوع حق العودة كما جاء في اتفاقية محمود عباس ويوسي بيلين التي تم التوصل إليها في تشرين الأول/ أكتوبر 1995 ولم يتم نشرها أو المصادقة عليها والتي تنص على: «توافق إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية في معظم أنحاء الضفة الغربية وغزة في المقابل فإن الفلسطينيين سوف يتخلون عن حق العودة إلى إسرائيل بشكل ملائم ويشجعون بدلا من ذلك اللاجئين الفلسطينيين على الإقامة في الدولة الفلسطينية الجديدة». كما تابع نفس الطريق ياسر عبد ربه الذي وقع على «اتفاقية جنيف» مع يوسي بيلين عام 2003 وتنص على «يقر الطرفان بأن حلا متفقا عليه لمشكلة اللاجئين، ضروري لتحقيق سلام عادل وشامل».
– بعد اتفاقيات أوسلو بدأت بعض الرموز القيادية تلتف حول موضوع حق العودة كما جاء في اتفاقية محمود عباس ويوسي بيلين التي تم التوصل إليها في تشرين الأول/ أكتوبر 1995 ولم يتم نشرها أو المصادقة عليها والتي تنص على: «توافق إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية في معظم أنحاء الضفة الغربية وغزة في المقابل فإن الفلسطينيين سوف يتخلون عن حق العودة إلى إسرائيل بشكل ملائم ويشجعون بدلا من ذلك اللاجئين الفلسطينيين على الإقامة في الدولة الفلسطينية الجديدة». كما تابع نفس الطريق ياسر عبد ربه الذي وقع على «اتفاقية جنيف» مع يوسي بيلين عام 2003 وتنص على «يقر الطرفان بأن حلا متفقا عليه لمشكلة اللاجئين، ضروري لتحقيق سلام عادل وشامل».
– مؤتمر القمة العربي 2002 كادت قمة بيروت أن تتجاهل حق العودة تماما. إذ إن مشروع توماس فريدمان الذي تم تسويقه على أنه «مشروع الملك عبد الله للسلام» تغافل تماما عن عمد بند حق العودة، ولحفظ ماء الوجه وممارسة الضغوط من سوريا ولبنان أضيفت الجملة الغامضة والخطيرة «حل عادل لمشكلة اللاجئين» وهذا تثبيت لتخلٍ عربي جماعي رسمي عن حق العودة للفلسطينيين.
– محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في سترازبوغ – أقرت بتاريخ 1 آذار/ مارس 2010 أن حق العودة لا ينطبق على الفلسطينيين بعد مرور 35 سنة وعليهم أن يقبلوا التعويض فقط. لقد أقر 17 قاضيا بأن المنتصر في الحرب والذي صادر الأملاك وطرد السكان ووزع الممتلكات لا يعود مسؤولا عن جرائمه بعد نشوء أجيال جديدة لا علاقة لها بما جرى قبل 35 عاما. وهذا أمر خطير يصطدم مع اتفاقيات جنيف والقانون الدولي وديمومة الحق الذي لا يموت بالتقادم.
لم يتخل الفلسطينيون بغالبيتهم الساحقة عن حق العودة الذي يعتبر جوهر قضية فلسطين وظل المخيم الفلسطيني قائدا للنضال ومفجرا للانتفاضات ومتمسكا بحق العودة يتوارثه الأبناء عن الآباء ويورثونه للأحفاد. ولا يمكن لأي حل أن ينجح دون تصحيح خطيئة التطهير العرقي وطرد شعب آمن من أرضه.
لقد أنشأ الفلسطينيون عددا كبيرا من الجمعيات والاتحادات والنوادي والمنظمات واللجان للتمسك بحق العودة نذكر منها: لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين وقد تشكلت عام 1994 في الضفة الغربية، وصدر عنها وثيقة شرف تدعى «عائدون»، وانبثق عنها مركز يافا الثقافي. وكذلك المركز الفلسطيني لحقوق المواطنة واللاجئين «بديل» ومقره في بيت لحم، واتحاد مراكز الشباب الاجتماعي ومقره مخيم قلنديا، وهو عبارة عن تجمع لمراكز الشباب في الضفة الغربية المعنية بحق العودة. كما تم إنشاء اتحاد مراكز النشاط النسائي في مخيم الأمعري واتحاد اللجان الشعبية للخدمات في غزة، واللجنة العليا للدفاع عن حق العودة وجمعية الدفاع عن حقوق المهجرين داخل الخط الأخضر. كما تشكلت مجموعة «عائدون» في سوريا ولبنان وائتلاف حق العودة في أوروبا ولجان حق العودة في الولايات المتحدة، وعشرات غيرها لا يتسع المجال لذكرها جميعا.
إن حق العودة هو جوهر القضية الفلسطينية لأنه يلخص مأساة شعب وحقوقه غير القابلة للتصرف. إن أي محاولة لتهميش أو إسقاط أو الالتفاف على هذا الحق مصيره الفشل لأن الشعب الفلسطيني بكامله سيتصدى لهذا التنازل الخطير. إنه حق عام وخاص ولا يوجد لاجئ واحد يفوض أحدا غيره للتنازل عن حقه. إنه حق يأبى النسيان.