فن المناظرة بين الكيفية والتطبيق
تاريخ النشر : 2023-05-22
فن المناظرة بين الكيفية والتطبيق 

بقلم: سعيد بكير

تعدّ المناظرة من إحدى الأساليب التي يلجأ إليها المتخاصمون، المتنافسون، الفقهاء، والمتجادلون، في إثبات وجهات نظرهم وأفكارهم وقضاياهم، من خلال سلسلة حوارات ذات ترتيب منطقي ولغوي.

إنّ هذا الفن من الأساليب اللغوية لا يعدّ حديث وقته وعصره، بل هو نتاج آفاق تاريخية تعود عبر الزمن، ومن أهم روّاد هذه الآفاق هم العرب، سواء قبل الإسلام أم بعده، فلطالما كانت حوارات العرب التي عهدنا أن نقرأها ونطالعها في كتبنا دليلاً واضحاً وكاشفاً لأسلوب المناظرة وفنّه، ففوارق العرب وصراعاتهم الشعرية والجدلية والخطابية بحدّيها وشقّيها وطرفيها من متخاطب وآخر قد أسندت الطرف الأول والخيط الأعظم الملموس في فن المناظرة وتعهّداتها.

تقوم المناظرة على أنواع مختلفة، فهناك ما يقف وراء نقاش حول حقائق لا تستدعي الإثبات بقدر ما تستدعي الإنفاذ، وهنالك تلك الأنواع الدارجة في وقتنا الحالي والتي تُعرف بالمناظرات التنافسية، تقوم هذه الأخيرة على تنافس واضح بين طرفين، فريقين أو قوّتين، أحدهما موالي والآخر معارض لمقولة أو فكرة أو قضية يطرحها ما يُعرف بمجلس المناظرة.

مجلس المناظرة هو تلك المجموعة من المحكّمين والخبراء واللغويين الذين يضعون باجتماعهم ما يُعرف بمقولة المجلس، هذه المقولة تمثّل رأياً وفكرةً أو قضيةً قابلة للنقاش والجدال حولها نسبةً لاحتمالها الرفض والقبول والنظر والتشكيك بعيداً عن التحقيق والتأكيد، وهنا يكمن الجوهر في المناظرة بين الطرفين، إذ يجدر بكليهما بما أوتيا من مبدأ بأن يقوما بالدفاع عن مبدأيهما فيما يخص القضية، الموالي يؤيّد وعليه أن يثبت تأييده بأدلّته، والمعارض عليه أن يُعارض ويؤيّد معارضته بأدلّته.

إنّ الطرف الموالي يُسمّى بفريق الحكومة في بعض البطولات، وقد يُسمّى بفريق الموالاة، أمّا الطرق الآخر فيُسمّى بفريق المعارضة، وكلا الفريقين يخضعان إلى مناظرة تنافسية تحتمل مدارس عدّة، هذه المدارس تتنوّع باختلاف الدولة والمؤسسة المقيمة، فهنالك مدرسة البرلمان البريطاني، وهنالك مدرسة كارل بوبر، وهنالك مدارس أخرى تنتهجها المؤسسة المقيمة بناءً على رؤيتها وبصيرتها ونظرتها لهيكلية المناظرة.

إنّ هيكلية المناظرة تختلف بين المدارس من ناحية سعة الفريقين والوقت اللازم وتوزيع النقاط، في جامعة النجاح الوطنية على سبيل المثال، أُقيمت البطولة العالمية للمناظرات باللغة العربية في الفترة الأخيرة على نظام مؤسسة قطر للمناظرات، إذ ينبغي في هذه المدرسة أن يحتمل الفريق ثلاثة أعضاء من متحدّث أوّل وثاني وثالث مع تنوّع أدوارهم في الفريق أثناء إلقاء الخطابات، ويحظى الأول والثاني بحصة الأسد من الوقت بينما يأتي الثالث موجّهاً كل الأفكار التي طرحها فريقه في سهم واضح وواحد ومتّزن ليصيب به الفريق الخصم.

قد يظنّ البعض أنّ الخوض في سكّة المناظرات هو تهوّر واضح للكشف عن ماهية أفكاره ومشاركتها للجمع نظراً لاحتمال مقولات المجالس أبعاداً سياسية واجتماعية، لكنّي وأصوّت على ذلك برأيي واحتكاماً على تجربتي الشخصية بالآتي: لا ينبغي أن يعتقد الشاهد منّا أن الخوض في مناظرة ما تستدعي رأيه الحقيقي وما يعتقد صوب المقولة، إذ أنّ عقد المناظرة التنافسية ليس من أجل أن يتعرّف الجمهور على رأيك عزيزي القارىء بل ليُدرك منك قدرتك في الإثبات وإطلاق الحجة وقصّ الدليل في خصامك مع الطرف الآخر، حيث أنّ جُل بل كل المناظرات التنافسية لا يتم فيها سؤال المشارك عن رغبته بأي فريق وطرف يودّ الإلتحاق به، بل يتم تقسيمهم على الفرق بناءً على القرعة، ومن هنا ينبغي مهما كان رأي المشارك أن يدافع عن الرأي الذي أُعطي له وذلك مرّة أخرى لإدراك قدرته في الإقناع ليس إلّا.

في جامعة النجاح الوطنية، يوجد مجتمع كامل يختصّ بتعليم أساليب المناظرة وفنونها وإشراك طلبة الجامعة في مساراتها المحليّة والوطنية والإقليمية والعالمية، هذا المجتمع يُدعى بمجتمع مناظرات جامعة النجاح الوطنية، فاذهب عزيزي القارىء واستطلع نصيبك من هذه الفرص.